تشتهر العائلات المقيمة بجبال ولاية جيجل، بإعداد الأكلات التقليدية المتوارثة عن الأجداد، و من أبرزها عصيدة «أيرني» التي غابت عن طاولات العائلات في الآونة الأخيرة، بسبب صعوبة تحضيرها، لاسيما جلب المادة الأولية الرئيسية المستعملة في التحضير و المتمثلة في نبتة « أيرني»، التي تنمو بكثرة في الربيع وصولا إلى نهاية شهر جوان، و يعد البحث عنها مضنيا.
رغم شهرة الأكلة و لذتها، إلا أن ربات البيوت يستصعبن تحضيرها، في حال تستمع عجائز المناطق الجبلية بكل مرحلة من مراحل الإعداد لطبخها، ويتفنن في ذلك حيث يقطعن مسافات طويلة للبحث عن العشبة و يشتغلن دون كلل في غسلها وتحضيرها.
وتعرف بعض المناطق بجبال جيجل بعصيدة أيرني الشهيرة خصوصا أعالي الطاهير، أين لا تزال العائلات المقيمة بمساكنها القديمة و لم تهجر خلال العشرية السوداء، محافظة على عاداتها و تقاليدها، حيث تتوارث النساء أسرار الوصفة التي تعد دائمة الحضور على موائد الطعام، خصوصا خلال موسم الربيع و بداية موسم الصيف، إذ تعتبر من بين الأكلات المفضلة و المحبوبة لدى الكبار والصغار، لما تتوفر عليه من مكونات صحية ولذة.
توجهنا إلى قرية تابلات بمنطقة الدكارة، بأعالي بلدية الطاهير، من أجل التعرف أكثر على كيفية و طريقة تحضيرها، بحيث كانت السيدة «جميلة» و رفيقتها « عقيلة» رفقة أفراد عائلتهم في انتظارنا، شدنا جمال المكان فالمنطقة ذات غطاء نباتي كثيف تجاور فيها المزارع المساكن، و قد أخبرتنا السيدة جميلة بأن النساء هنا لا يزلن متشبثات بالعادات القديمة و يحافظن عليها.
تنقلنا إلى المزرعة المجاورة للمسكن العائلي لمضيفتنا، التي كانت تسير ببطء بسبب إصابتها في رجلها، و قد رافقتنا صديقتها عقيلة حاملة في يدها فأسا و دلوا صغيرا، و لدى وصولنا إلى المكان، بدأتا في البحث عن نبتة أيرني بين النباتات الموجودة، و لم يكن من الصعب العثور عليها، كون النسوة يملكن خبرة لسنوات.
علمنا منهما، أن نزعها يتطلب الحفر على الجوانب و اقتلاعها، وقد استمرت العملية لما يقارب نصف ساعة، غادرنا المكان بعد ذلك وفي جعبتنا ما يكفي لإعداد طبق كبير من عصيدة أيرني.
عدنا أدرجنا إلى المنزل و كانتا طوال الطريق تقصان بعض القصص الطريفة و محزنة ومغامراتهما في جمعة العشبة لإعداد الطبق، مؤكدات أن النباتات الجبلية تعد مصدر رزق للعائلات خلال فصل الربيع و بداية موسم الصيف، حيث يسد البعض رمق الجوع بإعداد العصيدة، و تحدثن أيضا، عن النساء اللواتي كن يتنقلن لمسافات طويلة من أجل جلب النبتة.
شرعن عند وصولنا إلى البيت في تنقيتها بالماء، و مررن بعدها إلى مرحلة وضعها في قدر ليتم طهيها لفترة من الزمن، وتقول السيدة جميلة، بأن طريقة التحضير عبر إقليم الولاية مشابهة بحيث تحافظ النسوة على نفس المراحل و الخطوات التي تأخذ فترة من الزمن، إذ أنه من الصعب تحضير الطبخة في نفس اليوم، وفي أغلب الأحيان يتم إعدادها بكميات كبيرة تكفي الجمع وتظل صالحة للأكل لفترة.
وأوضحت، أنه عند التحضير تستعمل جذور النبتة فقط، و تسمى محليا بـ «قريوة» وهي تشبه حبات البطاطا، بعد جمع جذور أيرني، تغسل جيدا تم تغلى في الماء ويتم تقشيرها و طحنها وتطهى على البخار، ثم تطحن من جديد مع اللبن الطبيعي و في غالب الأحيان توضع مجددا في قدر من الطين كما تنص عليه الوصفة التقليدية، مع التحريك المستمر لعدة ساعات.
بعد الغليان، يضاف قليل من خليط اللبن والسميد الخشن مع مواصلة التحريك الجيد بالعصي الخشبية، بعدها يضاف السميد الرطب، مع التحريك للحصول على عصيدة متماسكة، تسكب في صحن مع وضع زبدة البقر و زيت الزيتون ويتم تناولها.
كـ. طويل