يا فلسطين! إن في قلب كل مسلم جزائري من قضيتك جروحًا دامية، وفي جفن كل مسلم جزائري من محنتك عبراتٍ هامية، وعلى لسان كل مسلم جزائري في حقك كلمة مترددة هي: فلسطين قطعة من وطني الإسلامي الكبير قبل أن تكون قطعة من وطني العربي الصغير؛ وفي عُنق كل مسلم جزائري لك-يا فلسطين-حقٌ واجبُ الأداء، وذمام متأكِّد الرعاية، فإن فرّط في جنبك، أو أضاع بعضَ حقك، فما الذنب ذنبُه، وإنما هو ذنب الاستعمار الذي يحول بين المرء وأخيه، والمرء وداره، والمسلم وقبلته.
يا فلسطين! إذا كان حب الأوطان من أثر الهواء والتراب، والمآرب التي يقضيها الشباب، فإنّ هوى المسلم لك أن فيك أولى القبلتين، وأنّ فيك المسجد الأقصى الذي بارك الله حوله، وإنك كنت نهاية المرحلة الأرضية، وبداية المرحلة السماوية، من تلك الرحلة الواصلة بين السماء والأرض صعودًا، بعد رحلة آدم الواصلة بينهما هبوطًا؛ وإليك إليك ترامت همم الفاتحين، وترامت الأيْنُق الذلل بالفاتحين، تحمل الهدى والسلام، وشرائع الإسلام، وتنقل النبوَّة العامة إلى أرض النبوات الخاصة، وثمار الوحي الجديد إلى منابت الوحى القديم، وتكشف عن الحقيقة التي كانت وقفت عند تبوك بقيادة محمد بن عبد الله. ثم وقفت عند مؤتة بقيادة زيد بن حارثة، فكانت الغزوتان تحويمًا من الإسلام عليك، وكانت الثالثة وِرْدًا، وكانت النتيجة أن الإسلام طهرك من رجس الرومان، كما طهر أطراف الجزيرة قبلك من رجس الأوثان.
ما بالُ هذه الطائفة تدَّعي ما ليس لها بحق، وتطوي عشرات القرون لتصلَ-بسفاهتها-وعدَ موسى بوعد "بلفور"، وإن بينهما لَمَدًّا وجزْرًا من الأحداث، وجذبًا ودفعًا من الفاتحين. ما بالُها تدّعي إرثًا لم يَدفعْ عنه أسلافها غارةَ بابل، ولا غزو الرومان، ولا عادية الصليبيين، وإنما يستحق التراث من دافع عنه وحامى دونه، وما دافع بابل إلا انحسارُ الموجة البابلية بعد أن بلغَتْ مداها، وما دافع الرومان إلا عمر والعرب وأبطال اليرموك وأجنادين، وما دافع الصليب وحامليه إلا صلاح الدين وفوارس (حِطِّين).
وقائع تاريخية تؤكد ذلك
جل معارك المسلمين انتصروا فيها بقوة الإيمان والصبر والثبات
يكشف التاريخ الإسلامي أن انتصار المسلمين في جل معاركهم مع أعدائهم لم يكن بكثرة العدد بل بقوة الإيمان وحسن العدة والاستعداد وحسن الظن بالله تعالى، يتجلى ذلك منذ معركة بدر إلى ثورة التحرير الجزائرية على مدى قرابة 1400 سنة، مرورا بمختلف المعارك التي حدثت في الغرب الإسلامي وشرقه، وهذه هي سنة الله تعالى التي أكدها قوله تعالى: ((كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإذْنِ اللَّهِ واللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ)) [ البقرة 249]، والحالة الوحيدة التي ذكرها القرآن وكان فيها المسلمون أكثر عددا كادوا فيها ينهزمون لولا أن أيدهم الله تعالى؛ وذلك في غزوة حنين.
ولعل من أسباب اطراد هذه السنة في حروب المسلمين تأكيد حقيقة كونية عقدية أن النصر من عند الله تعالى لقوله تعالى:"وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِندِ اللَّه "[الأنفال10]]، وليس من تقدير البشر أو تدبيرهم، وهذا ما ينبغي أن يسلم به المسلم في عقيدته وسلوكه، فلا يعلق النصر على مجرد ما يبدو له من قوة عتاد أو عدة، ولا ييأس من مجيء نصر الله تعالى بسبب قلة عدد، وهذه السنة الكونية لا يستوعبها من يفسرون التاريخ وحركته تفسيرا ماديا محضا، فيقيسون الأمور بمقاييس مادية صرفة مستبعدين أي عامل آخر خارج ما يتحسسونه بين أيديهم، ولو أنهم استقرأوا أحداث التاريخ لأدركوا أن الأمر خلاف ما تصورون.
لكن إيمان المسلم بأن النصر من عند الله تعالى لا يعني الركون والتواكل بل قبل ذلك يجب عليه أن يعد العدة لقوله تعالى: " وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ"[ الأنفال 60]]، فالآية توجب إعداد العدة وهي عدة في حدود ما يستطيع المسلم إعداده وبعدها يمده الله تعالى بمدد من عنده ويؤيده لتحقيق النصر الذي وعده به، وهذه الحقيقة لا يدرك أبعادها غير المؤمنين إلا بعد حين، فقد ظن الاستعمار الفرنسي أن ما أعده له المجاهدون من عدة وعدد سيمكنه من إجهاض الثورة في مهدها والقضاء على المجاهدين الثائرين؛ لكن حركة التاريخ وحوادث الأيام سارت على غير ما ظن، فقد أيد الله تعالى المجاهدين ولم تمض السنون حتى وجد المستعمر نفسه مطرودا منهزما بعد أن عمر واستوطن قرنا وثلث قرن، وكذلك سيتكرر المشهد في كل أرض وطأها الاستعمار، على غرار فلسطين المحتلة منذ عقود.
و قد أوصى الله تعالى المجاهدين بجملة واجبات فيما بينهم تحملهم لتحقيق النصر، ومنها الثبات والطاعة والصبر وعدم التنازع، كما جاء في سورة الأنفال. ولذلك ينبغي على المسلم أن لا ييأس ويقنط من نصر الله تعالى فهو آت لا محال وإن تأخر فذاك لحكمة يعلمها الله تعالى وحده وليس مطلوبا من المسلم إلا الدعم بقدر ما يستطيع وأضعف الإيمان الدعاء بالنصر، وعدم تبرير عدوان الأعداء أو مساندته قولا أو فعلا.
ع/خ
لا مكان لليأس والتثبيط في ثقافتنا الإسلامية
قد يتسلل اليأس إلى بعض النفوس فيحمل المقاومة مسؤولية الشهداء والدمار الذي يشاهده يوميا بغزة عبر مختلف الفضائيات للمقاومة الفلسطينية، والحال أن من يقدم على تلك المجازر والانتهاكات الدولية والإنسانية إنما هو الاحتلال الإسرائيلي الذي يشن حربا ضروسا على قطاع غزة صب فيها جام غضبه على المستضعفين من الرجال من الأطفال والنساء.
قلت قد يتسلل اليأس إلى البعض فتجدهم يسارعون في معاتبة المقاومة ولومها، أو يخذل ويثبط الهمم ويثني العزائم بتشويه المقاومة، وليس هذا السلوك من ثقافاتنا ولا من خلقنا الإسلامي في مثل هكذا أحداث ومواقف ومحطات تاريخية، فقد ظهرت مثل هذه المواقف في العهد النبوي لكن لم تصدر عن المؤمنين الملتفين حول رسول الله صلى الله عليه وسلم، بل من قبل بعض المرجفين والمنافقين الذين كانوا يعيشون معه ليثبطوا عزائم المجاهدين، حينما قالوا: (( لَّوْ كَانُوا عِندَنَا مَا مَاتُوا وَمَا قُتِلُوا لِيَجْعَلَ اللَّهُ ذَلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ *وَاللَّهُ يُحْيِي وَيُمِيتُ *وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ) وأيضا قالوا –كما نقل القرآن الكريم عنهم-في قوله تعالى (الَّذِينَ قَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ وَقَعَدُوا لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا )، ولهذا رد عليهم القرآن الكريم وشنع عليهم مقولاتهم حيث قال الحق تبارك وتعالى: (قُلْ فَادْرَءُوا عَنْ أَنفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ) وقال :
( قُل لَّوْ كُنتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ ۖ وَلِيَبْتَلِيَ اللَّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ *وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُور)ِ. كما كان لسان حال ومقال هؤلاء المرجفين ما ذكره القرآن الكريم عنهم (فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَىأَن تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ فَعَسَى اللَّهُ أَن يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِّنْ عِندِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنفُسِهِمْ نَادِمِينَ)
هذه المقولات وغيرها من الحجج رددها المنافقون والمرجفون على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ومازال البعض يرددها في كل مرة كلما دعا داعي الجهاد، فلو استجاب رسول الله صلى الله عليه وسلم للمرجفين والمشككين والمتخاذلين لما كانت بدر وما فيها من انتصار ولا كانت أحد وما فيها من دروس وعبر رغم الهزيمة، وما كانت الخندق وما فيها من انتصار، ولا حرر صلاح الدين القدس، ولا حرر المظفر قطز المسلمين من سطوة التتار في عين جالوت ولما لا كانت معركة ملا ذكر التي هزم فيها ألب أرسلان جحافل الفرنجة ولا ما فجر الثوار ثورة التحرير المباركة، ولما وقعت أحداث 20 أوت 1955، بل ما وقعت المقاومات الشعبية قبلها، ولما تحررت الجزائر لأن موازين القوى في مختلف مراحل المواجهة مع الاستعمار الفرنسي لم تكن متكافئة، فنحن أمة نؤمن أن الحق تبارك وتعالى قال وهو أصدق القائلين: ( وما النصر إلا من عند الله ) ولأن الحق قال
( وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ) ولم يقل فيكن عندكم ما عندهم من قوة .
لذلك ينبغي وقف مثل هكذا مثبطات والتركيز –فلكل ثورة تضحيات ولكل حرية ثمنها من الدماء-والنظر في إيجابيات عملية طوفان الأقصى، من حيث رجوع القضية الفلسطينية إلى مسرح الأحداث وسيطرتها على المشهد العالمي، ودعم الدول الصادقة للقضية الفلسطينية وشجبها للاحتلال الصهيوني وشجب ما يقوم به في حق المدنيين في غزة والقطاع وحرقه لكل القوانين الدولية بالاعتداء على الأطفال والنساء ودور العبادة والمستشفيات وغيرها من الدور والمؤسسات المدنية. فالواجب علينا أن ندعم هذه القضية بكل وسائل الدعم المالي والفكري والسياسي والاقتصادي وصناعة رأي عام عالمي من خلال استقطاب أحرار العالم حتى تكون قضيتنا قضية عادلة.
المدارس القرآنية تشرع في توزيع الكتب المدرسية المقررة
شرعت مختلف المدارس القرآنية عبر مديريات الشؤون الدينية وطنيا في توزيع الكتب المدرسية المخصصة للتعليم ما قبل التمدرس في هذه المدارس، حيث اعتمد رسميا كتاب التربية الإسلامية وكتاب الأنشطة، سنة 2021 من قبل الوزارة الوصية وترك أمر الطبع والتوزيع للمديريات التي اجتهد بعضها في وضع كتيبات تسهم في تأصيل هذه المواد وتوزيعها.
وقد سبق لمديرية التعليم القرآني لدى وزارة الشؤون الدينية أن أعلنت يوم اعتماد الكتب المدرسية أقسام التعليم الملحقة بالمدارس القرآنية، عبر ولايات الوطن ستعتمد لأول مرة “مطبوعات تعليمية موحدة”. موجهة لفئة ما قبل التمدرس، في إطار مشروع 'توحيد مناهج التعليم القرآني'' بالجزائر.وصرح حينها المدير الفرعي للتعليم القرآني أن كل مديريات الشؤون الدينية والأوقاف تعمل حاليا على طبع وتوزيع الكتب التعليمية لفئة الأطفال الصغار في مرحلة ما قبل التمدرس. والذي يخص الفئة العمرية ما بين 4 إلى 6 سنوات. مشيرا إلى أن هذه الفئة ستستفيد من كتابين. الأوّل يخص مادة التربية الإسلامية، والثاني عبارة عن دفتر للنشاطات.
والملاحظ من خلال الكتب المقررة أن هذه الفئة لا يقتصر التعليم فيها على حفظ القرآن الكريم بل يقترن ذلك بتعليم المتمدرسين فيها بعض القيم والآداب والموضوعات التربوية الإسلامية، وبعض الأنشطة لتعلم بعض مبادئ اللغة والخط والحساب والرسم وغيرها، تمهيدا للتمدرس النظامي، وإن كان هدف المدارس القرآنية الأساس هو تحفيظ كتاب الله تعالى ولذلك تظل مفتوحة على مدار العام لاستقبال المتمدرسين في العطلة الصيفية لاستكمال الحفظ وحسن الأداء.
المجلس الإسلامي الأعلى يحضّر لإنجاز كتاب جماعي حول عبد الملك مرتاض
أعلن المجلس الإسلامي الأعلى عن الشروع في إنجاز كتاب حول الراحل عبد الملك مرتاض، وتحقيقا لذلك نشر استكتابا عاما للراغبين في الإسهام في هذا الكتاب لتغطية جانب من الجوانب العلمية والتربوية في حياة هذا العالم الموسوعي، لاسيما وأن إنتاجه وحضوره العلمي متعدد المشارب والاختصاصات، فرغم شهرته باعتباره أحد أقطاب اللغة العربية وآدابها في الجزائر والعالم العربي إلا أن له إسهامات أخرى في مجالات أخرى فكرية وإنسانية وشرعية، وهو ما يمكن الراغبين في المشاركة في الكتاب الجماعي من نشر مادة علمية ثرية تليق بمقامه وبسيرته الذاتية.
وقد حدد المجلس الإسلامي الأعلى الخامس من ديسمبر القادم آخر أجل لإرسال المقالات كاملة للبريد الالكتروني المعلن عنه، وقد اختير للكتاب المزمع صدوره عنوان عبد الملك مرتاض –المسيرة والأثر-