* رئيس الجمهورية يؤكد على ضرورة الالتزام بدعم الحكم الرشيد والشفافية في القارةأشرف رئيس الجمهورية، السيد عبد المجيد تبون، بصفته رئيسا لمنتدى دول...
أكد الوزير المنتدب لدى وزير الدفاع الوطني، رئيس أركان الجيش الوطني الشعبي، الفريق أول السعيد شنقريحة، أمس الأربعاء، عزم الجزائر، بفضل أبنائها...
طالب مقررون أمميون من مجلس حقوق الإنسان، الحكومة الفرنسية بتزويدهم بجميع المعلومات والبيانات المتعلقة بتجاربها النووية في الجزائر، بما فيها المواقع المحددة...
أكد أمس، مختصون في الأمن و علمي النفس والاجتماع، نشطوا فعاليات ملتقى حول الآفات الاجتماعية في الوسط الشباني بجامعة قسنطينة3، أن الفئة الشبانية تعد...
اقتحمت مجالا، لطالما كان حكرا على الرجال، فهي أول قصابة «جوايجية»، بولاية قسنطينة، و ربما بالجزائر ككل، و أكدت في لقائها بالنصر، بأن مرض زوجها أرغمها على ممارسة هذه المهنة، في محل صغير، بسوق مكتظ بالزبائن، في ظروف صعبة و أجواء و صفتها بالخانقة، و كل ما تتمناه اليوم هو أن توفق في الحصول على محل مناسب، لمواصلة نشاطها، في ظروف أفضل، مؤكدة أن المرأة قادرة على ممارسة كل المهن الشريفة، مهما كان نوعها.
* إلهام طالب
إنها شابة في الأربعين من عمرها، تدعى سمية خالد، أم لأربعة أبناء، تتراوح أعمارهم بين 07 و 21 عاما، و هم ثلاث فتيات و فتى، أصيب زوجها قبل خمس سنوات تقريبا، بمرض في القلب، و تعرض مرتين لسكتة قلبية، فمنعه الأطباء من العمل و بذل أي جهد، فاضطر ابنهما أيمن، للتوقف عن الدراسة مبكرا، و تعويضه في العمل في مجال القصابة، تخصص لحوم بيضاء، بسوق بومزو المغطى، بوسط مدينة قسنطينة، لكنه لم يستطع مجابهة مشاكل العمل و تحمل مسؤولية إعالة أسرته بمفرده طويلا، نظرا لصغر سنه، فاضطرت والدته لرفع التحدي و مواجهة كل الصعاب من أجل أسرتها.
مرض زوجي و صغر سني ابني أرغماني على الخروج للعمل
قالت لنا السيدة خالد، عندما زارتها النصر في مقر عملها، و هو عبارة عن مربع، على شكل محل، في سوق بومزو أن ابنها الوحيد، كان يعود منهكا كل مساء، محملا بالمشاكل التي كان يصادفها في السوق، فلم تتحمل الأم رؤيته يعاني لوحده و من في سنه يدرسون و يلعبون و يمرحون، فتحدثت مطولا مع زوجها، و أقنعته بأنها يجب أن تشرف على عمل ابنها و تمسك بزمام الأمور حتى لا تفلت منها، و وعدته بالتوفيق بين مسؤولياتها داخل البيت و خارجه، خاصة و أن بناتها يساعدنها في أشغال البيت.
ارتدت إلى جانب قبعتي ربة البيت و الأم، قبعة المرأة العاملة، التي تكسب قوتها و قوت أسرتها من عرق جبينها، بممارسة مهنة زوجها، التي لم تسمع من قبل أن امرأة تجرأت على ممارستها بقسنطينة، لأنها كانت دائما حكرا على الرجال.
أبدأ عملي على الخامسة صباحا في الحر و القر
أكدت السيدة خالد، أنها تغادر المنزل الأسري يوميا، في الفصول الأربعة، على الساعة الخامسة صباحا، بمعية ابنها ، للتوجه إلى سوق بومزو بوسط مدينة قسنطينة، لاستلام طلبيتها الجديدة من الدجاج، من تاجر جملة، و الإشراف على وزنها و دفع ثمنها، ثم ترتيبها في أواني خاصة، لعرضها في واجهة محل زوجها الصغير، و بيعها للزبائن، مشيرة إلى أنها تتصل كل مساء هاتفيا بذات التاجر، لتخبره بما تحتاجه من سلع، فيلبي طلبها صباحا.
و ذكرت لنا بنبرة حزينة لا تخلو من كبرياء و عزة نفس و ألم، مضيفة « أنا أم وزوجة محترمة، تمارس عملا شريفا، و هو مصدر رزقي و رزق أسرتي الوحيد، في البداية كنت أشعر بالخجل عندما أدخل إلى السوق، و أخشى التعامل مع الآخرين، لكنني سرعان ما استجمعت قواي و شجاعتي، و قررت أن أواجه كل الظروف، و أتحدى الظلم و النوايا السيئة و نظرات الاستغراب و الازدراء التي أراها في عيون الكثيرين، و أواجه استفزازاتهم و مضايقاتهم بصبر و صمود».
و تابعت أن ما يحز في نفسها أكثر، أنها تعمل في ذات المحل منذ ثلاث سنوات، لكنها لحد اليوم، لم يتقبل أغلب تجار السوق، تواجدها بينهم، و يعتبرونها دخيلة على المهنة، بينما حماها، أي والد زوجها، كان من أوائل التجار الذين عملوا بالسوق، و سبق الكثير منهم إلى افتتاح محل، لممارسة نفس النشاط، و كان زوجها يساعده في عمله منذ صغره، و تعلم منه أسرارها، و عندما توفي عوضه هناك، طيلة عقود من الزمن، و لولا مرضه، لما توقف عن العمل.
طلبت من التجار معاملتي كرجل!
أضافت سمية أنها تتمنى لو يعاملها القصابون و غيرهم الند بالند و ينسون تماما أنها امرأة، مؤكدة « في العمل جميعنا رجال، نشمر على أذرعنا، و نبذل قصارى جهدنا من أجل توفير لقمة العيش لأبنائنا، و لا ننشد سوى الاحترام المتبادل بين الزملاء»، مشيرة إلى أنها تردد دائما على مسامع التجار، بأنها في السوق رجل، مثلهم، فيصوب بعضهم نحوها نظرات تؤلمها كثيرا، أو يشتمونها عندما يتشاجرون مع ابنها، الذي يبلغ حاليا 17 عاما، كما قالت، فتضطر للتدخل، فتتفاقم النزاعات، ما يجعلها تتحسر على وضعيتها الاجتماعية التي قادتها إلى العمل في السوق، و لطالما استنجدت بإخوتها، عندما يشتد عليها و على ابنها حصار المضايقات و الاستفزازات، للتدخل.
و بخصوص الزبائن، قالت أم أيمن أنها تحظى بتشجيع الكثير منهم، في حين يندهش آخرون لاختيارها عملا كان حكرا على الرجال.
أما الأسعار التي تعتمدها في بيع سلعتها، قالت أنها تخفضها، حتى تبيعها في نفس اليوم، خاصة في ظل ارتفاع درجات الحرارة في فصل الصيف الجاري.
مضايقات من كل نوع و ظروف مزرية..
أثناء تواجدنا بالمحل صباحا، كانت الحرارة تشتد تدريجيا، و الأجواء خانقة، لقد لاحظنا أن سقف المحل من صفيح، و يفتقر للتهوئة و التبريد، على غرار العديد من محلات سوق بومزو المغطى، و تبدو واجهة المحل الأمامية مقبولة من حيث التهيئة و نسبة النظافة، في حين تتراكم أمام مدخل بابه الخارجي المقابل، الذي يوجد في الممر الثاني بالسوق، الأوساخ و النفايات متراكمة و المياه راكدة، تنبعث منها روائح كريهة، كما أن البالوعات مسدودة..
قالت لنا السيدة خالد، أن ظروف العمل مزرية، فهي تدفع شهريا للبلدية، 9 آلاف دج، كإيجار و لضمان الصيانة و النظافة، لكن النتيجة واضحة، كما قالت، مشيرة إلى أن قنوات الصرف الصحي «تنفجر» من حين لآخر، فيصبح الوضع كارثيا، لأن البالوعات مسدودة باستمرار. و أضافت المتحدثة أنها تضطر لجلب المياه من محل مجاور، لأنه لم يتم توصيل قناة المياه إلى محلها.
و أكدت أم أيمن أن هذه الظروف غير الصحية، أدت إلى إصابتها بحساسية تنفسية، و أكد تاجر آخر، أنها ليست الوحيدة، فهو و الكثير من تجار السوق، أصيبوا بالحساسية و مشاكل صحية أخرى، و ينتظرون جميعا بفارغ الصبر أن يلتفت المسؤولون لوضعية السوق، و يخصصون ميزانية لتنظيفه و ترميمه و تهيئته، وفق معايير و شروط عمل الأسواق المغطاة، خاصة و أنه يقع وسط مدينة قسنطينة، قبالة فندق يقصده السياح من كل حدب و صوب، ومرافق هامة.
و لم تخف أم أيمن أنها تتمنى أن توفق في الحصول على محل مناسب بحي آخر، حتى و إن كان بعيدا، لتواصل فيه ممارسة مهنتها الشريفة، بمعية ابنها، فهي تحبها، لكنها تكره ظروف ممارستها في سوق بومزو و سوء معاملة عديد التجار لها و مضايقتهم لها.