إقبـــال تاريخـي للمسلميــن علـــى صــــلاة العيــــد
شهد عيد الفطر لهذا العام حضورا لافتا للمسلمين في مختلف المساجد والمصليات عبر العالم؛ حيث حضروا بكثافة فاكتظت بهم الفضاءات التي سمح لهم بأداء الصلاة فيها؛ في مظهر لم يسبق أن شاهده العالم؛ ولم يقتصر الأمر على المساجد الكبيرة التي اعتادت احتضان مثل هكذا شعائر بل امتدت هذا العام لتشمل مساجد ومصليات و فضاءات غير معهودة بهذا الحضور.
وقد تباينت الآراء حول تفسير هذه المشاهد بين من يرى أنها علامة عودة الدين والتدين بقوة إلى المشهد العالمي بعد أن توقع الكثيرون انحصاره في القرن الواحد والعشرين وربما زواله نهائيا؛ ومن يرى أن هذه المشاهد من مظاهر عالم ما بعد كورونا؛ ليس فقط كرد فعل طبيعي عما عاشه المسلمون من تقييد للحضور خلال السنتين الماضيتين بسبب الجائحة؛ بل أيضا بما تحمله من تحولات اجتماعية عالمية؛ حيث تشكلت فلسفات وتغيرت نظرة الناس للحياة التي لم تعد في نظر الكثيرين البداية والنهاية بل هي مجرد بداية، كما فقدوا ثقتهم في الحضارة الغربية الحديثة، التي ظلت رغم تطورها عاجزة عن مواجهة فيروس قاتل يزحف على الأمم والشعوب ويتخطى الحدود، ناهيك عما ظهر في مؤسساتها الاستشفائية من تمييز على أساس الوطن واللغة والجنس والسن، بما أسقط شعاراتها التقليدية حول حقوق الإنسان في الماء وقذف بها في هوة سحيقة؛ فقد بدأت إرهاصات عودة الناس إلى الدين في تلك الأيام؛ لاسيما من قبل المسلمين الذين رأوا في دينهم أنموذجا للوقاية والصحة والأمان، فعالم ما بعد كورونا وفق هذه المشاهد العالمية هو عالم الدين بامتياز، وقد يكون عالم الإسلام؛ في ظل انكماش التدين عند أتباع باقي الأديان عموما واستمرار انتشار الإسلام وحيويته عالميا، وذهب آخرون إلى أن المسلمين شعروا منذ مدة بخطر يتهدد الدين بسبب الإسلاموفوبيا غربيا وبسبب بعض المضايقات؛ فجاء رد فعلهم بهذا الشكل الجمعي محاولين تشكيل مناعة ذاتية وتوجيه رسائل أن هذا الدين باق خالد في النفوس خلود الأمة التي تحمله. وقد مكنت وسائل الإعلام التقليدية والجديدة من نقل تلك المشاهد من القارات الخمس؛ حيث اكتظ مسجد باريس والمساحات المحيطة به بالمصلين، وكذا مسجد موسكو الكبير والساحات المحيطة به، ومساجد وفضاءات أخرى بريطانيا وألمانيا وكندا وإيطاليا ونيوزيلاندا وغيرها، وهو في العالم الإسلامي ظهرت تلك المشاهد في العاصمة التركية اسطنبول لاسيما في الجامع الأزرق وأيا صوفيا، وكذا في عواصم أندونيسيا وباكستان وماليزيا وأفغانستان وإيران، ولم يتخلف العالم العربي عن هذه المشاهد حيث اكتظت بعض ميادين القاهرة بالمصلين الذين ملأوا الشوارع؛ حتى قال كتاب (بدا عيدا مختلفا)، كما ظهرت مشاهد مقاربة بعواصم ومدن عربية على غرار القدس ومكة والمدينة، وبالجزائر لم تتخلف المساجد ككل عام عن هذا المشهد التعبدي وقد صلى الكثير من المصلين في ساحات عمومية على غرار سكان أدرار وتمنراست وغرداية والأغواط.
وقد بدأت بوادر تشكل مثل هكذا مشاهد في صلاة تراويح هذا العام التي لاقت إقبالا غير معهود عالميا، حيث اكتظت المساجد عن آخرها؛ ونأمل أن تكون هذه المشاهد تمهيدا لصحة إسلامية ووحدة تتجاوز شعارات التضامن إلى مشاريع عملية سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية تعيد للمسلمين هيبتهم وتصلح ذات بينهم. ع/غ
الوحشــــــــة أعـــــــادت النــــــاس للمساجــــــــــــد
لم أشعر بطعم رمضان وطعم العيد كما شعرت بهما في هذا العام، فلم تكن المساجد ملأى بالمصلين في سائر الأوقات طوال الشهر الفضيل فيما مضى، كما هي ملأى في هذا العام، حيث الإقبال الكبير على المساجد، والاعتكاف على قراءة القرآن، أو الاستماع إلى دروس الوعظ والإرشاد، بل رأيت فيهم الكثير من مظاهر الطاعة والالتزام والبشاشة وانشراح الصدور. فهل هي الوحشة المكبوتة في الأنفس والتي سببها الوباء الخطير على مدار العامين؟ ..ربما!
إذ لم يحدث أن أغلقت المساجد وحرمت من مرتاديها كما حدث في زمن هذا الوباء، ويبقى النداء المحزن عقب كل أذان (صلوا في بيوتكم) سابقة يؤرخ بها زمان. فقد رأيت بأم عيني من كان يبكي أمام باب المسجد و يلهج بالدعاء، لرب السماء، يتمنى أن تكتحل عيناه ولو برؤية عابرة أو ركعة خاطفة، وإنه لمنظر يدمي الفؤاد، ويقطع الأكباد.
كما لم يحدث أن تباعد الناس في الصفوف، وتحاشى الأخ أن يلمس أخاه، خشية أن يؤذيه، وربما يرديه، لقد كان الأمر برص الصفوف وضم الكتف للكتف قبل الصلاة من طرف الإمام أملا تشرئب إليه الأسماع، والمكوث في المسجد بعد الصلاة ولو لدقائق، أو صلاة التراويح حلما يتمناه الجميع.
لقد أحدث الوباء في النفوس ندوبا غائرة، ولم يعد للحياة من معنى، مادامت لا تجد الملاذ الذي تأوي إليه، والجو الذي ترتاح فيه، ألم يقل النبي صلى الله عليه وسلم أن المساجد هي خير البقاع؟! وما ذاك إلا لما فيها من راحة نفسية وصلة قوية بالله تعالى.
والناس في أوقات الشدائد والمصائب تلجأ إلى بيوت الله تستمد منها الطاقة والقوة. ولقاء المؤمن بأخيه المؤمن في الأوقات العادية لو لم يكن فيه إلا تجديد الإيمان لكان حريا بأن يحرص عليه، فما بالكم إذا كان الزمن زمن محن، يحتاج المرء فيه إلى المدد الروحي الذي يقيه العثرات؟!
وفرحة المؤمن بعودته إلى مسجده بعد طول غياب، لا تماثلها إلا فرحة الغريب بعودته إلى وطنه بعد طول اغتراب، والفرحة في هذا العام فرحتان، فرحة بارتفاع الوباء، وأخرى بالغيث المبارك الذي أحي الله به الأرض بعد قحط وجفاف، وإن هذا لمن أعظم النعم التي تستوجب الشكر.
سلوكنـــــا بعـــــــــــــد رمضــــــــــــــــان
كل ما قمنا به في رمضان من صيام وصلاة وتلاوة ومحاضرات وندوات ومسابقات وكتابات، طيب وحسن وهو مما شك فيه موسم طاعات يجب استغلاله أيما استغلال؛ ولكن ينبغي أن نقف لحظات بعد انقضاء الشهر الفضيل؛ هل فعلا تبدلت السلوكيات الفاسدة بسلوكيات مستقيمة؟، وتحققنا بالتقوى التي جعلها البيان الإلهي الضآلة المنشودة من وراء الصيام (لعلكم تتقون)، وهل تحول القرآن الكريم إلى منهج حياة حللنا حلاله وحرمنا حرامه وأدينا فراضه وراعينا حدوده والتزمنا أخلاقه؟ أم أننا نتفنن في تلاوته ونتنافس في كثـرة ختاماته وليس لنا من حظ منه سوى ذلك ليكون شهيدا علينا مشتكيا من هجرنا له وابتعادنا عنه (وقال الرسول يا رب إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجورا) هجر تطبيق وتحقق بمعانيه، هل فعلا انتصرنا على أنفسنا الأمارة بالسوء كما انتصر عليها السلف فكان الانتصار على النفس انتصارا على العدو في ميادين الوغى؟
هل سنثبت على ما كنا عليه من علو الهمة في الشهر الكريم ولو قلت وتيرة العمل والاجتهاد إلى الحد المقبول، أم أننا سنطوي صفحة العمل والطاعة كما تطوى جلابيب الصلاة وتوضع في الدواليب والخزائن ونعود للفساد والمعصية وارتكاب الموبقات والكبائر فلا نترك معصية إلا وفعلناها ولا ذنبا إلا اقترفناه ولا جريمة إلا وتلبسنا بها وبذلك نكون رمضانيين لا ربانيين
يجب أن نحاسب أنفسنا كما يحاسب التاجر نفسه فيتعرف على أسباب الخسارة فيجتنبها، كما يتعرف على أسباب الربح فيقتنصها كما يقتنص الصياد صيده الثمين وكما يقف الطالب النجيب عند نهاية كل فصل دراسي متعرفا على مواطن الإخفاق والنجاح فيعقد العزم على استدراك ما يجب إدراكه قبل فوات الأوان.
لهذا فرحنا بالعيد
لقد كنا قبل رمضان نسأل الله أن يبلغنا رمضان فبلغناه، وكثير منا غادروا هذه الحياة ولم يدركوا رمضان، فلما أدركناه سألنا الله أن نكمل عدته وأن يبلغنا ليلة القدر فأكملناه، وهناك الكثير ممن صاموا معنا غادروا قبل أن يتموا عدة الشهر، لقد قضينا شهرا كاملا نغرف من خيراته وحسناته، وهي نعمة كبيرة تستحق الشكر منا ويكون ذلك بأمرين بالتكبير وبإخراج زكاة الفطر» ولتكملوا العدة ولتكبروا الله على ما هداكم ولعلكم تشكرون» و بعد إخراجنا للزكاة سوف تضج أركان المصليات بالتكبير من الصباح الباكر.
لقد ذهب رمضان وذهب معه الجوع والعطش في الصيام، وذهب معه النصب والتعب في القيام، ولكن حسناته لم تذهب فطوبى للصائمين القائمين.
لقد فرض الله علينا الصيام فصمنا، وسن لنا رسوله القيام فقمنا وحق لنا أن نفرح، قال صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه: (وللصائم فرحتان يفرحهما إذا أفطر فرح بفطره وإذا لقي ربه فرح بصومه)، لقد صنع لنا الصيام ثلاثين مناسبة للفرح تتجدد عند كل أذان مغرب من كل يوم، وما كنا نشعر بشيء من الفرح قبل ذلك، وسوف نفرح غدا بالعيد، والفرح الأكبر ينتظر الصائمين يوم لقاء ربهم، لكن لماذا نفرح بالصيام عند لقاء ربنا ولا نفرح بأدائنا لغيره من العبادات والأعمال؟ نفرح لأمور لا تتوفر إلا في الصيام وهي:
(1) أجرة الصيام تسلم من الله بغير واسطة، وتوقع كيف تكون إذا كانت من أكرم الأكرمين.
(2)تتمتع أجرة الصيام بالحصانة من المقاصّة التي تحدث بين مظالم العباد وحسناتهم.
(3) أجر الصيام ليس له سقف (إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب).
(4)في الجنة باب يسمى الريان لا يدخله إلا الصائمون.
(5) صيامنا كفّر عنا كل ذنوب السنة الماضية.
(6) صيامنا يشفع لنا يوم القيامة.
(7) بصيامنا يمكن أن رقابنا قد أعتقت من النار، وأن ما نفعله مستقبلا لا يضرنا.
(8) بصيامنا وقيامنا نكون قد مررنا بليلة القدر واكتسبنا أضعاف ما يمكن أن نكسبه بأعمارنا القصيرة.
هذا كله إذا تم قبول صيامنا، ومن علامات القبول: مواصلة ما كنا عليه في رمضان بعده من قراءة قرآن، وقيام ليل، واجتناب للمنكرات(نجاح التربص)، والتوفيق لفعل الطاعات وأفعال الخير.
في ذكرى اليوم العالمي للعمال
العمل في الإسلام عبادة
مر اليوم العالمي للعمال وفي ظلال هذه الذكرى نقول إن العمل يحظى في الإسلام بمكانة رفيعة؛ فالله عز وجل حين استخلف الإنسان على هذه المعمورة حثه على السعي في مناكبها طرقا لأبواب رزقه، فقال سبحانه وتعالى: {هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُور}؛ فجعل نهاره مضاء بنور العطاء والبركة، وهيأه للحركة والسعي لتحصيل الزاد وقضاء مصالح العباد مصداقا لقوله عز وجل في القرآن الكريم: {وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشًا}، ومن رحمته بعباده التي وسعت كل شيء أن جعل ليله يعقب نهاره، فسخره لتسكن فيه النفوس، وترتاح فيه الأجساد من أتعاب النهار، قال عزوجل: {وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}، واشتغال الإنسان بعمل شريف هو عبادة يتقرب بها إلى الله تعالى، ويؤجر عليها أجرا عظيما، وتضمن له عيشا كريما، قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: «لَأَنْ يَحْتَطِبَ أَحَدُكُمْ حُزْمَةً عَلَى ظَهْرِهِ، خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَسْأَلَ أَحَدًا، فَيُعْطِيَهُ أَوْ يَمْنَعَهُ». [أخرجه البخاري]. فالعمل لا يغني صاحبه عن ذل السؤال فحسب، بل يعتبر ما يكسبه منه من قوت مهما قل قوتا مباركا، وهو أعظم ما يقدمه الإنسان لنفسه من طعام لقول رسول الله صلى الله عليه و سلم: «مَا أَكَلَ أَحَدٌ طَعَامًا قَطُّ، خَيْرًا مِنْ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ، وَإِنَّ نَبِيَّ اللَّهِ دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ، كَانَ يَأْكُلُ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ». [أخرجه البخاري].