* «على المنظومات التربوية والجامعية والإعلامية» استغلال البعد العاطفي لتوجيه الشباب نحو المعرفة
أثارت جلسة بيع بالتوقيع للكاتب السعودي أسامة المسلم، لرواياته في الطبعة 27 لصالون الجزائر الدولي للكتاب بالجزائر العاصمة، جدلا كبيرا وتساؤلات عن سر التهافت غير المتوقع والتدافع من طرف الشباب والمراهقين للحصول على توقيع على الروايات، وذهب العديد من المعلقين عبر الوسائط الافتراضية لطرح فرضية «الجن والسحر والشعوذة» على أساس أنها وراء استقطاب هذا الكم الهائل من الشباب على أسامة المسلم الذي سبق له وأن قال في تصريحات سابقة خارج الجزائر «لا وصاية على القارئ في زمن الأنترنيت».
وفي هذا الصدد، رصدت النصر وجهة نظر أحد المختصين والباحث في سوسيو أنتربولوجيا الديني ومدير بحث بمركز البحث في الأنتربولوجيا الاجتماعية والثقافية «كراسك» وهران، الأستاذ الدكتور المستاري جيلالي الذي أوضح أن ما حدث مع الروائي الكويتي السعودي أسامة المسلم، ليس متعلقا بالأساس بظواهر الجن وغيرها من المعتقدات، ولكن مرتبط بما يسمى «ظاهرة القراءات الشبابية» التي لها علاقة بتوجهات معينة لفترات معينة في بلدان معينة لفئة شبابية معينة قد تكون ما بين 14 سنة و24 سنة، وعادة ما تكون هذه الظاهرة جماهيرية وأصبحت اليوم تغذيها تأثيرات الوسائط الاجتماعية، مبرزا أن هذه الظاهرة تؤثر لفترة معينة على سوق الكتاب الشبابي ثم يختفي الأثر، فهذه «النجومية الروائية» لا علاقة لها بالمحتوى بل بدرجة تسويق النص، ومرتبطة أيضا بما يسمى ب «قراءة الشباب»، حيث أن الكاتب أسامة المسلم له حضور كبير على «الأنستغرام والتيك توك» ويتابعه الكثير من المتابعين صغار السن.
وأكد الدكتور المستاري بأنه لا يجب الوقوف موقف سلبي أمام هذه الظواهر، بل بالعكس يجب توجيهها نحو ما يمكن تسميته ب «مقروئية الشباب»، أي الانطلاق من هذا البعد العاطفي الأولي، إلى توجيه الشباب نحو القراءات المختلفة والمتنوعة والأكثر إفادة، والتي لا ترتبط بحالتهم العاطفية بل بحالتهم المعرفية، مثلا عن طريق المنظومة التربوية أو الجامعية وحتى الإعلامية، يجب الانطلاق من هذا الفعل كمحفز لتوجيه الشباب، لأن تدافعهم هو سوق أولي للكتابة بدل النفور المعتاد من الكتاب والقراءة لدى هذه الشريحة من المجتمع، وأن تؤسس هذه المنظومات للتوجه نحو تعميم القراءة لدى الشباب بدءا بالقراءات العاطفية إلى مستوى آخر مرتبط باستدامة المعنى.
مردفا في حديثه، بأن هناك سوقا ونجومية لمثل هذه الروايات موجود في وسائل التواصل الاجتماعي، لا يستدعي أن يكون الكاتب المبدع اسما كبيرا أو معروفا ومحترفا، ولا علاقة له بجنسية المبدع، فالرواية الشبابية لها منطق عاطفي فالشباب يقرأ لمن يشد عاطفته، و هي ظاهرة لم يكن لها هذا الزخم والانتشار من قبل رغم أنها كانت موجودة، بينما اليوم التسويق الافتراضي والتوجهات الشبابية الجديدة، شكلت ما يسمى بالنجوم الشباب في مجال الكتابة ولا علاقة لهذه النجومية بالصناعة الروائية والصياغة اللغوية والحبكة السردية وغيرها، معرجا في ذات السياق على ما حدث أيضا مع ما يسمى «بالأئمة الشباب» الذين أصبحوا نجوما بفضل التسويق الافتراضي الذي ارتبط بعوامل أخرى لا علاقة لها بالعلم والدين، ومنها الصوت وطريقة الأداء والشكل.
وذكر محدثنا بما صنعته الشابة الجزائرية «سارة ريفانس» وهو اسمها المستعار، في فرنسا العام الماضي بعد تحقيق روايتها رقم مبيعات تاريخي ووصفها الإعلام الفرنسي بالظاهرة، رغم أنها وصلت إلى النجومية دون أن يعرف أي أحد اسمها الحقيقي، حيث حققت روايتها «الرهينة»، مبيعات وصلت إلى 350 ألف نسخة, و الكاتبة لا علاقة لها بأمور الجن، ولكن واكبت توجها عاما لفئة شبابية رغم أنها ليست بالروائية بمعنى الكلمة، مثلها مثل رواية «قواعد العشق الأربعون» للكاتبة التركية «إليف شفق» التي نشرت قبل سنوات والتي ترجمت إلى أكثر من ثلاثين لغة، وكان لها صدى وشهرة كبيرة حول العالم.
بن ودان خيرة