تستقطب شواطئ ولاية جيجل خلال موسم الاصطياف شبابا وأرباب عائلات يجدون فيها فضاء للنشاط في مهن موسمية توفر لهم دخلا طيلة الصائفة، ويشكل البطالون و حتى طلبة الجامعات الفئة الأكبر من الشباب الناشط بقوة خلال هذه الفترة، فالعمل لمدة ثلاثة أشهر بالنسبة للبعض يكون مصدرا لتوفير مصاريف سنة كاملة أحيانا، كما هو الحال بالنسبة للشاب حمزة الذي قضى أزيد من 20 سنة، في خدمة زوار شاطئ العوانة، لينتقل من عامل حر بسيط، إلى صاحب حق امتياز لاستغلال شاطئ الكوبتير"، أو "الشاطئ الأسود ".
الخدمة في المطاعم و المحلات بديل صيفي
تشهد عاصمة الكورنيش الجيجلي، خلال السنة ركودا وضعفا في الحركية التجارية، إلا أن موسم الاصطياف يعتبر نعمة بالنسبة لمئات الشباب الذين يسترزقون و يبحثون عن نشاط مؤقت، إذ تعلن أغلب المحلات التجارية و المطاعم و الأكشاك بجوار الساحل عن حاجتها لعمال، وتضاعف أغلب المحلات عدد المشتغلين فيها، مجاراة لحركية الزبائن و نشاط التجارة، خصوصا وأن العمل يتم وفق مجموعتين ليلية وصباحية طوال هذه الفترة، وعادة ما تفتح المحلات أبوابها في حدود الساعة السابعة صباحا لتغلق بعد الثانية ليلا، فيما تستمر أخرى في النشاط دون انقطاع.
ويعد هذا النظام فرصة للشباب الجامعي من أجل الحصول على مجال للعمل وتأمين مصاريف السنة القادمة والتحضير للدخول الجامعي، خصوصا وأن عروض العمل منتشرة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، حيث يحجز البعض وظائفهم قبل أشهر من بداية موسم الاصطياف بالاتفاق مسبقا مع أصحاب أرباب العمل.
تواصلنا مع عدد من العمال الموسميين بمطاعم و محلات في المدينة، فأكدوا أنه رغم نقص الطلب خلال هذه الفترة مقارنة بالسنة الماضية، إلا أنهم باشروا التحضير للالتحاق بميدان العمل منذ شهر جوان، كما أوضح ملاك محلات أنها أيضا الفترة التي يحددون فيها نظام العمل الصيفي و يتواصلون فيها من الموظفين الجدد لضمان التحاقهم بالعمل مع بداية ذروة النشاط، علما أنهم يركزون بالعموم على الطلبة الجامعيين لتمتعهم بمستوى أفضل.
الأفضلية لطلبة الجامعات
وقال صاحب مطعم:" تلجأ مختلف المطاعم بالمنطقة خلال موسم الاصطياف إلى إضافة أو مضاعفة العمال، مع تفضيل الطلبة الجامعيين، الذين يطرقون أبوابنا مع بداية شهر ماي للبحث عن عمل، فنوظفهم في أماكن تتماشى مع أعمارهم ومستوياتهم الدراسية، وقد قمت شخصيا بتوظيف ما يقارب خمسة شباب بدوام جزئي، مع توزيعهم على فرق العمل".
وذكر شاب للنصر، أنه يدرس تخصصا تقنيا في الجامعة، وقد اختار العمل خلال موسم الاصطياف من أجل الحصول على مصاريفه وتوفير متطلبات الموسم الجامعي المقبل، كما أن النشاط في هذه الفترة مهم لمساعدة الأسرة وتقديم يد العون لوالده المعيل الرئيسي لها معلقا:" من غير المعقول أن يعتمد شاب يبلغ من العمر 20 سنة على والده بشكل مطلق في كل احتياجاته وينتظر منه مصروفا"، مضيفا " أنا شاب أحب الاعتماد على نفسي كثيرا، و أفضل خلال موسم الاصطياف البحث عن عمل لأوفر مصروفي الخاص، و الجميل أنني أكتشف نفسي و قدراتي في كل مرة، وأتعلم الكثير من أمور الحياة والعمل أيضا فالتحديات التي أمر بها تصقل شخصيتي، والمهن الموسمية بالنسبة لي فرصة لاكتشاف الواقع واختبار تجارب جديدة و تحضير نفسي للحياة المهنية بعد التخرج من الجامعة، مع اكتساب مهارات في مجالات عديدة، لذلك أقوم بكل ما أقدر عليه من باب الرغبة الشخصية و بإرادتي دون أي ضغط من والدي الذي يطلب مني أن أرتاح و أقضي عطلتي في التنزه، إلا أني أفضل العمل".
وظيفة جزئية لضمان مصاريف سنة
وإلى جانب المطاعم، توفر محلات بيع الملابس ومستلزمات البحر أيضا فرصة للشباب على اختلاف أعمارهم للعمل طول موسم الاصطياف، و تعتبر هذه المحلات قبلة للعديد منهم لأن العمل فيها غير متعب لا يتطلب خبرة معينة في المجال، وذلك بحسب ما أخبرنا به الشاب موسى موضحا، بأنه حاول في مرات سابقة العمل في المطاعم لكنه وجد الأمر صعبا للغاية وفضل البحث عن عمل لا يتطلب خبرة و يعتمد على مهارة التواصل أكثر، مضيفا، بأن زملائه في الدراسة جميعهم يعملون في محلات تجارية أو على شاطئ البحر، حيث يعتبر موسم الاصطياف فرصة لضمان وظيفة جزئية توفر مصاريف سنة كاملة أحيانا، أو على الأقل رأس مال لمناسب لمشروع صغير يشتغلون عليه باقي أيام السنة.
شباب من خارج جيجل يبحثون عن فرص بين شواطئها
وتعد الفضاءات المنتشرة على الشريط الساحلي الأكثر استقطابا للشباب من أجل العمل، حيث تسمح لهم بالنشاط وفي نفس الوقت عدم تضييع فرصة الاستمتاع بالسباحة، إذ يشتغلون في حظائر السيارات أو مساحات كراء الكراسي والطاولات، وأكشاك بيع الأطعمة، والمراحيض وغيرها من الفضاءات التي تسمح بتوظيف شباب لا يحمل مؤهلات معينة و يمكنه فقط الاستفادة من الوقت لاستقبال الزبائن و توجيههم.
و يعد هذا النوع من الأنشطة قويا جدا خلال الصيف بجيجل، خصوصا في ظل توفر قائمة واسعة وطويلة من المهن الموسمية المتاحة، سواء على الشواطئ أو في منطقة الكورنيش، التي تستقبل في كل موسم أعدادا معتبرة من شباب الجنوب الباحثين عن فرص للعمل، بحيث يفضل البعض التركيز على طاولات ومحلات الشاي التقليدي الصحراوي الذي يقدم مع المكسرات وبعض الحلويات التقليدية، فيما يختار آخرون العمل في الأكشاك و المطاعم المنتشرة عبر البلديات الساحلية.
حمزة 20 سنة من النشاط بشواطئ العوانة
حمزة شاب من الولاية، يكسب قوت يومه من العمل على خدمة المصطافين على الشواطئ وذلك منذ أزيد من 20 سنة، لاسيما شاطئ الصخر الأسود أو ما يعرف محليا بشاطئ الكوبتير.
يحظى الشاب بشعبية كبيرة و يعد محبوب الجميع لما يعرف عنه من أخلاق و احترام، وقد أخبرنا حمزة، بأن حياته ترتبط بالبحر إذ يعد مصدر رزقه الوحيد طوال أيام السنة، حيث ينتقل من صيد الأسماك إلى كراء الكراسي والطاولات حسب طبيعة كل موسم، ويعتبر نشاط كراء الكراسي و الطاولات المدخول الرئيسي له عموما، وقد أنقذه مرات عديدة من شبح البطالة. مشيرا، إلى أنه بدأ كعامل بسيط و مع مرور السنوات تعلم أكثر حيث كان سباقا لتأجير مساحة من مصالح البلدية بغرض استغلالها، ثم دخل المنافسة على المزايدات بعد تعديل الإجراءات عبر الشواطئ، وقال إن عمله في البحر نقطة تحول في حياته، لأنه عرفه على العديد من العائلات و أبناء الوطن، فتعلم منهم الكثير من العادات و تعرف على الذهنيات السائدة، و حاول في عمله أن يكون سفيرا للشباب الناجح عبر الشواطئ و يحاول جاهدا مساعدتهم قدر المستطاع. وبالرغم من أن العديد من مستغلي الشواطئ لم تعجبهم طريقته في التعامل كونه ضد فكرة احتلال الشواطئ بطريقة عشوائية وإرغام العائلات على الدفع، إلا أنه مصر على العمل وفق ما ينص عليه القانون عبر التعامل مباشرة مع مصالح البلدية. وقد قال رب أسرة مصطافة في المنطقة، إنه يزور جيجل كل سنة بفضل الحفاوة التي حظي بها في المكان أول مرة، وأن حمزة من الناس الذين غرسوا حب المدينة في قلبه، بفضل لطفه ولذلك يتردد على الشاطئ الذي ينشط فيه لكراء الكراسي و الشمسيات، والجلوس في هدوء وسط توفر الأمن والاحترام.
أما حمزة، فحدثنا عن صيغة جديدة لكراء مساحات على الشواطئ وقال إن الأمر يتعلق بما يسمى حق امتياز لاستغلال الشواطئ، وهي صيغة تسمح له بالحصول على امتيازات عديدة من بينها تحديد مساحة على الشاطئ ينشط فيها وحده، مما ساعدته كثيرا على العمل بطريقة احترافية، حيث وفر العديد من الخدمات للعائلات و بأسعار جد تنافسية، وهو إجراء مهم للغاية حسبه، لأنه شجعه على تهيئة المساحة المخصصة له وفق مخطط تهيئة الشاطئ، مع توفير فضاء لبيع المأكولات و المشروبات، و تهيئة مدخل خاص و ألعاب للأطفال. كـ. طويل