أكد أمس، متدخلون في ملتقى وطني حول» الفن المعاصر في ميزان النقد»، نظم بجامعة قسنطينة 3 صالح بوبنيدر، بأن الفن المعاصر يمثل تجسيدًا للتجريب والابتكار، حيث يتجاوز الحدود التقليدية ويعكس قضايا المجتمع المعاصر بطرق مميزة ومباشرة، كما يسهم هذا النوع من الفن في تعزيز الوعي الاجتماعي والتنوع الثقافي، مما يمكّن الفئات المهمشة من التعبير عن هوياتها .
الملتقى الذي نظم من طرف كلية الفنون والثقافة، عرف عرض 24 مداخلة علمية أكاديمية حضورية وعن بعد، بهدف تحديد سياقات ظهور الفن المعاصر، والتعرف على تطوراته الحديثة والجوانب الجديدة التي يطرحها، مع التطرق إلى واقع الممارسة النقدية ومدى فاعليتها في الرفع من مستوى الوعي لدى الأفراد، ومناقشة تحديات النقد في مجال الفنون المعاصرة ومستقبلها في ظل تطبيقات الذكاء الاصطناعي.
وأكدت الأستاذة بكلية الثقافة والفنون بجامعة قسنطينة 3، الدكتورة إيمان مرابط، بأن الفن المعاصر هو صيغة فنية تطورت في أواخر القرن العشرين تتميز بالتجريب والابتكار والابتعاد عن الأساليب التقليدية، كما يساهم في تشكيل الوعي الاجتماعي وتعزيز التنوع الثقافي وتمكين الفئات المهمشة، علاوة على القدرة على طرح قضايا اجتماعية مهمة، وتحفيز الحوار والتفاعل بين الناس.
ومن أهم سماته بحسب الأستاذة ، التجريب المستمر والابتكار في الأساليب والتقنيات الفنية، عكس قضايا المجتمع المعاصر بطرق فريدة وملفتة للانتباه وبشكل مباشر وصريح، كما يشجع الفن المعاصر المتلقي على المشاركة والتفاعل مع العمل الفني.
وأضافت مرابط، أن مفهوم الفن تحول من الجمال إلى المفاهيم والأفكار حيث انتقل التركيز في الفن المعاصر من الجانب الجمالي إلى إبراز المفاهيم والأفكار المبتكرة، وأصبح الفن وسيلة للفنانين للتعبير عن هويتهم وأفكارهم الشخصية، مشيرة في ذات السياق، إلى أنه بدلا من الإعجاب الجمالي، فإن الفن المعاصر يهدف إلى استدعاء ردود فعل عاطفية من الجمهور.
انهيار الحدود بين الفن والواقع اليومي
وأشارت الباحثة، إلى أن هناك انهيارا للحدود بين الفن والواقع اليومي، من خلال إعادة تعريف الفن، لأن هذه التطورات تتحدى فهمنا التقليدي للفن وما يعتبر فنا، إضافة إلى أن الأعمال الفنية تعلق على القضايا والظواهر الاجتماعية، محفزة الجمهور على التأمل والمناقشة.
وبخصوص دمج الفن المعاصر في الحياة، أوضحت بأنه يزيل الحواجز بين الأعمال الفنية والحياة اليومية، مدمجا الفن في تجارب الحياة والفن كتعليق على المجتمع، كما يدعو الفنانون الجمهور للتفاعل والمشاركة في تجربة العمل الفني بشكل مباشر.
وأكدت المتحدثة، بأن الفن المعاصر منصة للتجريب والابتكار، بحيث تتيح للفنانين والأفراد التحرر من الأشكال والتقاليد الفنية غير المألوفة، نتيجة لذلك ينشأ فن مبتكر وفريد يعبر عن رؤى وأفكار جديدة
و يعزز الفن المعاصر التفكير خارج الصندوق، فمن خلاله يكتشف الجمهور رؤى وأفكارا إبداعية غير متوقعة، كما يثير الكثير من التساؤلات والمناقشات حول المفاهيم المألوفة، ويحفز على التفكير بطرق جديدة خارج الأطر المعتادة، وكذا يشجع على تجاوز الحدود التقليدية والبحث عن الجديد والمختلف.
يشجع على الحوار والنقاش
وقالت، بأن الفن المعاصر يشجع على الحوار والنقاش، من خلال إثارة الكثير من التساؤلات لدى المشاهدين حول المعنى والهدف، لتحفز هذه التساؤلات الحوار والنقاش بين الجمهور حول الأعمال الفنية والأفكار التي تمثلها، وتبادل وجهات النظر المختلفة وإثراء الفهم المشترك للفن المعاصر.
وأكدت المتحدثة، بأن العلاقة بين الفن المعاصر والقضايا الاجتماعية، تتمثل في أن الأعمال الفنية المعاصرة تشجع الجماهير على المناقشة والتفاعل مع القضايا الاجتماعية، مضيفة بأن الفن المعاصر له القدرة على تغيير طريقة تفكير الناس وتوجيههم نحو التغيير الاجتماعي، متابعة بالقول، يستخدم الفنانون المعاصرون أعمالهم لإبراز القضايا الاجتماعية والسياسية المهمة. وبالتالي تسهم الأعمال الفنية في زيادة الوعي المجتمعي بالتحديات الاجتماعية والسياسية، فالفنانون المعاصرون يستخدمون أعمالهم لتوثيق القضايا الاجتماعية والسياسية المعقدة، وتحفيز المشاركة المجتمعية في القضايا والحركات الاجتماعية.
ويتحقق هذا من خلال الارتباط بالواقع، واستخدام لغة بصرية قوية لتحديد الهدف الاجتماعي. وأوضحت مرابط، أن الفن المعاصر يدفع الأفراد إلى التفكير بعمق في القضايا الاجتماعية والثقافية المعقدة، كما تساعد التجربة الفنية الأفراد على فهم وجهات نظر الآخرين وتطوير مشاعر التعاطف، والأعمال الفنية المعاصرة قادرة حسبها، على إثارة مشاعر قوية لدى الأفراد، مما يؤثر على سلوكياتهم وتعزيز التعاطف وتحفيز التفكير والتأمل.وأكدت الأستاذة، بأنها أيضا وسيلة للتعبير عن الذات، إذ يكتشف الفنانون جوانب داخلية من شخصياتهم ويشاركونها مع الجمهور كما يتيح الفن المعاصر للفنانين التعبير عن مشاعرهم وأفكارهم بحرية دون قيود تقليدية و الانفتاح على الآخر.
وأضافت أيضا، الكشف عن الذات والتخلص من القيود، وتعزيز التواصل والحوار بين الفنانين والجمهور من خلفيات مختلفة، وكذا التجريب والابتكار، فالفن كما قالت، يحفز الفنانين على التجريب بتقنيات وأساليب جديدة لإنشاء أعمال فنية فريدة.
تأثير كبير في تشكيل الوعي الاجتماعي
واعتبرت المتحدثة، بأن للفن المعاصر تأثير كبير في تشكيل الوعى الاجتماعي لدى الأفراد من خلال طرح القضايا الحساسة، والتأثير على المعتقدات من خلال تمكين الأفراد من إعادة تقييم معتقداتهم وآرائهم، و تناول المواضيع المثيرة للجدل والتفكير في المجتمع بعمق أكبر، وتحفيز الحوار والنقاش بمرور الوقت.
وأشارت في ذات السياق، إلى أن للفن المعاصر تأثيرا كبير على القيم والمعتقدات الاجتماعية، من خلال تعزيز التنوع و إعادة صياغة المفاهيم، حيث يظهر الفن المعاصر قبول التنوع الثقافي والاجتماعي وتشجيع التفكير غير التقليدي للمفاهيم، كما يساهم في إعادة تعريف وتشكيل المفاهيم والقيم الاجتماعية المألوفة، وإثارة نقاشات حول القضايا الاجتماعية والسياسية المعقدة.
ويوفر إلهاما للأفراد والمجتمعات للتفكير بطرق جديدة وإحداث تغيير، وتجسيد الأفكار والرؤى للقضايا الاجتماعية المعقدة بطرق ملموسة، والتشجيع على المشاركة المجتمعية والحوار حول القضايا الاجتماعية والسياسية.
وقالت، بأن الأعمال الفنية تحفز الأفراد على النقاش، كما يتطلب إنشاء الأعمال الفنية جهودا تعاونية بين المجموعات، مضيفة بأن الفن المعاصر يجمع الناس لمشاركة تجارب فنية، وبناء الشعور بالانتماء.
كما يعكس الفن المعاصر التعددية الثقافية في المجتمع ونشر الوعى بها، لأنه يساعد في إبراز تجارب وقضايا الفئات الاجتماعية المختلفة ويعزز الشعور بالتضامن والانتماء إلى المجتمع.ويعرف الناس بأفكار وتجارب ثقافية جديدة، مما يغني المشهد الثقافي ويوسع الآفاق الثقافية حسبها، كما يشجع الحوار والتفاعل بين أفراد المجتمع من خلفيات مختلفة، وقالت إن تعرض المجتمع للفن المعاصر يحفز الأفراد على التفكير بطرق أكثر إبداعية، كما أن التعرض للأشكال الفنية المعاصرة ينمي الحساسية والتذوق الجمالي لدى الناس.
واعتبرت الباحثة، بأن الفن المعاصر يطور مهارات التحليل ونقد الأعمال الفنية المعاصرة بموضوعية وتقديم تعليقات بناءة ويطور مهارات النقد والتحليل الفني، وكذا تفكيك وتحليل عناصر العمل الفني المعاصر ويطور الحساسية والتذوق الفني لدى المشاهدين والتفكير خارج الصندوق والإبداع.
وأوضحت مرابط، بأن الفنانين المعاصرين لهم دور كبير في التغيير الاجتماعي، فالفن المعاصر له القدرة على تحفيز التفكير النقدي والتوعية المجتمعية، كما يستطيع المبدعون من خلال أعمالهم، إبراز المشكلات الاجتماعية والإنسانية.
من جهتها أشارت الدكتورة نسرين عبد اللاوي، من جامعة وهران 1، في مداخلتها الموسومة بـتجليات الوجدان والتفكير في الفن المعاصر، إلى ضرورة تعزيز الدور التفكيري والوجداني وفهم التجارب الفنية المعاصرة وتطوير أساليبها النقدية، من خلال تبني نهج متعدد التخصصات وتوسيع آفاق الفن وذلك بدمج مناهج من مجالات مختلفة مثل الفلسفة وعلم النفس والاجتماع، والأنتروبولوجيا.
وتحدثت، عن الاستفادة من نظريات معاصرة في العلوم الإنسانية لتفسير الأعمال الفنية، واستخدام تقنيات تحليل متطورة تراعي الطبيعة المعقدة والمتعددة للأعمال الفنية المعاصرة، وكذا إجراء مقابلات معمقة مع الفنانين لفهم دوافعهم وأفكارهم، وتنظيم ندوات ومناقشات تجمع بين الفنانين والنقاد والجمهور. كما يجب بحسبه، تقبل التفسير المتعدد للعمل الفني وتشجيع القراءات المختلفة والمتناقضة، وربط الأعمال الفنية بالقضايا المعاصرة والتحولات الثقافية، و دراسة ردود الجمهور وتفاعله مع الأعمال الفنية وتوثيقها مع تطبيق نظريات ما بعد الحداثة لفهم التعقيدات والتناقضات التي يطرحها الفن المعاصر. من جهته، أكد الدكتور عبد السلام يخلف من كلية الفنون والثقافة بجامعة قسنطينة 3 صالح بوبنيدر، بأن النقد الفني مهم جدا، لأنه يصدر أحكاما أكثر موضوعية، ويسهل عملية الاقتراب من الفن بنزع القدسية عنه، ومنح الثقة والجرأة لمناقشة الأعمال الفنية.
لينة دلول