توفي أمس الاِثنين، الكاتب والمُترجم عميّر بوداود، عن عمر ناهز 64 عامًا. الراحل من مواليد 1960 بمدينة عين الصفراء بولاية النعامة، قاصّ ومُترجم، وباحث في الأدب الكولونيالي وكاتب مقالات أبرزها مساهماته الدائمة في الملحق الثقافي الأسبوعي «كراس الثقافة».
ترك الفقيد رصيدا هاما من الأعمال، ومن بين ترجماته من الفرنسية إلى اللّغة العربية، مجموعة من الكُتُب التاريخيّة والأدبيّة، فمن الكُتُب ذات الصلة بتاريخ الجنوب الغربي الجزائري، ترجمَ «لمحة تاريخيّة عن الجنوب الغربي الجزائري» عام 2008، و»كتاب النسب الشريف» عام 2009، و»سيدي الشيخ، الشخصيّة الخارقة» عام 2010.
كما ترجم المجموعة القصصيّة «ياسمينة وقصص أخرى» لإيزابيل إيبرهارت، التي صدرت في طبعتها الأولى سنة 2011 عن دار القدس العربي في وهران، وعن كِتاب مجلة الدوحة القطرية في طبعة ثانية مزيدة ومنقحة سنة 2015. كما ترجم كتاب «ديسمبر 1960 بوهران» سنة 2013، ورواية «ليندة» لمحي الدين بريزيني، وديوان «صديقتي القيثارة» للراحلة صفية كتو، عام 2017، والذي صدر عن دار الوطن اليوم. و»الملعقة وأشياء أخرى بسيطة: مذكرات من الأغواط»، للشاعر والمؤرخ لزهاري لبتر، صدرت العام 2022 عن دار الحبر.
صدرت له أيضا، مجموعة قصصية عن دار الكلمة للنشر والتوزيع بالجزائر، حملت عنوان «صوب البحر» عام 2016، ومجموعة أخرى بعنوان «نزق»، عن دار الأمير للنشر بفرنسا 2023. وكتاب «مخلوف عامر، الناقد الأدبي» عن دار «الوطن اليوم».
وآخر أعماله كِتاب يتناول حياة الكاتب الراحل «خليفة بن عمارة»، حمل عنوان: «خليفة بن عمارة، الباحث المتخصص في تاريخ الجنوب الغربي الجزائري» عن دار «الوطن اليوم» 2023.
كان الراحل كذلك، أحد أبرز المساهمين في ملفات «كراس الثقافة»، بمقالاته ومشاركاته الثرية التي كان يدلي بها في محاور ومسائل ثقافيّة وأدبيّة وترجميّة مختلفة. كما كان أحد أبرز الناشطين الثقافيين عبر صفحته على موقع فيسبوك، من خلال إسهاماته وقراءاته وكتاباته وانطباعاته في مختلف الحقول الثّقافيّة والمعرفية، وقد شكلت صفحته قاعدة قُرّاء ومتابعين، ما جعل صفحته من أبرز وأنشط وأهم الصفحات على فيسبوك.
خسارته صدمت الوسط الأدبي في الجزائر
خبر موته المفاجئ صدم الكثير من أصدقائه في الوسط الأدبي، فقد اِنتشر فجأة وملأ صفحات مواقع التواصل الاِجتماعي، وخاصة فيسبوك، الّذي تحول إلى منصة للترحم عليه ونشر بعض مآثره وآثاره في حقل الترجمة والكتابة والنشاط الثقافي.
وزارة الثقافة والفنون نعته عبر صفحتها الرسمية، بنص جاء فيه «بقلوبٍ مؤمنة بقضاء الله وقدره وبمزيد من الحزن والأسى، تلقى السيد (زهير بللو) وزير الثقافة والفنون نبأ وفاة المغفور له بإذن الله الكاتب والمترجم الجزائري (عميّر بوداود) عن عمر ناهز 64 عام .وأمام هذا المُصاب الجلل، يتقدم السيد الوزير باِسمه وباِسم كافة إطارات الوزارة وموظفيها والأسرة الثّقافيّة إلى عائلة الفقيد بخالص عبارات التعازي والمواساة، سائلاً المولى عز وجل أنْ يتغمده بواسع رحمته، وأنْ يُلهم أهله وذويه ومحبيه جميل الصبر والسلوان».
وحملت كل المنشورات التي تناولت خبر وفاته، مشاعر الحزن والصدمة وعبارات التعازي والألم، إذ تلقى الكثير من أصدقاء الراحل الخبر كالصاعقة.
ومن بين الذين تحدثوا عن الراحل، صديقه المقرب الأكاديمي الدكتور بشير خليفي، الّذي كتب على صفحته : «خبر فجائعي وصَادم لا يُخفّف وطأته سِوى الإيمان بقضاء الله وقدره؛ تمثَّل في رحيل مُفاجئ للصديق العزيز والأخ الحبيب والقريب الأستاذ عميّر بوداود؛ الكاتب، الباحث القاص، المُترجم والإنسان الشهم المُهتم بعوالم الكتابة والإبداع في محليّتها وعالميّتها».
مضيفًا في ذات المنشور: «لم يَكُن الأستاذ بوداود يُعاني من أي مرض يُذكر، كان مُحبًا للاِبتسامة ونشر الفرح حيثما حل وارتحل، نشيطٌ ومُبهج ومُحب استثنائي لعوالم الثقافة في شقها الوطني والإنساني. لقد دأب صديقي بوداود على مُمارسة الرياضة، كان مُحبًا للمشي عارفاً بقيمته على صعيد الجسد وبوصفه فرصة للتأمل... كان بحق مدرسة في المحبة والتسامح والنُبل، ومدرسة في العِلم أيضا الّذي اِكتسب مُجمله بعصامية مُنقطعة النظير».
الدكتور خليفي ختم منشوره بقوله: «توقف قلبه الجميل فجأةً عن النبض هذا الصباح، تاركاً ورائه إرثا جميلاً لا ينضب من المحبة والعِلم والأثر الطيب الّذي تجاوز حُدود الوطن،.. كُنتُ أمَني النفس صديقي بلقائك -كعادتنا في العُطل- غداً مع ثلة الأصحاب والأحباب لنتحاور ونستجلب فرحًا له مذاقه وطعمه الخاص؛ ولكن الحياة منذ بدءِ الخلق بعدتها وعهدها وعادتها، وكما قال الأسبقون، إذ حلّت أوحلت».
من جهته الباحث والأكاديمي الدكتور محمّد جديدي، كتب على صفحته، ما يلي: «صادمٌ ومحزن رحيلك المُبكر، الكاتب والمُترجم والمثقف مُتعدّد المواهب عميّر بوداود. لم أصدق الخبر وأنا أقرأ تداوله وانتشاره على صفحات الأصدقاء في وسائل التواصل الاِجتماعي ورحتُ أبحث عن أرقام من بإمكانهم تأكيد الخبر أو نفيه. وكم كانت الحقيقة فاجعة وأنا أتصل بالصديق الدكتور بشير خليفي الّذي أكدَ لي خبر الوفاة».
كما ذهب الدكتور جديدي، للتأكيد أنّ عميّر بوداود ليس مجرّد متابع عن كثب للشأن الأدبي والفكري شرقاً وغرباً ولكنه قارئ مُتفرد وناقد مُتمرس وعنوان حقيقي للثقافة قلما تجد نظيرا له. حيث تحظى صفحته على الفيسبوك بمتابعة وتفاعل كبيرين وهو حريص على تمكين أصدقائه ومتابعيه بكلّ مستجدات الواقع الثقافي سواء في الثقافة العربية أو الثقافية الغربية.
مِماَ ورد في صفحته أيضاَ قوله: «فضلاً عن إلمامه بمنجزات الكُتّاب وجديدهم في ميادين الفلسفة والأدب والشِّعر والفنون والعِلم والتاريخ وغيرها من قطاعات الثقافة وتشجيعه للأقلام الجادة والموهوبة والتعريف بها بموضوعية وسخاء ودون تمييز أو تحيز، فقد كان صاحب أخلاق عالية يتجاوز سفاسف الأمور ويرد بدبلوماسية على منتقديه وعلى المستفزين والمفلسين الغيورين من نجاح صفحته، كان مثالاً للصديق الاِفتراضي الّذي يكاد كلّ من عرفه أو صادقه يجمع على حسن خلقه ورقيه في التواصل وقلماً نعثر على صديق مثله في هذا الفضاء وفي كثير من المرات لا أجد ما يشدني إلى هذا الفضاء الاِفتراضي سوى وجوده وأمثاله الفُضلاء».الشاعرة والروائية ربيعة جلطي، كانت أيضا من الذين صدمهم خبر رحيله، وقد كتبت هذا في منشورٍ حزين، جاء فيه: «أبكاني رحيلك المفاجئ الصاعق صديقي العزيز المبدع عميّر بوداود. وأنتَ المُثقف الرصين المُتخلق، دون تبجح ولا اِدعاء. لم تكن طعّانا ولا لعّانا ولم تكتب أبداً ما تسبّ به أحداً، ولم تنبز بلقب ساخراً، ولم تشتم. لم نقرأ لك شكوى، أو تذمراً، أو أسفًا. وأنتَ المُعلّم كريم العقل، والعارف بسحر الترجمة وأسرارها، بتواضع الشجر المُحمَّل بالثمار، ترصد أهم ما يصدر في العالم من مواد أدبية وثقافيّة وعلميّة، تترجمها بحنكة ثم تنشرها -هكذا- بكرم حاتميّ خدمةً لقرائك. نم هانئ الرّوح أيّها المُثقف العظيم، الهادئ، الرصين في زمن البهلوانيات والجوائز والتكريمات». أمّا الشاعر عاشور فني، فكتب: «كان شعلة من نشاط وقد فتح أفقا للساحة الثقافية الوطنية على العالم العربي والغربي من خلال متابعاته لِما يُنشر من كُتب وما تنشرهُ الصُحف والدوريات. وقد اِلتزم بالنشر الهادف الّذي جعل من صفحته مصدراً للأخبار الثقافية ومرجعًا ثقافيًا للعديد من الصحفيين والكُتّاب».من جهته الشاعر خالد بن صالح، صدمه خبر رحيل عميّر بوداود ، وهذا ما كتبه في صفحته: «كم هو مفجع ومؤلم خبر رحيل الكاتب والمترجم والإنسان النبيل عميّر بوداود والّذي كان يفتح نوافذ في الثقافة والكُتُب والترجمة على أكثر من أفق... كم كنتُ أسعد حين أقرأ عبارته الاِفتتاحية: (لمن يملك الرغبة والوقت)، وأتساءل ألا تأتي كلّ الرغبة، ويتوفر كلّ الوقت في القراءة والاِكتشاف حين تكون المادة المكتوبة من كاتب وقارئ بجودة وحصافة الأستاذ بوداود.. العزاء للجزائر التي تفقد مثقفا اِستثنائيا». كما كتب الروائي أمين الزاوي:»وداعاً عميّر أيّها المُثقف الهادئ، الصادق، العميق، الأصيل. كنتَ تحفر بإتقان نصوصك وبمثل ذلك كنت تزرع وتسقي أزهار بساتين علاقاتك الإنسانية مع المثقفين والكُتّاب بعيداً عن حسابات اللّغة أو الجيل أو الجغرافيا. كنتَ المُتعدّد في وحدتك والصلب في هشاشتك الإبداعية».
نوّارة/ل