عادت دعوات الانضمام إلى حملة مقاطعة منتجات الشركات الداعمة للكيان الصهيوني مرة أخرى، وجاء صداها هذه المرة أقوى خصوصا بعد الجرائم الأخيرة للاحتلال وقصفه خيم النازحين في رفح، ثم تغير موازين الرأي العالمي، وتصدر السردية الفلسطينية المشهد بالأخص بعد انتفاض طلبة في مختلف جامعات العالم على غرار الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا.
إيناس كبير
«إن مللت المقاطعة بعد كل تلك الشهور، فإن العدو الإسرائيلي لم يمل من قتل أشقائنا الغزيين، وذبحهم وتقطيع أوصالهم، وتهجيرهم من مكان لآخر»، عبارة ضجت بها مواقع التواصل الاجتماعي ليلة قصف رفح الذي أسفر عن مقتل نحو 45 مدنيا فلسطينيا وإصابة العشرات، معظمهم من الأطفال والنساء، في منطقة تل السلطان شمال غرب رفح، و تداول ناشطون منشورات تحرض على الثبات على المقاطعة، داعية أفرادا آخرين لاستخدامها سلاحا يضرب اقتصاد الدول التي دعمت شركاتها إبادة الشعب الفلسطيني، وتهجيرهم وتدمير بيوتهم.
مدونون على مواقع التواصل الاجتماعي شاركوا بدورهم آراءهم حول الحملة، لزيادة الوعي بالدور المهم الذي تلعبه المقاطعة، وخصص آخرون حلقات «بودكاست»، و»فيديوهات» على «يوتيوب» استضافوا فيها مختصين في الاقتصاد، كما نشروا قوائم شركات منتجة لمستحضرات تجميل وعطور، ألبسة رياضية، وعلامات تجارية مشهورة في مجال الأزياء، مشروبات غازية، مواد غذائية، مواد تنظيف، عتاد إلكتروني، وكذا بعض الشركات الخدماتية، ناهيك عن مطاعم مشهورة، وكل ما له علاقة بدعم الاحتلال، لتتوسع الحلقة وتصل إلى شركات إنتاج السينما، وأعمال فنية و ممثلين داعمين للاحتلال، أو رفضوا التصريح عن موقفهم اتجاه القضية.
كما شارك نشطاء خصوصا الذين يعيشون في دول أجنبية تجربتهم مع المقاطعة، حيث استعانوا بتطبيقات تحتوي على قوائم بأسماء منتجات وشركات، يستخدمونها في المتاجر، مثل تطبيق «نو ثانكس» الذي يقدم نبذة عن كل شركة، وبمجرد أن تلتقط صورة للمنتج تُفتح أمام المستخدم نافذة باللون الأحمر ترمز إلى أن المُنتج ضمن قائمة المقاطعة، كما يقدم نبذة عن الشركة المصنعة له، وكذا تطبيق «قضيتي»، «صحوة»، و»أنا مقاطع»، فيما انتُقد نجوم من الوسط الرياضي والفني العربي، بعد مشاركتهم في إعلان لشركة مشروبات مدرجة على لائحة المقاطعة تضامناً مع قطاع غزة.
«ستارباكس» و»ماكدونالدز» على رأس القائمة
وتعد شركة «ستارباكس» الأمريكية من أبرز المتضررين، بسبب إضرابات الموظفين، وضعف النشاط الترويجي، وبالرغم من أنها نفت علاقتها بالكيان الصهيوني، وتقديم أي دعم إليه إلا أن قيمتها السوقية انخفضت بأكثر من 11 مليار دولار، بحسب وسائل إعلام، فيما انخفض سعر أسهمها في مؤشر «ناسداك» الأمريكي بنسبة 14.9 بالمائة، بعد أن كان سعره في منتصف نوفمبر الماضي يساوي 107,21 دولار، ليصل شهر مارس 2024 إلى 91.22 دولار.
مجموعة الشائع التي تمتلك حق تشغيل سلسلة مقاهي «ستارباكس» في 13 دولة بالشرق الأوسط وفي شمال إفريقيا، أي بمجموع 2900 فرع يشتغل بها 19 ألف موظف، تحدثت هي الأخرى عن تأثرها الكبير بالمقاطعة، وقد أعلنت عزمها تسريح 2000 موظف، بحسب ما نقلته «رويترز».
وقالت في بيان لها :»نتيجة للظروف التجارية الصعبة المستمرة على مدى الأشهر الستة الماضية، اتخذنا قرارا مؤسفا وصعبا للغاية بخفض عدد الزملاء في مقاهي «ستاربكس» بالشرق الأوسط وشمال إفريقيا»، فيما صرح الرئيس التنفيذي للشركة «لاكسمان ناراسيمهان»، شهر جانفي الماضي، قائلا :»حرب إسرائيل في غزة أضرت بأعمال الشركة في المنطقة وهذا أدى إلى تراجع المبيعات في الربع الأول عن التوقعات».
سلسلة مطاعم «ماكدونالدز» خسرت نحو 7 مليارات دولار من قيمتها خلال ساعات، بعد إعلان مديرها المالي «إيان بوردن» عن استمرار تأثير المقاطعة في المنطقة العربية والعالم الإسلامي على المبيعات خلال العام الحالي، وقد هوى سهمها بأكثر من 3% متجها لتسجيل أكبر خسارة يومية في 5 أسابيع، بقيمة 6.87 مليارات دولار. وجاء غضب الزبائن في العالم العربي بعد أن أعلنت «ماكدونالدز» في الأراضي المحتلة شهر أكتوبر الماضي أنها ستقدم وجبات مجانية للجنود الصهاينة، في المقابل ومحاولة منها لتخفيف هذا الغضب، أعلنت بعض فروعها في المنطقة العربية عن تبرعات لإغاثة قطاع غزة.
المقاطعة تؤثر على سمعة وعائدات الشركات المستهدفة
وتقوم فكرة المقاطعة على رفض التعامل مع منتجات أي شركة، جهة، بلد معين، بهدف فرض تغيير في الإجراءات السياسية أو الاجتماعية لتلك الجهة، من خلال توظيف تأثير الحركة الجماعية، ويمكن أن يؤدي قرار مقاطعة المنتجات إلى تداعيات مالية ملحوظة على الشركات المستهدفة. وكلما توسعت أعمال هذه الشركات، كانت أكثر عُرضة لتأثير المقاطعة في مناطق مختلفة من العالم، ولا يتعلق تأثير المقاطعة وقوتها بتأثيرها على المبيعات فقط، ولكن الأهم في تأثيرها على سمعة الشركة وعلامتها التجارية.
ووفقا لباحثين، فإن تاريخ المقاطعة يعود إلى عشرينيات القرن المنصرم حيث قامت الحركات الوطنية والثورية في المدن والقرى الفلسطينية، إبان الاحتلال البريطاني بحث الفلسطينيين على مقاطعة البضائع الصهيونية، التي ما لبثت أن تغلغلت في أسواقهم.
ومع نهوض العمل السياسي، وزيادة الوعي الشعبي، والتطور الحزبي في فلسطين، الذي شهد ذروته عام 1936، فقد أُعلن العصيان المدني، ودخل الفلسطينيون في حملة مقاطعة لكل أوجه الحياة التي سيطرت عليها سلطات الاحتلال البريطاني، حتى تدخلت حكومات ووجهاء عرب، بطلب من المندوب السامي البريطاني، لتقنع القيادات الفلسطينية بإيقاف الإضراب، وشهدت انتفاضة 1987 حملات مقاطعة شعبية في فلسطين كان لها الأثر الكبير في إلحاق الضرر بمنظومة السيطرة الإسرائيلية.
وباشتعال شرارة انتفاضة الأقصى عام 2000 بدأت تنشط حركات المقاطعة من جديد، وهذه المرة في الدول الأوروبية وأميركا الشمالية.
أما حملات المقاطعة المنظمة فقد بدأت في الجامعات البريطانية التي أصدرت بيانا عام 2003 تدعو فيه إلى مقاطعة الاحتلال أكاديميا، تبع ذلك إعلان بيان المقاطعة الأكاديمية والثقافية عام 2004، ومن ثم أطلقت المؤسسات الأهلية الفلسطينية عام 2005 نداء المقاطعة، بما سُميت «حركة مقاطعة إسرائيل وسحب الاستثمارات منها وفرض العقوبات عليها»، التي كانت بإلهام من حركة المقاطعة الجنوب أفريقية.
شباب جزائريون مشاركون في حملة المقاطعة
وقد تحدثت النصر، مع شباب جزائريين لرصد تفاعلهم مع حملات المقاطعة، أخبرنا مصطفى شاب في العقد الثاني من العمر، بأن أحداث طوفان الأقصى غذت في نفسه الوازع الديني بصفته مسلما، كما دفعته لمطالعة تاريخ القضية، وقد جاء قراره بدعم المقاطعة من منطلق ديني، وبالتحديد بعد بداية العدوان منذ حوالي أسبوع، حيث استبدل مشروبات غازية بأخرى محلية، أما المنتجات التي ليس لها بديل فقد استغنى عنها تماما إلى حين أن يجد حلا مناسبا.
ويرى محدثنا وهو خريج كلية العلوم الاقتصادية، بأن المقاطعة لها تأثير كبير يضم شقين، الأول هو دعم المنتوج المحلي على حساب المنتجات الأجنبية، الأمر الذي سيكون له تأثير اقتصادي إيجابي على الصعيدين الفردي والوطني، أما الشق الثاني فهو ضرب المحتل ومعاونيه وإن لم تظهر نتائجه للعلن.
كما أكد لنا الشاب، بأنه يسعى لنشر ثقافة المقاطعة قدر المستطاع سواء مع مؤسسات دعوية، أو بشكل عفوي مع الأصدقاء، كأن يرفض شرب مشروب غازي معين ومن ثم شرح السبب لهم.
آمنة شابة جزائرية قالت هي الأخرى، بأنها لا تريد أن تكون شريكا في الجريمة خصوصا وأنها ضد أشقاء عرب، وقالت إن المشاهد التي تصلنا من غزة مرعبة وغير إنسانية، لذلك فقد قررت المقاطعة فور أن سمعت بأن هناك شركات اقتصادية داعمة لهذه المجازر، وأضافت بأن الحملة أثبتت نجاعتها خصوصا بعد تضرر شركات كبرى، وعلقت، بأن المقاطعة جعلتها تكتشف منتوجات محلية وصفتها بالجيدة، كما تمكنت من إقناع أفراد عائلتها بالمشاركة وبعض المقربين لها.
من جانبه يرى عبد الرحمان طالب جامعي، بأن من الواجب نصرة الفلسطينيين والتضامن معهم بأقل الأشياء خصوصا وأنه مرتبط بهم من الجانب الديني، مضيفا بأنه انضم إلى حملة المقاطعة منذ حوالي شهرين، بعد أن اقتنع بفائدتها، يقول إنه نجح أيضا في إقناع أصدقائه وعائلته بالمشاركة.
وتعتبر آية شابة في العشرينات، بأن ما يحدث ضد النساء والأطفال في غزة يعد سببا كافيا لمقاطعة الشركات التي تمول الاحتلال لقتلهم والاعتداء على حقوقهم، كما ترى بأن نقص الوعي بسُبُل دعم القضية سبب لتخلف بعض أفراد المجتمع عن اللحاق بركب المقاطعين، وعقبت بأن ضرب الممولين للاحتلال ومصدر الخراب، يسبب خسارة فادحة لكلا الطرفين، لذلك فقد وصفت الحملة بسلاح وأسلوب ضغط عظيم الأثر.
وتقاطع الشابة مشروبات كانت لا تستطيع الاستغناء عنها، وفقا لما أخبرتنا به، كما تعتمد على تطبيقات لمعرفة الشركات الداعمة لجرائم الصهاينة، وعبرت آية، بأن المقاطعة تعد فرصة لاكتشاف المنتوج الوطني، خصوصا وأنها تتولى مهمة اقتناء حاجيات المنزل.
إ.ك