تتحدث الشابة ريم مروة تنيو، بشغف وحماس عن موهبتها في تأدية فن المالوف، وهي التي عشقته منذ أن كانت في سن العاشرة، لتكبر بين أحضان الآلات الموسيقية متأثرة برقتها، وأنغام الشيوخ الكبار لهذا الطابع الموسيقي الذي تشتهر به مدينة قسنطينة، خصوصا وأنها سليلة عائلة تتنفس فنا أورثته لابنتها ذات الحنجرة الذهبية التي تُطرب كل من يسمعها.
حاورتها/ إيناس كبير
شكلت أوتار الآلات الموسيقية شخصية الشابة ذات 23 سنة، فكبرت متأثرة برقتها، والأحاسيس التي تبعثها في المستمع خصوصا آلة العود التي فضلتها عن باقي الآلات، إذ عبرت بأن أنغامها تحكي قصة حب جمعت ابنة قسنطينة بالمالوف، كما تأثرت بمشايخ هذا الطابع العريق على غرار الفنانين محمد الطاهر وسليم الفرقاني، والشيخ قدور درسوني، أما من الجيل الجديد فيعد عباس ريغي من الفنانين الذين تطرب لأصواتهم، وتعشق سماع أغنيتي "البعاد أمر صعيب"، و"لريام".
سليلة عائلة فنية وقفت في صف موهبتها
تعلقت ريم بفن المالوف منذ صغرها، فهي التي تربت في بيت فني مارس أفراده هذا الفن، سواء من جانب الأم أو الأب، كما كانوا يطربون به في جلساتهم، وقد لامس هذا الحب قلب الابنة في منذ طفولتها، خصوصا بعد اكتشاف أبويها لموهبتها ثم دعمها والإصرار على دخولها هذا المجال.
تقول ريم، إن الخطوة الأولى كانت مع جمعيات المالوف بولاية قسنطينة، تحت قيادة الأستاذ طاهر بسطانجي، الذي يعد أيضا قريبا لها، فضلا عن الأستاذ رابح قطيط، الذين اعتنوا بصوتها وعملوا وصقلوا موهبتها، وأضافت بأنها تعلمت في هذه الفترة اللعب على مجموعة من الآلات الموسيقية مثل "الموندولين"، "الغيثار"، والميزان، لتضطر بعد خمس سنوات للتوقف سعيا خلف دراستها، لتعود مرة أخرى من باب جمعية نسائم الأنس، تحت إشراف طاهر بسطانجي، كما تعلمت أيضا على يد الشيخ حسان برمكي.
"أميل للعود لأنه قريب من شخصيتي"، هكذا تحدثت الموهبة الشابة عن قصتها مع آلة العود، ويعود الفضل في تشكيل هذه العلاقة، وفقا لها، إلى أستاذها طاهر بسطانجي، الذي نصحها بالتحول إليها، وبعد أن أتقنت العزف عليها أصبح رفيقا لها، وربطت ريم هذا التعلق، كون آلة العود تلائم صوتها أكثر من باقي الآلات، كما تشعر بالراحة في حضرته، ويجعلها تشعر بالارتياح أثناء الغناء، تضيف معلقة "أشعر برقته ودفئه، وكأن أوتاره تحكي عني خصوصا النايات التي تعطيني شعورا مختلفا".
عازفة منفردة على رأس الفرقة
وعن بروز صوتها العذب، أخبرتنا بأن أستاذها طاهر بسطانجي علم بأن هذه الموهبة سيكون لها شأن مستقبلا في طابع المالوف، لذلك كان يختارها على رأس الفرقة كعازفة منفردة بفضل خامة صوتها الرقيقة والدافئة، مضيفة بأن مشاركتها أيضا في المهرجانات والفعاليات مع جمعية نسائم الأنس سواء داخل قسنطينة أو خارجها ساعدها أيضا على البروز.
لتخوض أيضا تجربة الاحتراف، حيث أتيحت لها الفرصة لإنجاز ألبوم غنائي يضم سبعة أغان، وتعتبر الفنانة المالوف هواية اعتنت بها وسقتها حبا لذلك تطمح لدورها لنقل هذا الإرث الذي يعكس عراقة قسنطينة وأصالتها إلى الأجيال، مجتهدة في إيصالها بإتقان ومثلما يليق به.
عصرنة المالوف تجذب الشباب إليه
وعن توجه الشباب نحو هذا الطابع أوضحت محدثتنا، أن فئة قليلة منه فقط تميل إلى المالوف، وتأسفت عن عزوف البعض عنه سواء تعلق الأمر بالاستماع أو في جانب الأداء، ونوهب إلى فكرة خاطئة يحملونها وهي أن هذا الطابع ثقيل نوعا ما، ولا يفهمون معانيه، وعقبت "يتوجه إلى المالوف من يفهم المعاني السامية لقصائده".
لذلك ترى، أن الأمر أصبح يتطلب التوجه نحو تجديد هذا الطابع، وإضفاء لمسة عصرية عليه، وأوضحت بأنهم أدخلوا عليه "نوتات" كما أصبحوا ينوعون في الآلات التي تضيف إليه روحا، عكس في الماضي حيث انحصرت في الميزان، والعود، والكمان.
وعبرت الفنانة الشابة قائلة "يجب أن ننوه لنقطة تجديد المالوف لا يعني إفساد جوهره، مثلما حصل مع بعض الطبوع يجب أن تكون اللمسة العصرية في مقامها المناسب".
المالوف طابع نقي له هيبته
وتحفظ الفنانة للمالوف قيمته الفنية، وروحه التي تعكس عراقة قسنطينة، لذلك ترى بأنهم كشباب مبدعين يحملون مسؤولية تقديمه خصوصا في الفعاليات والمهرجانات بصورة جميلة، وعبرت بأنهم يحرصون على الإتقان في الأداء والظهور بصورة جيدة ومثالية خصوصا من ناحية اللباس، فبالنسبة لها المهرجانات هي التي تُرجع الفنون إلى أصلها وتعطيها صدى.
كما تهب صوت العازف المنفرد الشهرة التي يستحقها، وتشارك في رحلته الفنية، وقد ذكرت عينات استطاعوا النجاح بفضل المهرجانات والخروج بأصواتهم إلى ما وراء الحدود الجزائرية مثل الفنان عباس ريغي، وشهاب قوادري، وعدلان فرقاني الذين أصبحت أصواتهم مشهورة في هذا الطابع والترويج له في بلدان عديدة على غرار لندن وكندا.
أحب أن أرى المالوف حيا بين الأجيال
وتستغل ريم مواقع التواصل الاجتماعي أيضا للترويج لتراث مدينتها الفني، ونشره على أوسع نطاق، تقول "كفنانة أحب أن أرى المالوف حيا بين الأجيال، فهو فن نقي وذو روح، خصوصا وأننا في عصر يؤثر على الجذور يجب أن نحافظ على تراثنا سواء تعلق الأمر بالأزياء، المطبخ والفن".
وترى الشابة ريم، بأن الشباب القسنطيني خصوصا، يجب أن يعودوا إلى الأصل سواء في استماع لموسيقى المالوف أو تأديته بالنسبة لمن يمتلكون موهبة الآداء، للمحافظة عليه وضمان استمراريته بين الأجيال، كما تدعم التوجه نحو تجديده خصوصا في استخدام الآلات الموسيقية التي تضيف له روحا تجعل المستمع يعيش داخل القصص التي يتغنى بها.
إ.ك