دعا أخصائيون لضرورة استقراء التحديات التي يفرضها الأمن السبيراني والعمل على التصدي لها عن طريق تعزيز المنظومة التشريعية وتعزيز التعاون الدولي لمكافحة الجريمة المتطورة والجرائم الالكترونية المستهدفة لشتى القطاعات؛ لأنها تفرض تحديات وطنية وإقليمية وعالمية آخذة في التفاقم تبعا للتطور الحاصل في التكنولوجيات الحديثة وزخم تنامي فضاءات ومواقع التواصل الاجتماعي.
د.عبد الرحمان خلفة
* د.نادية سخان
التكييف الفقهي للاعتداءات الواقعة على أنظمة المعلومات
منذ البداية نؤكد أن هذه المسألة فقها وإن لم يكن فيها نص خاص يشهد لعين المسألة إلا إن نصوصا كثيرة تشهد بعمومها لها، فيجعل القياس العام شاهدا لها ومدللا، إن أدلة الشريعة الكلية المبنية على رعي المصالح ودفع المفاسد، وسد الذرائع المؤدية إليها هي الفيصل في بيان حكمها.
أولا-: التكييف الفقهي للدخول غير المشروع لأنظمة المعالجة الآلية للمعطيات يكيف الفقهاء هذه المسألة من جانبين:
أولهما: الاعتداء على الحياة الخاصة للأفراد ( وذلك من جانب حرمة الاطلاع على المحادثات والمكالمات الشخصية، حرمة المراسلات، صون الحياة العائلية ،والمهنية، حرمة الذمة المالية )، فإن كل ذلك مصون شرعا لا يجوز اختراقه أو التعدي عليه ، إلا برضا صاحبه . التنصت، استراق السمع
ثانيهما: حرمة التجسس، وهذا ذو شقين إن على مستوى الأفراد أنفسهم في الجانب المادي أو المعنوي، أما الشق الثاني فهو أخطر وأشنع إذا تعلق بجانب الدول، هياكلها أنظمتها،اقتصادها،سياستها، أمنها ...
ويشهد لما نقول نصوص كثيرة من القرآن والسنة. وقد شدد المولى عز وجل في النهي عن الدخول دون إذن وجعل الإذن شرطا للدخول فقال جلّ وعلا :» يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا» الأحزاب: 53، والدخول إلى نظام المعلومات الخاصة بالأفراد أو المجموعات دون تصريح ، دائر في معنى عدم الاستئذان وهو نوع من أنواع الاعتداء على حقوق الغير فيكون محرما بمنطوق الآيات سالفة الذكر – فهذه النصوص تدل على وجوب الاستئذان قبل الدخول إلى ملكية خاصة، ولابد أنّ الدخول المعنوي ومنه ولوج أنظمة المعلومات دون تصريح مناف لوجوب الاستئذان،
ثانيا- التكييف الفقهي للبقاء غير المشروع في أنظمة المعالجة الآلية للمعلومات: البقاء غير المشروع يكون ناتجا عن تهديد داخلي من شخص مخول له الدخول لفترة معينة (فدخوله في بادئ الأمر مشروع) بيد أنّه يتجاوز الحد المسموح له البقاء فيه فيكون بذلك بقاؤه في النظام خارج الفترة المسموح له بها بقاء غير مشروع، وهو بذلك يخون الأمانة التي أمّنته إياها الجهة أو المنشأة التي ينتسب إليها، والمولى عز وجل ينهى عن خيانة الأمانة فيقول جل ّ شأنه : يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ الأنفال: 27 .
ثالثا-التكييف الفقهي لاختراق المواقع الالكترونية؛ يختلف الحكم الفقهي لاختراق المواقع أو تدميرها باختلاف نوع الموقع وما يحتويه من مواد، فهناك مواقع محترمة تهدف إلى النفع العام، وهناك مواقع غير محترمة تسيء إلى الإسلام وتضر بالمجتمع لما تحتويه من مواد إباحية وغيرها، وكما يجب مراعاة حال صاحب الموقع هل هو معصوم الدم أو لا، ولهذا يختلف حكم تدمير كل منها.
فالمواقع المفيدة والتي لا تسيء للإسلام: يحرم اختراقها والاعتداء عليها وذلك لما فيها من منافع عامة، وكونها ملكية خاصة لأفراد معصومي الدم والمال سواء كانوا مسلمين أو معاهدين أو مستأمنين، وتدمير هذه المواقع يعتبر من التعدي المنهي عنه في الشريعة الإسلامية؛ أما المواقع غير المحترمة والمواقع المعادية للإسلام فيختلف حكمها حسب كل حالة.
* عمار بن جدة طالب دكتوراه بجامعة الأمير عبد القادر للعلوم الإسلامية – قسنطينة –
الأمن السيبراني يتطلب مواكبة تشريعية للثورة المعلوماتية
بعد انفجار الثورة المعلوماتية والتطور الهائل الذي عرفته تكنولوجية الإعلام والاتصال ودخول العالم العصر الرقمي بكل آثاره الإيجابية والسلبية، وجدت البشرية نفسها أمام واقع جديد مليء بمختلف التحديات والتهديدات، فصرنا نسمع عن التهديدات السيبرانية والهجمات الإلكترونية التي هددت الأمن القومي للدول بشكل لم تشهده البشرية من قبل؛ وأمام هذا الوضع صار لزاما على الحكومات وجهات نفاذ القانون التحرك بسرعة من أجل البحث عن حلول قانونية للحد من هذا النوع من التهديد، لأن التشريعات الحالية لم تعد باستطاعتها مواكبة هذا النوع من الجرائم والتهديدات، خاصة مع سرعة منفذي الجرائم الالكترونية وجمود القوانين
ومن مظاهر التهديدات في الفضاء السيبراني؛ حروب الفضاء السيبراني، وتهديد الأمن الاقتصادي للدول:صارت بيانات ومعلومات رواد الإنترنت ومستخدميه سلعة بملايير الدولارات، وتجارة رائجة بأبعاد اقتصادية وفي بعض الأحيان استخباراتية، تهديد الأمن القومي للدول. ويطرح تحديات كثيرة؛ على تواجه رجال القانون منها؛ التحديات التقنية والفنية مثل: غياب الإحصاءات الدقيقة المتعلقة بالتهديدات السيبرانية، وسيطرة القطاع الخاص علىالفضاء الرقمي، والطبيعة الخاصة للأدلة الرقمية:
والتحديات القانونية؛ مثل التحديات القانونية الموضوعية والطبيعة القانونية للفضاء الرقمي ومعاييرها، ومسألة التجريم وعائق الشرعية، والموازنة بين إنفاذ القانون واحترام المعايير المتعلقة بحقوق الإنسان، وإشكاليات التعاون الدولي. والتحديات القانونية الإجرائية، مثل تنازع الاختصاص القضائي؛ مسألة الأدلة الإلكترونية وتعقيداتها، صلاحيات الإجراءات والتحقيق، والسيادة الإقليمية و السيادة السيبرانية وتضارب المصالح وطلب الإنابة القضائية.
لذلك لا مناص من تكثيف الجهود الولية ونبذ الخلافات الإيديولوجية وتضارب المصالح، من أجل سلم سيبراني عالمي يحفظ حقوق الجميع أفراد ومنظمات ودول.
* أ.د.ليلى فيلالي
الحاجة ماسة لضبط العملية الإعلامية
في ظل التطور التكنولوجي لوسائل الإعلام والاتصال، فإن الحاجة أضحت ماسة إلى ضوابط تنظيم العملية الإعلامية لتلتزم بالقيم الاجتماعية والقيم الخلقية في المجتمع، والحيلولة دون انتهاك حرمة خصوصية الأفراد ، خاصة مع دخول نطاق البث الفضائي والانفتاح لوسائل الإعلام والاتصال المسموعة والمرئية والمكتوبة ، ولا شك أن قوانين وسلطات الضبط الإعلامي تمثل أحد الأجهزة السياسية التي تعمل على تعزيز المسؤولية الاجتماعية لهذه الوسائط ، انطلاقا من بناء قاعدة قانونية تنص على التزام مبادئ التعامل مع الجمهور المستخدم في إطار صياغة مضامين إعلامية هادفة وإيجابية، بعيدا عن البحث عن زيادة نسب المشاهدة والولوج للمواقع و الرفع من عدد المعلنين التي تصب كلها في خانة الربح السريع. وتتسم مواقع الشبكات الاجتماعية بعديدٍ من السمات كالاندماج والمشاركة والانفتاح وغياب الحدود، والنمو الكبير الذي شهدته مواقع الشبكات الاجتماعية يفرض عددًا من التحديات على سياسات الإعلام التقليدية وما يتعلق بتنظيمها، فعلى الرغم من الإيجابيات الكثيرة لمواقع التواصل الاجتماعي فإن هناك عديدًا من السلبيات والمخاوف المرتبطة بهذه المواقع، وتتمثل في الخصوصية وحماية البيانات وانتشار خطاب الكراهية والتحريض والبلطجة، وقضايا الملكية الفكرية أو حق المؤلف، وأيضا انتشار الشائعات المجهولة المصدر.
وإذا ما نظرنا إلى البيئة الإعلامية الجديدة التي أتاحتها شبكة الأنترنت وخصوصياتها، نجد بأنها تواجه مجموعة من التحديات المهنية والأخلاقية ما أدى إلى ظهور العديد من الآراء المتباينة حول ضرورة تواجد منظومة أخلاقية للعمل الإعلامي في هذه البيئة الجديدة، وتجلت هذه الآراء وفق تيارين:
التيار الأول:يرى أن البيئة الإعلامية الرقمية بحاجة لصياغة منظومة جديدة من الحقوق والواجبات الأخلاقية لمساعدةا لإعلاميين أثناء أدائهم لمهنتهم،على أن تتناسب هذه المنظومة مع التحديات التي فرضتها ثورة الاتصال والمعلومات.
ويواجه هذا التيار والمتمثل في صياغة مبادئ ومواثيق أخلاقية للعمل الإعلامي عبر شبكة الأنترنت، مجموعة من الصعوبات المتمثلة في طبيعة البيئة الرقمية في حد ذاتها والتي تتميز بالتطور والتغيير المستمر، إضافة إلى غياب الجهات المعنية بمراقبة مدى الالتزام أو عدم الالتزام بهذه الضوابط.
التيار الثاني: يرى عدم وجود حاجة لسن مواثيق شرف أو وضع ضوابط أخلاقية خاصة بالعمل الإعلامي في البيئة الإعلامية الرقمية، بل ويعارض فكرة تطبيق القيم التقليدية على هذه البيئة الإعلامية الجديدة، باعتبار أن ثراء البيئة يضاهي قيمة المعايير التي يتم تطبيقها في البيئة التقليدية.
وبالرغم من أن التيار الثاني يخالف التيار الأول في الرأي، إلا أنه يواجه انتقادات عدة أهمها أن التطور المتسارع للبيئة الإعلامية الجديدة زاد من الحاجة إلى القوى العاملة فيها،وهو ما يتطلب ضرورة وضع أُطر وضوابط أخلاقية ومهنية لتجنب الأضرار التي قد يؤدي إليها انعدامها. وهناك مجموعة من الهيئات المناطة بمهمة الأمن السيبراني بالجزائر؛ منها: مركز الوقاية من جرائم الإعلام الآلي وجرائم المعلوماتية للدرك الوطني، والمعهد الوطني للأدلة الجنائية وعلم الإجرام، والمصلحة المركزية لمكافحة الجريمة المعلوماتية التابعة للمديرية العامة للأمن الوطني: والهيئة الوطنية للوقاية من الجرائم المتصلة بتكنولوجيا الإعلام والاتصال ومكافحتها.
* د.ليندةبومحراث، د.سعاد قصعة
الجزائر تدرجت في المواجهة التشريعية للجريمة الإلكترونية
لم يستعمل المشرع الجزائري مصطلح «الجريمة الإلكترونية» وإنما استعمل مصطلح «المساس بأنظمة المعالجة الآلية للمعطيات».وقد عرف هذا المصطلح في المادة 02/2 من القانون رقم 09-04 المتعلق بالوقاية من الجرائم المتصلة بتكنولوجيات الإعلام والاتصال، حيث جاء فيها: «جرائم المساس بأنظمة المعالجة الآلية للمعطيات المحددة في قانون العقوبات وأي جريمة أخرى ترتكب أو يسهل ارتكابها عن طريق منظومة معلوماتية أو نظام للاتصالات الإلكترونية».
وهناك تصنيفات عديدة للجريمة الإلكترونية، تبعا لتعدد المعايير المتبعة في هذه التصنيفات على أنها لا تخرج عن ثلاثة تصنيفات أساسية هي: الجرائم الواقعة على الأموال: -الجرائم التي تستهدف الأموال باستثناء السرقة: -جرائم الاحتيال والسرقة: -جرائم المقامرة والجرائم الأخرى ضد الأخلاق والتزوير، والجرائم الواقعة على الأشخاص؛ اختراق الأمن الشخصي للأفراد: مثل الاحتيال بانتحال صلاحيات شخص مفوض، الإزعاج، التحرش، التهديد، قرصنة البرمجيات... و-اختراق الحماية الخاصة بالاتصالات وأمن البيانات، والجرائم التي تستهدف الأشخاص.
والجرائم الواقعة على أمن الدولة: وتشمل هذه الطائفة: كافة جرائم تعطيل الأعمال الحكومية، وتنفيذ القانون، والإخفاق في الإبلاغ عن جرائم الكمبيوتر، والحصول على معلومات سرية، والإرهاب الإلكتروني: عن طريق تأسيس مواقع افتراضية تمثل المنظمات الإرهابية، والجريمة المنظمة: وجرائم التجسس:وجرائم المساس بالأمن الفكري:
أما القطاعات التي تستهدفها الجريمة الإلكترونية: فنذكر منها: المؤسسات المالية والاقتصادية: (التجارة الإلكترونية)، والأشخاص الطبيعيون: (حرمة الحياة الخاصة وسرقة الأموال)، والمؤسسات العسكرية.
فبالنسبة للمشرع الجزائري حاول في البداية تطبيق الأحكام المتعلقة بالجرائم التقليدية على الجرائم الإلكترونية، غير أنه سرعان ما أدرك أن الأمر غير مجدي ومن ثم بادر إلى تعديل قانون العقوبات، ثم إصدار قانون تضمن القواعد الخاصة بالوقاية من الجرائم المتصلة بتكنولوجيات الإعلام والاتصال ومكافحتها، ثم أصدر القانون المتعلق بالتوقيع والتصديق الإلكترونيين الذي من شأنه توفير الحماية اللازمة للمعطيات في البيئة الإلكترونية.
ورغم الجهود التشريعية لمواجهة الجريمة الإلكترونية والوقاية منها إلا أن الجزائر مازالت بعيدة عن تحقيق هذا الهدف بدليل تنامي هذا النوع من الجرائم وصعوبة التحكم فيها.
وعلى هذا الأساس يمكن القول أنه على المشرع الجزائري أن يبادر بإصدار قانون خاص بالمعاملات الإلكترونية يضمنه كل ما يتعلق بهذه المعاملات سواء على مستوى التنظيم، أو الحماية، كما أنه على الجهات المعنية بتأمين الأشخاص وممتلكاتهم متابعة التطورات التقنية في مجال تكنولوجيات الإعلام والاتصال أولا بأول، ذلك أن تطوراتها متلاحقة حيث لا نكاد نتقن تقنية حتى تأتي أخرى، ومن ثم يجب الاستعانة دائما بتقنيين مختصين، لأن المجرم الإلكتروني كما تقدم يواكب هذه التطورات فعلى من يتتبعه أن يكون أسرع منه في مواكبتها.