قال الكاتب والمترجم ومؤسس مجتمع «رديف»، يونس بن عمارة، إن وجود اللغة العربية في الشبكات الاجتماعية بارزٌ لا يخفى على أحد، وذلك من خلال صفحات ذات تخصصات متنوعة، مضيفا أن محبي لغة الضاد استغلوا هذه المنصات أحسن استغلال لنشر لسان العرب والاعتزاز بلغته والافتخار بها، وتَعلُّمِها، وذكر نماذج حققت متابعات مليونية.
حاورته/ إيناس كبير
ومجتمع «رديف» الرقمي، هو عبارة عن مشروع ناشئ جزائري وعربي وفقا لصاحبه، وصلت إنتاجاته للملايين على منصات شتى مثل «حسوب» و«كوارا»، كما استطاع من خلال «تحدي رديف» ضخ حوالي 1600 مقال باللغة العربية، ليتم اختياره ضمن القائمة القصيرة بصفته أحد الفائزين المحتملين بجائزة «الإسكوا للمحتوى الرقمي العربي» لسنة 2023-2024، عن فئة رواد الأعمال الشباب، وعبر بن عمارة بأن هذه النجاحات قائمة على اللغة العربية ومنها وإليها.
- النصر: حدثنا عن تجربتك مع صناعة المحتوى باللغة العربية على شبكة الانترنت؟
- يونس بن عمارة: تجربتي مع صناعة المحتوى بالعربية على «الإنترنت» تبرز في نقطتين هما مدونتي أي موقعي على الشبكة، وبه أكثر من ألْفَي مقال لحد الآن، ومدونتي الصوتية «بودكاست»، الذي عنوانه «يونستوك» وبه الآن أكثر من 180 حلقة صوتية وصُنِّف ضمن أحسن المدونات الصوتية الجزائرية، وفقا لواحدة من أكبر الصفحات التقنية الجزائرية
«1001 نايت تيك» التي يتابعها نحو 900 ألف شخص، وبما أن لدي هذا العدد من قِطَع المحتوى النصية، والصوتية، والمرئية بالعربية في الإنترنت، يمكنني القول إنها كانت ولا تزال تجربة ممتازة من كافة النواحي المعنوية والمادية.
كيف خدمت مواقع التواصل الاجتماعي اللغة العربية، وكيف أعادتها إلى الواجهة لتزاحم لغات أخرى؟
محبو اللغة العربية استغلوا مواقع التواصل الاجتماعي أحسن استغلال لنشر لسان العرب والاعتزاز بلغتنا والافتخار بها، وتَعلُّمِها أكثر وذلك حتى من قِبل العرب أنفسهم لأن العربية محيط شاسع.
ووجود العربية في الشبكات الاجتماعية بارزٌ لا يخفى على أحد، فمراكز المساعدة الرسمية التابعة لتلك المواقع نفسها، تُعلِّم كيفية استخدامها بالعربية وتشرح عمل كل زر وخاصية في المنصة بلسان عربي، إضافة إلى شرح نشاط الصفحات والمجموعات المتنوعة حتى في تخصصات وهوايات نادرة، مثل جمع العملات النقدية، ومشاهدة الطيور، ومراقبتها، وهي متاحة ومتوفرة بالعربية، فضلًا عن الوسوم (الهاشتاغات) الوفيرة باللغة العربية.
أوضح هنا، أني جمعت عددًا من الأرقام والإحصاءات المُشرِّفة حول واقع المحتوى العربي على النت،وذلك في مقالي 10 أسباب للتفاؤل بمستقبل المحتوى العربي، فصفحة التدقيق اللغوي وهي صفحة مكرسّة للغة العربية، تحصي على سبيل المثال أكثر من مليون معجب ومتابع وهي صفحة واحدة فحسب ضمن صفحات كثيرة.
كما يمكن الاستشهاد، بنموذج صانعة المحتوى العربي روان ناصر، التي تنشئ محتوى عربيًا بالفصحى، والتي نجحت في الوصول إلى نصف مليار شخص و5 ملايين متابع على الشبكات الاجتماعية، مع أنها بدأت بمعدات بسيطة جدًا هي هاتف ولاقط صوت، وليس ورائها تمويل أو فريق عمل.
حدثنا عن مجتمع «رديف»، ما الغاية منه؟
«رديف» مجتمع رقمي ومشروع ناشئ جزائري وعربي للمشتركين فقط يوفّر تبادل الخبرات، ويرتقي بمهارات أعضاء المجتمع إلى مستوى المحترفين، تأسس في 22 فيفري 2021م، وهو مستمر حتى الآن وغايته الأساسية إطلاق العنان لكامل الإمكانات الاقتصادية للغة العربية، بعبارات مباشرة تحقق دخلا ماديّا من اللغة العربية في جوانب عديدة، مثل الخدمات والمنتجات الرقمية وفي الواقع، والبرمجيات والسلع الواقعية والتدريب وتمكين الناطقين بها حتى لو لم يكونوا عربًا أو مسلمين.
ما هي الإنجازات التي حققها المشروع إلى غاية الآن؟
يضم المجتمع الرقمي «رديف» عشرات الكتّاب المبدعين الذين يصنعون يوميًا المحتوى العربي على الإنترنت، خادمين بذلك أمتهم ولغتهم ودينهم وشعوبهم، حيث يُعلّمون مهاراتهم ويتعلمون من غيرهم ويرشدون الآخرين وينقلون المعارف من لغات أخرى.
لدينا كذلك في «رديف»، تحدٍ اسمه «تحدي رديف» حيث يحصل فيه من كَتَبَ ونشر باللغة العربية ووفق شروط معينة لمدة أربعين يومًا، على اشتراك سنوي مجانيّ في رديف، وقد استطاع المشاركون في التحديّ ضخّ 1600 مقال بالعربية في الإنترنت حتى الآن، وهو مفتوح دائمًا وندعو الجميع للمشاركة فيه.
يضمّ رديف إلى جانب ذلك، نخبة من المُنجِزين الذين قدموا خدمات جليلة للسان العرب، أذكر منهم الأستاذ معتز الخطيب، مهندس البرمجيات ومطوّر برمجية «المُصحِّح -ASC» وهو مُصحِّحٌ لغويٌ حاسوبيّ يُزيل عن كاهلك أشجان تصحيح النصوص إملائيًا، والأستاذ معتز، وهو كذلك خبير في نماذج اللغة الكبيرة التي يقوم عليها الذكاء الاصطناعي، ولديه أيادٍ منتجة تستحق كل تنويه وشكر على لسان العرب.
نذكر كذلك، الأستاذ سمير بن الضو، صاحب دار بسمة للنشر الإلكتروني الذي نشر مئات الكتب لعشرات الكُتّاب العرب والتي وصلت لألوف القراّء، فضلا عن معلقين صوتيين فصحاء وبلغاء مثل خالد الحراّق وزينب العربي؛ وكُتّاب جادين، وكاتبات مذهلات ومُدرِّبات على شتى المهارات، منها التدريب على تحسين محركات البحث (SEO)، والتدريب على استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي الحديثة.
وقد حقق المشروع نجاحات أيضا، مثل اخٍتياره ضمنٍ القائمة القصيرة بصفته أحد الفائزين المحتملين بجائزة «الإسكوا للمحتوى الرقمي العربي» 2023-2024 فئة روّاد الأعمال الشباب، وهذه النجاحات قائمة على اللغة العربية ومنها وإليها، وهذا ما جعل «مجتمع رديف» أداة فعّالة في الترويج للسان العرب وتعزيز حضوره الرقميّ.
لاحظنا ظهور صناع محتوى شباب وصفحات شبابية بعضها مليونية تخاطب متابعيها باللغة العربية، خصوصا وأنه من وقت قريب كان البعض يتوقع أن اللغة العربية في طريق الضمور، كيف ترى هذه الخطوة؟
هذه الخطوة أثبتت بالأرقام والإحصاءات والواقع العمليّ أن اللغة العربية في ازدهار وتقدّم، وأن حملة «التعريب» التي أجرتها الجزائر سابقًا ولا تزال ترعاها الآن فعالة، ونجحت نجاحًا باهرا.
وإنّ نظرة سريعة لعدد زوار معرض الكتاب في الجزائر، وعدد الإصدارات بالعربية، ودور النشر العربية التي يديرها شباب، ومعارض الكتب المحلية التي انطلقت بقوة مثل معرض قسنطينة، وباتنة وغيرهما، والعمل القوي الجاد الذي يشرف عليه «المجمع الجزائري للغة العربية» و»مركز البحث العلمي والتقني لتطوير اللغة العربية الجزائر»، إضافة لافتكاك الجزائر المرتبة الأولى من حيث عدد المجلات البحثية والعلمية المنشورة باللغة العربية، متفوقة بذلك على 28 دولة عربية وأوروبية وآسيوية وأمريكية، عوامل تجعلنا نستنتج عكس الانقراض بل الازدهار والتوسع والتمدد والنجاح للغة العربية، خصوصا و أن عدد الكتب المترجمة إليها سنويًا كبير جدا.
والمعلومة الأخرى التي تجعل فرضية الانقراض تتبخر، تخص المحتوى بالعربية في الإنترنت الآن، والذي يعد متفوقا وفقا لإحصائيات شهر فبراير 2024، إذ يتجاوز المحتوى بالهندية رغم وجود 610 ملايين ناطق بها في الواقع واحتلالها المرتبة الثالثة عالميًا بعد الإنجليزية والصينية من حيث عدد الناطقين بها، والسويدية، والعبرية.
هل ترى أن البيئة الحالية مهيأة للتأثير في الآخرين ودفعهم لتعلم اللغة العربية، وكيف يجب أن نستغل هذه الظروف لترقية لغتنا؟
في الحقيقة ما نزال بحاجة إلى المزيد من المجهودات والتجهيزات من قِبل المجتمع والحكومة على حد سواء، ومن خلال تفعيل اقتصاد المعرفة في الجزائر والوطن العربي ككل، وأعتقد أنه سيصبح من الأكثر ألْفة الدفع مقابل المحتوى العربي القيّم، ومن ثَمَّ بناء اقتصاد قويّ قائم على لغتنا بما يحقق الازدهار والعيش الكريم الطيب لملايين العرب، وعلينا ألا ننتظر وأن يتقدم كل أحد منا بما يستطيع لتحقيق ذلك فأول الغيث قطرة. إ.ك