يعود الأديب الجزائري، كاتب ياسين مرة أخرى إلى الواجهة في منتداه الحادي عشر المنعقد بقالمة يومي 26 و 27 أكتوبر 2024 ليحيي نقاشا ظل محتدما بين كبار الأدباء و النقاد و الباحثين في شؤون الأدب المغاربي و الأدب الفرونكوفوني و أدب المهجر، و أدب النضال و التحرر.
واتخذ المنتدى إشكالية التقارب و التباعد و التأثير، في رواية نجمة الشهيرة، منطلقا للبحث في حياة الكاتب و مدى تأثره بعادات وتقاليد الأجداد، وانعكاس ذلك على التأليف المسرحي والشعري والأدبي الذي يستمد روحه و قوة تأثيره من يوميات الجزائريين، تحت الحكم الاستعماري و حياة الفقر و البؤس، و ما تبعها من أحداث و تحولات خلال سنوات الاستقلال التي عاشها كاتب ياسين و أثرت فيه و دفعت به الى مواصلة التأليف و التأريخ لمرحلة جديدة من تاريخ الجزائر.
و أجمع المشاركون في المنتدى من الجزائر و تونس و فرنسا و إيطاليا على أن الفتى الجزائري المتفرد قد احدث ثورة في المسرح و الشعر و الكتابة السردية المتشظية و الرواية، مؤكدين بأن كاتب ياسين لم يدخل الكليات الجامعية المتخصصة، لكنه أحدث انقلابا على تقاليد الكتابة الكلاسيكية، مستمدا قوته من إرادته و من جذوره الشعبية، و من المأساة التي تعرض لها هو و أجداده و أمته التي عانت طويلا من الظلم و الاستبداد.
و قد تناول المتدخلون في المنتدى بالدراسة و التحليل و النقاش رواية نجمة و المسرح الشعبي عند كاتب ياسين، و مقارنة مؤلفاته المختلفة بالأجناس الأدبية الأخرى من حيث السرد و إثارة الأحداث التاريخية، مؤكدين بأن ما وصفوه بالظاهرة الكاتبية قد أخلت بتقاليد الرواية الغربية و الفرنسية على وجه الخصوص، و أن الأديب المتفرد في كل شيء، قد أطلق العنان لمخيلته و موهبته لكتابة و تأليف أعظم الأعمال الأدبية و المسرحية التي ترقى إلى مستوى العالمية و تستحق المزيد من الدراسة و البحث و التتويج.
و ذهب الناقد التونسي محمد سعد برغل، المهتم بمؤلفات كاتب ياسين إلى القول بأنه من المؤسف أن يبقى الأدب المغاربي محصورا في حيز جغرافي ضيق، عرضة للنسيان و حتى للإنكار الذي طال كبار الأدباء الجزائريين من أمثال مالك حداد و كاتب ياسين الذي قال عنه بأنه كان متفردا في كل شيء، في المسرح و الرواية و الشعر و القصة و الحكاية الشعبية المليئة بالرمزية و التحدي. فريد.غ
* الأديب و الناقد التونسي محمد سعد برغل يغوص في أعماق "نجمة"
كاتب ياسين مبدع نسف العقل الفرنسي
تناول الباحث و الناقد التونسي محمد سعد برغل رواية نجمة، أعظم أعمال الأديب الجزائري كاتب ياسين، و غاص في أعماق هذه التحفة الفنية و الأدبية التي جسدت عبقرية الفتى الجزائري، الذي لم يدخل كليات الأدب بكبرى جامعات العالم كي يحدث انقلابا جذريا في تقنيات السرد و الحوار و الكتابة بأسلوب متفرد، بل انطلق من بيئته الشعبية و مأساة أمته و وطنه، ليحدث كل هذا الانقلاب الأدبي الذي بقي عصيا على النقاد و الأدباء و الباحثين، منذ صدور نجمة الجزائر المضيئة في عوالم الأدب العالمي سنة 1956.
يقول محمد سعد برغل في مداخلة له أمام المنتدى الحادي عشر حول حياة و مؤلفات كاتب ياسين المنعقد بقالمة يومي 26 و 27 أكتوبر 2024، بأن رواية نجمة، هذا العمل المتفرد الذي خرج عن السرب النقدي الحافظ للتقاليد الروائية الغربية، و الفرنسية أساسا، جعل المقاربات الفرنسية في حرج، لأن النص باللسان الفرنسي يبشر بنسف ما اجتهدت المدرسة الفرنسية في حفظه، و نعني التمايز بين الأشكال، و إرساء تقاليد كتابية ضابطة للكتابة في النوع و هو ما سينتج حرجا أكبر عند النقاد لا عند عموم القراء، و وجه الحرج، يضيف محمد سعد برغل، هو مدى الاضطراب الذي ستحدثه كتابة على هذا النحو من المتمرد، من ضرورة إعادة النظر في مقولات الأجناس الأدبية و خصائص كل جنس، فنسف مقومات الكتابة الروائية في بيئة تعتبر نفسها مدرسة في كتابة هذا الشكل، يعد إبداعا و تنظيرا يدفعنا إلى الإقرار بأن هذا التشويش المتعمد الذي يمارسه النص على القارئ، يندرج ضمن إستراتيجية خطابية في الإنشاء، و إن هذا التوتر يربك الناقد لصعوبة إجراء منهجية النقد الفرنسي على كتابة من هو وراء البحار، و يصبح التنافذ الشكلي بين الأجناس في نجمة تشويشا على رفاهية التلقي النقدي الفرنسي.
نجمة و خيبة أفق الانتظار
ومجمل المعني، يضيف المتحدث أن مبدعا من الجزائر المحتلة عسكريا يمكنه أن يقض مضاجع العقل الفرنسي، و أن يزعزع قناعات رسخت في الأدب القومي الفرنسي، و على هذا العقل أن يراجع مسلماته، عندها يمكننا الإقرار بأن قراءة نجمة في تداخل الأجناس و في تشكيل بنيتها، ليست فقط مجرد رياضة إبداعية راوح فيها منشئ النص بين ذوات روائية و شاعرية و مسرحية و كوميدية، بل تحولت نجمة بهذا التلاعب و مخاتلة للقارئ الفرنسي العالم إلى لعبة بين النخب الفكرية الفرنسية، و كاتب من الجزائر، و ما عادت مخاتلة نجمة و انفلاتها من التصنيفية الشكلية المحضة، إلا حجة على الاقتدار الإبداعي للجزائريين الذين يبارون الفرنسيين في تشكيل الرواية تشكيلا جديدا بلسان فرنسي مبين و المبين وافد من مستعمرة فرنسية.
يقول كاتب ياسين في عام 1967 " كان العمل في البداية مؤلفا شعريا و تحول تدريجيا إلى رواية و نصوص مسرحية".
و حسب سعد برغل، فقد بقي منجز نجمة أنقاضا و ورشة، أنقاض رواية و ورشة شعر، أو ورشة شعر و أنقاض رواية، لكن أنقاض القصيدة تبدو أقرب إلى المنطق، أما الورشة فتنطلق مع التخلي عن القصيدة بإدخال العناصر القصصية التي تهتم بالأحداث.
و يواصل الناقد التونسي حديثه عن رائعة نجمة للأديب الجزائري كاتب ياسين، قائلا بأن لعبة التشظي في الرواية أدت إلى توقف السرد في مرات كثيرة، و يصبح القارئ معه ملزما بالانتباه إلى خطاب الحكاية كما رسمه النقد الغربي، حيث تظهر بنى سردية متراخية متحللة لا يسرع معها الحدث، و نجد أنفسنا عند القراءة مجبرين على إيقاف زمن القراءة و تعيله ذهنيا حتى نسترجع مع الحكاية زمنا ولى، يمكن أن يكون هذا السرد الاسترجاعي قريبا من زمن نجمة و يمكن أن يعود الى زمن الأساطير المؤسسة، و نجد أنفسنا في مواجهة حالات كتابية مختلفة.
و تساءل المحاضر كما تساءل غيره من قبل هل كان كاتب ياسين بصدد تأليف مسرحية إضافة إلى الشاعرية التي كانت موضوعا سرديا، كما الموضوعات الأخرى؟.
إن ميل النص إلى الحوار في عدة صفحات، مستعينا بالجمل القصيرة التي تؤدي وظائف تنسيقية، يجعلنا نتساءل عما إذا كان في نية المؤلف، في هذه الورشة، كتابة رواية ممسرحة أو مسرحية روائية يتخللها بعض الشعر الدال على ميول الكاتب؟ و لعل هذا الميل للمقاطع المسرحية شفيع لكاتب ياسين الذي اعترف بأن حظ الرواية قليل مقارنة بالمسرحيات، و ضرب على ذلك مثال مسرحية "خذ حقيبتك"، فالمسرح يمكن أن يحضره عموم الناس، بينما قد تقتصر قراءة رواية على بعض الجامعيين.
نجمة إبداع جزائري متفرد
و تطرق محمد سعد برغل إلى نجمة بين تعالق الأشكال و سياقات الإنشاء و القراءة، موضحا بأن تدبر أثر كاتب ياسين يخضع لبعدين مهمين في الكتابة الإبداعية، و هما بعدان يندرجان ضمن هجرة المصطلح، فمن المبحث اللساني يمكننا توضيح مفهومي الآنية و الزمانية، فالآنية في سياق هذا القسم تبحث عن علاقة نجمة بكاتبها دون أن ندعي أن الرواية مجرد انعكاس آلي لما يختمر في عقل الروائي لحظة الكتابة. أما الزمانية أو التأريخية فهو السعي إلى تحسس ما تمثله الرواية بالنسبة إلى كاتب ياسين، حيث سبق القول بأن نجمة محمولة على أكثر من شكل لكنها على الرغم من كل هذا التعالق النصي و النصاني، تبقى نجمة رواية بامتياز، الرواية التي يقول عنها كاتب ياسين "هل ماتت روحها الجزائرية لأنني كتبتها بالفرنسية"؟
و خلص الباحث التونسي الى القول بأننا نجد في تتبع سيرة كاتب ياسين ما يمكننا من الإقرار بصواب الكثير مما انتهى إليه جورج طرابيشي عندما قال في رمزية نجمة بأنها رمز المعاناة الجزائرية و النضال العاشق من أجل وطن بالسجن.
سيرة و تساؤلات
و قدم سعد برغل نبذة موجزة عن حياة و مؤلفات كاتب ياسين قائلا بأنه ولد في 6 أوت 1929 و تردد على المدرسة القرآنية في سن مبكرة ثم التحق بالمدرسة الفرنسية و زاول تعلمه حتى الثامن من شهر ماي 1948. شارك في مظاهرات 8 ماي 1945 بسطيف، و سجن و عمره لا يتجاوز 16 عاما، بعدها بسنة نشر مجموعته الشعرية الأولى "مناجاة". دخل عالم الصحافة عام 1948 فنشر بجريدة الجزائر الجمهورية التي أسسها رفقة ألبير كامو، و بعد ان انضم الى الحزب الشيوعي الجزائري قام برحلة إلى الاتحاد السوفياتي ثم إلى فرنسا سنة 1951.
من مؤلفاته مجموعة شعرية " مناجاة" سنة 1946، أشعار الجزائر المضطهدة سنة 1948، رواية نجمة سنة 1956، ألف عذراء سنة 1958، رواية المضلع النجمي سنة 1966، دائرة القصاص سنة 1959 و الرجل ذو النعل المطاطي سنة 1970.
و ترك محمد سعد برغل عدة تساؤلات تفتح الباب أمام النقاد و الباحثين و طلبة الجامعات، كاتب ياسين نصا أم نصوصا؟ حياة شخصية أم سيرة ذاتية أم سيرة وطن؟ هل هو أعلى من شعريته أم من اقتداره على المسرح؟ أم رفع من ترويضه للغة لتكون في النهاية رواية بأنفاسه كما يرتضيها لا كما ترتضيها التقاليد الغربية؟ هل حارب الفرنسيين في دارهم بلغتهم حتى افتك منهم شهادة تفوقه؟ أين يبدأ النص في نجمة؟ و أين ينتهي؟ ما هي حدود النص الآخر فيها؟ هل بالإمكان الإقرار بين منشئ النص و النص؟. فريد.غ
* نور الدين بهلول من جامعة قالمة
"نجمة"رواية مثيرة تعيد كاتب إلى جذوره الشعبية العريقة
يقول الباحث نور الدين بهلول من جامعة 8 ماي 1945 بقالمة بأن رواية نجمة للأديب كاتب ياسين التي نشرت سنة 1956 هي عمل إبداعي متداخل يعتمد على تداخل صارخ بين الأصوات و الخطاب المستمد من العمق الشعبي حيث العادات و التقاليد و الأسطورة و قصص البطولة و المأساة.
و أضاف المتحدث بأن كاتب ياسين يستعمل السرد متعدد الأصوات و الشخصيات التي يعبر بأسلوبه البسيط الواضح عن أرائها و أحلامها و عن مآسيها و عن خيبات الأمل التي تعيشها، معبرا عن التنوع الثقافي و الاجتماعي للأمة الجزائرية التي ترزخ تحت وطأة الغزاة في تلك الحقبة القاسية من تاريخ الجزائر.
و تتناول الرواية سعي الشخصيات البارزة فيها الى البحث عن الهوية المتجلية في الطريقة التي ينتقل بها أبطال الرواية بين التراث الثقافي و تطلعاتهم الجديدة، حيث يجسد كاتب ياسين كل هذا بأسلوب غني بالتنوع و الإثارة الغنائية و الشعرية و الرمزية للتعبير عن المشاعر و إضفاء البعد الجمالي على تطلعات الإنسان الجزائري.
و يعتبر نور الدين بهلول رواية نجمة بمثابة استكشاف للتوترات بين الفرد و الجماعة و بين الإنسان العادي و السياسي و بين التقاليد و الحداثة، موضحا بأن أسلوب السرد في الرواية غالبا ما يكون متشظيا و مجزءا مما يكرس فوضى و تعقيد التجربة الكاتبية التي تعكس الحاجة الى الابتعاد عن الأسلوب التقليدي في الكتابة و السرد القصصي عندما يتحدث الكاتب عن الهوية و الحرية و المنفى لدى الفرد و الجماعة.
و حسب الباحث فإن نجمة، هذه الرواية المثيرة، لا يمكن بأي حال من الأحوال تقييدها في خطاب سردي بعيد المنال، هي الحب المستحيل حب الأرض، حب الوطن و قبل كل شيء حب نجمة رمز الحب القاتل الذي يقول لا للحب، كل هذا بأسلوب مجزأ متشظي يبدد الأسلوب النمطي المرجعي من فصل الى فصل آخر، تنطق اللغة الشعبية اليومية البسيطة بالحقيقة، بأبسط الكلمات تعبر بما فيه الكفاية عن الألم و عن السعادة أيضا، حيث لا يمكن أن ننكر بأن نجمة رواية متوهجة بألف صوت و صوت، من التمرد الى التمرد على الواقع المعاش، الذي تظل نجمة تمثل قمته، إنه الوطن المجسد في هذه الشخصية الرمزية التي تلخص واقع الأمة الجزائرية سنوات الاستعمار و الفقر و التشرد.
و خلص المحاضر الى القول بأن كاتب ياسين يستعمل الرمزية و الخيال و تشظي النص و تعدد الشخصيات و أساليب الخطاب للوصول إلى وجدان القارئ و المستمع و المشاهد و يحثه على الإدراك و الاستكشاف دون أن يكشف له الحقيقة ببساطة حتى يحفزه على الإدراك و الفهم لما يريده الكاتب من خلال لغة بسيطة لكنها مليئة بالرمزية التي تعد إحدى أساليب الخطاب الشعبي عند الجزائريين في تلك الحقبة الزمنية.
فريد.غ
* زبير شاوش من جامعة سوسة بتونس
كاتب استمد قوة الإبداع من جذوره الشعبية
يتطرق الباحث التونسي زبير شاوش، في مداخلة له أمام المنتدى الحادي عشر حول حياة و مؤلفات كاتب ياسين المنعقد بقالمة يومي 26 و 27 أكتوبر 2024 إلى رواية نجمة لكاتب ياسين قائلا بأن المؤلف و هو لا يزال صغيرا قد تعرض لتأثيرات صقلت موهبته الإبداعية و صار ينهل منها و ربما كان ينهل أيضا من تجارب لكتاب آخرين يشبهونه في السرد و المعاناة و العودة الى عمق المجتمع بكل تناقضاته، و فوق كل هذا كان خريج المدرسة الشعبية الواقعية حيث الحقيقة و المعاناة و الأرض و الاستعمار و الصمود.
و أضاف زبير شاوش بأن كاتب ياسين يرقى الى فعل الحداثة في رواية نجمة التي تعتمد على أسلوب خطابي منفرد كان له الأثر على الأجيال القادمة من حيث الكتابة بلغة فرنسية مميزة، حيث يمكن مقارنته بألبير كامو في أوجه تشابه كثيرة بينها الأسلوب و طريقة السرد و الاهتمام بالإيجاز و الوصف و الحوار.
نجمة مكتوبة باللغة الفرنسية المتوازنة البسيطة التي يعتبرها كاتب ياسين غنيمة حرب، حيث يبرهن المؤلف على إتقان هذه اللغة الأجنبية عن قصد لأن المستهدف من خطابه ليس الشعب الجزائري بل المستعمر، لان غالبية الشعب الجزائري في ذلك الوقت كانت تستعمل مزيجا لغويا من العربية و الأمازيغية و الفرنسية.
و تساءل الباحث التونسي عما إذا كان كاتب ياسين قد قرأ مؤلفات كتاب آخرين إلى درجة التأثر بهم خاصة في الإيجاز و الحوارات، موضحا بأن النقاد الفرنسيين يقولون بأن فرنسية كاتب ياسين كانت تلك الفرنسية التي يستعملها الجزائريون، فرنسية متنافرة غريبة الصوت و الرائحة، محاولين التقليل من القدرات الإبداعية لكاتب جزائري فتي حارب العدو بلغته مستعملا أسلوبه الخاص، معتمدا على حداثة متفردة تهز هذا الفرنسي الاستعماري، حيث غالبا ما تكون جمل النص الروائي و القصصي مختصرة سواء كان التسلسل سرديا أو وصفيا أو حواريا.
و أضاف الباحث التونسي بأن مؤلفات كاتب ياسين كانت كلها وليدة الجغرافيا الكاتبية حيث عاش الكاتب و بقي مرتبطا بجذوره الشعبية و عادات و تقاليد أجداده القدامى، الذين عمروا منطقة عين غرور شرقي قالمة قبل الاحتلال الفرنسي.
و تعد نجمة حسب المتحدث إدانة صريحة للاستعمار و إدانة لمصادرة الأرض و قمع شعبها و ازدراء حقوق الإنسان، و كانت نجمة رسالة موجهة للمستعمر لتذكيره بالظلم الذي يمارسه على اصحاب الأرض الشرعيين.
و بالرغم من تقارب أفكار و توجهات كاتب ياسين و ألبير كامو غير أن هذا الأخير، يقول زبير شاوش، لم تكن له كل الشجاعة لإدانة الاستعمار و بقي على الحياد في ذلك مما أثار غضب كاتب ياسين تجاه كامو الذي ولد بأرض جزائرية لكنه لا يستطيع الوقوف الى جانب المظلومين، اصحاب هذه الأرض التي تعد منطلقا لعمل إبداعي عظيم، هو رواية نجمة التي تقص حكاية الأجداد و الأرض المغتصبة. فريد.غ
* الكاتبة التونسية فوزية ضيف الله
الظلم و السجن و الجذور الشعبية عوامل فجرت موهبة ياسين
أرجعت الأديبة و الأستاذة الجامعية التونسية، فوزية ضيف الله الانفجار العاطفي و الإبداعي و الوطني عند كاتب ياسين، إلى عوامل رئيسية تراها مهمة في حياة الكاتب و مؤلفاته المثيرة، مضيفة بأن الروائي و الكاتب المسرحي الجزائري لم يكن يتجاوز السادسة عشرة من عمره عندما اعتقلته سلطات الاستعمار عام 1945 بسبب مشاركته في انتفاضة سطيف المطالبة بالحرية و الكرامة، لكن أشهر السجن لم تغرس فيه فقط كل هذه الروح الثورية و الشعور الذي سيرافقه حتى وفاته ضد الاستعمار الفرنسي، و ضد كل إشكال الاستبداد، بل دفعت به إلى تحرير مخيلته و التوجه إلى الأدب و الإبداع ليكون ناطقا باسم أمته و مدافعا عنها بالقلم الذي اتخذه وسيلة لقول ما يجب قوله ضد الاستعمار و كل أشكال الظلم و الاستعباد و الاستبداد.
و تضيف فوزية ضيف الله، أمام المشاركين في منتدى كاتب ياسين بقالمة، بان كاتب ياسين كتب أولى قصائده في زنزانة السجن، و خلف القضبان كان يعد رواياته و مشاريعه المسرحية، التي تجسدت فيما بعد في أعمال رائعة مثل الجثة المطوقة، سنة 1955 و المضلع الكوكبي سنة 1956 و مسحوق الذكاء سنة 1959 و الأجداد يزدادون ضراوة سنة 1959 و الرجل ذو النعل المطاطي سنة 1970، و محمد خذ حقيبتك سنة 1971.
و أوردت المحاضرة قول ياسين إن استخدام اللغة الفرنسية يبدو أنه يصب في مصلحة الآلة الدعائية الاستعمارية الجديدة، و هذا ما يزيد من اغترابنا، لكن استخدام اللغة الفرنسية لا يعني أننا خدم لقوة أجنبية مستعمرة مستبدة، فأنا أكتب بالفرنسية لأقول للفرنسيين أنني لست منكم.
و لهذا تضيف الباحثة التونسية، توجه كاتب ياسين إلى الكتابة بلغة معقدة و مختلطة فيها العربية و الفرنسية و الأمازيغية و اللهجة الشعبية الثرية بالمفردات و الرموز، المحفزة على الإبداع و المثيرة للخيال الواسع.
و قد تأكدت الموهبة الشعرية التي كانت كامنة في ياسين، في مرحلة المراهقة عندما تعرض لصدمة السجن التي حفزت فيه الالتزام السياسي و الفكر الحر، حيث تبرز رائعة الجثة المطوقة هذا التوجه و هذا الالتزام عند إطلاق سراحه من السجن.
لقد استمر كاتب ياسين في المسرح السياسي المعبر عن معاناة الجزائريين و المناهض للوجود الفرنسي و الاستبداد، حيث يدمج المؤلف بين الكتابة المسرحية و الكتابة النصية المقسمة الى حوارات و مونولوجات تضمن حضور الشخصيات على المسرح الذي اعتبره كاتب ياسين حلقة وصل متينة مع الواقع و مع الشعب المضطهد العاجز عن الكلام و مواجهة الاستبداد.
و خلصت المتحدثة إلى القول بان المسرح الكاتبي يتحدى قوانين المسرح المعتادة لأن استمرارية الحدث ليست ضرورة إذ لا يوجد ارتباط بين وحدة الزمان و المكان و وحدة الأنا و الذات، حيث لم يكن لدى ياسين أي مشكلة في تسمية مسرحية الجثة المطوقة بأنها عمل ثوري فهو يؤمن برسالة الفن في الحياة الاجتماعية بشكل عام و بالتحولات الليبرالية و الثورية في عصره و في بلده الجزائر التي تجسدت مأساتها مع الاستعمار في رواية نجمة التي قلبت قوانين الرواية العلمية رأسا على عقب و أرخت لمرحلة مهمة من تاريخ الجزائر.
فريد.غ