التقى الوزير المنتدب لدى وزير الدفاع الوطني، رئيس أركان الجيش الوطني الشعبي، الفريق أول السعيد شنقريحة، أمس الأربعاء بالكويت، مع وكيل الحرس الوطني...
شرعت الحكومة، في وضع التدابير التنفيذية للتكفل التام بالتوجيهات التي أسداها رئيس الجمهورية للحكومة خلال الاجتماع الأخير لمجلس الوزراء خاصة فيما...
سلم إرهابي نفسه للسلطات العسكرية ببرج باجي مختار، فيما تم توقيف (5) عناصر دعم للجماعات الإرهابية، خلال عمليات متفرقة عبر التراب الوطني تم تنفيذها في...
وجه رئيس الجمهورية، السيد عبد المجيد تبون، اليوم الاربعاء، رسالة عشية إحياء اليوم الدولي للتضامن مع الشعب الفلسطيني (29 نوفمبر)، قرأها نيابة عنه وزير...
يعرف عن مدينة عين سمارة بقسنطينة، بأنها بلدية ريفية بامتياز تحيط بها الأراضي الفلاحية من كل جانب تقريبا، ويجهل الكثيرون أن المنطقة كانت في وقت سابق منجما يدر ذهبا، أو بالأحرى رخاما من أفخم الأنواع في العالم، حيث يقع بإقليمها واحد من بين أهم مقالع الرخام استخدمه الرومان وبعدهم الفرنسيون، و استغل بعد الاستقلال كذلك، يزين بريقه بعضا من كبريات المعالم و المنشآت الهامة في أمريكا و فرنسا، ومع ذلك فإن المنجم أغلق اليوم وطمرته حجارة النسيان.
رحلة البحث عن منجم عمره قرون
النصر، تنقلت إلى موقع المنجم الذي كانت تستخرج منه حجارة « الأونيكس» وهي نوع فخم جدا ونادر من أنواع الرخام أردنا أن نقف على وضعية المنجم ومصيره، خصوصا بعدما علمنا بأن إنتاج هذا المنجم استخدم في بناء و تزيين معالم هامة كالبيت الأبيض الأميركي و دار الأوبرا في باريس.
تطلب العثور على موقعه بحثا، حيث يوجد على مستوى الطريق الرابط بين عين السمارة و علي منجلي، على بعد أمتار قليلة من المنطقة المعروفة بقرية « عين زبيرة»، وهو موقع حددناه بصعوبة و تطلب مساعدة من عمال المحاجر القريبة، خصوصا وأن المكان مغلق و غير مستغل، ولا أثر فيه لما قد يجرك للتوغل هناك، أو الوصول إلى المنطقة من الأساس.
أكملنا ما تبقى من الطريق نحو محيط المنجم سيرا على الأقدام بسبب صعوبة المسلك المعزول و كثرة الحجارة و المطبات، وحين وصلنا إلى حدود المنجم لاحظنا بأن المنطقة ككل تتشكل من صخور كبيرة متداخلة تعزل المكان و تحجب الرؤية تماما، رميت بجانبها قطع من الرخام المكسور و تشكلت حولها جبال صغيرة من الرمل و الحجارة، صادفنا بمدخل المحجرة، أحد حراس الموقع، وقد كان دليلنا في المكان الذي انتشرت على امتداده كميات كبيرة من قطع الرخام متفاوتة الأحجام كانت مرمية على الأرض بصورة فوضوية منها ما هو محطم بشكل كامل، مع ذلك فقد بدت براقة و ملساء و جميلة كأنها لم تتأثر بعوامل الزمن والمناخ، وهو ما عزز لدينا الفكرة التي انطلقنا منها، والتي تؤكد بأن المنطقة كانت تنتج أفضل أنواع الرخام، الذي كان يشبه في وقت مضى بالعقيق اليمني، كما تذكره بعض المصادر، وذلك عند انعكاس الضوء عليه، و توفره على كمية عالية من السيليكون، وهو تحديدا ما جعل « الأونيكس» يصنف ضمن خانة الحجارة الفخمة.
عند اقترابنا من الموقع انبهرنا بعدد قطع «الأونيكس» الرخامية الملتصقة بالتشكيل الصخري، الذي يبلغ طوله حوالي 100 متر والممتد على مساحة كبيرة لم نستطع تقديرها بالعين المجردة فتوزع قطع الرخام في أرجاء المنطقة، يؤكد حقيقة توفر المكان على ثروة باطنية بإمكانها تحويل عين السمارة، إلى قطب منجمي عالمي الشهرة، ما من شأنه أن يحرك عجلة الاقتصاد في الولاية ككل و يدفعها بقوة.
كانت قطع الأونيكس المندمجة مع الصخور، براقة و مختلفة الألوان تعكس ضوءا مشعا كأنها جواهر، نحتتها الطبيعة في قلب الجبل الصخري، حيث تشبه التشكيلات الحجرية لوحات رسمت بريشة متموجة مع لمسة من البريق، ولعل ذلك هو ما يدعو المارة إلى التوقف لتأملها كما أخبرنا الحارس الذي رافقنا في جولتنا مشيرا إلى أن هناك أجانب يزرون المكان أحيانا ويقفون مطولا أمام الصخور لتأملها «لأغراض بحثية ربما»، كما عبر، متسائلا عن سبب توقف المنجم عن العمل، رغم غناه بهذه المادة الثمينة التي يمكن استخراجها والانتفاع منها.
وتؤكد مصادر أن الشركة الوطنية للرخام، استغلت أونيكس عين السمارة في البداية تحت إدارة «غوستاف فيوت»، ثم النحات «أوجين كورنو»، وصنعت أعمالًا فنية وأثاثًا باستخدام هذه المادة كما اشتهرت الشركة، بجودة إبداعاتها، لاسيما تلك التي عُرضت في المعرض العالمي عام 1878 في باريس،كما طوع الأونيكس أيضا، على يد صانع الرخام الشهير والنحات من مرسيليا «جولز كانتيني «.
الأكثر استخداما في العالم
تجدر الإشارة إلى أن بدايات استغلال رخام عين السمارة، تعود إلى قرون ماضية وبالضبط خلال الحقبة الرومانية، حيث استخدم الرومان مناجم الرخام و مقالع الحجارة في تشييد مدنهم بالشمال الإفريقي، ونقلوا كميات كبيرة منها لتزيين القصور الرومانية بعدد من مدن الإمبراطورية بما في ذلك العاصمة روما خصوصا، كما كان الرخام المستخرج من عين السمارة، واسع الاستعمال في الحمامات الرومانية بمدينة شييتي الإيطالية.
وتقول مصادر، أن مادة الأونيكس، اكتشفت مجددا خلال القرن التاسع عشر، واستعملت في إعادة تهيئة واجهات البيت الأبيض وتزيين مركز روكفلر الشهير بالولايات المتحدة الأمريكية ودرابزين الدرج الكبير بدار الأوبرا بباريس.
وقد حاولت النصر التأكد من كل هذه التفاصيل و تحصيل معلومات أكثر عن هذا الكنز ، ومعرفة سبب إهمال المنجم و توقيف التنقيب والإنتاج، فتوجهنا بداية إلى مدرية الصناعة بولاية قسنطينة، لكننا لم نحصل على أية معلومة تذكر، لذلك قصدنا الوكالة الوطنية للنشاطات المنجمية بقسنطينة، أين قيل لنا بأن «أونيكس» عين السمارة، يعتبر من أنواع الأحجار النادرة في العالم والأكثر استخداما خلال الحقب الماضية، و قد أستخدم بكثرة في أوروبا لإنشاء أعمال فنية عديدة منها الساعات و المنحوتات وما إلى ذلك.
كما علمنا، بأن المنطقة لا تزال تكتنز الكثير من هذه الحجارة الفخمة، حتى وإن كانت عملية الاستخراج صعبة جدا حاليا، بفعل التغيرات التي طرأت على المنطقة ككل مع زحف العمران في الاتجاهين « علي منجلي و عين سمارة»، لأن عملية التنقيب والسحب، قد تكون خطيرة في هذه الحالة، وقد تسبب انهيار مبان و تشقق أخرى، على اعتبار أن السكنات لا تبعد اليوم عن موقع المنجم سوى بما يقارب 13 مترا.
بالإضافة إلى ذلك، فإن عملية السحب و الاستخراج، تعتبر أكثر تكلفة من قيمة المنتج في حد ذاته، وذلك بحسب ما أوضحته لنا مسؤولة بمديرية الصناعة والمناجم، قالت، بأن أحد أسباب توقف المنجم هو غلاء آلة« الديامونتي» المصنوعة من الألماس و التي تستخدم للسحب.
تجار يجهلون وجود الأونيكس بالمنطقة
غيَّرنا الوجهة لنستطلع آراء بعض التجار وأصحاب المحاجر المتخصصين في استخراج و بيع الرخام، حول هذا المنجم اللغز وما إذا كان أحدهم يملك معلومات أكثر عنه وعن تاريخ استغلاله خصوصا أولائك الذين يملكون محلات ومحاجر قريبة، فوجدنا بأن غالبيتهم يجهلون وجود هذه المادة بالقرب منهم، ويقومون باستيرادها حليا من الهند، كما يحضرون أنواعا أخرى من إيطاليا وإسبانيا بأثمان باهظة يصل سعر القطعة الواحدة منها إلى 60 ألف دينار.
قابلنا خلال جولتنا، صالح وهو بائع رخام بعين السمارة، وهو الوحيد الذي يعرف عن المنجم، وقد قال لنا بأنه على علم بما تزخر به المنطقة من ثروة منجمية، وأن القطعة الواحدة من رخام الأونيكس تكلف 40 مليون سنتيم اليوم، وهو الأغلى في العالم مشيرا، إلى أن هذه المادة تتكيف مع الطقس فتكون دافئة شتاء و باردة في فصل الصيف، وقد علم سابقا بأنه استخدم منها في بناء مائضة المدينة المنورة. وقال البائع، أن رخام أونيكس، يتشكل في وقت أبطأ من الأنواع الأخرى، ويتم استخراجه من المقالع بألوان مختلفة، كما أن طرق معالجته وتطبيقه أصعب قليلاً من أنواع الرخام الأخرى، وهو ما يجعله أكثر قيمة، وأسعاره أغلى من غيره، وأنه يقوم بنقل الضوء ويغير لونه حسب لون الضوء بفضل هيكله الزجاجي. وأشار التاجر إلى أن السوق المحلية أصبحت تعرف انتعاشا ملحوظا في تجارة الرخام، خاصة في ظل تنامي مشاريع البناء وميل أصحاب السكنات الجديدة لاستخدامه في تزيين بيوتهم وحدائقهم، مضيفا، أن الرخام الجزائري ينتج حاليا في مقلعين فقط الأول في سكيكدة المقلع الأول بـ«فلفلة» والذي يستخرج منه الرخام الأبيض ويباع بـ6000 دينار للقطعة، أما النوع الثاني فيستخرج من تمنراست، وتباع القطعة منه بأكثر من مليون سنتيم ويكون لونه أسود، فيما يصدر النوع الأخضر، مباشرة إلى بلدان أجنبية لأنه نادر الاستخدام في الجزائر. وذكر المتحدث، أن الرخام الإيطالي والهندي والإسباني هو الأكثر طلبا في السوق الوطنية، وذلك لجودته و تفاوت أسعاره.
لينة دلول