يحتفي العالم بعد ثلاثة أيام باليوم العالمي للمرأة في مسعى سنوي لتذكير الشعوب والأمم بمكانة المرأة وحقوقها السياسية والثقافية والاجتماعية والدينية، بعد أن عانت لقرون من الحرمان في ظل حضارات بائدة وأعراف دحرجتها لمنزلة دونية في السلم الاجتماعي.
بيد أن الإسلام الذي ظهر منذ 14 قرنا أقر لها كل الحقوق وألزم المجتمع بها باعتبارها شقيقة الرجل؛ وزوجة وأختا وبنتا، ولا تكفي هذه الصفحة لعرض كل تلك الحقوق لكننا سنركز على قضية الميراث وما يثار حولها كل عام شبهات نتيجة سوء فهم حكامها، حيث وضع هذا النظام بشكل دقيق كلي ليحكم المجتمع في ظل منظومة الحقوق والواجبات، وفي ضوء هذا ينبغي أن ننظر إليه حتى نميز بين التقاليد والدين، وبين النظرة الجزئية والنظرة الكلية.
ع/خ
لا علاقة للشريعة بظلم التقاليد الاجتماعية
على الرغم من المنزلة الرفيعة التي حظيت بها المرأة في الإسلام إلا أن البعض يتعمد الخلط بينه وبين بعض التقاليد المجحفة لتشويهه؛ لاسيما في قضية الميراث. متهمين إياها بظلم المرأة وهضمها حقوقها، مستندين فيما يذهبون إليه هو ذاك الواقع الفعلي، حيث تحرم المرأة من ميراثها في كثير من الأحيان، لأسباب وأعراف اجتماعية، تؤثر الذكور وتتيح لهم الاستحواذ على التركة؛ وهم يعلمون قطعا براءة الشريعة من هذه الممارسات الخاطئة الظالمة.
ومن صور هذه المظالم الوقف الذري الذي يحبس فيه الناس ممتلكاتهم على الذكور من أبنائهم دون الإناث، ولا تمض سوى بضع سنين حتى يطلق الورثة من الرجال العنان لأنانياتهم في التصرف في هذه الممتلكات، دون أن تنال النساء شيئا، كما أنهم يحيطون هذه الحجج الوقفية بهالة من التقديس كأن توضع الحجج الوقفية في قصبة فضية وينسجون حولها أساطير كتلك التي نسجها المستعمر يوما حول الأضرحة والمزارات؛ حيث يحيطون الحجج الوقفية بهالة من الأساطير؛ حتى لا يجرؤ أحد على فتحها والاطلاع على شروط الواقفين كما لا يجرؤ أحد على المطالبة بقسمة الأراضي.
وكثيرا ما تستند في هذه المسألة إلى مذهب الفقيه أبي يوسف صاحب أبي حنيفة مستدلين بالقاعدة الفقهية القائلة شرط الواقف كنص الشارع على سبيل الإطلاق، والحق؛ أنه ليس بالضرورة أن تكون كل اجتهاداته الفقية صائبة، فكل مجتهد يخطئ ويصيب، فلا يمكن أن نجعل من قول فقيه واحد؛ قد يكون له عذره، معلما نحرم به النساء من حقوقه ودليل لظلم شريحة واسعة اجتماعية، ونترك بقية الأقوال الفقهية على كثرتها ورجاحة أدلتها. ومن جهة أخرى فإن كل شرط يحلل الحرام أو يحرم الحلال فهو شرط باطل، ولو نظرنا إلى شروط الواقفين في الوقف الذري لوجدناها تؤدي إلى حرام، وهو حرمان ذوي الحقوق من حقوقهم، وهو من أكبر المحرمات حيث جاء في الحديث القدسي :(يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا )
فحرمان المرأة من الإرث بدعوى الوقف الذري من أشد أنواع الظلم؛ بل ذريعة قوية لقطع الأرحام والتدابر بين أبناء الأسرة الواحدة، وكل ذلك مخالف لمقصد الشارع الحكيم من تشريع الأحكام ذات البعد الاجتماعي، المبنية على أساس التعاون على البر والتقوى، ومقصد التكافل الاجتماعي؛ ومن ننادي بإعادة النظر في الوقف الذري وإلغائه وإرجاع الأوقاف الذرية إلى الورثة باعتماد مبدأ المناسخات في الميراث، ويكون ذلك من باب الاجتهاد المقاصدي الذي يحقق أكبر المصالح ويدرأ الكثير من المفاسد، والاجتهاد القضائي الملزم لجميع الأطراف؛ حتى نكون بذلك قد رفعنا الضرر والغبن عن المرأة التي مورس عليها بهتانا وزورا؛ وخاصة أن المرأة الجزائرية قد بلغت درجة كبيرة من الوعي أهلها لحماية نفسها والحفاظ على ممتلكاتها وحقوقها، ولا يمكن أن يستغلها زوجها ويتعسف في حقها.
وأما دعوى دخول الأجانب على العرش بحجة أن التركة لا يأخذها الغريب؛ فهي متساقطة؛ لأن أمة الإسلام واحدة، ولا تقر هذه الجهوية أو العروشية؛ لقوله تعالى: ((والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض))،
وقوله تعالى: ((إنما المؤمنون إخوة))، وقوله صلى الله عليه وسلم:
(المسلم أخو المسلم). كما أن الانتقال من حياة البداوة إلى حياة الحضر والانفتاح الحاصل في مجال الأسرة والمجتمع والانسياب في العلاقات الاجتماعية، ألغى الحدود والفوارق وقضى على العقلية القبلية المنغلقة فتداخل الناس وتصاهروا وتشابكت علاقاتهم.
الأســـــــرة الأندلسيـــــــة لم تفــــــــرق بين الذكـــــــر والأنثــــــــــــى
لقد أولت الأسرة الأندلسية اهتماما بالبنت كما الولد، ولم تفرق بينهما؛ أبدا ومن صيغ ذلك الاهتمام أن يطلق عليها اسم إحدى شهيرات الإسلام مع كنية أسماء مستمدة من أسماء الزهور، كما فعل المنصور بن أبي عامر المشهور الذي تسلم الحكم في الأندلس؛ حيث كانت له ثلاث بنات سماهن بهارا ونرجسا وبنفسجا، ما يؤكد لنا أن المرأة الأندلسية في تلك الحقبة من الزمن قد تمتعت بمكانة رفيعة سامية في تلك الفترة التي عاشتها في بلاد الأندلس،
هذا إضافة إلى أن المرأة الأندلسية قد حظيت بنصيب وافر من التعلم والتعليم في شتى الميادين؛ حتى نبغت العديد منهن في العلوم والآداب والفنون والطب وعلوم الفلك والرياضيات والحساب والشعر والخط العربي وغيره، إلى درجة مكنتهن من تربية أبناء الملوك والأمراء وممن لهم مكانة في المجتمع الأندلسي في تلك الحقبة، ومن بينهم الفقيه المعروف ابن حزم الأندلسي.
إلى جانب هذه المكانة العلمية حظيت المرأة كذلك بانفتاحها أمام الرجال وتغنيها بالشعر وبحفظها القرآن الكريم وتفسيره وعلومه وعلوم الفقه والحديث؛ حيث كانت المرأة والفتاة التي تحفظ كتاب الله يعلق مصباح أو قنديل أمام بيتها دلالة على عظم شرفها ومكانتها وتقدير المجتمع الأندلسي؛ لذلك وجد في قرطبة لوحدها فيها ما يقارب المائة وسبعين (170) امرأة يكتبن القرآن الكريم بالخط الكوفي. ومن نماذج ذلك زينب بنت إسحاق النفزاوية زوجة أمير المسلمين يوسف بن تاشفين؛ حيث كانت تتمتع بمكانة عظيمة وسلطة واسعة وكان زوجها يشركها في كل أمور الدولة ويستمع لنصحها وإرشادها فبلغ من نفوذها أن تعزل من رجال الدولة من تريد،
يحدث هذا في الأندلس في الوقت الذي كان يحرم فيه على المرأة في أوروبا مس الكتاب المقدس؛ لأنها في معتقداتهم رجس لا تمسه أبدا، وقد انعقد ﺑﻔﺮﻧﺴﺎ ﻋﺎﻡ 673 ﻣﺆﺗﻤﺮ أﻭﺭﻭﺑﻲ ﺣﻮﻝ ﺗﺤﺪﻳﺪ ﺍﻟﻄﺒﻴﻌﺔ اﻟﻘﺎﻧﻮﻧﻴﺔ للمرأﺓ ﻫﻞ ﻫﻲ إﻧﺴﺎﻥ أﻡ ﺣﻴﻮﺍﻥ ﻓإﺫﺍ ﻛﺎﻧﺖ إنسان ﻓﻬﻞ ﺗﺴﺘﻔﻴﺪ ﻣﻦ ﺟﻤﻴﻊ ﺍﻟﺤﻘﻮﻕ أﻡ ﻻ؟ ﻭإﺫﺍ ﻛﺎﻧﺖ ﺣﻴﻮﺍﻥا ﻓﻼ ﺗﺴﺘﻔﻴﺪ ﻣﻦ ﺍﻟﺤﻘﻮﻕ، وﺑﻌﺪ ﻧﻘﺎﺷﺎﺕ ﺣﺜﻴﺜﺔ توﺻﻠﻮﺍ ﺑﺎلإﺟﻤﺎﻉ أﻥ ﺍﻟﻤﺮأﺓ إنسان، ﻭﻟﻜﻨﻬﺎ ﻻ ﺗﺴﺘﻔﻴﺪ ﻣﻦ ﺍﻟﺤﻘﻮق وكانت تباع وتشتري وتستعار كأي سلعة متداولة، ولا تتعلم القراءة والكتابة نهائيا.
هذه المكانة التي تبوأتها الأندلسية في تلك الحقبة تطلبت أن يكون لها حدا في سطوتها فلا تعطى المرأة المال والسلطان والشهوة واللذة دون حدود، ولا يعطى ذلك للرجل أيضا. فحظيت المرأة بمكانة عظيمة جعلتها تتنشق حرية الانفتاح والتنور لكن تحررها في ضوء دينها وليس ببعدها عنه.
لذلك نتساءل بتعجب كيف تسقط مثل هكذا حضارة صنعت الرجال ونشرت الإسلام وقامت بالحد اللامعقول في الانفتاح على المجتمعات والتكيف معها على اختلاف أنواعهم وأجناسهم ومذاهبهم ودياناتهم؟ ما الذي أدى إلى سقوط رجالها وأهلها وعزها وسطوتها؟
أربع حالات فقط ينال فيها الذكر الضعف
40 حالة تأخذ فيها المرأة مثل الرجل أو أكثر
يحرص الفقهاء المسلمون على إبراز المكانة السامية التي حظيت بها المرأة في الإسلام، ويكشفون عن الحقوق التي منحها إياها مقابل واجباتها باعتبارها نصف المجتمع وشقيقة الرجل في الحياة؛ لكن البعض يسعى إلى بث بعض الشبهات للتشكيك في تلك المنزلة السامية ويتهمون الفقه بعدم إنصاف المرأة؛ لاسيما في عدم المساواة بين المرأة والرجل في الميراث، فنجدهم ينادون بالمساواة المطلقة بين الرجل والمرأة في الميراث، لكنهم لو دققوا النظر في أحكام الشريعة الإسلامية، لأدركوا أن ما يقولونه لا أساس له.
ذلك أنه ليست في كل الحالات يأخذ فيها الرجل ضعف الأنثى، فهذا إنما هو في أربع حالات منصوص عليها في القرآن الكريم، وهي: ميراث الإخوة مع الأخوات، ما عدا الإخوة لأم، وميراث الأبناء مع البنات، وميراث الأب مع الأم، مع عدم الفرع الوارث لولدهما الهالك؛ فهنا يكون للأم الثلث، والباقي للأب وهما الثلثان. وميراث أحد الزوجين من الآخر.لكن مع ملاحظة الحكمة الشرعية من ذلك وهي أن الذكر يجب عليه شرعا قضاء نفقة من يعولها من: زوجة، وبنت، وأم، وأخت، وهو واجب يومي، بخلاف الميراث فقد يكون مرة في العمر وقد لا يكون. والملاحظ شرعا أن المرأة ترث في أكثـر من 17 حالة بالفرض مقابل 6 حالات للرجل بالفرض فقط، وهذا يعني أن الفرض لا يسقط مطلقا ولو عالت الفرائض، أما التعصيب وهو الغالب للذكور فقد يفضل لهم شيء وقد لا يفضل. لكن مقابل الحالات الأربع السابقة فإن كل ما تبقى من حالات لا ترث فيه المرأة نصف نصيب الرجل؛ وقد ألف الأستاذ علي محمد شوقي كتاب بعنوان: (إتحاف الكرام بمائة وأربعين حالة ترث المرأة فيها أضعاف الرجل في الإسلام)، ولا يخلو حالهم من ثلاث: الحالة الأولى: حالة التساوي: أي أن تستوي المرأة مع الرجل في الميراث، وهي حوالي ثلاثون(30) حالة، ومن أمثلة ذلك: (1) ما إذا هلك هالك وترك: ابنا، وأبا، وأما؛ فإن الأب والأم هنا كلاهما يأخذ السدس فقط.(2) وما لو هلك هالك وترك: بنتا، وأما، وأبا؛ فإن البنت تأخذ النصف، والأم تأخذ السدس، والأب يأخذ السدس مع الباقي تعصيبا، فالبنت أخذت أكثـر من جدها، وهنا إنما زاد الشرع للأب الباقي إن بقي على حظ الزوجة؛ لأنه أوجب عليه نفقتها، فهي تحتفظ بمالها وهو ينفق من ماله وما ورثه عليها،فالْمُحَابَى إذا هو المرأة وليس الرجل. (3) وما لو هلك هالك وترك: إخوة لأم مع أخوات لأم فإنهم يرثون بالتساوي. (4) ومن ذلك أيضا ما لو هلك هالك وترك: ابنا، وجدا، وجدة؛ فإن الجد والجدة هنا يرثان السدس بالتساوي. (5) ومن ذلك أيضا: أن الأخت الشقيقة والأخ الشقيق، والأخت لأب والأخ لأب كلاهما منفرد أو مجتمع يرث بالتعصيب، إذا اجتمع مع الفرع الوارث المؤنث، وإذا اجتمع مع الفرع الوارث المذكر فإنهم يسقطون جميعا، لا فرق بين الإخوة والأخوات.
الحالة الثانية: حالة السقوط: أي أن المرأة ترث والرجل لا يرث، ومن أمثلة هذا السقوط:: (1)ميراث الجدة لأم، وعدم ميراث الجد لأم مطلقا، وميراث الجدة أحيانا دون الجد. (2)ومن ذلك أيضا: ميراث الأخت لأب السدس في المسألة التي فيها: زوج، وأخت شقيقة، وأخت لأب؛ فإذا جاء معها أخوها الأخ لأب فإنهما يسقطان لانتقالهما من الفرض إلى التعصيب، فلما لم يبق لهما شيء سقطا، فكانت وارثة وبسببه سقطت، ويسمى بالأخ المشؤوم. (3)إذا ورثت الأخت الشقيقة أو الأخت لأب تعصيبا مع البنات فإنهما تحجبان كل من يحجبه الأخ الشقيق والأخ لأب؛ كأبناء الإخوة مطلقا، والأعمام وأبناءهم.
الحالة الثالثة: حالة التفاوت: أي أن المرأة تأخذ أكثـر من الرجل، ومن ذلك: لو هكلت امرأة وتركت: زوجا، وابنتين، فللزوج الربع، ولكل واحدة منهما الثلث. ولو تركت امرأة: زوجا، وبنتا، فللزوج الربع، وللبنت النصف، والربع الباقي يرد للبنت أيضا، فتأخذ عندئذ ثلاثة أرباع(3/4) التركة، والزوج ربعا(1/4) فقط .