"أمقار نتفسوث" احتفالية لاستقبال الربيع بجبال جرجرة
يستقبل سكان مختلف قرى تيزي وزو، فصل الربيع بإحياء عادات و تقاليد عريقة و طقوس توارثوها أبا عن جد، ترتبط بالطبيعة الخضراء و ترمز للمحبة و التماسك الاجتماعي ، و تتيح الفرصة للجميع للاستمتاع بأجواء الفرح و التفاؤل بموسم فلاحي خصب، مليء بالمحاصيل الوفيرة.
نظم مؤخرا سكان قرية «تاريحانت»، التابعة لبلدية بوجيمة شرق تيزي وزو، احتفالية بهيجة بمناسبة قدوم فصل الربيع وتوديع فصل الشتاء و برودته الشديدة أو ما كما يسمى محليا «أمقار نتفسوث».
بالمناسبة، خرجت العائلات القبائلية في الصباح الباكر، إلى الحقول الجبلية و البساتين الخضراء، لاستنشاق الهواء النقي والاستمتاع بجمال الطبيعة و كلها تفاؤل بموسم تسوده الخصوبة والرخاء ، و قامت ربات البيوت بإعداد كل أنواع الخبز التقليدي بالنباتات العطرية التي تنمو في فصل الربيع، مثل «فيفراس» و «ثراسث» و ثثوغمس تمغارث» و النعناع و «فلكو» وغيرها، كما قمن بتحضير الفطائر و طبق الكسكسي بالخضر الموسمية و نبتة «أذرييس» ، الذي يقدم بين أحضان الطبيعة العذراء ويلتف حوله الجميع كعائلة واحدة في الهواء الطلق، مع الاستمتاع بتغريد العصافير وخرير المياه المتدفقة من الينابيع والمجاري الطبيعية، مستغلين اعتدال الجو، لربط أواصر صلة الرحم و لم الشمل.
نزهر كالربيع و ننمو كالسحاب
أما البنات الصغيرات، فارتدين الملابس التقليدية و الحلي الفضية القبائلية و وضعن فوق رؤوسهن تيجانا من عيدان و أوراق أشجار الزيتون والأزهار البرية التي ترمز لمستقبل زاهر ، ثم انطلقن رفقة الصبيان نحو البساتين الخضراء في أجواء مشمسة لقطف الأزهار والورود واللعب على بساط الطبيعة الأخضر ، و ردد الصغار بالمناسبة أغنية تقليدية حول فصل الربيع ، جاء في مقدمتها
«ثفسوت ثفسوت أننجوجوق أم ثفسوت، أنتسنارني أمتقوت»
بمعنى «الربيع الربيع نزهر كالربيع و ننمو كالسحاب».
اللافت أن جميع السكان بمختلف شرائحهم و أعمارهم يحتفلون بالربيع، و يبادرون بزيارة منازلهم التقليدية القديمة التي هجروها منذ سنوات، و يعرّفون صغارهم بها و بتاريخ القرية التي سكنها أجدادهم، حتى لا يندثر، و يتوقفون في طريقهم أمام الينابيع المائية ليرتوون من مياهها العذبة، وهي من التقاليد المرتبطة بالاحتفال ب «ثفسوث» أو الربيع.
و يعود الاحتفال بفصل الربيع أو «أمقار نتفسوث» في قرى جرجرة إلى قرون خلت، كونه يتسم بحرارة معتدلة و تتكاثر فيه كل أنواع النباتات والأزهار، وهو ما يبعث على الراحة النفسية، ولا تزال العائلات القبائلية تتمسك بهذا التقليد العريق إلى غاية اليوم ، ويعتبر فصل الربيع بالنسبة لها موسما للاستمتاع بهدوء الطبيعة وما تجود به الأرض من خيرات.
ويعتبر «أمقار نتفسوث» تراث لا مادي ومناسبة لتوطيد العلاقة بين الطبيعة والإنسان، خاصة الأطفال الذين يتكشفون ثرواتها ، و أسماء مختلف أنواع النباتات التي تتكاثر في مثل هذا الموسم.
و تبدأ الاحتفالات ، حسب سكان المنطقة، في 31 مارس من كل سنة، وتستمر أسبوعا كاملا ، رغم أن تقليد «ثفسوث»، حسب التقويم الأمازيغي، يصادف 28 فيفري، وفي عدد من مناطق تيزي وزو يكون الاحتفال خلال الفترة الممتدة بين 17 و 23 أفريل من كل سنة.
الجدة «نا ذهبية»، تتذكر جيدا طفولتها عندما كانت تحتفل بقدوم فصل الربيع مع أطفال قريتها وعائلتها التي توقظها في الصباح الباكر لتخرج إلى أحضان الطبيعة، و أكدت لنا أن «أمقار نتفسوث» يحظى باهتمام الكبير والصغير، و يحتفل به جميع سكان قرى القبائل، تفاؤلا بموسم تكثر فيه الخيرات، كما أنه مناسبة لتوطيد العلاقة مع الطبيعة.
و أضافت المتحدثة أن العائلات تبادر بالمناسبة إلى وضع الخلافات جانبا و تطوي صفحة الخصومات لتعلن الصلح في ما بينها، وتلتقي في مكان واحد و تجمعها نفس التقاليد، حيث تلتف حول طبق الكسكسى الشهير ، وكل عائلة تتذوق ما أعدته الأخرى من أكلات تقليدية متنوعة.
وأضافت «ناذهبية» أن أجواء الاحتفال تخلق التآخي وصلة الرحم، سيما وأن الجمع يخرجون على شكل قوافل إلى الحقول في أجواء مشمسة ربيعية، ومعهم أطفالهم الصغار الذين يعطون للاحتفال نكهة خاصة.
سامية إخليف