أكد أساتذة جامعيون أن المقاومة الثقافية والدينية التي قادتها النخب الجزائرية منذ وطئت قدم الاستعمار الفرنسي أرض الجزائر كانت ضرورية للانتقال إلى المطالب السياسية والثورة التحريرية؛ حيث حضرت هذه المقاومة الأرضية النفسية والاجتماعية والتاريخية لتفجير الثورة وتحقيق الاستقلال.
وفي ندوة علمية تاريخية بادرت إلى تنظيمها مديرية الشؤون الدينية والأوقاف لولاية أم البواقي نهاية الأسبوع حول دور الحركة الوطنية في المقاومة الثقافية بمشاركة الأساتذة الجامعيين: محمد بوالروايح، ونور الدين جفافلة وعبد الرحمن خلفة، قال الباحثون إن الهدف الاستراتجيي للنخب الثقافية والدينية وخلفهم أبناء الأمة كان المحافظة على الدين واللغة بعد تعرضهما لغارة حقيقية، ولذلك سلكا كل السبل لتحقيق ذلك؛ على غرار المقاطعة الثقافية والدينية للاستعمار، ونشر التعليم الحر وبناء المدارس، وبناء المساجد،ونشر الصحف وإنشاء النوادي والجمعيات الثقافية، ومحاولة ربط الجزائر بانتمائها العربي الإسلامي بعد أن عملت فرنسا على فصله، وقد نجحت في ذلك بعد أن أسهمت فتاوى العلماء في تعزيز مقاومتها بتحريمها التجنس وتحريمها القبول بقانون الأحوال الشخصية، بل ومقاطعة المحاكم الفرنسية لاسيما في قضايا الأسرة، وقد نجحت نجاحا كبيرا حتى حضر نفوسا حرة مستعدة للثورة وقد حاول الاستعمار كبح جماح المقاومة الثقافية واحتوائها بإنشاء مدارس شرعية تابعة له؛ كما عمد سنة 1847 إلى الاعتراف بأن اللغة العربية لغة رسمية في الجزائر مع اللغة الفرنسية بعد أن حظر وجرم استعمالها سنة 1838 ، لكن كل أساليبه لم تنجح بعد أن تغلغلت فكرة التحرر في نفوس الجزائريين لاسيما بعد الحرب العالمية الأولى ثم الثانية .
الإســـــلام أسس لحريــــــة التعبيـــــر بضـــــوابط
تعد الحرية قيمة أساسية في المنظومة العقدية والأخلاقية والتشريعية الإسلامية؛ فقد أولاها القرآن الكريم عناية كبيرة، وكذلك فعلت السنة النبوية القولية والعملية وسير الخلفاء والفاتحين، وللحرية أنواع كثيرة لا تنحصر في الحرية السياسية للأمم والشعوب في تقرير مصيرها بل تتعدى لتشمل الحرية الدينية وحرية الرأي والتعبير عنه، وحرية الإعلام، فقد كفل الإسلام كل هذه الأنواع وعدها حقوقا وواجبات ترتبط بمقاصد التشريع، ووضع من الضمانات ما يكفلها، وهي قرينة التأمل والتفكير والنظر في الكون لأنه لا يمكن أن يتم النظر في الكون والأنفس كما أمر القرآن الكريم إلا في ظل الحرية الفكرية وحرية الرأي والتعبير عنه؛ ف((لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ )).
وفي العصر الحديث توطدت دعائم الحرية أكثر وعمت أرجاء المعمورة بشكل متفاوت وانخرط المسلمون في ظلالها؛ لكن هذه الحرية مقيدة بجملة ضوابط تحمي الحقوق والمصالح وتضمن الأمن والاستقرار؛ منها أن يتحرى الشخص الصدق والمصداقية والموضوعية، وأن لا ينشر الأكاذيب والإشاعات والفواحش لتضليل الناس، وأن لا ينشر أفكار ومذاهب يعلم أنها باطلة، وأن لا يمس بحقوق الآخرين ومصالحهم، فلا يسلك أساليب التجريح والقذف والسب والإساءة للأعراض والأنبياء، وأن يحترم خصوصيات الآخرين، وأن لا يمس سمعتهم وشرفهم، بالسخرية والاستهزاء، وأن يكون مسؤولا اجتماعيا وقانونيا وأخلاقيا، وأن لا يثير الفتن داخل المجتمع أو يتسبب في النزاعات الداخلية أو الخارجية، فعليه النظر في المآلات، وأن تكون وسيلة التعبير مشروعة.
وقد جاء في البيان الإسلامي العالمي لحقوق الإنسان (1980) أن: (حرية الإنسان مقدسة -كحياته سواء-..، ويجب توفير الضمانات الكافية لحماية حرية الأفراد، ولا يجوز تقييدها أو الحد منها إلا بسلطان الشريعة، وبالإجراءات التي تقره، وأن لكل شخص أن يفكر، ويعتقد، ويعبر عن فكره ومعتقده، دون تدخل أو مصادرة من أحد ما دام يلتزم الحدود العامة التي أقرتها الشريعة، ولا يجوز إذاعة الباطل، ولا نشر ما فيه ترويج للفاحشة أو تخذيل للأمة: .. ومن حق كل فرد ومن واجبه: أن يعلن رفضه للظلم، وإنكاره له، وأن يقاومه، دون تهيب مواجهة سلطة متعسفة، أو حاكم جائر، أو نظام... و احترام مشاعر المخالفين في الدين من خلق المسلم، فلا يجوز لأحد أن يسخر من معتقدات غيره، ولا أن يستعدي المجتمع عليه.. وأن لكل شخص: حرية الاعتقاد، وحرية العبادة وفقا لمعتقده.. وأن لكل فرد الحق أن يشارك في حياة الجماعة: دينيا، واجتماعيا، وثقافيا، وسياسيا، الخ..و من حق كل فرد ومن واجبه أن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر).
ويحتاج المسلمون المعاصرون إلى التعاطي بإيجابية مع قضايا الحقوق والحريات، وأن يعيدوا قراءة تراثهم وتدبر القرآن الكريم لاستلهام مقاصد إنسانية سامية ما يخدم لغد أكثر أمنا وسلاما وتضرعا وأكثر أخلاقا وتدينا وفق فطرة الله وسنته، وأن يلتزم الجميع بجملة الضوابط الشرعية لحرية الرأي والتعبير عنه؛ فالحرية لا تعني الفوضى.
ع/خ
حتــى لا ننســــــــــى
مجازر 8 ماي 1945...مجازر شاهدة على همجية الاستعمار الفرنسي في الجزائر. الثامن من ماي عام 1945 يوم محفور في الذاكرة الوطنية، يدمي قلوب الجزائريين كلما لامست عجلة الأيام هذا التاريخ من كل عام. في هذا التاريخ الذي لن ينساه الجزائريون جيلا عن جيل، خرج الشعب الجزائري الأبي نساء وشيوخا وشبابا وأطفالا في مظاهرات سلمية تعبيرا عن فرحته بانتصار قوات الحلفاء على النازية من جهة، وإلحاحا على السلطات الفرنسية بغية الوفاء بالتزاماتها في حقه من جهة أخرى بعدما جعلته في الواجهة أثناء مواجهتها لألمانيا النازية، فتوحد صوت الجزائريين في الشارع على هدف واحد وهو الانفصال عن الكيان الفرنسي، واسترجاع حريته المسلوبة، والاستقلال بأرضه المنهوبة.
غير أن هذا الشعب الأعزل الذي كان يطالب بتحقيق العدالة رافعا الأعلام الوطنية اسطدم بحقيقة ما قاله المتنبي: لا يسلم الشرف الرفيع من الأذى * حتى يراق على جوانبه الدم.
فالغاشم الفرنسي لم يجد ما يسقي به عطش الشعب الجزائري إلى الحرية غير دمه الطاهر، فعمد إلى إسكات صوته بارتكاب مجازر دامية في حقه، والتفنن في قتل شعبه فرادى وجماعات بأساليب و وسائل وحشية، فارتكب ضده أبشع الجرائم التي لا يمكن ارتكابها ضد قيم الإنسانية التي لا تسقط تقادما، ولا تغتفر إطلاقا، فمارس عليه دون رحمة شتى أنواع التعذيب والتقتيل والتنكيل راح ضحيتها ما يربو عن 45000 شهيد جزائري تبرعوا بدمائهم حتى آخر قطرة لتراب وطنهم النفيس.
ففي هذه الذكرى الأليمة التي تتجدد علينا كل سنة، لن تفينا الكلمات لنعبر عن عمق وحجم تلك المأساة التي عاشتها الجزائر ولازالت آثارها وستبقى لصيقة بها على مر الزمن، ولا يسعنا إلا أن نترحم على شهدائنا الأبرار الذين قال فيهم الله عزوجل (ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون)، فهم الأسود التي أوفت بالوعود» وعقدنا العزم أن تحيا الجزائر، فاشهدوا..فاشهدوا..فاشهدوا»، وهم الذين ضمدوا أرضهم النفيسة بجلودهم وسقوها بدمائهم الطاهرات لأزيد من قرن وربع قرن من الكفاح المرير، واسترجعوا الحرية بعد مخاض عسير، فرحم الله شهداءنا الأبرار، وأسكنهم فسيح الجنان، وحشرهم مع الصالحين والأخيار. ويجب علينا ونحن نتمتع بحرية لم تأت على طبق من ذهب أن نتذكر دائما تضحيات أجدادنا الجسام، وألا ننسى ما حيينا على هذا التراب الأبي العطر برائحة الشهادة أن كره فرنسا عقيدة، وحب الوطن عبادة .
الخوارج والمعتزلة لا يتم تكفيرهم وتارك الصوم أو الزكاة ليس بكافر
قال شيخ الأزهر، أحمد الطيب، إن «الخوارج والمعتزلة لا يتم تكفيرهم»، لافتا إلى أنه «يتم رفض مذهبهم لأنه يصادر معنى العفو ويفرغ معنى هذا الاسم الكريم من فحواه ومعناه ومضمونه». ونقلا عن وسائط إعلامية فقد كشف أن: «الخوارج حركة سياسية ارتدت ثوب الدين، فهي ليست مدرسة دينية، بل مدرسية سياسية وكانت ترى أن الخلافة لا تكون في قريش..والذنوب عند الخوارج الكبائر ارتكاب الكبيرة كفر، وهذه هي الكارثة الأولى، لأن الكفر ليس ضد عمل، فليس لو شرب خمرة أقول كافر، أو زنا..لا أقول كافر، والقتل..لا أقول كافر، فالكفر ضد الإيمان، فإذا أنكر الله والرسول أو كذب القرآن أو أنكر الملائكة هو كفر، ولابد أن يكون ثبوته ثبوتا ضروريا، لأن هناك مسائل مختلف فيها فمن ينكر ما هو مختلف عليه ليس كافرا». وأضاف أحمد الطيب: «الإيمان حدده النبي بأن تؤمن بالله وملائكته ورسله واليوم الآخر والقضاء والقدر، فإذا أنكرت واحدا منها فأنت كافر، فالإيمان ليس ضد الصلاة أو الصوم أو القتل أو شرب الخمر، فالإيمان ليس معنى ضد عمل، فتارك الصوم أو تارك الزكاة ليس بكافر أو القتل ليس بكفر، ولكن ذنب عظيم».
وأكمل موضحا: «عند الخوارج مرتكب الكبيرة كافر، وبالتالي دمه حلال، وهذه كارثة كبيرة حدثت في الماضي ومستمرة الآن، فالعاصي لو كان عاصيا بالكبائر فهو كافر، أي أن 90 % من الناس حكموا عليهم بالكفر، وإذا كان العاصي بالصغائر يقولون يدخل الجنة، وسيدنا علي بن أبي طالب رفض تكفير الخوارج».والسلفية ليسوا جميعهم سيئين فهناك فئة منهم متشددة منذ الماضي وحتى الآن».
اللقمة الحلال من عوامل استجابة الدعوة
يتعجب الكثير من الناس حين يرفعون أيديهم بالدعاء ولا يُستجاب لهم، وقد يقول أحدهم: لقد فعلت ذلك في صلاة الليل وعند السجود وعند الإفطار وتحرّيت الزمان والحال المناسبين، ودعوت بساحة الكعبة المشرفة بل وأنا متعلق بأستارها ولكن كل ذلك لم ينفع ، نعم يمكن أن يتوفر كل ذلك ولا يُجاب الدعاء لانعدام شرط أساسي له وهو عدم أكل الحرام ، وقد ورد في الحديث الشريف: إنَّ اللَّهَ طَيِّبٌ لَا يَقْبَلُ إلَّا طَيِّبًا.. ثُمَّ ذَكَرَ الرَّجُلَ يُطِيلُ السَّفَرَ أَشْعَثَ أَغْبَرَ يَمُدُّ يَدَيْهِ إلَى السَّمَاءِ: يا رب يا رب، وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ، وَمَشْرَبُهُ حَرَامٌ، وَمَلْبَسُهُ حَرَامٌ، وَغُذِّيَ بِالْحَرَامِ، فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لَهُ؟
ومن هنا أصبح لازما على من يريد أن يُجاب دعاؤه ويتحقق توفيقه أن يتحرى الحلال في معاشه، فأكْلُ أو لبْسُ الحرام لا يمنع إجابة الدعاء فقط بل يسبب عدم التوفيق في الحياة، وقد يكون بشكل لا يتفطن له الفاعل، وقد كان سلفنا الصالح يتحرّون الحلال حتى يضطرون لأكل الأعشاب وأوراق الشجر، فهذا العالم الكبير الإمام الجويني إمام الحرمين وأستاذ الإمام الغزالي اعتنى به والده من صغره لا
بل من قبل مولده، وذلك أن أباه اكتسب من عمل يده مالا خالصا من الشبهة اتصل به إلى والدته، فلما ولدته له حرص على أن لا يطعمه ما فيه شبهة فلم يمازج باطنه إلا الحلال الخالص حتى يحكى أنه كان تلجلج مرة في مـــجلس مناظرة، فقيل له :
يا إمام ما هذا الذي لم يُعهد منك؟ فقال: ما أراها إلا آثار بقايا المصة، قيل : وما نبأ هذه المصة؟ قال: إن أمي اشتغلت في طعام تطبخه لأبي وأنا رضيع فبكيت، وكانت عندنا جارية مرضعة لجيراننا فأرضعتني مصة أو مصتين ودخل والدي فأنكر ذلك، وقال: هذه الجارية ليست ملكا لنا، وليس لها أن تتصرف في لبنها وأصحابها لم يأذنوا في ذلك، وقلّبني وفوّعني حتى لم يدع في باطني شيئا حتى أخرجه وهذه اللجلجة من بقايا تلك الآثار.
صديقي العزيز ليراجع كل منا أمور معاشه، فإذا كنت تاجرا فهل اجتنبت الغش وتطفيف الكيل والوزن في سلعتك، وإذا كنت موظفا تعمل بالساعات والدقائق فهل التزمت بها كما جاء في العقد، وإذا كنت سياسيا فهل اجتنبت الغش في كيفية وصولك وعملك؟ فقد تجد موظفين يعملان في المكان ذاته أحدهما يتحرى الحلال والآخر لا يبالي به، فإذا بنيت بيتك بالحرام ودفعت مهر زوجتك وأقمت زواجك بالحرام فكيف يكون شأن الأولاد بعد ذلك؟