احتفي الجزائريون بذكرى المولد النبوي الشريف على غرار مئات ملايين المسلمين في شتى أقطار العالم شرقا وغربا، بمجموعة من الأنشطة والتظاهرات الوطنية والمحلية؛ مؤكدين من خلال ذلك على المحافظة عليها مستمرة كما بدأت منذ ألف عام غير؛ عابئين ببعض الفتاوى الوافدة التي تدعي بأنها بدعة دون أن تجد لها صدى يذكر في النسيج الاجتماعي والمؤسسات الرسمية أو النخبوية والمخيال الشعبي الإسلامي؛ حيث حرص الجميع على إظهار البهجة بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم والاعتزاز بالانتماء لهذه الأمة؛ في رد عملي على كل المشوشين والمحاولين عبثا إفساد الفرحة، شعارهم في ذلك لا تجتمع أمة الرسول على ضلالة.
فرحة جاءت تلبية لقوله تعالى: (( فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ))، في عالم إسلامي يموج بحب رسول الله، مقابل بعض أصوات الاسلامفوبيا التي تظهر بين الفينة والأخرى، حيث يدرك المسلمون أكثر من أي وقت مضى أنهم في حاجة ماسة لإحياء مثل هكذا ذكرى؛ لتحقيق وحدة المشاعر بينهم واستلهام سنته صلى الله عليه وسلم باعتباره قدوتهم في الحياة، وعرض القيم الحضارية التي سعى إلى تأسيسها وتكريسها، على العالم أجمع لكونها قيما للمشترك الإنساني؛ على غرار الرحمة والعدل والعفو والصفح والتعاون والكرامة والحرية، وهو ما حرصت مختلف الأنشطة المنظمة في هذه المناسبة على إبرازه.
وقد عمت أجواء الاحتفاء ومظاهره وأشكاله، الفضاء العام والمؤسسات المسجدية والثقافية والتربوية، بادرت إلى تنظيمها المؤسسات الرسمية والمجتمع المدني، وفضاءات التواصل الاجتماعي التي لم تتأخر هي الأخرى، حيث غصت صفحاتها بأقوال وصور تظهر أجواء الفرحة وتغطي بعض أنشطتها، وشملت هذه الأنشطة على العموم تنظيم مسابقات في حفظ القرآن الكريم وترتيله ومسابقات ثقافية، ومحاضرات وندوات، ودروس مسجدية وغيرها.
كما لم تتأخر الأسر الجزائرية عن إحياء الذكرى بتقاليدها الموروثة منذ قرون لاسيما ما تعلق منها بالتوسعة على العائلة في الطعام ليلة المولد وإضاءة الشموع، وإلباس ألبسة فاخرة للأطفال وإطلاق يدهم في إظهار الفرحة والبهجة بمختلف الألعاب والحناء وغيرها، وهي عادات تكاد تتطابق ليس فقط بين مختلف مناطق الجزائر بل أيضا بين مختلف أقطار العالم الإسلامي، كما تظهره مختلف وسائل الإعلام.
ع/خ
الطالب خليل دهيمي للنصر
انخراط الجزائر في الصيرفة الإسلامية سيعزز فرصنا في التوظيف
هل اخترت تخصص العلوم الإسلامية عن رغبة أم وجهت إليه مضطرا؟
لقد اخترت العلوم الإسلامية عن رغبة وقناعة؛ وتأثرت في اختياري بإخوتي ببعض المشايخ والدعاة الأئمة ونظرة الناس إليهم واحترامهم والرجوع إليهم وسؤالهم في شتى المسائل.
ما تخصصك الذي اخترته في طور الليسانس والماستر؟
اخترت التوجه لشعبة الشريعة ومنها عبرت لتخصص معاملات مالية معاصرة؛ لأن تخصص المعاملات المالية يدرس جميع القضايا المالية المعاصرة فهو تخصص يلم بالفقه والمعاملات؛ كما أنه ملائم لسوق العمل؛حيث يفتح لي آفاقا كثيرة وفرصا عديدة؛ على مستوى التربية والتعليم والشؤون الدينية، كما أنه يفتح لي فرص التوظيف مستقبلا في بعض البنوك الجزائرية؛ لاسيما بعد أن انخرطت الجزائر في مسار الصيرفة الإسلامية وفتحت لذلك شبابيك بالبنوك العمومية، والأكيد أنها ستتطور مستقبلا أكثر وتستقطب خريجين من هذا التخصص وتخصص قسم الاقتصاد الإسلامي المفتوح على مستوى جامعة الأمير عبد القادر بقسنطينة، لأن هناك رغبة كبيرة في تعزيز الصيرفة الإسلامية بالجزائر عبر عنها رئيس الجمهورية شخصيا والوزير الأول، وبتعزيزها سينفتح البنك مستقبلا على مختلف صيغ التمويل الإسلامي على غرار نظيراتها ليس فقط بالدول العربية بل حتى بالدول الغربية، وستكون هذه البنوك في حاجة لمستشارين شرعيين ومدققين شرعيين ولن تجد أفضل ممن درس تخصص المعاملات المالية الإسلامية والاقتصاد الإسلامي بمختلف تخصصاته ليخدموا من خلال ذلك بلدهم.
تلقيتم تكوينا أكاديميا بالجامعة؛ هل تراه تكوينا عاليا كافيا؟
التكوين العلمي الذي تلقيته من جامعة الأمير كان مفيدا جدا يؤهلنا لخوض غمار الحياة العملية؛ لكن بحكم أن الإنسان يبقى طالب علم مدى الحياة فلا يمكن أن نقول إن ما يتلقاه الطالب من العلم في أي مرحلة كاف؛ بل نظل نطمح للمزيد؛ للارتواء أكثر من نبع كل العلماء والفقهاء والأساتذة؛ الذين تزخر بهم الجامعة، لهذا فإننا عزمنا على مواصلة الدراسات العليا إن شاء الله في طور الدكتوراه؛ لأكون دكتورا في تخصصي.
هل ترى أن جامعة الأمير حققت حلم الأمة الجزائرية؟
نعم حققت الجامعة حلم الأمة الجزائرية على غرار الزيتونة والأزهر، فخريجوها هم جميعا إطارات وفي مناصب سامية ودكاترة في مختلف التخصصات وفي جميع أنحاء الوطن بل وخارج الوطن في الجامعات ومراكز البحث والمؤسسات الإعلامية والبرلمانية والتنفيذية والقضائية وغيرها، وقد شكلت جامعة الأمير عبد القادر امتدادا طبيعيا للحركة الإصلاحية باعتبارها قلعة ومنارة علمية يتخرج منها الرجال المصلحون في المجتمع من أئمة وأساتذة ورجال الدين.
كلمة أخيرة
أمل أن تنفتح المؤسسات الإعلامية بمختلف أنواعها على إطارات جامعة الأمير للإسهام في قضايا الشأن العام والقضايا الفقهية؛ لأن الجامعة خرجت الآلاف بمستوى عال واعتدال ووسطية، وهم كفيلون بإثراء الساحة الشرعية بآرائهم حفاظا على المرجعية وتحقيقا للجودة لو أتيحت لهم المنابر الإعلامية؛ على غرار ما نراه من حضور إعلامي كبير لعلماء وخريجي الأزهر الشريف.
العدل قيمة حضارية كبرى سعى الرسول لتكريسها
يعد العدل القيمة الحضارية الثانية بعد الرحمة الذي ضرب بجذوره في أعماق الحضارة الإسلامية، فأنتج شجرة مباركة أصلها ثابت وفرعها في السماء تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها؛ حتى كادت شريعة الإسلام وأمته تنفرد بهذه القيمة التي أسستها نصوصها وكرستها تاريخيا في محطات كثيرة؛ لأنها تدرك أن العدل أساس الملك و العمران وتوازن الكون.
والعدل هو التوسط بين الإفراط والتفريط والاعتدال في الأمور ويقابله الظلم والجور، فهو استعمال الأمور في مواضعها زمانا ومكانا ومقدارا من غير إسراف أو تقصير.
وقد أولى الإسلام قيمة العدل حتى جعل العدل صفة من صفات الله تعالى واسما من أسمائه الحسنى، ومن ثم فقد حثنا القرآن عليه حثا لا يقل عن حثه عن الإيمان ذاته وحتى لا يتبادر إلى ذهن الإنسان أن العدل مطلوب مع الموافق لنا في المعتقد المشترك معنا في أصل التوحيد، فجاءت النصوص واضحة بينة بوجوب العدل في الحكم والتعامل مع الموافق والمخالف مع المسلم والكافر؛ حيث قال تعالى : يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ ۖ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وقال تعالى: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ وَإِيتاءِ ذِي الْقُرْبى
ومن خصائص العدل أنه محرر من جميع القيود والاعتبارات؛ فلا مجال للعاطفة القومية أو العرقية أو اللغوية أو الجنسية؛ ولقد تجلى ذلك واضحا في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم في شأن المرأة المخزومية؛ فقد تحرج الصحابة من إقامة حد السرقة على امرأة شريفة؛ فاستشفعوا لها عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فغضب وقام خطيبا قائلا: لقد أهلك من قبلكم كانوا إذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد وإذا سرق فيهم الشريف تركوه، وأيم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها ، وفي قصص القرآن الكريم صفحات ناصعة في التطبيق الفعلي للعدل؛ منها ما جاء في سبب نزول قوله تعالى: « إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله ولا تكن للخائنين خصيما أن مسلما سرق دقيقا من بيت مسلم ثم ثقب الكيس وسار به إلى بيت اليهودي حتى يضلل الناس ويدان اليهودي ويبعد الشبهة عن نفسه فبرأ الله اليهودي من تهمه هو برئ منها ونهى رسوله أن يخاصم على من يخون الأمانة ويعتدي على أموال الناس، ولو عدنا إلى السنة النبوية والسوابق التاريخية لرأينا عجبا؛ فهذا عمر بن الخطاب يرسل إليه أحد الرعية أن ابن والي مصر عمرو بن العاص قد ضرب قبطيا، فاستدعاهما إلى دار الخلافة المدينة المنورة، وأمر القبطي بضرب ابن الوالي قائلا: متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا؟ دون ننسى صنيعه مع اليهودي الذي كان يتسول بسبب الفاقة فنهره عن التوسل؛ فقال الرجل: أكلتم مالي في شبابي وتخليتم عندي في شيخوختي فأمر له عمر براتب من بيت المال.
وهكذا كان صنيع القادة والفاتحين العدل مع المخالفين من أهل الكتاب وغيرهم من غير المسلمين فلقد أجبر الخليفة العادل المسلمين على الخروج من سمرقند بخارى التي فتحوها عنوة فأمر قاضيه بالتحقيق والتحري، فلما قامت الحجة على صدق الأهالي أمرهم بالخروج منها لأنهم لم ينبذوا إليهم على سواء.
كما كان للفقيه أبي صالح والإمام الأوزاعي مواقف مشرفة حينما أراد والي لبنان أن يعاقب نصارى لبنان لخطيئة ارتكبها بعض سادتهم، فأمر الوالي بإخراجهم من لبنان فانتصب الإمامان مدافعين عن السواد الأعظم من النصارى محتجين بقوله تعالى: ولا تزر وازرة وزر أخرى .
وقد ظل العدل يمثل رائعة من روائع الحضارة الإسلامية فشهد بذلك الغريب قبل القريب والعدو قبل الصديق، والحق ما شهدت به الأعداء؛ فعاش غير المسلمين في ظل الحضارة الإسلامية وشريعتها الغراء ردحا من الزمن لم تمسهم طائلة ظلم ولا جور سلطان، ولا تعسف الأغنياء فتولوا الوظائف والمناصب السامية سوى منصب الخلافة أو الإمامة الكبرى، كما لم يمنعوا من ممارسة شعائرهم وطقوسهم وحفظت أموالهم وصينت أعراضهم، وحقنت دماؤهم؛ بل لقد أغراهم تسامح المسلمين وعدلهم وإنصافهم أن يتآمروا في كثير من الأحيان ضدهم ويتخابروا مع عدوهم من بني دينهم وكان يقابل كل ذلك بالعفو والصفح و العقوبة العادلة أحيانا.
ع/م