يكتسي الماء في التصور الإسلامي ومنظومة الكون أهمية دينية وحيوية واستراتيجية عظيمة، لما يحمله من خصائص وصفات وما يؤديه من وظائف في حياة الكائنات الحية والجامدة التي أضفى عليها جمالا بديعا؛ بانسيابه في الجبال والسهول والأنهار والوديان والبحار والينابيع في الصحاري والتلال، كان له دور في حياة الرسل والأنبياء رحمة وعذابا، وحياة الأفراد والأمم والجيوش، التي استعملته وسيلة تموين لجيوشها وأداة حرب لأعدائها، وما يزال له التأثير ذاته في عالمنا المعاصر الذي أدرك أكثر من غيره عظمة وقيمة قطرة الماء؛ لذا وجب إدراك قيمته والمحافظة عليه وعدم الإسراف في استعماله.
إعداد: د .عبد الرحمان خلفة
وقد أخبر القرآن الكريم في آيات كثيرة عن هذه الأهمية كما عاينها البشر في تاريخهم الاجتماعي والعمراني الطويل؛ فالماء أصل الكائنات الحية وسر استمرارها في الوجود؛ قال تعالى: (وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ) الأنبياء، وهو نعمة من الخالق تعالى أنزلها على عباده قال تعالى: ((أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّـهَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَلَكَهُ يَنَابِيعَ فِي الْأَرْضِ) الزمر: ٢١ وقال تعالى: (أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ* أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ* لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجاً فَلَوْلا تَشْكُرُونَ) (الواقعة56 -58) وبهذا التنزل تحيا الأرض وتعمر قال تعالى: (وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنبَتَتْ مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ) الحج: ٥؛ وقال تعالى: (وَهُوَ الَّذِي أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ نَبَاتَ كُلِّ شَيْءٍ فَأَخْرَجْنَا مِنْهُ خَضِرًا نُّخْرِجُ مِنْهُ حَبًّا مُّتَرَاكِبًا وَمِنَ النَّخْلِ مِن طَلْعِهَا قِنْوَانٌ دَانِيَةٌ وَجَنَّاتٍ مِّنْ أَعْنَابٍ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُشْتَبِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ انظُرُوا إِلَى ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ إِنَّ فِي ذ لِكُمْ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) الأنعام: ٩٩؛ لذا كان الماء رحمة بالعباد قال الله تعالى: (وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ ) الشورى:28، وفي جانب العبادة فالماء وسيلة الطهارة الأولى حيث لا تصح صلاة بدون طهور؛ قال الله تعالى: (وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا) الفرقان: ٤٨، وقال تعالى: ((وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا)) الانسان: ٢١)، ليكون غذاء ودواء وأداة طهارة ونظافة وصحة وجمالا.
فحري بالمسلم ان يشكر الله تعالى على هذه النعمة حتى تدوم؛ لقوله تعالى: (وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلَا تتولوا مجرمين) هود، وأن يتصدق به ويعطيه من يطلبه من بني نوعه وبني جنسه بل يسقي به النباتات أيضا، وهو من الصدقات الجارية، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ مِمَّا يَلْحَقُ الْمُؤْمِنَ مِنْ عَمَلِهِ وَحَسَنَاتِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ عِلْمًا علمه ونشره وَولدا صَالحا تَركه ومصحفا وَرَّثَهُ أَوْ مَسْجِدًا بَنَاهُ أَوْ بَيْتًا لِابْنِ السَّبِيلِ بَنَاهُ أَوْ نَهْرًا أَجْرَاهُ أَوْ صَدَقَةً أخرجهَا من مَاله فِي صِحَّته وحياته يلْحقهُ من بعد مَوته)، وأن لا يسرف في استعماله بل يستعمله قدر حاجته فقط، قال تعالى (يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ) (الأعراف 31)، والإسراف ممنوع ولو أثناء الوضوء والعبادة؛ فعن انس رضي الله عنه قال ( كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَغْسِلُ، أَوْ كَانَ يَغْتَسِلُ، بِالصَّاعِ إِلَى خَمْسَةِ أَمْدَادٍ، وَيَتَوَضَّأُ بِالْمُدِّ )، وكذا المحافظة عليه من التلوث بالقاذورات والنفايات وغيرها من النجاسات والمواد المضرة بالصحة والبيئة عَنْ جَابِرٍ: (عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ نَهَى أَنْ يُبَالَ فِي الْمَاءِ الرَّاكِدِ). ع/خ
حين عادت الجزائر لحظيرة الإسلام غداة الاستقلال
خرج النبي صلى الله عليه وسلم من مكة مهاجرا بعدما لاقى كل أنواع الصد عن سبيل الله بها، وجهته الآن المدينة المنورة ، يلتفت صلى الله عليه وسلم إلى مكة بعد مسيرة خطى منها يخاطبها (أَنْتِ أَحَبُّ بِلاَدِ اللهِ إلى اللهِ، وأَنْتِ أَحَبُّ بِلاَدِ اللهِ إليَّ، فَلَوْ أَنَّ المُشْرِكينَ لَمْ يُخْرِجُوني لَمْ أَخْرُجْ مِنْكِ) رواه الترميذي ، فلما بلغ الجحفة سلّاه الله حيث أنزل عليه من سورة القصص قوله « إن الذي فرض عليك القرءان لرادك إلى معاد « أي أنهم كما أخرجوك ستعود إليها بإذن الله تعالى كما أرجع موسى إلى أمه رضيعا فلفت انتباه النبي صلى الله عليه وسلم إلى وعد الله تعالى لأم موسى عليه السلام وتحققه بقدرته، قال الله تعالى «وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ ۖ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي ۖ إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ القصص» 07 ويقول تعالى في سورة طه 40 :» فَرَجَعْنَاكَ إِلَى أُمِّكَ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ» يقال في الأثر أنه رضع من ثديها اليمنى قبل أن تلقيه في اليم وفي المساء أرضعته من اليسرى في قصر فرعون وأراد المولى عز وجل أن يلفت انتباهه إلى جبروت فرعون أنها لم تفده، بل رفع الله المستضعفين فجعلهم ملوكا وأورثهم أرض فرعون وقومه قال تعالى «إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِّنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ ونمكن لهم « القصص 4-5-6 وكذلك ليبين الله لفرعون وهامان وقارون حرصهما على الحياة والأموال والزعامة الذي أودى بها إلى التجبر والقتل أن ما كانوا يحذرونه من زوال كل ذلك لا محالة واقع قال تعالى «وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُم مَّا كَانُوا يَحْذَرُون « القصص 06 فكذلك الأمر لثورة التحرير المباركة ثورة القرن جاءت جنود الاحتلال الفرنسي وكلها أمل باستضعاف الشعب الجزائري وطمس هويته ، بما أمكنها من سبل يقول البشير الإبراهيمي : إن الاستعمار القائم على الجندي، والمعلم، والطبيب، والراهب، هَيكلٌ حيوانيٌّ يَمشِي على أربع... وإن الاستعمار قد قَضَى بواسطة هؤلاء الأربعة على عشرةِ ملايين من البشر ، لكن هيهات ، انفجرت قوة شعب لم تسطعها قوتهم وأراهم الله ما كانوا يحذرون بقدرة قادر ونصرة ناصر ، الشعب الذي أحب القرآن وأحب القلب الذي أنزل عليه هذا القرآن آمنوا بما آمن به حبيبهم صلى الله عليه وسلم فتحقق وعد الله أن الذي فرض عليك القرآن لرادك إلى معاد فكان المعاد 05 جويلية 1962 تصيح الحناجر يومئذ بشعار واحد يا محمد الجزائر راهي رجعت ليك ، فتحقق المعاد لمحمد صلى الله عليه وسلم ولشعب الجزائر ...المجد والخلود لشهدائنا الأبرار .
دعوات لعدم رفع الشعارات السياسية خلال الحج
أكد الأمين العام لمنظمة التعاون الإسلامي ، أن الحج «اجتماع إيماني، وليس محفلا سياسيا لرفع الشعارات»، داعيا الجميع إلى الابتعاد عن كل ما يشوش الشعائر الدينية.
من جانبه ذكَّر مجمع الفقه الإسلامي الدولي في بيان له نقلته وكالات أنباء حجاج بيت الله الحرام بضرورة الحرص على سلامة حجهم بأداء أركانه وواجباته وسننه ومستحباته، وتجنب محظوراته وكل ما يفسده أو يخل به، والتزام التقوى، والتحلي بالإنابة والخلق الإسلامي الرفيع أثناء رحلتهم المباركة ومسيرتهم التعبدية لأداء المناسك على الوجه الذي يرضي الله عنهم، والامتناع عن رفع الشعارات السياسية والمذهبية والحزبية والطائفية في الحرمين الشريفين ومحيطهما في مكة المكرمة والمشاعر المقدسة وفي المدينة المنورة، فجموع الحجيج الذين استجابوا لنداء ربهم رجالا وركبانا وتخلوا عن كل ما يفرقهم ويشتت صفهم ويمزق جمعهم ووحدتهم وكل ما يعكر صفائهم وصلتهم بربهم فلا صوت فيهم يعلو على ذكرهم لربهم في كل آن وحال بهتافهم البهيج: «لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك»، وعندما ينتهون من التلبية يكبرون الله على ما هداهم إليه.
ديننا والطريق لتغيير الفرد والجماعة
لا يمكن أن تحدث الأحداث الكبرى التي تحوّل التاريخ البشري وتؤثر فيه من دون تحرك المجتمع وتغيّر أساليبه وأفكاره، ولا يمكن أن يصيب التحول أي مجتمع إن كان أفراده ثابتين جامدين.
و من المنظور الديني فالتغيير سنة كونية ولا يمكن إيقافه، وهو يحدث بعد التغيّر في وعي الإنسان، وعلى كل فرد أن يدرك محله في عالم متغير ومتحول، ويسعى لتكمل نفسه خلقا وعملا وعلما...منطلقا من الآية القرآنية:»إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم»
وفي هذا الوطن الحبيب، يريد الجزائريون أن يشاهدوا النزاهة الأخلاقية و الشرف كما أن المجتمع يريد الرجال الشرفاء وليس الخونة، ويريد سماع صوت من واجه النظام المستبد ودافع عن الهوية و المرجعية الوطنية و الدينية، فلننتبه للأفراد ومواقفهم، لأنها الطريق لحركة المجتمعات.
ومع حركة الفرد تأتي حركة الجماعة، ليحقق الوطن التغيير في مجالاته المتعددة السياسية و الثقافية و الاقتصادية و التربوية... وأنقل للقارئ هنا هذا الكلام الجميل للدكتورعبد القادر بوعرفة في دراسة عن فلسفة التغيير في القرآن:» التغيير في القرآن يرتبط بمفهوم الثورة إلى حد كبير، لأن التغيير إذا لم يكن ثورة كان مجرد أحلام يقظة، لا تنفك أن ترتبط بقبول الواقع المرير، مما يجعل الإنسان مجرد كائن سلبي لم يفهم نظرية التدافع في القرآن الكريم، ولم يستوعب كفاح الأنبياء على مر التاريخ، إن التغيير بدون ثورة هو مجرد حلم بائس في ليلة عاصفة.»
ويضيف الباحث الجامعي مركزا على الأبعاد المعنوية الروحية للتغيير من منظور القرآن:»إن القرآن لا يريد من خلال حركة التغيير الحصول على المكاسب الاقتصادية فقط، بل يريد منه الحصول على المكاسب الباقية الأبدية، فالمال والتجارة وزينة الحياة مجرد عرض زائل لكنه مهم لاستمرار الحياة، ويجب العمل من أجل تحصيله، لكن الأهم من ذلك أن يصل الإنسان من خلال فلسفة التغيير إلى التمكين لذاته الفاضلة في عالم الألوهية المفتوح على مقامات الوجود والكمالات الآدمية وكذلك الشأن الوطني الجزائري، فلا مناص من إيجاد وتطبيق الحلول التي تنجز النماء المادي ولا تغفل القيم والثقافة والدين، وتحقق العدالة...
يريد الجزائريون عبر هبتهم التغييرية الوطنية الوصول لدولة القانون التي تحترم الحريات وتضمن العدالة الاجتماعية، كما يردون الدولة التي تحفظ ثوابتهم وهويتهم، وتمنحهم القدرة على رفع التحدي التنموي اقليميا وعالميا.قال تعالى: ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ [الأنفال: 53]