كشف الأمين العام لوزارة النقل، جمال الدين عبد الغني دريدي، بجيجل أول أمس، عن إسداء تعليمات صارمة لمدراء مختلف الموانئ، من أجل العمل على التسريع في...
شدد الاحتلال الصهيوني حصاره وعدوانه على قطاع غزة خلال شهر رمضان، حيث لم تدخل المساعدات الإنسانية والطبية إلى القطاع منذ 2 مارس الماضي، مما فاقم...
في إطار محاربة الجريمة المنظمة وبفضل الاستغلال الأمثل للمعلومات، قامت مفرزة للدرك الوطني إثر عملية بقرية سلام، بلدية باب العسة الحدودية ولاية تلمسان بإقليم...
أشرف الوزير الأول السيد نذير العرباوي، سهرة الأربعاء الماضي، بجامع الجزائر بالمحمدية بالجزائر العاصمة، على حفل ديني بمناسبة إحياء ليلة القدر...
ترتبط فكرة التقاعد في أذهان الكثيرين، بالراحة و التحرر من قيد الوظيفة، لكنه يعد أزمة وجودية في نظر من يرفضون تقبله لأسباب يقول أخصائيون، بأنها مرتبطة بشخصية الفرد و بظروف التقاعد في بلادنا و بعوامل نفسية عديدة، فالتقاعد يعد من مؤشرات التقدم في السن أو بداية لمرحلة الشيخوخة وما يرافقها من تراجع في الصحة الجسدية، وقد يكون انتظارا محتوما للموت في نظر البعض وهو تحديدا ما يعزز حالة الإنكار لديهم، فمنهم من يعانون من الاكتئاب ومنهم من يعمدون إلى ممارسة وظائف أو أعمال أخرى تبقيهم منشغلين وتحفظ بريستيجهم.
لينة. د/ أسماء.ب
الوظيفـة و الأنا
يعود بعض من تقاعدوا من المهن التي قد لا تصنف على أنها شاقة بدنيا، مثل التعليم و الصحافة و الطب و الإدارة، إلى العمل، فغالبا ما يلتحق الأساتذة والأطباء بالمؤسسات التعليمية و الاستشفائية الخاصة مثلا، فيما يتعاون صحفيون سابقون مع جرائد أو إذاعات محلية أو مواقع إلكترونية، وقد لا ينقطعون عن الكتابة من الأساس، أما الإداريون فكثيرا ما يوظفون مجددا في شركات اقتصادية خاصة.
في العادة عندما نسأل البعض عن هويتهم، يجيبون بشكل آلي أنا موظف متقاعد أو أنا معلم متقاعد أو أنا إطار متقاعد، أي يواصلون ربط أنفسهم بالمهنة السابقة في جميع الأحوال، وبمجرد أن يثار موضوع العمل تجدهم يستمرون في التحدث عن مهنتهم السابقة بكل اهتمام على الرغم من أنهم ما عادوا يزاولونها اليوم، لأنهم يعتبرون بأن العمل هو أهم ما قاموا به طوال فترة حياتهم وأنهم قدموا الكثير ، بحيث يصعب عليهم تقبل فكرة الانفصال عن الوظيفة، لأن في ذلك تخليا عنهم أو حكما ضمنيا بأنهم ما عادوا ذوي فائدة أو قيمة أو أنهم جزءا من الماضي، وفي ذلك إجحاف في حقهم، وهي نظرية تثبتها بعض الردود التي تلقيناها من متقاعدين تحدثنا إليهم.
المدارس الخاصة مـلاذ متقـاعدات التعـليـم
تستقطب المدارس الخاصة بمدينة قسنطينة مثلا، العديد من الأساتذة المتقاعدين لأجل الاستثمار في خبرتهم، وحسب وسيلة . ب، معلمة متقاعدة في 63 من العمر، فإن عودتها للعمل كمدرسة للغة العربية بمجمع تعليمي خاص، كانت ملاذا لها للهروب من شبح الفراغ و الوحدة، خصوصا وأن أبناءها مستقرون في الخارج، و بقاؤها بمفردها طيلة اليوم دون عمل يدفعها للتفكير بسلبية كبيرة و الاستسلام لهاجسي المرض والموت.
أما نعيمة.س 57سنة، فقالت بأنها لم تتقبل يوما فكرة التوقف عن العمل والتحول إلى شخص مستهلك فقط، ولذلك فقد فتحت روضة خاصة لرعاية الأطفال، كما أن المشروع جاء أساسا لتعزيز دخلها الذي تراجع بنسبة 40 بالمائة مقارنة براتبها الأصلي.
إجحــاف
من جانبه، أخبرنا نور الدين .ب، إطار سابق بالمؤسسة العمومية للعتاد الصناعي، بأن الانتقال من العمل بكل ما يضمنه من امتيازات أهمها المكانة الاجتماعية و الراحة المادية إلى التقاعد، كان أصعب مرحلة مر بها في حياته معلقا : " على الرغم من أن التقاعد قد يبدأ بفترة مستحقة من الاسترخاء، لكن سرعان ما يتلاشى هذا الشعور بعد وقت قصير، في العادة يتركز تفكير الأشخاص أثناء الاستعداد لمرحلة التقاعد على الموضوع المالي، بيد أن الأمر يحتاج أيضا إلى التركيز على الجانب النفسي والاجتماعي، فمن غير الممكن أن نتخلى عن شخص قدم للقطاع الكثير وأن نعتبره فجأة جزءا من الماضي".
محدثنا قال، بأنه لم يتوقف عن العمل إلا مؤخرا بعدما شحت أمامه الفرص، لكنه انتقل بعد تقاعده منذ خمس سنوات، بين عدد من المؤسسات الخاصة، أين تقلد مناصب إدارية تليق بمقامه خصوصا وأنه درس في ألمانيا و تمرس طويلا في الإدارة الجزائرية.
علمنا منه كذلك، بأن أصدقاء له يمرون بمرحلة صعبة بسبب التقاعد، خصوصا بعدما كانوا موظفين محبين لعملهم ومنضبطين يقدسون العمل على حساب العائلة.
العودة للعمل والنشاط الاجتماعي لتجاوز المرحلة
أما حميد بلاغة صحفي و مكلف سابق بالاتصال، فقال بأنه اختار التقاعد المسبق ليتحرر من ضغط الوظيفة قبلا، لكنه سرعان ما قرر الرجوع مجددا إلى الصحافة لحبه لها، مع ذلك لم ينكر محدثنا، بأنه عانى من بعض الاضطرابات الناجمة عن التقاعد والانتقال من مرحلة العمل إلى الفراغ مع ذلك فقد أمكنه التعامل مع الوضع، بفضل المطالعة و الانخراط في الجمعيات الخيرية و الثقافية وتأليف الكتب.
الإصرار على العطاء حال دون تقاعدي
البروفيسور حسين خريف، واحد من الجامعيين الذين لا يزالون يزاولون عملهم رغم تقاعدهم، والسبب حسبه، هو يقينه بأن رسالة العلم لا يجب أن تتوقف رغم مشاق و تراكمات 43 سنة من العطاء، انقضت منها 15 سنة بين الصحافة والتعليم، حيث أخبرنا، بأنه لم يتقاعد سوى لسنتين فقط ثم عاد بعدها ليؤطر دكاترة المستقبل في إطار "شخصي بحث" كما قال.
محدثنا، أوضح بأن التقاعد قد يطرح مشكلة لمن يشعرون بأن فيه تهميشا لهم وتخليا عن الحاجة إليهم، وهو ما قد يفرز فراغا كبيرا وصعوبة في تقبل الابتعاد خاصة لمن كان شخصا فاعلا، لكن بالنسبة إليه، فإن الأمر مختلف لأنه كان يفضل الراحلة والتقاعد فعليا، لكن المصلحة العامة أعادته لجامعة قسنطينة، بعد إنشاء كلية علوم الإعلام و الاتصال و السمعي البصري، حيث لبى دعوة الإدارة ليعود كأستاذ متعاون لمدة سداسي فقط، قائلا "إنني كأستاذ جامعي متقاعد لم أتقاعد سوى سنتين ثم عدت بعدها كأستاذ متعاون تلبية لنداء الجامعة، حيث درست لمدة سداسي فقط، ثم انقطعت لأواصل البحث العلمي لمدة سنة في فرقة بحث بمخبر علم اجتماع الاتصال".
و أضاف الأستاذ بخصوص حديثه على تأطير مسابقة الدكتوراه و الإشراف على الناجحين فيها قائلا " كانت في إطار شخصي بحث، حيث لبيت دعوة من جامعة جيجل لرئاسة لجنة صياغة الأسئلة لسنتين متتاليتين، كما لبيت دعوة من جامعة الطارف كعضو ضمن لجنة صياغة الأسئلة والتصحيح، مشيرا بخصوص الإشراف إلى أنه لا يزال يتلقى طلبات من بعض الطلبة عن طريق الانترنت كما يعمل على توجيههم، مختتما حديثه بالكشف عن مولوده العلمي الجديد الذي يشارف على إنهائه المعنون "استراتيجيات الإقناع"، مؤكدا بأنه و بالرغم من ذلك إلا أنه يستمتع بوقته كمتقاعد و يمارس الرياضة ويخصص وقتا للأسرة و للنشاط الخيري.
الأخصائـي النفسانـي مليـك دريـد
الإنكار آلية دفاعية لرفض الارتباط بين التقـاعد والشيخوخــةيؤكد الأخصائي النفساني مليك دريد، بأن ذلك الارتباط الضمني بين فكرتي التقاعد و الشيخوخة هو ما يفرز تداعيات جسدية ونفسية و سلوكية و اجتماعية تصعب على البعض تقبل تقاعدهم، لذلك نلمس بعض الأعراض الاكتئابية عند هؤلاء بسبب الفراغ والروتين، إضافة إلى العزلة الاجتماعية و سرعة الاستثارة و التوتر و القلق و تأثر العلاقات الاجتماعية.
وقدم الأخصائي هذا السلوك، على أنه آلية نفسية دفاعية يلجأ إليها الفرد لمواجهة التغيرات الجديدة، كأن يقوم مثلا بسلوكيات وتصرفات خاصة بمرحلة عمرية سابقة كنوع من الرغبة في لفت الانتباه وجذب الاهتمام ، إضافة إلى تراجع تقدير الذات نتيجة إحساس المتقاعد بفقدان تلك المكانة والقيمة الاجتماعية، إذ يحس البعض بأن مدة صلاحيتهم قد انتهت وفقد تلك الأهمية الاجتماعية التي كان بريستيج العمل يعززها، وهي أحاسيس قد تسبب اكتئابا مزمنا لبعض الحالات، كما أنها أعراض مرتبطة بالدرجة الأولى بالخصائص النفسية لمرحلة الشيخوخة، و قد يلاحظ استعمال البعض لأساليب تسلطية في المعاملة مع بقية أفراد الأسرة كنوع من التعويض عن المكانة التي كان يحظى بها في وظيفته، وكتعويض عن إحساسه بالضعف وتراجع قدراته الجسمية والذهنية.
نفس الرأي تشاطره الأخصائية النفسانية العيادية نسيمة صحراوي، مشيرة إلى أن هذه الحالة تكون شائعة عند نوعين من الأشخاص، مدمنو العمل و المجدون فيه والمرتبطون به، إضافة إلى الإطارات و أصحاب المناصب المهمة، كما تكون كذلك حالة شائعة بين بعض من يرفضون تقبل فكرة التقدم في السن و الشيخوخة أو يجدون صعوبة في التخلي عن بريق وظائفهم السابقة.
الاحتواء الاجتماعي يمكنه فك عزلة المتعاقد ويقترح المختصان، آليات للتكيف والتعايش مع هذه المرحلة تقوم على للتحضير النفسي للموظفين من طرف مختصين في مجال علم النفس التنظيمي، و إقناعهم بأن التقاعد ليس النهاية، بل هو انطلاقة جديدة في الحياة يمكنهم استغلالها للانخراط في جمعيات خيرية و ثقافية و رياضية و إنسانية. إضافة إلى ذلك، فإن لمكافأة نهاية الخدمة أهمية معنوية كبيرة للمتقاعدين، طبعا دون إغفال دور المحيط الاجتماعي في مساعدة الفرد على التأقلم.
و يختلف التعامل مع مرحلة التقاعد من فرد إلى آخر بحسب طبيعة الوظيفة وحجم الضغوطات النفسية ، فكلما كانت الوظيفة ذات قيمة و مكانة اجتماعية كبيرة كلما صعب التقبل والتعايش مع المرحلة الجديدة، إضافة إلى أن التعايش مع التقاعد يختلف بين الفرد الذي اختاره طواعية و بين الذي أجبر على التقاعد فالأخير تكون درجة إحباطه أكبر ويجد صعوبة أكبر في تقبله. ل. د/ أ.ب