• إيجاد الحلول للانشغالات المطروحة بالسرعة المطلوبة والاحترافية الضرورية • الشروع بالسرعة القصوى في التنفيذ الميداني • على الحكومة صب كل المجهودات لتحقيق راحة...
شرع الوزير المنتدب لدى وزير الدفاع الوطني، رئيس أركان الجيش الوطني الشعبي، الفريق أول السعيد شنقريحة، ابتداء من يوم أمس الأحد، في زيارة رسمية إلى...
أطلقت لجنة تنظيم عمليات البورصة (كوسوب)، أمس السبت، بالمركز الدولي للمؤتمرات «عبد اللطيف رحال» بالجزائر العاصمة، بوابة إلكترونية ونافذة موحدة للسوق...
أطلقت وزارة الداخلية والجماعات المحلية و التهيئة العمرانية، أمس، بمعية قطاعات وزارية أخرى حملة وطنية لتحسيس المواطنين بالأثر الايجابي والدور الهام...
السيّدة.. أول مطعم مفتوح للفقـراء وعــابري السبيل بقسنطينــة
يفتقد سكان نهج عبد الله باي، المعروف بالسيّدة، وسط حي السويقة العتيق بقسنطينة اليوم، الأجواء الرمضانية القديمة للحومة ، وعلى رأسها أجواء التضامن، أين كان يتم التكفل بفقراء الحي من طرف جيرانهم سرا ، بجمع مبالغ مالية هامة وتوزيعها عليهم ، ليصوموا وعائلتهم باطمئنان.
روبورتاج : ص/رضوان
و كان التضامن يمتد إلى المعوزين والمتسولين في أنحاء المدينة ، الذين كانو يقصدون السيّدة لتناول وجبات ساخنة، بالموازاة مع تكفل كل أسرة ميسورة بعدد معين منهم طوال الشهر الفضيل ،ليختفوا في آخره، ويعود بعضهم في السنة القادمة، و من بينهم أشهر متسولة مريضة عقليا في قسنطينة، و هي المرحومة حدة لحدودي التي كانت تفطر كل يوم في رمضان عند أسرة، فكفاها ذلك عناء التسول و مطاردة الأطفال لها، و نسج اختفاء حدّة من مسرح يوميات قسنطينة طوال شهر رمضان ، حكايات وخرافات لا يزال يتداولها البعض فيما بينهم.
أول ما يدل على أن مسرح الأحداث في السيّدة بات باهتا، غلق الزاوية، التي ارتبط اسم النهج أو الحي باسمها، منذ ثلاث سنوات للترميم ، و كذا أكوام الحجارة و الركام الناجم عن انهيار المنازل، اختفاء الكثير من الحرفيين وعلى رأسهم محل حلاب الحي، الذي حوّله أبناؤه إلى محل لإصلاح الأجهزة الإلكترونية، و تحوّل دار سيدي دحمان إلى بيع الفحم ، إلى جانب اختفاء المقهى الذي كان يحتضن الإرهاصات اليومية لسكان السيدة.
أشياء كثيرة جميلة اختفت يقول دليلنا الشيخ عطوي عادل رافع الذي أمّ سكانها ما يقارب العقد في الزاوية، وهو أحد أبناء النهج تربي وترعرع في دار بلوصيف، عاش وعايش أجواء رمضان فيها، ويتذكر تلك اليوميات بالكثير من الأسف، بعد أن تحولت إلى حلم جميل يستحيل استعادة تفاصيله.
عن العائلات التي كانت تطعم الصائمين في رمضان و المعوزين و عابري السبيل في بقية شهور السنة، يقول الشيخ عطوي: " السيّدة كانت مقصد متسولي المدينة و فقرائها، الذين توضع لهم مثارد الطعام في "الصاباط" الذي يحمل اسم عبد الله باي، ابن صالح باي الذي سكن الحي ، وتحولت ملكية بيته في ما بعد ، إلى عائلة بن عيسى، ثم بلوصيف، كما أن عائلة بن طرشة كانت تداوم على إخراج قصع الثريد و الكسكسي، وهي عادة كان سكان السيّدة متمسكين بها طوال السنة، وتتضاعف في شهر شعبان، أين تخرج كل يوم عائلة طعاما للفقراء، اعتقادا منهم بنزول البركة والخير على البيت و دفع للبلاء و الشر عنه، وهذا ما جعل الكثير من الفقراء والمتسولين يقصدون النهج لتناول الطعام ، فارتبطت ذات العادة بالمكان ، وأصبح ذكر السيّدة ملازما لإطعام فقراء المدينة".
و كان أكثر هؤلاء المعوزين نساء كنّ يلتحفن الملاءة السوداء و اللثام "العجار" ، حتى لا يكتشف أمرهن، جراء الفقر الذي كان مستشريا بين نسبة كبيرة من سكان المدينة والوافدين الجدد عليها في أحيائها الهشة ، ممن فروا من الأرياف.
كسوة الزاوية ودور الحومة و طلائها بالجير والنيلة في شعبان
أضاف الشيخ عادل بأن التحضير لاستقبال رمضان في السيّدة، كان يبدأ مع بزوغ هلال شعبان، عبر نهج عبد الله باي ، الذي يتفرع من الطريق الجديدة، إلى سيدي راشد، مرورا بمسجد سيدي بزار ، الذي لم يعد له أثر، وذلك بتنظيف الحومات والدور والمجالس وطلائها بالجير والنيلة. و لزاوية السيّدة نصيبها من الطلاء و الكسوة مع كسوة البيوت بالمفروشات الجديدة، مع تعليق القناديل المتعددة الألوان في أجواء من الفرحة والاستبشار المفعمة بنسمات إيمانية روحانية، تحضيرا لاستقبال الوافد الكبير شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن ، الذي يتلى في الزاوية ، في صلاة القيام ، على الطريقة القسنطينية القديمة ، و تكون مرفقة بالتسبيح والذكر والدعاء ، و يحرص الكثير من سكان السيّدة على ارتداء ملابس جديدة خاصة بذات الصلاة.
و تتواصل ذات الأجواء طيلة الشهر الفضيل، لتختم صبيحة العيد بإخراج صينية قهوة كبيرة تساهم فيها كل العائلات بما حضّرت من حلويات ، ليكرم الفقراء بزكاة الفطر ، وهم يتحسّرون على مغادرة رمضان وأجوائه في السيّدة، لتعود الحياة فيها إلى رتابتها ، التي كان يكسرها صوت حلاّب النهج، أثناء دوريته لتوزيع حليب البقرة في الصباح و المساء على زبائنه، كل حسب قدرته و عدد أفراد عائلته ، بين لتر ونصفه و ربعه ، و يٌسدّد ثمنه شهريا ، وهي حرفة لم يعد لها وجود الآن بهذا الشكل المريح.
السيدة حفصة بنت زاويتها بمالها ملجأ للأيتام وتعليم القرآن
جاء في السند الصحيح لأصل السيّدة النفيسة الزاهدة حفصة، للشيخ سيدي محمد الشريف البدوي، الذي زوّدنا به الشيخ عادل بأنها حفصة بنت جعفر بن سيدي محمد، بن عبد الرحمن، بن الفضيل، بن الجيلالي، بن عمر أبي حفص، العارف بالله دفين فاس، و يرجع نسبه إلى سيدنا عمر بن الخطاب رضي الهح عنه، وهو من ذرية أولاد عبد النبي، أولاد سيدنا إسماعيل ، المتوفي في القرن الخامس عشر ، وقد انتقل أحد أبنائه إلى تونس بالقرب من جبل زغوان ، حيث صار أحد تلاميذه الشيخ العارف بالله الملقب ب" الشــــــاذلي ".
ولدت السيدة الكريمة " حفصة بنت جعفر " بشرق مدينة قسنطينة ، بمنطقة الجعافرية، الملقبة بعرش " منازل حفصة " ، عام 1639م، الموافق ل1052 هجري، عاشت في بيت تربية وكرم بين العلماء والمشايخ وأولياء الله، فشبت منذ نعومة أظافرها على حب الذكر ،الذي أبلغها اكتساب العلم بالشريعة وحفظت القرآن العظيم ، فقد كانت ذات بصيرة مكنتها من إتقان العلوم الشرعية، حيث ختمت القرآن العظيم في سن السابع عشر، على يد أبيها جعفر بن محمد ، بزاوية سيدي الفضيل الذي ينتمي إلى الطريقة القادرية.
ولقد كانت السيدة حفصة صالحة زاهدة ، وعند بلوغها 30 عاما، انتقلت إلى قسنطينة، فشيدت زاوية متواضعة بمالها الخاص ،ـ " السيّدة حاليا " ـ تربي فيها الأيتام وتعلموا القرآن العظيم ، فتزوجت من أحد أبناء العالم سليمان إمام بمسجد الباي ، وكان اسمه " خير الدين بن سليمان " و كان فقيها في المذهب المالكي ، و رجلا صالحا. أنجبت منه أربعة أولاد ، ثلاثة ذكور و بنت ، فأهداها الباي أرضا تقع بديدوش مراد حاليا تعرف ب" بني مستينة " ، وهي أرض حبوس تدعى حفصة.
توفيت السيّدة حفصة عن عمر ناهز 67 سنة عام 1708م الموافق، وقد خلفها أحد أبنائها البررة ، وهي مدفونة حاليا بمعية ابنتها في زاويتها ، بنهج عبد الله باي رقم 05.
و الجدير بالذكر أن النهج يضم بالإضافة إلى ذلك، " جمعية السلام " التي تخرج منها الكثير من الثوار، من أبناء المدينة، وتحولت حاليا إلى مركز تجاري.