يعمد البعض بحسن نية، أو بسوء نية إلى تأويل بعض آيات وسور القرآن الكريم للإدعاء من خلال ذلك أن القرآن الكريم قد تنبأ بأحداث وقائع تاريخية وذكرها بالنص المنطوق صراحة؛ مدعين أن ما تأولوه ضرب من ضروب الإعجاز الذي يخدمه بزعمهم، رغم بعد تأويلهم عن دلالات اللغة العربية ومحمل الآيات والسور المشار إليها، ومنافاته للتفسير المعطى لها منذ القدم الموافق لقواعد اللغة والأصول وأسباب ومناسبات النزول.
إعداد: د .عبد الرحمان خلفة
والأمثلة على ذلك كثيرة؛ منها ادعاؤهم أن تفجير مركز التجارة العالمي لسنة 2001 مذكور في الآية 109 من سورة التوبة، و أن جائحة كوورنا مذكورة في سورة المدثر ! و أن زعيما تاريخيا ما مذكور في النصوص الدينية لمجرد تأويلات تاريخية لخدمة أغراض معاصرة، وغيرها من الأمثلة التي تكشف عن عقول عاجزة كليلة ونفوس مريضة مصابة بالهوس، أضحت عالة وثقلا على الإسلام ومصادره العظيمة، كما تشي بجرأة غريبة على التلاعب بدلالات آيات القرآن والإقدام على تفسيره، والادعاء أن هذا مراد الله تعالى دون أي قواعد من اللغة والأصول، رغم أن النصوص الشرعية ذاتها والآثار تنهى المسلم وغيره عن التقول على الله بما لا يعلم أو الافتراء عليه، قال الله تعالى: ((أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ ))، وقال أيضا: ((وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ))، فلا فرق بين من يفتري على الله ومن يكذب بآياته فكلاهما آثم.
لأن مثل هكذا تأويلات مجرد تلاعب بمعاني الكلمات القرآنية وحملها على غير حقائقها اللغوية والعرفية المقارن لنزول الوحي والشرعية، الذي أنيطت بها الأحكام والتكاليف، فلا يكفي تطابق المفردات لتتطابق المعاني والدلالات فكلام الله تعالى لا يحمل على اصطلاحات المتأخرين.
لقد راجت هذه الظاهرة بكثرة لاسيما عبر وسائط التواصل الاجتماعي، ووجدت لها من يروجها وينشرها منبهرا مدعيا أنه مأجور وخادم لدين الله تعالى، دون أي نقد لما يتلقى، أو سؤال عن مدى صدقه، ومن شأن هذا المسلك أن يثير السخرية من الإسلام والمسلمين فينقلب ضررا حقيقيا عليه خلاف مراد أصحابه الذي يعتقدون أنهم يحسنون صنعا، وقد لجأت بعض الفرق الإسلامية قديمة لتأويل بعض الآيات وحملها على معاني توافق آراءهم العقدية والسياسية رغم أن هذه الآيات حين نزلت لم يكن لفرقهم وجود.
ع/خ
كمال الدين وتمام النعمة
هناك فرق بين الكمال، والتمام؛ فكمال الدين حالة مثالية كاملةٌ لا نقص فيه، ومن ثَمَ لا يحتمل الزيادة، ولا يتقبَلُها. بينما التمامُ خاصٌ بالنِّعمِ، وقد يقبل الزيادة، ويُشعر النفس أن هناك نقصاً في النِعَمِ يجب إتمامه، ويصدقُ على كمال الدين، وتمام النعمة قوله تعالى:(الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا)).
فالدينُ كاملٌ، والنعمةُ تامة، وكمال الرضا حاصلٌ. فالدينُ كمال لا يكون دينيْن. والبحر كمال لا يكون بحريْن .والشخص كمال لا يكون شخصيْن. والدنيا كمال لا تكون دنيتَين. والآخرة كمال لا تكون آخرتيْن. بينما التمام فقد وردت في القرآن الكريم متعلقةً بالنِعم القابلةِ للزيادة. كقوله تعالى((وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَه عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُون)).
وبآيات النَّعمِ وجب على أمةِ محمد (صلى الله عليه وسلم) أن تحمِدَ ربّها على كمال دينها، وتمامِ نعمتها، ورضاء ربها لدينِها. سواء أكانت نِعم عبادةٍ، وهدايةٍ، وإيمان، وصلاح، أو نِعم مادةٍ، وصحةٍ، وعافيةٍ، وغريزةً، وشهوةٍ. إن مقام النِعم يقود عقولنا إلى التعبير بجوامع الكَلِم، والحِكَم، والمواعظ، فنقول: إن مشقة الطاعةِ تزول، ويبقى ثوابُها. وإن لذّة المعصية تزول، ويبقى عقابها. وإن الملائكة خُلْقت بعقل دون شهوةٍ، وخُلق الحيوان بشهوةٍ دون عقل. وبالنسبة للإنسان: إن غَلّب عقله على شهوته، أصبح أعلى من المَلَك. وإن غلّب شهوته على عقله، أصبح دون الحيوان. وأيضاً يُذّكرنا مقام النِعم بآخر عمل يجب أن يقوم به المؤمن عند قيام الساعة يكمن في غرس فسيلة الشجر؛ تيمنا بالحديث الشريف (إذا قامت الساعةُ وفي يد أحدكم فسيلة، فليغرسها). رواه أحمد.
ويذكِّرنا مقام النِعَم أيضاً بالموعظةِ، وفحواها: إنك سَتُبتلى بالتأخير في أشد ما يتمناه قلبك. فإن صبرتَ، أعطاكَ الله ماتريد، وأكثر. ويذكّرنا مقام النِعم أيضاً بحكمةٍ فحواها: إن كنتُ مستقيما،ً فلا يهمُّني إن كان ظلي أعوجَ؛ فثقتي بالله أعلى الكمال في الحُسنِ، والتوكل عليه، وطلب الرحمة بإذنه. وفي مقام النِّعم نقول: لا تعتمد على الحب؛ فهو نادر. ولا تعتمد على الإنسان؛ فهو غادر. ولا تعتمد على الزمن؛ فهو عابر. واعتمد على الله؛ فهو القادر.
ويُذكرنا أيضًا مقام النعم بالأخوّةِ في اللهِ. فما لها من نعمةٍ لا نظير لها بالنسبةِ للأممِ الأخرى غير المؤمنة. مصداق قوله تعالى: ((فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا)).
ومن حسن الدعاء يحسن القول: (اللهم إني أعوذ بك من زوال نعمتك، وتحول عافيتك، وفجاءة نقمتك، وجميع سخطك).
الإعلام والمرجعية الدينية الوطنية
يسعى المجلس الإسلامي الأعلى بالجزائر لاستحداث منتدى إعلامي يتكفل بترسيخ المرجعية الدينية للجزائريين، وذلك بالتعريف بعلماء ومفكري وأئمة الوطن للأجيال الصاعدة،قصد تجنب فوضى الفتوى واضطراب عملية طلب العلم الشرعي، في ظل كثرة القنوات الدينية وجاذبية شبكات التواصل الاجتماعي، وما قد تمنحه للشباب من رؤى وأحكام وتأويلات،تكون سببا في الغلو والتطرف.
ونتمنى أن يكون هذا الفضاء متفاعلا مع القنوات الجزائرية، بخاصة في شهر رمضان، ونقترح وضع اتفاقيات بين وزارة الاتصال أو سلطة ضبط السمعي البصري من جهة ووزارات التربية والتعليم العالي والشؤون الدينية، لمراقبة ومتابعة وإنجاز حصص دينية بإشراف علمي جزائري مئة بالمئة، وتوقيع عقود موثقة مع الباحثين في العلوم الشرعية والاجتماعية وعلوم اللغة، ومنح الأساتذة والدكاترة والأئمة حقوقهم المادية، للإشراف على الحصص أو تقديمها،كما تفعل القنوات عندما تمنح الأموال الكثيرة لأعمال شبه فنية سخيفة تافهة ذات طابع كوميدي ساخر، يقع غالبا في الصراخ والشتم والتخويف.
وهناك الكثير من الأسماء التي يمكن أن تدعم منتدى المجلس الإسلامي الأعلى، سواء من رجال الإعلام أو الأدب والشريعة والعلوم الاجتماعية، ويمكن التواصل مع الجامعات والمراكز الإسلامية بوهران والعاصمة وقسنطينة والاغواط وغيرها، ومع كليات الآداب والعلوم الإنسانية والاجتماعية ويمكن التفاعل مع جمعية العلماء المسلمين، لتقديم الفكرة والنصيحة، فلها خبرة كبيرة وهي على تواصل دائم متجدد مع خيرة مثقفي وإعلاميي ومفكري الوطن.
إن أمر الدين والعودة للمرجعية الوطنية في مسائله مسألة هامة جدا، تصل لمستويات ثقافية اجتماعية وحتى أمنية، لأن الأمن الديني طريق هام لحفظ الوحدة الترابية والانسجام المجتمعي، ومواجهة تحديات عديدة، تتجاوز الجوانب المادية لجوانب قيمية.
يكفيك من الشر أن تسمعه
حسبك من شر سماعه، القائل هي أم الربيع بنت زياد العبسي أما القصة فإن الربيع العبسي الابن الأكبر لأم الربيع قائلة هذا المثل،كان قد أخذ درعا من قيس ابن زهير بن جذيمة ورفض أن يرده له، فما كان من قيس إلا أن اعترض أم الربيع، وهي على راحتها في مسير لها وأراد أن يذهب بها رهينة، حتى يرد ابنها له درعه قالت له: أين ذهب عقلك يا قيس؟ أترى قومي يتركونك حيا وقد ذهبت بي يمينا وشمالا، وقال الناس ما قالوا، وإن حسبك من شر سماعه، فقال لها قيس صدقت يا خالة وخلى سبيلها.
قد يستغرب قارئ هذه القصة كيف قرر قيس اختطاف أم الربيع لأجل درع أخذه ابنها منه لكن لو تأملنا في حياتنا ومشاكلنا اليومية الاجتماعية لوجدنا الأمر مشابها، وإن اختلفت صور الخلاف، على الأقل كان القوم أهل جاهلية، لا يخافون نارا ولا يرجون جنة، ولكن بيننا من إذا طلق زوجته حرمها أن ترى أولادها، أو تحرمه هي إن حصلت على الكفالة، وبيننا من إذا خاصم جاره على موقف سيارة شيطنه، بعد أن لم يبق له عليه غطاء ولا سترا، وبين ما إذا خاصمت أخرى حطت من عرضها وشككت في شرفها، أليس فينا نحن أيضا بذور للجاهلية، فالخصومة لها أدب وإلا لما ذكر من أيه المنافق أنه إذا خاصم فجر.
وقول أم الربيع له معنى، يكفي المرء عارا أن يقال فيه الشر، بغض النظر إن كان ما قيل فيه صوابا أم خطأ، فيكفي أم الربيع شرا أن يقال فلان ذهب بها ففعل وفعل، ولو لم يفعل، ورحم الله امرءا جب الغيبة عن نفسه وإن نسب هذا الحديث لرسول الله صلى الله عليه وسلم إلا إنه موضوع لا أصل له، ولكنه كقول جميل يشبه ما جاء في السنه الصحيحة، فقد جاءت صفيه بنت حيي زوج النبي صلى الله عليه وسلم تزوره في اعتكافه فتحدثت إليه ثم قامت تنقلب عنه ، فقام معها حتى إذا بلغا باب المسجد مر رجلان من الأنصار، فسلما، فقال لهما رسول الله صلى الله عليه وسلم على رسلكما هذه صفيه بنت حيي، فقالا سبحان الله يا رسول الله أي أنشك فيك، فقال إن الشيطان يبلغ من الإنسان مبلغ الدم من العروق ،وقد خشيت أن يقذف في قلوبكما شيئا، والخلاصة أن العاقل يدفع عن نفسه الشبهة التي تكون على إثرها الغيبة .
يا أخي دع الشر يقف عندك، فيكيفك نصيب منه أن تسمعه، شائعة يطلقها شخص تلف المدينة بسرعة، لأننا لم نعتد أن نكتفي من الشر سماعه، بل اعتدنا أن نبلغ كل ما نسمع وكأنه العلم الذي ينتفع به، وكاتمه يلجم يوم القيامة بلجام من النار، العاقل يخمد النار في مهدها والأهوج ينفخ في رماد نار خفتت ليضرمها من جديد، كثير من الشر لو أنه عند ولادته خالط عاقلا، لتم وأده في أرضه وما صار شرا، وما أعقل أم الربيع وهي تئد الشر في مهده، فتخبر قيسا أن المسألة لم تبق مسألة درع، فيا قارئي العزيز إن كان في علاج الشر شر أكبر منه فليبقى الأمر على شره الأول الأخف، فعود الثقاب يحرق غابة.