سلم إرهابي نفسه للسلطات العسكرية ببرج باجي مختار، فيما تم توقيف (5) عناصر دعم للجماعات الإرهابية، خلال عمليات متفرقة عبر التراب الوطني تم تنفيذها في...
وجه رئيس الجمهورية، السيد عبد المجيد تبون، اليوم الاربعاء، رسالة عشية إحياء اليوم الدولي للتضامن مع الشعب الفلسطيني (29 نوفمبر)، قرأها نيابة عنه وزير...
* أمر بتسوية ملف العقار الفلاحي في 2025 * ضرورة إيجاد حل لمشكل غلاء اللحوم الحمراء * توسيع مساحات إنتاج الزراعات الاستراتيجيةأكد رئيس الجمهورية، عبد المجيد...
كرم الاتحاد الوطني للفلاحين الجزائريين، أمس الثلاثاء بالجزائر العاصمة، رئيس الجمهورية، السيد عبد المجيد تبون، نظير دعمه الكبير للفلاحين والرقي بقطاع الفلاحة...
لماذا تخلو المدونة الأدبية الجزائرية والعربية، من الرواية البوليسية، لماذا لا نعثر على رواية، أو قصة بوليسية في الأدب الجزائري والعربي الحديث، بيسر وسهولة كما هو الحال مع بقية الأنواع الأدبية الأخرى؟. هل ندرتها أو انعدامها في ريبرتوار الأدب العربي راجع إلى النظرة المجحفة لها من أغلب النقاد والدارسين الذين يرون ويعتقدون أنها لا تنتمي إلى فن الأدب ولا إلى حقل الآداب. أم المشكل يرجع إلى الأدباء أنفسهم الذين يمارسون الكتابة بكل أنواعها، ويعزفون عن كتابة الأدب البوليسي، والرواية البوليسية، وينظرون لها كفن دخيل على الأدب العربي؟. وهل كما قال الكاتب والناقد برهان شاوي: «كُتاب الرواية في البلدان العربية لا ينظرون إلى هذا النمط الروائي نظرة جدية، و هُم لا يحترمون الرواية البوليسية».
كُتاب وأدباء ونقاد، يتحدثون في ندوة «كراس الثقافة» لهذا العدد، عن «إشكالية/مسألة و وضع الرواية البوليسية»، ولماذا هي غائبة عن المدونة الأدبية الجزائرية و العربية، ولماذا النقد يتجاهلها؟، كما يتطرقون في مداخلاتهم إلى أهم العوامل التي تسببت في تعثر هذا النوع من الفن الأدبي.
عامر مخلوف/ كاتب و ناقد
توجد محاولات لكنها لا ترقى إلى الرواية البوليسيـــة
كنتُ -وأنا بصدد التفكير في إعداد هذه الكلمة قد خطر ببالي السؤال التالي: «هل يوجد لديْنا بوليس بالمعنى الحقيقي حتى نطمع في وجود رواية بوليسية؟».
وهذا التساؤل يجعلنا -شئنا أمْ أبيْنا- نعود إلى علاقة الأدب بالواقع. هذه العلاقة الحميمة التي كثيراً ما يتنكَّر لها الأديب متخفِّياً وراء ضرب من التنظير البئيس أو هروباً من الالتزام بأي ِّقضية بدعوى أن الالتزام قد جنى على جمالية الأدب وحوَّله إلى تقارير مضمونية مسطَّحة.
فالرواية البوليسية التي نشأت في الغرب منذ قرون، تمثل صورة أخرى من تراكمات التجربة الرأسمالية. حيث حتَّم الوضع أنه كما أنشئ نظام البنوك المعقَّد، رافقه إنشاء أجهزة ومصالح أدَّت -في الوقت نفسه- إلى أنْ يصبح السارق أو المجرم على قدْرٍ عالٍ من الذكاء والحيلة ليقوم بفعله ويفلت من العقاب. إلى أنْ اضطر المنحرفون إلى العمل جماعياً في شبكات من المافيا المنظمة.
قد يُعترض على هذا بالقول: إن الرواية نتاج الغرب ومع ذلك توجد لديْنا رواية. وهذا صحيح سوى إن الرواية البوليسية تتميَّز بالتعمُّق في مسألة البحث والتقِّصي، الأمر الذي يفتقده البوليس نفسه عندنا، والنظام الذي يحكم هذا الجهاز-هو بدوره- لا يعدو أن يكون أشبه بأجنحة من المافيا العاجزة عن ضبط نفسها. وكأن هناك نوْعاً من التواطؤ الخفي حيث تُرْتكب أكبر جريمة أمام الملأ ثم تظهر وكأنها ليست جريمة «اغتيال رئيس مثلاً».
بالإضافة إلى أن الرواية البوليسية وهي تطرح لغزاً مُحيِّراً، تحفِّز القارئ على التفكير في حل هذا اللغز وتشوِّقه بواسطة لغتها السَّهلة وبنائها الإْلغازي المتدرِّج والتنقُّل بين ما يُثار من شبهات، فيندمج القارئ في عملية البحث والتقصِّي سواء أكان في موْقع البوليس الباحث أم كان مُشفقاً على بريء مطارد.
ولقد تعمَّد الكُتَّاب في الأدب العربي قديماً أنْ يُطعِّموا كتاباتهم بما يضمن عنصر التشويق ويرفع الملل عن القارئ إنْ بالميل إلى الاستطراد أو بتقديم فكرة فلسفية في ثوْب قصصي. ويبدو أن هذا ما ورثه الأدباء اليوم ودعموه بما أفادوه من الكتابة الروائية الغربية ونظروا إلى الرواية بوصفها جنساً متعالياً عن التسلية التي هي من خصائص الرواية البوليسية. فالكاتب عندنا غالباً ما يرى إلى نفسه من خلال لغته المتفرِّدة أو الصعبة وخياله الذي يُبعده عمَّا يبدو له سوقياً فلا يرضى بأن يتنازل ولا أنْ ينزل من بُرْجه النرجسي. لذلك قد تجد كاتباً كبيراً حين يستخفُّ بآخر غيرةً أو حسداً يقول ساخراً: «فلان يكتب رواية بوليسية».
«أجاثا كريستي» التي اشتهرت بكتابة روايات الجرائم، كتبت أيضاً روايات رومانسية. فهل يستطيع الكاتب العربي أن يتنقَّل بين النوْعيْن؟
أعتقد أنه عاجز عن ذلك. ولو وجدت محاولات فهي لا ترقى إلى الرواية البوليسية، بالرغم من أن مجتمعاتنا مليئة بالسُرَّاق والمجرمين وتجار المخدِّرات وبالسجون. فكتابتها ليست مجرَّد نزوة أو رغبة ذاتية، إنما هي بقدر ما تبدو بسيطة ومُسلِّية، فهي –في الوقت ذاته- بنية بالغة التعقيد تقتضى حنكة وذكاء، لأنها من إفرازات مسار معقَّد امتدَّ على مدى قرون. فضلا عن أن بعض كُتَّابها يستندون إلى وثائق من صنع البوليس مما له علاقة بحرية الاطلاع على الأرشيف.
ولنفرضْ أن كاتباً عربياً أراد أنْ يصوِّر بطلاً بارعاً في التحقيق، وأن النتيجة ستنتهي إلى القبض على المجرم أو تبرئة المتَّهم. فإنه –حتْماً- لن يكون مقتنعاً بما أقدم عليه ولا يمكنه أن يدَّعي بأنه سيُقنع قارئه. فالواقع يبقى أقوى من الوهْم.
وحيد الطويلة/ روائي مصري
لا نحتاج لها لأننا جميعاً في عالمنا العربي نعيش رواية بوليسية بامتياز
لا أظن أننا نحتاج لرواية بوليسية من أساسه، نحن جميعاً في عالمنا العربي نعيش رواية بوليسية بامتياز. ليس هذا ادعاءً باكتشاف مني أو من غيري وليس نفخاً بالقول. في مصر في سنوات صباي الأولى كانت الجملة الأثيرة عند أي اختفاء مفاجئ لفلان: «الحكومة أخذته». في تونس حيث عشت لسنوات، قسم البوليس والأشخاص الذين يعملون به لهم اسم واحد «الحاكم». تطورت الحكاية حتى اتخذت اسم الفاعل محل كل الأوصاف والنعوت، ولم يعد هناك رئيس، صار اسمه المعلم، اسمه وكنيته في دولة أقل ما قيل فيها عن حكم بن علي: دولة بوليسية مصفحة!!. أية رواية نريدها ونحن نعيشها ليل نهار؟.
في الدول الغربية هناك شيء اسمه الواقع يحاولون دائماً التوسل به في نصوص لمقاربة الخيال، في عالمنا نحن حيث نعيش، الخيال كائن بائس ينام مهموماً كل ليلة يحاول اللحاق بالواقع، بل نحن تجاوزنا ذلك إلى ما يمكن أن نسميه قفا الواقع.
في مصر على سبيل المثال وهذا الأسبوع تمت قبول استقالة وزير الزراعة، إقالة بالأمر المباشر سمعها في لحظة ووقع عليها صاغراً، وبعد أن تحركت سيارته بدقائق تم توقيفه أمام سائقه وفي قلب ميدان التحرير، ساحة الثورة، حيث حلم الناس وحيث ماتوا.
ربما كان الخيال بالأساس في رواياتنا له الحصة الأدنى، من فلسطين إلى الجوع إلى التعليم إلى الكرامة نعيش واقعاً، ولا نصطدم بخيال أبداً، لا يصادفنا في طريق.
في اللحظة التي كان الاتحاد السوفييتي يشبهنا، أو نشبهه نحن، وقبل أن يعتلي يلسن دبابته في مشهد خيالي تم تدبيره بليل الولايات المتحدة كان غورباتشيف قد قرر إنهاء مهمة الرفيق المزمن جروميكو من موقعه كرئيس للجمهورية، المشهد الذي يفوق حتى صور المذابح في بلاغته كان حين صوت جروميكو على عزل نفسه من موقع الرئيس، خيال ارتد إلى واقع، نعم الخيال عندنا يسقط في لجة الواقع.
لا النقاد ولا الروائيين ولا قلة الخيال ولا نقص جرعة الشطح الفني، نحن ندبر كل شيء أو يدبر لنا أشياء كثيرة، عندما غزت أميركا العراق وتم إسقاط تمثال صدام في مشهد باذخ السينمائية اكتشفنا أن الموضوع كان مدبراً من قبل وأن المخرج معروف والممثلون جاهزون والكومبارس يصعدون التمثال يجرونه ثم ينهالون عليه بالأحذية في مشهد بائس، حتى في تلك اللحظات كان الخيال مدبراً.
لا بأس إذاً، حين جاء باولو كويلو إلى تونس كان يخبط كفيه، لماذا لا يكتب الروائيون في تونس جيداً وكثيراً وهم يعومون في قلب كل هذا الواقع الذي تجاوز الأسطورة.
وليد سليمان/ روائي و مترجم تونسي
هل فات قطار الأدب البوليسي العربي؟
كثيرا ما تساءلت عما إذا كان قطار الأدب البوليسي قد فات العرب تماما أم أنه مازالت هناك فرصة للتدارك ومسايرة جميع آداب العالم تقريبا! فمن الهند إلى الصين، مرورا بروسيا وأوروبا واليابان وأمريكا، لا يكاد يخلو أدب من آداب العالم من القصة أو الرواية البوليسية.
من الغريب حقا أننا لا نكاد نجد أعمالا أدبية بوليسية مكتوبة مباشرة باللغة العربية، هذا بالطبع إذا استثنينا تلك الروايات الصغيرة التي تصدر في حجم الجيب والتي كنا نقرأها في سنوات طفولتنا المتأخرة ومراهقتنا ونسميها «ألغازا». وبالطبع فإن هذه «الألغاز» تنتمي بشكل من الأشكال إلى الأدب البوليسي، إلا أن عيبها الوحيد يتمثل في كونها موجهة إلى شريحة مخصوصة من القراء، أي اليافعين والمراهقين، مما يعطي الانطباع بأنها أعمال غير جدية، وبالتالي لا يقبل عليها «الكبار».
هناك أيضا بعض الروايات البوليسية العربية التي صدرت هنا وهناك، غير أنها لم تلق إقبالا ولم تعلق في أذهان القراء، إلى درجة أننا لا نجد عنوانا واحدا يتبادر إلى الذهن مباشرة إذا سألنا أحد عن رواية بوليسية أعجبتنا كُتبت مباشرة باللغة العربية. مما يعني أن الأدب العربي لا يخلو من محاولات لكتابة روايات وقصص بوليسية، إلا أنه من الواضح أن هذه المحاولات لم تنجح، ولم يستطع أي أحد إلى الآن تجذير هذا النوع الأدبي في تربة اللغة العربية.
قد يكون السبب في عدم وجود «أدب بوليسي» لدينا هو غياب رواد عباقرة يكون لهم الفضل في اجتذاب القراء وخلق أرضية مناسبة لتقبل هذه الأعمال مثلما هو الشأن في أوروبا وأمريكا حيث لعب أناس موهوبون هذا الدور مبكرا، ويكفي أن نذكر أسماء في حجم إدغار آلان بو وكونان دويل وويلكي كولينز، كما يمكن أن يكون غياب شخصيات أدبية جذابة ومحبوبة، مثل شرلوك هولمز والمفتش ميغريه والأب بروان وهركول بوارو ونسطور بورما، هو الذي جعل القراء العرب لا ينجذبون إلى الأعمال البوليسية التي كُتبت بالعربية، والتي يبقى عددها على كل حال محدود جدا.
ويمكن أن يكون السبب مرتبطا بمزاج القارئ العربي الذي غالبا ما يميل إلى الكتابات السهلة بسبب كسله، ولا يحب بذل أي مجهود ذهني في حل الألغاز التي تزخر بها الروايات البوليسية (طبعا دون أن نعمم هذا الكلام على كل القراء العرب).
لكن بصرف النظر عن الأسباب الكامنة وراء غياب هذا الجنس الأدبي الفرعي في اللغة العربية، وسواء كان التقصير متأتيا من الكُتاب أو الناشرين أو القراء، تبقى هذه الظاهرة غريبة ومحيرة، ولا يمكن إلا أن تذكرنا بعديد المجالات التي لم يستطع فيها العرب مجاراة الأمم الأخرى، ويبقى السؤال مطروحا: هل سيأتي يوما يتدارك فيه العرب أمرهم في مجال الأدب البوليسي، أم أن القطار قد فاتهم إلى الأبد؟
محمد الأمين بحري/كاتب و ناقد و باحث أكاديمي
البحث عن الرواية البوليسية العربية طرح غرائبي!
قرأت مؤخراً استغراب بعض المثقفين غياب جنس الرواية البوليسية عن الساحة العربية، والمثير أن أحدهم «الأستاذ عبده وازن»، اختتم شكواه قائلاً: «لم يبق من عذر لدى الروائيين لمثل هذا التقاعس بعدما بات السؤال البوليسي على مرمى أيديهم؟»، مبررا موقفه بتوافر الشرط الحوادثي «في الساحة العربية المشتعلة بالصراعات الطائفية والحروب»؟؟
يؤشر هذا الطرح «الغرائبي» للموضوع على عمق أزمة المثقف العربي في فهم الإشكالات الفنية للأجناس الأدبية وارتباطها بواقعه، بينما تتبدى الهوة سحيقة بين الشروط الفنية التأسيسية لهذا الجنس السردي وطبيعة الأحداث في البلاد العربية (وهي أقرب إلى الحروب الأهلية الفوضوية منها إلى المنظومة المؤسساتية للواقع البوليسي).
لهذا فإن عملية إسقاط هذا اللون الروائي على الكتابة السردية العربية دون مراعاة الخصوصيات التاريخية والحضارية، وكذا الشرط الفني لولادة الأجناس في السرد العربي، تبدو معادلة عبثية، لغياب مقومات الظاهرة بداية بالشرط الفني ومروراً بالاصطلاح، وانتهاءً بالوعي بالوقائع.
أولا/ انتفاء الجنس لغياب مسوغاته:
يجدر بنا قبل إطلاق دعوات جزافية لاجترار أجناس أدبية عريقة ومنسجمة مع بيئتها الغربية، أن نتساءل بأناة: هل توصلنا إلى تحديد مفهوم مصطلح «البوليسي» عربياً، سواء أكان ذلك على المستوى السياسي، أو العسكري، أو الثقافي حتى نقوم بتجنيسه جزافياً على المستوى الأدبي؟؟ ثم إذا نحن قمنا ببحث مصطلحي؟ وميداني ووظيفي لمصطلح «البوليسي» في الساحة العربية، هل يمكن مماثلته (جدلاً) بمفهوم نظيره في النظم السياسية والعسكرية والثقافية الغربية؟.
أعتقد بأنه من التعسف والجور أن نقفز على كافة المفاهيم والشروط التأسيسية للأجناس. ونعمد إلى غرز جنس أدبي صورة اعتباطية في الثقافة العربية لمجرد وجوده المؤسس عند الغرب.
ثانيا/انتفاء المقارنة لغياب الوعي بالواقع:
يبدو من النشاز عقد مقارنة ظالمة بين أصالة الرواية البوليسية عند الغرب وانسجامها مع مؤسساته وأنظمته الاجتماعية والسياسية، ومحاولة إسقاطها بصورة فجة على الساحة الأدبية العربية دون تقدير أو فهم لمسوغات التجنيس. وتنتفي المقارنة مرة ثانية في ظل غياب الوعي بما يقتضيه هذا الجنس من تمثل مفاهيم حضارية كـــ: «العدالة واختراقها» و»البوليس والمجرم»...الخ، التي تستحيل شيئاً ساخراً إذا ما تحدثنا عنها في الواقع أو الفن العربيين.
من الشطط بمكان أن تجد هذه الفكرة مصوغاتها الفنية إلا في حالة افتراضية جيدة هي كتابة رواية بوليسية من جنس الخيال العلمي، إن جاز دمج اللونين السرديين.
ثالثا/إكراهات التجنيس:
أمام هذه الإكراهات والمآزق الثقافية، التي تجعل المثقف مجرد كائن مجترّ لأجناس وتسميات دون مراعاة أشراطها الفنية سنتساءل مع أهل الكتابة والنقد: هل ما يزال الروائي العربي في هذا العصر يكتب ضمن لون روائي معين؟.
إذا نحن حاولنا جدلاً تصنيف ما يُكتب في الساحة العربية وفق الأجناس المعروفة للرواية (الغربية). لصنفنا جلها في خانة اللاجنس، أو ربما سيتحتم علينا كبديل أن نختلق أجناسنا الروائية من صلب بيئتنا المتفردة، بدلاً من الاستجداء العبثي لأجناس منتفية المقومات والأسس الفنية، فضلاً عن غرائبية مفاهيمها عن واقعنا اللابوليسي واللاأمنى على كافة الأصعدة. وإن شئنا الاستمرار بالعزف على نفس الإيقاع، سنقترح على دعاة استجداء الأجناس الغربية في الكتابة العربية أن يبحثوا عن أسباب غياب أجناس سردية أخرى كرواية الفروسية (Le roman de chevalerie) في السرد العربي، لما كانت الفروسية في واقع الحال مرتبطة بالإنسان العربي تاريخاً وحضارة؟؟.
مفلح العدوان/ كاتب و روائي أردني
ثمة إجحاف و تقصير بحق هذا النوع المهم من الإبداع
ثمة إجحاف وتقصير بهذا الإبداع المهم، والذي يلاقي حضورا وإقبالا عالميا على كِتابته، حيث أن الرواية البوليسية لها جمهورها، وقراؤها، وكُتابها، وتحظى باهتمام كبير على المستوى العالمي، وأذكر هنا روايات «أجاثا كريستي»، كما أن كثير من روايات «دان براون» ذات مسار بوليسي، وتلقى حضورا عالميا، ولها قراء عرب، ومحبين. بينما في الأدب العربي، فأعتقد أن هناك كتابات في القصة البوليسية الموجهة للفتيان، واستحضر من الذاكرة ما كنا نقرأه من سلسلة ألغاز محمود سالم، وهي روايات قصيرة بوليسية موجهة للفتيان، تعمل على حل قضايا وجرائم وتتبعها بأسلوب بسيط، ولها شخصياتها المتكررة في مجموع السلسلة، لكن حديثا هناك ابتعاد أو تغييب لهذا الجنس من الرواية، ولعل التوجه الضئيل مرده إلى أن هذا الإبداع يحتاج إلى بحث، واستحضار ملفات وقضايا في جانب، إضافة إلى سياق قانوني مؤسساتي يمكن الرجوع إليه في سياق الكتابة، وإقناع المتلقي بما يُكتب في هذا النوع من الرواية، كما أن للنقد دور في تراجع الرواية البوليسية، لكن في المجمل خسرنا من هذا التراجع جنسا روائيا إبداعيا كان من الممكن أن يضيف إلى الأدب العربي، ولا بد من المراجعة والتوجيه للخوض في مغامرة تجارب تصب في هذا المجال.
عبد الحفيظ بن جلولي/ قاص و ناقد
السّبب في عدم ظهورها أو تطورها هو اختلاف المسارات و الظروف التاريخية
يعتبر فن الرواية على العموم مجال الممكن في إنتاج متخيل يحايث الواقع ويتفاعل معه، إذ السرد هو الفضاء الذي يتأسّس على أرضيته نسق الحدث، الذي يتميّز بالتّشويق أساسا، كجسر يقود إلى فك العقدة التي تتطور وتنمو مع الحدث، ومفهوم العقدة لم يعد يحمل معنى وحيدا وهو بلوغ المسارات أفقا مسدودا، فالعقدة قد تكون هاجسا يشمل الرواية ككل كما هو الحال في الرّواية السيكولوجية، لأنّها تطورت هي أيضا مع تطور الفن الرّوائي، ويبدو أنّ النّظر إلى العقدة ذاتها في مقاربة الرّواية التي ما هي في الأخير سوى مرَافَقة حكائية تستأثر فيها اللغة بنظم إشكاليات الإنسان في مزاحمته للوجود القائم على أعتاب القلق الوجودي والمأساة، وكثير من العثرات التي تجعل من الحياة الإنسانية قابلة لأن تُحكى لتعيد للإنسان ما سرقه منه الواقع بكل فجاجته، وهنا ينبثق مفهوم العقدة كحالة مصاحبة للإنسان في مواجهته لإشكالياته الوجودية من خلال أسئلته المؤرّقة، التي تتفجر من خلال التطورات العسيرة والمنتجة لميلاد المدينة الكائنة بين فكي حداثتها المستمرّة ووعيها بالألم الإنساني، الناتج عن انطحانٍ في خضم آلة الواقع الذي تنبّهنا إلى ديكتاتوريته الرّواية من خلال عقدةٍ ما، يسعى السّارد إلى فك غموضاتها عن طريق أداة اللغة القابضة على جداول الجمال في مستويات نسج المعنى، في إطار هذا التوارد الجمالي لفك معضلة الأرق الوجودي المصاحب للإنسان تطوّر فن الرّواية من الواقعية إلى الخيالية والبوليسية والسحرية والواقعية السحرية والرواية الجديدة، وكل هذه التصنيفات ما هي سوى تعبيرات عن واقع ملازم للإنسان في تشكلاته وتحولاته الأبدية التي لا تنتهي سوى بنهاية العالم وحينها تكف اللغة عن مدِّ العدم بسرِّ جمالياتها.
تأتي الرواية البوليسية في خضم هذا السياق الجمالي الذي يحاول تفكيك الوعي الإنساني بواقعه وراهنه، فهي تنبني أساسا على هاجس الكشف لأنّ الحدث يتطوّر فيها انطلاقا من جريمة ما، فـ»الأدب البوليسي قصة أو رواية قوامها اكتشاف رجل من رجال البوليس أو التحرّي جريمة تبدو أنّها كاملة»، طبعا التشويق يلعب الدور الأساس فيها، ويؤرخ لبدايتها بقصة «جرائم شارع مورغ» لإدغار آلان بو عام 1848، والتاريخ يحمل دلالة زمنية جد مهمة في إمكانية الفصل في عدم تطور هذا الشكل الروائي في الجزائر والعالم العربي، لأن الذائقة ترتبط ببيئتها، فرغم أن الموسيقى عالمية وإنسانية إلا أن الأذن الموسيقية العربية ترتبط بالإيقاع وهو ما يشكل برهان سماعها ودليل تواصله في الواقع، فالتاريخ الآنف الذكر يجعلنا على تماس مع بدايات الاستعمار الذي يعتبر في حد ذاته جريمة، وهو ما تفتّح عليه الوعي الغربي في إدراكه للعالم، وعليه كانت مفاتيح الجريمة متوفرة ابتداءً كحالة واقعية وعنصر متاح للفهم والمعالجة السردية عبر منوال الرّواية، عنصر آخر يحيل إليه التاريخ الآنف الذكر هو تشكل الحداثة الغربية التي من خلال المدينة/الورشة التي تبحث عن هوامش الانبثاق داخل الصيرورات البشرية التي لا تحيد عن منطق المواجهة، والطفرات النّاتجة عن التعدد والتناقض، فالمدينة في نهوضها الحداثي شهدت تحوّلا في سلوكات الأفراد نتيجة للتطور الذي يحرّك مفاصلها نحو الأفق الأفضل، مما سهل الدخول إلى عالم الجريمة عن طريق التناقضات المستحدثة التي رافقت مسار الدخول في الحداثة، فتنوّعت مستويات الجريمة وأدوات تفكيك علاقاتها بالإنسان الشاهد على تطور الحياة من البساطة إلى التعقيد، ويبدو أنّ هذه المسارات هي ما جعل النقاد يستثنونها من الأدب بمجمله والأدب الرّوائي على الخصوص.
يبقى السّبب المحتمل في عدم ظهور الرواية البوليسية في الجزائر والعالم العربي هو اختلاف المسارات والظروف التاريخية التي تنتج كينونة أو مفهوما ما، فغياب عنصر الجريمة في علاقتها سواء بالاستعمار أو بمسار الحداثة، يكون قد صعّب التواصل مع هذا الشكل الرّوائي، وخصوصا إذا وضعنا في الحسبان العداء التاريخي للاستعمار والحساسية اتّجاه مفهوم الحداثة كعنصر من عناصر الانسلاخ عن الهوية.
يبقى هناك عامل يبدو أنه قد يفسّر شيئا من عدم الاهتمام بالرواية البوليسية، وهو وجدانية العربي على العموم، فالدكتور حسن حنفي يرى بأنّنا حتى حينما نفكر، فإننا نفعل ذلك بعواطفنا، والجريمة وتحليلها أو تفكيك علاقاتها بالمجتمع تدخل في إطار الناجز خارج المتاهة السردية الحدثية المتوافقة مع الإبداعي، طبعا في جانب من جوانبها، وإن كنت أعتبر أن الرواية البوليسية تتوفر على عناصر الرواية الفنية، كما إننا كعرب، انتقلنا تاريخيا من تراث شعري سماعي إلى السرد، فحللنا بفضاءاته محمّلين بثقل الإيقاع والإصاتة والسّماع، وهي الجماليات التي قد نندرج بها في يسر في عالم السرد من خلال الشعرية التي يبدو أنّها تغيب في سرد الرواية البوليسية، التي تشكلت في الوعي الغربي الذي أنتجها كذلك، فما بالك بمن لا علاقة له بتاريخيتها البتة.
محمد بن زيان/باحث و ناقد
بعض كتابنـــا ينظرون نظرة استصغـــار و تتفيه للروايـــة البوليسيـــــة
بداية تواجهنا إشكالية التحديد والتصنيف، وفي ما يخص الموضوع يقول الأستاذ عبد القادر شرشار: «إن محاولة تحديد الرواية البوليسية أمر صعب في نظرنا، وذلك للتطور الكبير الذي عرفه هذا الجنس الأدبي، هذا إذا سلمنا أن الرواية البوليسية جنس أدبي ينتمي إلى حقل الآداب. وبالطبع فإن أية محاولة لتحديد جنس أدبي أو تقنينه، تعني وضع نهاية له، وبالتالي تحكم عليه بالتحجر والتقوقع». وما أشار إليه شرشار، قد يُطرح أيضا بتفاوت في مواضيع متصلة بأجناس وأنواع أخرى من المنجز الإبداعي.
والبعض ربط الرواية البوليسية بسياق وبحيز، سياق حضاري أفرز تعقيدات وأيضا حيز مديني مركب ومتشابك، وغياب مقومات ذلك في فضاءنا العربي والجزائري، له انعكاساته التي قد تشكل مدخلا من مداخل إثارة إشكالية غياب الرواية البوليسية عن مدونتنا الروائية.
فالرواية البوليسية في بداياتها ومساراتها حسب ما يذكره الدارسون المهتمون، ارتبطت بأسماء لها وزنها في عالم الأدب وهو ما يمثل دحضا لبعض الأطروحات التي صارت شبه مسلمة عند بعض كتابنا الذين ينظرون نظرة استصغار وتتفيه للرواية البوليسية فبوجدرة مثلا في انتقاده لياسمينة خضرة، وصفه بكاتب روايات بوليسية. وكِبار الكُتاب يستثمرونها ويرجعون إليها كالكاتب إمبرتو إيكو الذي ذكر في تصريح مطالعته لها لما يريد الاستراحة وتوظيفه لتقنياتها في رواياته .
وكما يقول الكاتب إبراهيم العريس: «في شكل أو آخر، تعتبر الرواية البوليسية مرتبطة بالقرن العشرين، لا سيما بالثلاثي الذي ستأتي السينما لتعزيزه في أفلام انتمت إلى بلدان عدة طوال هذا القرن: المدينة، المرأة والجريمة. وفي السياق نفسه نعرف أن الرواية البوليسية انتشرت طوال القرن الفائت أكثر من أي أدب آخر، واجتذب كُتاباً معظمهم تخصص فيها وبعضهم من أساطين الأدباء على مستوى العالم، كُتاب كان رائدهم الأول في معظم الأحيان التعبير عن عقلانية معينة تقف وراء الحلول النهائية للألغاز، ما يعطي العقل سلطته المطلقة على المجرم. نجد هذا في مغامرات شرلوك هولمز وأبطال أغاثا كريستي وجورج سيمنون، كما نجده في الرواية الأميركية، حتى وإن تميّزت هذه الأخيرة بنزعات دينامية واشتغال أكثر على الثلاثي الذي ذكرناه أول هذا الكلام، ما جعل الارتباط بين الرواية البوليسية وأنواع معينة من الأفلام السينمائية حاسماً في هذا السياق».
انطلاقا من الاعتبارين المذكورين، يمكن مقاربة إشكالية غياب الرواية البوليسية، اعتبار غياب تعقيدات المدينة الغربية، واعتبار النظرة المتعالية المتصلة بالنسق النمطي والتنميطي الذي حكم التوجهات .
ولكنه غياب مقترن بمفارقة، فالرواية البوليسية ظلت محل رواج ولقد صدرت ترجمات كثيرة لما كتبه رواد الرواية البوليسية كجورج سيمنون وآغاتا كريستي، كما أن هناك بعض النصوص عربيا التي قاربت عوالم هذا النوع من الرواية ولقد التفت إليها البعض بالمتابعة والدراسة ومن الدارسين المهتمين عندنا في الجزائر الأستاذ عبد القادر شرشار. ويستحضر البعض أسماء ففي مصر يشير بعض الدارسين إلى اسم محمود سالم كأول كاتب مصري حاول ممارسة هذا النوع من الكتابة، وكان منجزه متمثلا في سلسلة المغامرون الخمسة. واقترب منها بعض الكُتاب الآخرين وربما نستحضر هنا نجيب محفوظ في روايته «اللص والكلاب»، مع أن الأمر لا يتصل برواية بوليسية بالمقومات المعتبرة عند أهل الإختصاص.
وفي مدونتنا برز اسم «ياسيمنة خضرة» برواياته في التسعينيات التي حققت له تكريسا في الساحة، وهناك بعض النصوص في المدونة السردية الجزائرية التي اقتربت من عالم الرواية البوليسية فإضافة لياسمينة خضرة، نذكر الروائي محمد جعفر في روايته «هذيان نواقيس القيامة» والكاتبة نسيمة بولوفة في روايتها «نبضات آخر الليل». كما أن هناك نصوص يمكن اعتبارها مستندات مساعدة على حبك روايات بوليسية كالكِتاب الذي كتبه الكاتب والطبيب تامي مجبر عن عمليات التشريح التي قام بها كطبيب شرعي.
بُرهان شاوي/ كاتب وناقد عراقي
موجودة في الأدب العربي لكنها لم تحقق لنفسها الخصوصية
أعتقد أن «الرواية البوليسية» بمعناها العام موجودة في الأدب العربي، لكنها لم تحقق لنفسها تلك الخصوصية بحيث تتحول إلى ظاهرة أو اتجاه أو تيار أدبي في الرواية العربية يُحسب له الحساب نقدياً، عناصر الرواية البوليسية التي تعتمد على لغز ما أو جريمة أو سر لكشفه موجودة بهذا الشكل أو ذاك حتى في بعض قصص وحكايات ألف ليلة وليلة.
وفي الأدب العربي يمكننا أن نتوقف عند بعض الأعمال الروائية العربية التي يمكن تجنيسها كروايات بوليسية. فمثلا رواية «اللص والكلاب» لنجيب محفوظ تحمل كل مواصفات الرواية البوليسية من ناحية وجود نية لقتل شخص ما، وتتحول هذه القضية إلى قضية مطاردة من قِبل البوليس. وكذا مع رواية «ملف الحادثة 67» للروائي إسماعيل فهد إسماعيل التي تتحدث عن وقع جريمة قتل يتهم بها شخص فلسطيني بسيط يعمل خبازاً، وكذلك رواية «الشيء الآخر أو من قتل ليلى الحائك» لغسان كنفاني التي تتحدث عن جريمة قتل يُتهم بها شخص بريء، فهي روايات بوليسية بالمعنى العام، وربما نجد نصوصا روائية أُعدت للدراما التلفزيونية كتبها المصري صالح مرسي مثل «رأفت الهجان».
ومن خلال متابعتي لأرشيف الرواية العربية المعاصرة وجدت عدداً من الروايات البوليسية لكتّاب ربما لم يحتلوا الصفوف الأولى في المشهد الروائي العربي، وذلك للسبب ذاته، أي أن رواياتهم إما أنها لا ترتقي لمستوى الرواية البوليسية المعروفة في الغرب أو أن النقاد لم يلتفتوا إليها، لكنها تُصنف ضمن حقل الرواية البوليسية التي تحاول تفكيك أسرار جريمة ما.
ويمكنني هنا أن أذكر روايات الكاتب المصري أحمد مراد: «الفيل الأزرق»، «تراب ألماس»، «فيرتيجو»، أو روايات حسن الجندي: «الجزار»، «مخطوطة بن اسحاق: مدينة الموتى»، «مخطوطة بن اسحاق: المرتد»، «لقاء مع كاتب رعب». وأيضا روايات الكاتب نبيل فاروق: «العقرب» في جزئين، و»التميمة». وكذلك الكاتب عمر المنوفي في روايته «عزيف». لكن كما هو واضح فإن هذا النمط الأدبي من الروايات لم يشكل تراكماً مهما بحيث يمكن أن يشكل ظاهرة أدبية ضمن المشهد الروائي العربي.
وأعتقد أن كُتاب الرواية في البلدان العربية لا ينظرون إلى هذا النمط الروائي نظرة جدية، أو لنقل إنهم لا يحترمون الرواية البوليسية، لأنها كما هو معروف تُكتب للتسلية كهدف أساسي، بينما يميل معظم الروائيين إلى تلك الروايات الإيديولوجية أو التي تتحدث عن هموم المجتمع والمتضمنة لأفكارهم الفلسفية أو السياسية أو إشكالاتهم الوجودية.
الرواية البوليسية في الغرب تكاد تهيمن على سوق الكُتب الروائية السريعة، وعلى عالم السينما، وقد توجه إليها العديد من الكُتاب الغربيين لتحقيق الأرباح المالية والشهرة السريعة، بل وتحولوا إلى نجوم روائيين، لما تميزت به رواياتهم من عمق وتقنيات عالية في بناء الحبكة وتعدد الأغراض، ومن هؤلاء: دون براون، ستيفن كينغ، وحتى إمبرتو إيكو في «اسم الوردة» و»مقبرة براغ»، أو تلك الأسماء الكلاسيكية في الأدب العالمي: آغاثا كريستي، غراهام غرين، سومرست موم، بل يمكن حتى اعتبار «الجريمة والعقاب» و»الإخوة كارامازوف) لدوستويفسكي روايتان بوليسيتان بالمعنى العام واستناداً إلى بناء الحبكة الروائية. وطبعا هناك أسماء أخرى لا تحضرني الآن.
وأعتقد أن البنى الاجتماعية والقانونية للمجتمعات العربية تحيل دون تطور هذا النمط الروائي، فليس من السهل أن يُسمح للكُتّاب العرب الحصول على ملفات الجرائم في المحاكم العربية للاستفادة منها في كتابة الرواية البوليسية.