سيدات يحوّلن فيسبوك إلى عيادة للعلاج النفسي و الأسري
تحوّلت مواقع التواصل الاجتماعي إلى فضاء لطرح المشاكل الأسرية و البحث عن حلول لها، وبالأخص فيسبوك الذي أصبحت مجموعاته المغلقة أشبه بعيادات نفسية، يلجأ إليها الكثيرون وخاصة النساء تحت غطاء الأسماء المستعارة، للفضفضة و طلب النصح من خلال استعراض المشاكل و سرد القصص بأدق تفاصليها الحميمية و المحرجة، بحثا عن حلول أو طلبا للنصح من ذوي الخبرة، وهو أمر يعتبره مختصون في علم الاجتماع، مؤشرا غير صحي يعكس خللا اتصاليا في حياتنا كأفراد، كما أنه سلوك مرفوض قد تهدد تبعاته الكيان الأسري، لأن الاندماج في العالم الافتراضي يؤدي إلى عزلة الفرد عن واقعه الفعلي.
و تجمع عديد الصفحات والمجموعات على اختلافها متابعين من الجنسين لكن تبقى النساء أكثر المهتمات بها، فبعد أن كانت المرأة تلجأ لجارتها أو أختها أو صديقتها الوفية للإفصاح عن مشاكلها مع الحرص على كتمان السر، أصبحت الكثيرات اليوم، يفضلن المجموعات الافتراضية، أين تتاح لهن فرصة الحديث بكل حرية تحت اسم مستعار، و الملاحظ هو أن هذه المجموعات السرية أو المغلقة أصبحت كثيرة الانتشار و تضج بقصص شخصية تتشابه في معظمها، كونها تصب بالإجمال في قالب العلاقات الأسرية و المشاكل الزوجية و التجارب العاطفية الفاشلة والخيانة و الاغتصاب، وإن كان الأمر يبدو بسيطا في ظاهره ، إلا أن خطورته تكمن في طريقة تأثر بعض النساء بطبيعة التعاليق التي ترافق منشوراتهن و قصصهن، خصوصا التعليقات السلبية المتنمرة التي تؤثر سلبا على نفسية المعنيات بالأمر، ناهيك عن أن هنالك من السيدات من تعرضن لمشاكل حقيقة بسبب عرض قصص اكتشف مقربون منهن بأنها تخصهم من خلال تفاصيل سردها، في ظل انتشار استخدام الكثير من رواد هذه الصفحات لخاصية النسخ أو التصوير و إعادة نشر المحتوى في مجموعات وصفحات مفتوحة.
موضة رائجة ومتابعون ومشتركون بالملايين
ويعرض موقع فيسبوك يوميا على متصفحيه العديد من المجموعات التي تعنى بشؤون المرأة و بالأخص الشق المتعلق بمشاكلها الاجتماعية و الأسرية ، على غرار صفحة « المشاكل و العلاقات الزوجية» التي تضم 90 ألف مشترك و يقدمها مسيروها على أنها « مجموعة اجتماعية لمناقشة مشاكل مجتمعنا بكل حب و احترام و التعلم و الاستفادة من تجارب الآخرين بشرط تبادل الآراء و المناقشة على أساس من الاحترام المتبادل بين الأعضاء «، إذ تحظى هذه المجموعة باهتمام و متابعة الكثير من النساء المتزوجات و يحتل موضوع الخيانة الزوجية و تعدد الزوجات المرتبة الأولى ضمن قائمة المواضيع الأكثر داولا فيها، مقارنة بباقي المشاكل المطروحة، حيث تنشر الكثيرات قصصهن كاملة عبر هذا الفضاء طالبا للنصح و التوجيه و كثيرا ما يتعدى التفاعل مع بعض المنشورات عتبة 20 ألف تعليق، فالبعض يعرضون تجارب مماثلة و يقدم آخرون آرائهم سلبا أو إيجابا بينما يفضل متابعون الرد على التعليقات السابقة فيما يشبه شبكة تفاعل أخطبوطية تضم أفكارا لا يمكن حصرها، خصوصا إذا ما تعلق الأمر بمشكلة بين حماة و كنتها أو بين زوجين.
انتهاك للخصوصية من أجل رفع نسب التفاعل
و خلافا لفحوى المجموعة السابقة، تعنى مجموعة « أفضل أمهات جزائريات» التي تضم أكثر من مليون متابع، بالمنشورات المتعلقة بصعوبات التعلم و كذا التعقيدات الصحية عند الأبناء، و تلقى تفاعلا كبيرا هي أيضا، لكن بدرجة أقل كما هو الأمر بالنسبة لصفحات الحمل و الولادة و تربية الأبناء و البيوت النظيفة و الأفكار المنزلية، أين يعجز متصفح المنشورات و التعليقات على التفريق بين رأي المختص و رأي الإنسان العادي بالنظر إلى درجة الإقناع الكبيرة التي يتمتع بها بعض المتابعين، حيث يتجاوز التفاعل مع بعض التعليقات 3الأف إعجاب و ألف رد، وهي تعليقات يعاد نشرها عموما في صفحة « طوب كومونتير» ما يؤكد بأن خاصية السرية و الغلق التي تعتمد عليها هذه المجموعات غير آمنة فعلا.
و لعل أكثر مجموعتين شهرة في الجزائر، هما « عجوزتي و سلافاتي ما دارو فيا « بـ 1.8 مليون مشترك و 5مليون متابع، وصفحة « فام ألجيريان» التي لها 1.6 مشترك و 3 مليون متابع، وهما صفحتان تشبهان إلى حد كبير عيادتين للعلاج النفسي الجماعي تضم رجالا ونساء على حد سواء، إذ تنقل السيدات المتزوجات خلافاتهن لهذا الفضاء و تكشفن دون حرج وقائع مفصلة عما يجري داخل بيوتهن وحتى غرف نومهن، بينما ينشر الرجال تجاربهم العاطفية طلبا للنصح، و الملاحظ هو أن نسبة النساء تفوق بكثير نسبة الرجال في هذه المجموعات التي يظهر جليا بأن غالبية ردود الأفعال فيها حول المنشورات و القصص تكون ساخرة أو جارحة و تحريضية في بعض الأحيان.
تنمر تحت غطاء النصح
يكمن السر و راء رواج هذا النوع من الصفحات، في هامش الحرية و إمكانية التطرق للطابوهات الاجتماعية دون حرج بفضل الأسماء و الحسابات المستعارة مع ذلك فإن غالبية من ينشرون قصصهم عبرها، يطلبون من القراء الإجابة دون تجريح و تجنب الأحكام، خصوصا وأن بعض القصص تطرح مشاكل جنسية و أخرى تكشف الاضطراب النفسي الذي يعاني منه أصحابها، بينما تبين قصص ضعف شخصية المعني أو افتقاره للثقة في النفس، وذلك من خلال تعمق البعض في ذكر التفاصيل الدقيقة لمشاكلهم و حكاياتهم دون قيود خصوصا النساء، وهو ما يقابله متابعون كثر بطريقة عدوانية تصل حد التنمر، من خلال إدراج ردود و تعليقات سلبية تتضمن أحيانا السب أو الشتم أو إطلاق أحكام جد قاسية، الأمر الذي كثيرا ما يدفع بأصحاب المنشورات إلى حذفها، و نشر أخرى يشتكون فيها من مستوى و طريقة التفاعل مع قصصهم، وقد سبق أن أكدت سيدات بأنهن تعرضن لضغط نفسي كبير و وصل بهن الأمر إلى حد الانهيار و البكاء و الاكتآب بسبب بعض التعليقات الجارحة.
المختصة في علم الاجتماع نجوى عميرش
العالم الافتراضي يولد العزلة الاجتماعية و يهدد كيان الأسرة
ترى المختصة في علم الاجتماع نجوى عميرش، بأن النصائح التي يتلقاها البعض و بالأخص النساء عبر هذا الفضاء من أشخاص غير مؤهلين، هي توجيهات غير مؤسسة، مؤكدة بأن عواقبها قد تكون وخيمة على الأسرة و بالأخص العلاقات الزوجية، لأنها قد تستعرض تجارب فاشلة كما تفتح باب المقارنات ما يعزز الشعور بعدم الرضى، لذا بعض السيدات اللائي سيشعرن بأن أسرهن « غير نمودجية» ، مشيرة إلى أن المشاكل العائلية و الزوجية ليست موضوعا للنقاش الجماعي وأن حلولها تكمن في المحيط الضيق أو باستشارة المختص.
وأضافت، بأن الاعتماد على الواقع الافتراضي يولد العزلة الاجتماعية و يهدد الكيان الأسري، كما يفتح المجال لمحاربة الحياء الاجتماعي، بعرض وقائع مخجلة، مشيرة إلى أن الإعلام المرئي ساهم في تفشي هذه الظاهرة من خلال تلك البرامج التي تعتمد على استعراض قصص الناس و مشاكلهم بطريقة تجارية داعية إلى ضرورة احترام القيم الاجتماعية و العودة إلى الحلول الواقعية في هذا الشق.
أسماء بوقرن