الضحية سعادة عربان أكدت أن الروائي استغل قصتها في رواية حوريات بدون إذنها أعلنت المحامية الأستاذة فاطمة الزهراء بن براهم اليوم الخميس عن رفع قضية أمام محكمة وهران...
* رئيس الجمهورية يؤكد على ضرورة الالتزام بدعم الحكم الرشيد والشفافية في القارةأشرف رئيس الجمهورية، السيد عبد المجيد تبون، بصفته رئيسا لمنتدى دول...
أكد الوزير المنتدب لدى وزير الدفاع الوطني، رئيس أركان الجيش الوطني الشعبي، الفريق أول السعيد شنقريحة، أمس الأربعاء، عزم الجزائر، بفضل أبنائها...
طالب مقررون أمميون من مجلس حقوق الإنسان، الحكومة الفرنسية بتزويدهم بجميع المعلومات والبيانات المتعلقة بتجاربها النووية في الجزائر، بما فيها المواقع المحددة...
اليوم 61 سنة على اندلاع ثورة التحرير التي أنجبت الجزائر المستقلة، وتأتي الذكرى في مرحلة عاصفة تمر بها المنطقة العربية المهددة باستعمار جديد غيّر اسمه ومنح المعاول والسكاكين لأبناء الأوطان أنفسهم، وقد حاولت الجزائر اعتمادا على الإرث الثوري ذاته «مقاومة» الشهوات الاستعمارية التي تستهدف الجيران وتستهدفها من وراء ذلك، من خلال تبنيها لديبلوماسية تناهض التدخل الأجنبي وتنادي بالحلول السلمية السياسية للأزمات الداخلية. وإذا كان مراقبون يرون أن الجزائر قد قفزت فوق فخاخ كثيرة، فإن تراجع مداخيل البلاد بعد انهيار أسعار النفط بدأ يثير المخاوف بقدر ما يثير الأسئلة حول الإخفاق قي بناء اقتصاد قوي لا يعتمد على المحروقات و الإخفاق في بناء دولة وطنية محصّنة ضد الهزّات بنظام ديمقراطي يستوعب كل المكونات الاجتماعية والثقافية ويجعل منها عامل ثراء وقوة وليس مصدر شقاق. بل أن الشك في الثورة بدأ يتسرّب إلى الأجيال الجديدة التي سئمت خطابات الشرعية الثورية التي كثيرا ما استخدمها رسميون في نظام الحكم وكثيرا ما اختفوا خلفها، في الوقت الذي لازالت الثورة الجزائرية تُلهم الآخرين، ويكفي أن نرى الفلسطينيين يتوشحون بالأعلام الجزائرية وهم يذهبون لمواجهة جنود الاحتلال المدججين بالسلاح أو يذهبون إلى القبور، في رسالة بليغة ليتها تصل إلى قلوب الجزائريين قبل غيرهم. لأن الإخفاقات التي صاحبت بناء الدولة الوطنية ليست مبررا للتشكيك في الثورة أو لامتداح المستعمر
مثلما يريد زبائنه الدائمون.صحيح أن الجزائريين ضيّعوا فرصا ومروا بمرحلة عصيبة خلال سنوات الحرب الأهلية المدمرة والتي كانت امتحان وجود للدولة الجزائرية، لكن الفرص لازالت قائمة لاستكمال البناء والتخلص من البناء الهش. في هذا العدد تفتح النصر سجل الثورة بغرض إضافة أسطر جديدة هي شهادات من عايشوا أحلام حرب التحرير و محنها.
العلاقات بين البلدين مرهونة بتسوية الإرث التاريخي
فرنسا مطالبة بالكشف عن وجهها الاستعماري القبيح عاجلا أم آجلا
يتساءل كثيرون عن السر الذي يمنع ساسة باريس من تقديم الاعتذار للجزائر، وإصرارهم على تجاهل الماضي الاستعماري الأسود، رغم أن الاعتراف ليس سابقة في التاريخ، بل فرنسا نفسها اعتذرت عما ارتكبته حكومة فيشي بحق اليهود، وذهبت لدرجة سن قانون يعاقب بالسجن والغرامة كل من يتجرأ على التشكيك في المحرقة، ولكن عندما يتعلق الأمر بالجزائر، يتحول الاستعمار إلى عمل "ايجابي" ويجتهد الفرنسيون في إيجاد مبررات "لا أخلاقية" عن الجرائم المرتكبة في حق الجزائريين طيلة
أكثر من قرن
مع حلول كل مناسبة تاريخية، يسترجع الجزائريون، فاجعة الموت والمعاناة التي تكبدها الشعب على مدار أزيد من قرن، ومع كل هذا لا تزال فرنسا ترفض الاعتراف بماضيها الاستعماري الأسود وتصر على تجاهل ارثها التاريخي، بالمقابل هي تطالب الآخرين الاعتراف بماضيهم الاستعماري، هذا الانفصام السياسي الفرنسي، سيضع الدولة الفرنسية، عاجلا أم آجلا، أمام حتمية الحسم في القضايا التاريخية التي أضحت تؤرق أصحاب القرار في فرنسا سواء على اختلاف انتمائهم السياسي، والذين تهربوا من الاعتراف، وقبلوا على مضض التصريح "بلباقة فرنسية" بوحشية الاستعمار، في انتظار إعلان التوبة والاعتذار.
أصحاب القرار في فرنسا، فضلوا الهروب على مواجهة الحقيقة التاريخية، ويتحلون بالشجاعة فقط عندما يتعلق الأمر بدول أخرى، فهم طالبوا الرئيس التركي اردوغان التحلي بالشجاعة والاعتذار للأرمن، ولكنهم يتناسون تلك الشجاعة عندما يتعلق الأمر بالتاريخ والماضي الأسود في الجزائر، ويتجاهلوا المجازر البشعة التي ارتكبوها في الجزائر. مواقف حولت ملف الذاكرة إلى وسيلة للدعاية الانتخابية يتم طرحها عند كل موعد انتخابي لدخول قصر الاليزيه، والمؤكد أن هذا الملف سيظل محل تفاعل بين باريس والجزائر إلى أن يقرر الساسة في فرنسا الاعتراف بحقيقة تاريخهم وماضيهم الأسود في بلدنا.
ويجمع السياسيون بل وحتى كبار المسؤولين في الدولة، بان العلاقات بين الجزائر وفرنسا لن يكتمل عقدها إلا عند اعتراف باريس عن الجرائم التي اقترفتها فرنسا الاستعمارية ضد الجزائريين، وبعد الاعتراف يأتي الاعتذار، مطلب أكده مؤخرا وزير المجاهدين، حيث صرح بان العلاقات الجزائرية الفرنسية لن ترقى إلى أعلى مستوياتها إلا بمحور التاريخ و الذاكرة الوطنية في إشارة إلى ضرورة اعتراف فرنسا بجرائمها المرتكبة خلال الاستعمار.
ورغم حديثه عن تطور في الموقف الفرنسي فيما يتعلق بالجرائم المرتكبة ضد الجزائريين، إلا انه أكد بان كل ما صدر عن الفرنسيين، سواء تعلق الأمر بتدابير قانونية، أو تصريحات لكبار المسؤولين في الدولة لا ترقى إلى درجة الاعتراف والاستجابة للمطلب الذي يرفع وينادي به الجزائريون، وهو إقرار بالجرم المرتكب ضد الجزائريين، وطلب العفو والاعتذار.
ويجمع الحقوقيون والمؤرخون، بأن الجرائم التي ارتكبتها فرنسا بالجزائر إبان فترة الاحتلال لن تسقط بالتقادم، ويؤكدون على ضرورة اعتراف السلطات الفرنسية بتلك الجرائم، والاعتذار والتعويض للشعب الجزائري عن الوحشية الاستعمارية. خاصة وأن فرنسا 'نوعت في جرائمها ضد الجزائريين فارتكبت جرائم ضد الإنسانية وضد الدين واللغة والاقتصاد، ويؤكدون بان مطالبة فرنسا بالاعتراف والاعتذار والتعويض عن جرائمها إبان الفترة الاستعمارية ''مطلب شرعي'' و''حق تاريخي''.
الفرنسيون يبتدعون فكرة "الذاكرة الهادئة"
الفرنسيون من جهتهم يتفننون في اختلاق الأعذار والتبريريات للإفلات من واجب الاعتذار، وابتكروا في سبيل ذلك فكرة "الذاكرة الهادئة" أو في بعض الأحيان "الاعتراف المتبادل" وهي مصطلحات يستعملها الفرنسيون في تعاطيهم مع العلاقات الجزائرية في شقها التاريخي، لإزالة التشنج دون أن يصل ذلك إلى حد تقديم الاعتذار طالما أن كلمتا الاعتراف والاعتذار لم تدرجهما باريس في قاموسها السياسي والتاريخي.
ساسة باريس قالوها صراحة بأنهم يريدون "اعترافا متبادلا" أي بعبارة أخرى المساواة بين الضحية والجلاد، ويعنى هذا الطرح أن تعتذر الجزائر للجنود الفرنسيين الذين قتلوا على أيدي الثوار، وتفتح الجزائر بابها أمام الأقدام السوداء وكل الذين عملوا ضد الثورة، وتمكنهم من استعادة ممتلكاتهم. ويعني أيضا فتح الباب للحركي كي يزوروا الجزائر ويدفنوا فيها. ورغم مقترح "المقايضة السياسية والتاريخية" أو "الاعتراف المتبادل" الذي طرحه الفرنسيون، هناك الكثير من أنصار اليمين يرفضون الفكرة أصلا، واللافت أن الخطاب المتعصب الذي يرفض الحديث عن "الإقرار بالذنب" قد أصبح يلقى شعبية واسعة في فرنسا. يكشف عن حقد دفين للجزائر وشعبها في أوساط من لا يزالون يؤمنون بان الجزائر سرقت من فرنسا وباعها ديغول للجزائريين.
ورأى محللون بان مشاركة الوزير الفرنسي لقدماء المحاربين تودتشيني في احتفالات المخلدة لذكرى مجازر 8 ماي، هو في حد ذاته اعتراف غير معلن بمسؤولية فرنسا في هذه المجازر، خاصة وان الخطوة جاءت في سياق اعتراف الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند بمجازر 17 أكتوبر 1961، وقبل ذالك اعترف عمدة باريس السابق بتلك المجازر.
وقد علق كثيرون أمالا على تلك الزيارة، وراو فيها مناسبة "للانتقال من شبه اعتراف فرنسي إلى اعتراف صريح لا لبس فيه"، ولكن ما قاله الوزير الفرنسي لم يكن في مستوى تلك الآمال، ولم يجرؤ على تجاوز الحدود التي رسمها الرئيس هولاند، ولم سئل إن كان سيقدم على خطوة الاعتراف، فقال: “الاعتراف الرسمي تم بصفة علنية خلال الخطاب الذي ألقاه رئيس الجمهورية فرانسوا هولاند يوم 20 ديسمبر 2012. وقد أكد خلال هذا اليوم التاريخي أن مجازر سطيف وڤالمة وخراطة تظل راسخة في ذاكرة الجزائريين وكذا الفرنسيين”. وأوضح بأن تلك الأحداث “كانت شاهدة على عدم احترام فرنسا لقيمها العالمية، في الوقت الذي انتصر العالم على همجية الحرب”. ويرى كثيرون بان الاعتذار ليس سابقة في التاريخ، بل فرنسا نفسها اعتذرت عما ارتكبته حكومة فيشي بحق اليهود، وذهبت لدرجة سن قانون يعاقب بالسجن والغرامة كل من يتجرأ على التشكيك في المحرقة، اذن ما السر الذي يمنع ساسة باريس من تقديم الاعتذار للجزائر، وما الذي يضير فرنسا إن هي اعتذرت لدول وبلدان تم تقتيل أبنائها بالجملة وسلبت ثرواتها، بل حتى فرنسا نفسها حصلت على اعتذار ألمانيا عما قامت به النازية عندما استباح أدولف هتلر السيادة الفرنسية في أربعينيات القرن الماضي واحتل فرنسا.
عندما زار الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي الجزائر صيف عام 2007 سألته الصحافة عن السر في رفض فرنسا الاعتذار للجزائر عما ارتكبته فيها من فظاعات، رد قائلا "أنا مع الاعتراف بالوقائع وليس مع الندامة. الندامة مفهوم ديني ولا مكانة لها في العلاقات بين الدول...، لم آت هنا لجرح المشاعر, ولا لطلب الصفح... فتلك أحداث تاريخية, والتاريخ جزء من الماضي. أما الآن, فلنبن المستقبل".
واكتفت باريس بخطوة محتشمة من لدن الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند. الذي صرح ولم يمض على تنصيبه إلا أشهر قلائل، بأنه يعترف بـ"المعاناة" التي تسبب فيها الاستعمار الفرنسي للشعب الجزائري. وقال في خطاب أمام أعضاء البرلمان "أعترف هنا بالمعاناة التي تسبب فيها الاستعمار للشعب الجزائري...، لا سيما أحداث سطيف وقالمة وخراطة التي ستبقى راسخة في ذاكرة الجزائريين وضميرهم". وأوضح أنه "خلال 132 سنة خضعت الجزائر لنظام ظالم ووحشي...، وهذا النظام يحمل اسما هو الاستعمار".
واللافت بروز أصوات داخل فرنسا تنادي بالاعتراف والاعتذار، وهو ما أقدمت عليه مؤخرا عدة جمعيات ومنظمات وأحزاب سياسية يسارية، حيث دعت الرئيس الفرنسي، الاعتراف بجرائم الاستعمار الفرنسي ضد الجزائريين، وإدانة جرائم الدولة، من خلال لفتة رمزية، من شانها أن تضع حد للتجاذبات الحاصلة بهذا الخصوص، واعتراف الدولة الفرنسية بمسؤوليتها عن الاعتقال التعسفي، خلال حرب الجزائروالزج بالجزائريين في المحتشدات. وطالبت تلك الجمعيات والاحزاب، الرئيس الفرنسي، باتخاذ خطوات هامة، وتحرير الأرشيف الاستعماري من قبضة السياسيين وتمكين المؤرخين من الاطلاع على تلك الصفحات التاريخية القاتمة، وطالبت اللجنة، بإدانة ومحاكمة كل الأصوات "تتغاضى عن جرائم المنظمة السرية" وكل الأشخاص الذين يحنون إلى تلك الحقبة التاريخية في إشارة إلى السياسيين الذين لا يزال الكثير منهم يتحدثون عن "الجزائر الفرنسية"، وشددت الرابطة على ضرورة قول الحقيقة بشأن جرائم المنظمة السرية، وقالت بان بعض السياسيين من حزب اليمين الذي يتزعمه ساركوزي، على غرار عمدة بيزييه، روبر مينار، الذي يسعى لرد الاعتبار لهذه المنظمة، وطالبت بوقف الخطابات العنصرية.
أنيس نواري
مدير مخبر التاريخ بجامعة 8 ماي 45 بقالمة محمد شرقي
المحتشدات الاستعمارية في الجزائر جريمة ضد الإنسانية
قال الأستاذ محمد شرقي مدير مخبر التاريخ للأبحاث و الدراسات المغاربية بجامعة 8 ماي 45 بقالمة، بأن المحتشدات التي أقامها الاستعمار الفرنسي بالجزائر خلال الثورة تعتبر جريمة ضد الإنسانية و اعتبرها بمثابة سجون و مواقع للإقامة الجبرية مورست فيها كل أنواع التعذيب الجسدي و النفسي و جردت الإنسان من حريته و إنسانيته.
و أضاف محمد شرقي متحدثا للنصر، بأن هذه المحتشدات الجهنمية جعلتها فرنسا كإستراتيجية لعزل الثوار عن الشعب الذي يمثل العمق و الوسط الطبيعي الذي نشأت فيه الثورة و عاشت فيه حتى الاستقلال، و قد طبقت فكرة المحتشدات لأول مرة في عدة مناطق من الهند الصينية، و أثبتت نجاعتها في محاصرة الثورات هناك و التأثير عليها و قررت فرنسا تطبيقها بالجزائر عقب اندلاع ثورة التحرير و كانت البداية بمنطقة الأوراس سنة 1955 ثم عممت على بقية أنحاء الوطن بعد ذلك، حيث ركزت على منطقة الشرق على وجه الخصوص ثم الوسط و بدرجة أقل منطقة الغرب. و حاولت فرنسا من خلال هذه العملية البشعة تفريغ المناطق الجبلية من السكان، و جعلها مناطق محرمة و جمع السكان في موقع واحد محاط بالأسلاك الشائكة و نقاط الحراسة لا يفتح إلا في الصباح و يغلق في المساء، و من يبقى خارجه يقتل فورا سواء كان إنسانا أو حيوانا. و حسب المتحدث، فإن ولاية قالمة الحالية التي كانت دائرة تابعة لولايتي قسنطينة و عنابة في التقسيم الفرنسي تضمّ وحدها 85 محتشدا و أكثر من 40 مركزا للتعذيب و يعود هذا العدد الكبير من المحتشدات بقالمة إلى موقعها الاستراتيجي و مكانتها الهامة خلال الثورة، حيث تعتبر ممرا حيويا لقوافل الأسلحة التي تتنقل بين تونس شرقا و الولايتين التاريخيتين الثانية و الثالثة. و في كل محتشد بين 40
و 60 عسكريا كلهم من الحركى باستثناء 3 فقط هم من الفرنسيين القائد العسكري للمخيم و مسؤول الأسلحة و مسؤول الرواتب، و عمدت فرنسا إلى الخلط بين عدة قبائل و دواوير في المحتشد الواحد و هو ما خلق مشاكل كبيرة داخل المخيم الواحد بسب اختلاف العادات و التقاليد و السلوكات من قبيلة إلى أخرى و من مشته إلى مشته أخرى.
و كانت هذه المحتشدات يقول محمد شرقي، ضربة قاسمة لاقتصاد المشاتي و القبائل حيث أصبحت الأراضي مناطق محرمة بعد أن كانت المصدر الوحيد لمعيشة السكان سواء في مجال الزراعة أو في مجال تربية المواشي، و انقطعت مصادر العيش و انتشرت البطالة و الفقر بين السكان و كثرت الأمراض كالسل و الجرب و فقر الدم فلا يمر يوما إلا و يموت عدد من الجزائريين و خاصة الأطفال.
و المحتشد عبارة عن قطعة أرضية محاصرة، فيها أكواخ من الديس و الصفيح أحيانا، لا توجد فيها إنارة و مياه و لا قنوات للصرف الصحي و بعض العائلات تعيش في خيمة أو كوخ واحد بدون دورة مياه حيث عمدت فرنسا إلى إهانة الجزائريين و إذلالهم و تجريدهم من إنسانيتهم كما حدث بمحتشدات بني عدي، عين خروبة و حمام دباغ غربي قالمة.
و تعيّن السلطة العسكرية الفرنسية مجموعة من الجزائريين للإشراف على كل مخيم و تقوم هذه المجموعات بجمع المعلومات عن تحرك الأشخاص المشكوك في مساندتهم للثورة و بناء على هذه المعلومات يقوم الجيش الفرنسي بشنّ حملات مداهمة و تفتيش للأكواخ و يعتدي على الحرمات و يأخذ الرجال إلى مراكز التعذيب، و يذبح رؤوس الأبقار و الأغنام لتغذية جنوده من الحركى الذين
خانوا الوطن.
و حاول المجاهدون تشجيع السكان على رفض المحتشدات، بحسب ما قال مدير مخبر التاريخ بجامعة قالمة، لكن الجيش الفرنسي أجبرهم على المغادرة بالقوة بعد أن أحرق مساكنهم و فرض واقعا صعبا على الثوار الذين قرروا اختراق المحتشدات بتعيين بعض المخلصين لجمع الاشتراكات الزهيدة و المعلومات حول تحركات العدو، و استطاع الثوار تحقيق انتصارات كبيرة داخل المحتشدات حيث التف السكان المحاصرون حول الثورة و مونوها بالمال و الغذاء رغم الفقر و الحرمان و الحصار المشدّد. و كشف محمد شرقي،المهتم بالأرشيف الفرنسي لما وراء البحار، عن جريمة مسكوت عنها ارتكبها الصليب الأحمر الدولي بالعديد من المحتشدات سنة 1961 عندما قدم مساعدات غذائية للسكان الذين يعانون من الجوع و من بين الأغذية كميات معتبرة من الفرينة منتهية الصلاحية، حيث اكتشف السكان بأنها ذات لون أصفر و طعم مر و رغم ذلك أكلوها من شدة الجوع و أصيبوا بأمراض معوية فتاكة، قتلت الكثير منهم فاضطروا إلى أكل النباتات الطبيعية لمواجهة المجاعة كما فعل المجاهدون عندما توقفت إمدادات الغذاء من السكان المحاصرين داخل المحتشدات الرهيبة. و تقول بعض المصادر التاريخية، بأن عدد المحتشدات الاستعمارية بالجزائر تجاوز 2600 محتشد و بلغ عدد الجزائريين الذين زُجّ بهم في هذه المحتشدات نحو مليوني و هو عدد كبير بالنظر إلى تعداد السكان الجزائريين خلال الثورة الذي لم يكن يتعد 9 ملايين نسمة.
فريد.غ
وزارة المجاهدين تحاول استدراك الوقت الضائع
أكثر من 13 ألف ساعة لشهادات المجاهدين في متناول المؤرخين
تسعى وزارة المجاهدين منذ ثلاث أو أربع سنوات لاستدراك ما فات فيما يتعلق بتسجيل الشهادات الشخصية للمجاهدين وكل الفاعلين أثناء الثورة التحريرية، في الوقت الذي ينسحب فيه هؤلاء تدريجيا من الحياة وبشكل مخيف ما يعني ضياع صفحات كاملة من تاريخ الحرب التحريرية وكفاح الشعب الجزائري لنيل استقلاله واسترجاع حريته.
وعلى الرغم من تأكيد وزير المجاهدين الطيب زيتوني قبل أسبوع بأنه تم إلى غاية اليوم تسجيل أكثر من 13 ألف ساعة من شهادات المجاهدين عبر القطر الوطني إلا أن ذلك يعتبر قليلا وقليل جدا بالنظر لزخم الثورة التحريرية ومساهمات مئات الآلاف من الرجال والنساء فيها بشكل أو بآخر، حيث تعتبر كل مساهمة منها وكل شهادة بل وكل كلمة ينطق بها مجاهد أو مسبل أو فدائي أو عضو من المنظمة المدنية لجبهة التحرير الوطني أو مناصر للثورة من الأجانب جزء من التاريخ الوطني، وبالتالي فإن عدم تسجيل كلمة واحدة يعني في نهاية المطاف ضياع جزء من التاريخ الوطني.
وفي الحقيقة وحسب بعض المجاهدين، فإن عملية تسجيل الشهادات بدأت في ثمانينات القرن الماضي لكن بشكل محتشم وبشكل فردي، أي بمبادرات من مجاهدين أنفسهم أو من منظمة المجاهدين وأبناء الشهداء في مناطق معينة ولم تكن العملية منظمة ومعممة بالشكل الذي يتيح لكل مجاهد الإدلاء بما عاشه وساهم به في الثورة. وقد حاولت وزارة المجاهدين قبل سنوات قليلة استدراك هذا الأمر مع بداية رحيل جيل أول نوفمبر وبشكل مخيف وهو شيء طبيعي من الناحية البيولوجية بعد مضي 50 سنة عن الاستقلال، وقد أشرف وزير المجاهدين السابق محمد الشريف عباس على إطلاق العملية في نوفمبر من العام 2012 بمناسبة خمسينية الاستقلال من ولاية باتنة نظرا لرمزية هذه الولاية كونها تمثل الولاية التاريخية الأولى التي شهدت إطلاق أول رصاصة ضد المحتل الفرنسي.
وبعد ذلك أعطت وزارة المجاهدين الإشارة لكافة مديريات المجاهدين ومتاحف المجاهد عبر التراب الوطني إشارة الانطلاق في تسجيل شهادات المجاهدين الذين لا يزالون على قيد الحياة، ومنحت لهذه الهيئات بعض الوسائل الكفيلة بالمساعدة على تسجيل شهادات المجاهدين وحفظها.
لكن انطلاق عملية تسجيل الشهادات بعد خمسين سنة عن الاستقلال يعني بكل بساطة أن جزءا معتبرا من تاريخ الحرب التحريرية ضاع ورحل مع أصحابه المجاهدين الذين رحلوا قبل هذا التاريخ وما أكثرهم، وقد اعترف وزير المجاهدين الحالي الطيب زيتوني في تصريح له قبل أشهر بالتأخر الملاحظ في جمع وتسجيل شهادات المجاهدين وقال" تأخرنا نوعا ما و صفحات من تاريخنا المجيد ضاعت بوفاة بعض المجاهدين لكننا حاليا نحاول بجدية استدراك الوقت الضائع".
وفي هذا المجال فإن دور ومسؤولية وزارة المجاهدين كبيرة، و تعتبر مهمة جمع المادة الخام المتعلقة بتاريخ الثورة من صميم مهام الوزارة التي تمنح كل عام ميزانية كبيرة ومعتبرة تضاهي ميزانيات وزارات سيادية على غرار التربية الوطنية والدفاع والداخلية والصحة.
وفي إطار المساعي التي تقوم بها هذه الوزارة ومن أجل توسيع عملية تسجيل الشهادات صرح وزير المجاهدين الحالي الطيب زيتوني أيضا أنه أعطى توجيهات للقائمين على مراكز الراحة التابعة للوزارة للتعجيل بتزويد هذه الهياكل بالوسائل السمعية البصرية الضرورية استعدادا لجمع شهادات المجاهدين الذين يقصدون هذه المراكز للراحة و التداوي وتدوين كل ما عايشوه إبان الثورة.
الشهادات كمادة خام لكتابة التاريخ
إذا كانت عملية جمع شهادات المجاهدين تعتبر مرحلة أولى في عملية كتابة وتدوين تاريخ الثورة المجيدة فإن وزير المجاهدين أكد في إحدى تصريحاته أن الوزارة ستتحول إلى مركز إشعاع تاريخي إذ ستزود الجامعات والمعاهد والمؤسسات التربوية وكذا الباحثين والطلبة بالمعلومات الكافية عن تاريخ الثورة وأمجاده.
وتعتبر الشهادات الشخصية حسب المؤرخين مادة خام ومصدرا هاما لكتابة التاريخ لكن هل ما جمع من شهادات في متناول المؤرخين؟ وهل باب الوصول إليها مفتوح أم أنها مخزنة في أماكن لا يصل إليها المؤرخون في الوقت الحالي؟
بعض المؤرخين والباحثين في التاريخ الذين تحدثت إليهم «النصر» بمناسبة الاحتفال بالذكرى الـ 61 لعيد الثورة يقولون أن الوزارة تسهل عملهم وتفتح الأبواب لاستغلال مثل هذه الشهادات عندما يطلبها أي مؤرخ لكن شريطة أن يكون ذلك عبر الطرق المعمول بها في جميع الدول في مثل هذا المجال، أي أن يقدم المؤرخ بطاقة أو رسالة من الجامعة أو مركز البحث الذي ينتمي إليه أو يعمل لصالحه أو يقدم بطاقة تثبت أنه فعلا مؤرخ ويشتغل في هذا الحقل.
وفي هذا الصدد، يقول المؤرخ والباحث في التاريخ الدكتور لحسن زغيدي الأستاذ بمعهد التاريخ بجامعة الجزائر أن عملية تسجيل شهادات المجاهدين شرع فيها منذ تسعينيات القرن الماضي، وليس في السنوات الأخيرة كما يعتقد البعض، وقد بدأت العملية منذ أن استرجعت وزارة المجاهدين المتحف الوطني للمجاهد وإنشاء المركز الوطني للبحث في الحركة الوطنية وثورة أول نوفمبر.
ويضيف في تصريح للنصر، أن الهدف من العملية هو جمع الشهادات والحفاظ عليها وهي تعد بعشرات الآلاف وهي ثمينة ومن مختلف فعاليات الثورة.. من المسؤول القائد إلى الجندي البسيط، ومن مختلف الحقول.. العسكرية منها والدبلوماسية والاجتماعية وغيرها، أي أنها مست كل الجوانب حسب نوعية الشاهد وهذا كنز مهم أرى أنه سيكون مفيدا لأي باحث في التاريخ الوطني، لأن أول ما يدرس لطلبة التاريخ- يضيف الدكتور زغيدي- هو المدارس والمنابع والمصادر وفي هذا الشأن تأتي الشهادات في المقدمة لأنها لسان حال الفاعل نفسه، ولذلك يكون الزاد الحقيقي للمؤرخ في هذه الحال هو الوثيقة الناطقة، وبما أننا نعيش اليوم في عصر الرقمنة و التطور التكنولوجي فيمكن تحويل هذه الشهادات إلى عمل مكتوب وهو جد فعال.
وعما إذا كانت الشهادات المسجلة للمجاهدين في متناول المؤرخين والباحثين في التاريخ، رد الدكتور زغيدي بأن هذه الشهادات ستوجه لهذا الجيش من المؤرخين وأن الوزير الحالي للمجاهدين الذي يعرفه شخصيا و هوحريص جدا على ذلك، وهو يعمل منذ أن تولى حقيبة المجاهدين حسب ما يصرح به، وأنه شخصيا كمؤرخ لمس بأن القائمين على المؤسسات التابعة للوزارة يطبقون أوامره حرفيا بفتح الأبواب للمؤرخين والباحثين في التاريخ، لكن لابد أن يعرف الجميع أنه ليس كل من يكتب يعتبر باحثا وليس كل من يسعى لمعرفة المعلومة التاريخية هو باحث، بل لابد أن يستظهر ما يثبت أنه باحث كما هو معمول به في كل الدول، سواء مراسلة من المؤسسة المشرفة على البحث أو بطاقة انتساب لمركز بحث، ويضيف أنه شخصيا لم يجد أبدا أي صعوبة في الحصول على ما يطلبه لا هو ولا الطلبة الذين يشرف عليهم، ولم يشتك أي منهم من عدم تسهيل العمل بل العكس يستقبلون أحسن استقبال ويلقون كل التسهيلات.
ويضيف محدثنا في هذا السياق، أن الشهادات المسجلة لابد أن تمر عبر مراحل عديدة حتى تصبح جاهزة للباحث، إذ بعد تسجيلها لابد أن تصنف ثم تستنسخ، ومن ضمن النسخ توضع نسخة خاصة بالباحثين لمن يطلبها، وكل هذه المراحل تتطلب وقتا وعملا مختصا واليوم لدينا اختصاص يسمى علم المكتبات والتوثيق.
كما يقول الباحث في التاريخ عمار بلخوجة، فإن المؤرخ بإمكانه استغلال الشهادات التي تسجل حاليا خاصة طلبة الجامعات وبإمكانها أن تقدم لهم مساعدات كبيرة في مذكرات تخرجهم و في البحوث التي يقومون بها، لكن عليهم حسن التعامل معها.
ويضيف أن الوزارة تفتح أبوابها لكل من يطلب هذه الشهادات فضلا عما يصدر على صفحات مجلات تابعة لهيئات تابعة للوزارة، وينبه إلى أن كتابة التاريخ عملية مستمرة قد يبدأ اليوم مؤرخ ما في كتابة موضوع ما ويكمله مؤرخ آخر بعد سنوات، لكن لابد أن لا ننسى أيضا أن هناك قوانين معمول بها تحدد آجال فتح الأرشيف وهناك أرشيف لا يفتح أبدا.
محمد عدنان
الأمين العام للمنظمة الوطنية للمجاهدين سعيد عبادو للنصر
الأقدام السوداء غير مرحب بهم في الجزائر و طلبهم الجنسية الجزائرية مرفوض
• البرلمان الجزائري مدعو لإصدار قانون يجرّم الاستعمار الفرنسي في أقرب وقت
اعتبر الأمين العام للمنظمة الوطنية للمجاهدين، سعيد عبادو، أن مطالب الأقدام السوداء للحصول على الجنسية الجزائرية مرفوضة، وقال أنه غير مرحب بهم في الجزائر لأنهم كانوا أعداء الجزائر و قد أخطأوا وقتلوا الجزائريين. ودعا عبادو من جانب آخر، البرلمان الجزائري لإصدار قانون يجرّم الاستعمار الفرنسي في أقرب وقت ممكن، مؤكدا في حوار مع النصر، على ضرورة اعتراف و تقديم فرنسا الاعتذار والتعويض للشعب الجزائري عن الخسائر والجرائم التي ارتكبتها خلال فترة الاحتلال.
النصر: فرنسا تصرّ على عدم الاعتراف والاعتذار وتعويض الشعب الجزائري عن جرائم الاستعمار ما ذا تقولون في هذا الشأن؟
سعيد عبادو : من الناحية التاريخية ، فرنسا احتلت الجزائر لمدة 132 سنة وقد رفض الجزائريون الاحتلال وحاربوا فرنسا بكل الإمكانيات التي لديهم، لكنها استعملت كل الوسائل بما فيها المحرمة دوليا، وجاءت بعدد كبير من الفرنسيين ومكنتهم من الأراضي ووفرت لهم كل الإمكانيات من أجل أن يستحوذوا على الأراضي والأملاك الجزائرية ، حيث أصبح الفرنسيون طبقة متميزة لأنهم كانوا مدعومين من طرف الجيش الفرنسي وكان كلما حاول الجزائريون استرداد حقوقهم وقاموا بانتفاضات ومظاهرات ، كانت فرنسا دائما تواجه هذه التحركات المشروعة بالقمع والحرمان، ووصلت إلى حدّ تدمير قرى ومدن على أصحابها وقضت على مظاهرات، وأخدت المناضلين إلى السجون وفي النهاية قالت فرنسا بالحرف الواحد، أن الجزائر فرنسية وجزء لا يتجزأ من التراب الفرنسي. وبالرغم من وسائل التخريب والتدمير والجرائم التي ارتكبت في حق الجزائريين، كان لهم من الإرادة والوطنية ما ساعدهم على أن يثبتوا ويحاربوا فرنسا بكل الوسائل، وهذه الحرب لم تكن داخل التراب الجزائري فقط، بل انتقلت إلى أرض العدو و اختتمت هذه المقاومة وهذه الانتفاضات والثورات بثورة نوفمبر التي حررت الجزائر تحريرا كاملا، لكن بعدما حصلنا على الاستقلال وجدنا الجزائر مدمرة من أقصاها إلى أقصاها فهناك جرائم كبيرة ارتكبها الاحتلال ومن الضروري أننا كجزائريين نطالب الاحتلال الفرنسي بأن يعترف بهذه الجرائم ويعتذر للشعب الجزائري، لأن هذه الجرائم محرمة دوليا ونصّت على ذلك مواثيق الأمم المتحدة. لكن نلاحظ أن الاستعمار، عوض أن يعتذر ويعوض الشعب الجزائري عن كل الخسائر والجرائم نرى أن البرلمان الفرنسي باسم الشعب الفرنسي يصدر قانونا يمجّد فيه الفترة الاستعمارية التي قضاها الاحتلال في بلادنا. و في الواقع هذا أمر غريب. وكان لا بد على البرلمان الجزائري أمام هذا الوضع، مع كل القوى الوطنية أن يعمل على إصدار قانون يجرم الاستعمار الفرنسي في الجزائر رداً على الجرائم التي ارتكبت إبان فترة الاحتلال، ورداً على قانون تمجيد الاستعمار الفرنسي ، لكن نتأسف لكون البرلمان الجزائري تلكأ في إصدار هذا القانون، وحتى الآن ليس هناك ردة فعل في المستوى المطلوب، وهذا الأمر لم يكن منتظرا، ونحن كمجاهدين ومجاهدات وكل المواطنين المخلصين نلح على البرلمان الجزائري والنواب الجزائريين بصفتهم منتخبين ديمقراطيا من طرف الشعب ومن المفروض بأن يعبروا عن الإرادة الوطنية لهذا الشعب وأن يصدروا هذا القانون في أقرب وقت ممكن.
كما أننا نطالب باسترجاع الأرشيف وكل ما نهبته فرنسا و أخذته من الجزائر،وتعويض الأضرار الناتجة عن التجارب النووية وكل القضايا الأخرى وإن كانت فرنسا حقيقة ترغب في إقامة علاقات الندّ للند مع الجزائر فيجب عليها أن تقوم بهذه الواجبات. أما إذا لم تعتذر ولم تعوض ولم ترجع ما نهبته من الجزائر فنحن نعتقد أنه لا يمكن إقامة علاقات حقيقية .
ما رأيكم في تصريحات الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي حول مراجعة اتفاقيات إيفيان؟
ردنا على تصريحات رئيس الجمهورية الفرنسية السابق نيكولا ساركوزي حول المطالبة بمراجعة أو إعادة النظر في اتفاقية إيفيان والاتفاقية التي تلتها سنة 1968 حول وضعية المغتربين الجزائريين في فرنسا، هو أن الجزائريين شاركوا في الحرب العالمية الثانية، فعدد الذين شاركوا في الحرب العالمية، 139 ألف جزائري وأغلبهم ماتوا في الحرب دفاعا عن فرنسا ومن أجل تحرير فرنسا، والفرنسيون اعترفوا بهذا وهناك عدد من الجزائريين قدمت لهم أوسمة، كما أنهم قدموا دعوة للمسؤولين الجزائريين أن يشاركوا في الاحتفال بتحرير فرنسا ، وحضر ممثلون عن الدولة الجزائرية في هذا الاحتفال، فالجزائريون شاركوا وسالت دماؤهم من أجل تحرير فرنسا ونحن نطرح السؤال ألا يحق لإنسان ساهم بدمه في تحرير فرنسا أن تكون له قدم هو وأولاده وأهله في الأرض الفرنسية، أنا اعتبر هذا الأمر طبيعيا فلا يحق لساركوزي أو لغيره من الفرنسيين أن يطالبوا بإعادة النظر في اتفاقيات إيفيان أو الاتفاقيات التي تلتها، والخاصة بإقامة الجزائريين على الأرض الفرنسية ومن الواجب أن يتمتعوا بنفس الحقوق التي يتمتع بها الفرنسيون أو أكثر .
كيف تعلقون على تصريحات أشخاص في اليمين الفرنسي المتطرف يتحاملون من خلالها على الجزائر ؟
نحن نتأسف وكنا نعتقد أن الفرنسيين أخذوا الدرس سواء كانوا من اليمين أو اليسار والجزائر مستقلة بفضل أبنائها والاستعمار انتهى، و يبدو أن هؤلاء ما زالوا يحلمون بالعودة إلى الجزائر،لكن هناك فرنسيين أحرار كانوا مع استقلال الجزائر، وساعدوا الثورة الجزائرية. ونحن نقول أن الأجيال الصاعدة ستكون خير خلف لخير سلف وستدافع عن الجزائر بنفس القوة والإرادة التي حرر بها جيل نوفمبر الجزائر.
ما هو موقفكم من مطالب الأقدام السوداء للحصول على الجنسية الجزائرية وزيارة الجزائر ؟
الأقدام السوداء كانوا ضد الثورة، وغير مرحب بهم في الجزائر، فهم كانوا أعداء الجزائر و لا نرحب بهم في بلادنا ومطالبهم للحصول على الجنسية الجزائرية مرفوضة لأنهم أخطأوا وقتلوا الجزائريين، وقد جاؤوا إلى الجزائر بحماية الجيش الفرنسي و الأرض هي ملك للجزائريين لكننا نرحب بالفرنسيين الذين ساعدونا من أجل التحرير ونرحب بالفرنسيين الذين لم تتلطخ أيديهم بدماء الجزائريين، ولم ينهبوا ولم يحتلوا الجزائر . أما الفرنسيون الذين أساؤوا للجزائر ولشرف ولكرامة الجزائر فهم غير مرحب بهم، فقد كانوا ضد الجزائر وقتلوا الجزائريين وكانوا محتلين ومغتصبين لأملاك الجزائريين وموقفنا معروف فنحن حاربناهم وطردناهم.
ماذا تقولون بشأن عملية كتابة التاريخ وجمع شهادات المجاهدين؟
المنظمة لها برنامج طويل المدى وواسع، وهو الطلب والتأكيد على المجاهدين والمناضلين الذين عايشوا ثورة التحرير، كل في ميدانه، بأن يكتبوا مذكراتهم ونحن مع الرأي الذي يقول أنه من الأفضل أن تكون هذه المذكرات جماعية لأن الثورة عاشها المجاهدون بصفة جماعية والجهاد كان على جميع المستويات، الكفاح بالسلاح وعن طريق الجبهة الإعلامية والدبلوماسية، و التكفل بشؤون المواطنين، فالثورة كانت تعيش كما لو كانت دولة، وعلى هذا الأساس انتصرنا على الاستعمار، ولهذا من الواجب من ناحية الدولة أن يُعطي الاهتمام لهذا الجانب التاريخي، وأن يدرس في جميع المستويات ويكون محل كتابة كمذكرات، ويجب أن تكون الأجيال الصاعدة على بينة بما وقع خلال مرحلة الكفاح حتى تحافظ على الجزائر، فالجزائر أمانة بين أيدي الأجيال، فمعركة التحرير تقابلها معركة البناء والتشييد، وليس من المبالغة أن نقول أن دور الأجيال الصاعدة لا يقل أهمية عن دور جيل نوفمبر في المحافظة على الجزائر. واعتقد أن الكتابة الحقيقية للتاريخ هي في الواقع من طرف المؤرخين والباحثين، وقد قررت أن أبدا في كتابة مذكراتي، حيث شرعت في الاتصال بالرفقاء وجمع الوثائق والمعلومات .
مراد ـ ح
المجاهد صالح قوجيل الضابط السابق بالولاية الأولى
الذين يشككون في نجاح الثورة هم الذين لم يتمكنوا من تحقيق أغراضهم
قال صالح قوجيل الضابط السابق بالولاية التاريخية الأولي إبان الثورة التحريرية، والعضو القيادي في الأفلان إن الثورة حققت كامل أهدافها، وهي الاستقلال التام مع الحفاظ على وحدة وسلامة ترابها، طبقا لما نص عليه بيان أول نوفمبر.
واعتبر صالح قوجيل في تصريح للنصر، بمناسب الذكرى الـ 61 لاندلاع ثورة أول نوفمبر، بأن من يشككون في نجاح الثورة هم من لم يتمكنوا من تحقيق أغراضهم، مذكرا بالوضعية المزرية التي كانت تعيشها البلاد في جميع المجالات إبان خروج المسعتمر، الذي ترك البلاد تتخبط في الجهل والفقر والتخلف الاقتصادي، فقد كان عدد أفراد الشعب آنذاك في حدود 8 ملايين نسمة أو أكثر بقليل، مليونان منهم كانوا موزعين في المناطق المحرومة، وحوالي 400 ألف جزائري لاجئ في تونس والمغرب، و400 ألف مسجون، وأول تحدي رُفع مباشرة بعد الاستقلال كان إنجاح الدخول المدرسي الذي كان في شهر سبتمبر 1962، فقد جندت القيادة آنذاك كل من كانوا يحملون الشهادات الابتدائية وكذا الإطارات التي كانت تعمل في قطاعات أخرى، لتعويض المدرسين الفرنسيين الذين غادروا البلاد، وبالفعل تم التمكن من فتح كافة المدارس، وضمان دخول عادي لجميع التلاميذ والطلبة.
وكان ثاني تحدٍ تم رفعه بعد الاستقلال، فتح التلفزيون الجزائري، رغم عدم وجود تقنيين متمكنين، بعد أن غادر جميع التقنيين الفرنسيين البلاد، وهو ما تحقق أيضا يوم 28 أكتوبر من سنة 62، وثالث تحدٍ نجحت قيادة البلاد في رفعه وفق ذات المصدر، جني محصول القمح الذي كان وفيرا خلال تلك السنة، وجمعه وتخزينه، وهو وما تم بالفعل، مذكرا بأن فرنسا خرجت من الجزائر وتركتها تتخبط في مديونية بقيمة 100 مليار فرنك فرنسي.
ومن الناحية السياسية، تم الشروع في إعادة هيكلة حزب جبهة التحرير الوطني، وتنصيب قيادة مؤقتة تتضمن 22 عضوا، اقتداء بمجموعة 22 التي فجرت الثورة، من بينهم عضوين من كل ولاية تاريخية، من ضمنهم صالح قوجيل، وتم بالفعل بناء الحزب على مستوى جميع الولايات، وذكر المصدر بأنه ساند التصحيح الثوري الذي قاده الرئيس الراحل هواري بومدين، رافضا وصفه بالانقلاب العسكري، باعتبار أن الغرض منه كان الالتزام بتسيير الحزب وفق ما جاء في توصيات مؤتمر طرابلس، من بينها التسيير الجماعي لشؤون البلاد وعدم الانفراد بالحكم، معتقدا بأن الرئيس بومدين حقق ذلك، لتدخل البلاد في معارك أخرى، وهي بناء الاقتصاد والتخلص من التبعية للخارج، وإخراج البلاد من دائرة العالم الثالث، ويرى قوجيل بأن مجمل تلك الاهداف تم تجسيدها رغم وجود بعض النقائص.
ومن معالم نجاح الثورة الانتقال السلس للحكم بعد وفاة بومدين، رغم أن الحادثة كانت مفاجأة بالنسبة للجميع، ومع ذلك فإن الأمور سارت في ظروف جد عادية لم يكن يتوقعها الكثيرون، حيث تم عقد المؤتمر الرابع للحزب، وتم انتخاب المرحوم الشاذلي بن جديد مرشح الأفلان لرئاسة الجمهورية، وكانت هذه الحقبة الهامة من تاريخ البلاد بعد الاستقلال محل اهتمام الباحثين والدارسين، الذين انشغلوا بالبحث عن أسباب عدم وقوع أي مشاكل أو خلافات، وكيف سارت الأمور بشكل عادٍ، وفسر العضو القيادي السابق بالمنطقة الأولى ذلك، بكون الجميع كان يفكر في الحفاظ على استقرار البلاد، عوض البحث عن المناصب والامتيازات.
ويؤكد قوجيل العضو في مجلس الأمة بأن الأفلان كان يحمل في طياته المبادئ الديمقراطية، بفضل روح التشاور والنقاش التي كانت بداخله، فقد كان يضم حساسيات مختلفة، إشتراكية وإسلامية وليبيرالية، وهنا تكمن قوته، معتقدا بأن ممارسة المسؤولية بداخله كانت لا تخضع
للرأي الواحد.
لطيفة بلحاج
بلدية بئر الشهداء بأم البواقي بين الأمس و اليوم
فرنسـا أبادت 447 جزائريـا بينهم عروس و زوجهـا و رمتهم في البئـر
هي بئر ليست ككل الآبار..بئر رأت فيها فرنسا الاستعمارية وسيلة لطمس و إخفاء جرائمها البشعة المرتكبة في حق شعب أعزل رفض الذل و الهوان..بئر اختلطت مياهها بدماء 447 شهيدا من شهداء ثورة التحرير..هي بئر تحكي اليوم بين جنباتها 447 قصة و قصة من قصص ثورة نوفمبر الخالدة.
روبورتاج: أحمد ذيب
تشير شهادات تاريخية تناقلتها ثلة ممن عايشوا ونجوا من حادثة الإبادة الوحشية التي تعرض لها سكان مدينة بئر الشهداء التي كانت تحمل إبان الفترة الاستعمارية تسمية «لوفاسور»، بأن ضباطا وجنودا فرنسيين ومن أبرزهم الملازم الأول يهودي الأصل ديزو تفننوا في إذاقة سكان المدينة ألوان التعذيب إلى جانب التعدي على الحرمات ونهب الممتلكات، غير أنه
و في الفترة الممتدة بين أواخر سنة 1958 وبداية سنة 1959 كثف المستعمر من حملة اعتقالات، مست عددا كبيرا من المواطنين الأبرياء من رجال ونساء وحتى أطفال وشيوخ.
الشهادات التي تناقلتها المؤلفات التي تحكي عن الثورة، بينت بأنه وفي ظروف غامضة قامت فرنسا الاستعمارية بقتل عدد كبير من الموقوفين خاصة المتواجدين بمحتشد فور بدوار زاوية بن زروق لتحمل بعدها تحت جنح الظلام جثث الشهداء وترمي بها في البئر.
وروى المجاهد الراحل لكبير التونسي متحدثا عن رؤيته رفقة 5 عناصر من جيش التحرير أثناء تواجدهم بدوار أولاد عمار، من خلال منظار ليلي كان بحوزته، سيارة عسكرية فرنسية من نوع «جيب» ترددت إلى البئر أربع مرات متتالية، ولم يعلم هو ومن معه بأن الأمر يتعلق بنقل جثث الشهداء ورميهم داخل البئر التي يبلغ عمقها 43 مترا وتحوي مترين من الماء إلا بعد الاستقلال.
و اتضح بأن جنود الاحتلال يقومون برمي الجثث وبعدها يقومون بصب مادة سامة فوق الجثث نفسها بهدف إخفاء معالم الجريمة، المجاهد لكبير التونسي، أوضح بأن عدد الشهداء الذين اكتشفت رفاتهم وصل إلى 447 شهيدا.
من جهته يكشف المجاهد عبد الحفيظ علاوة، الذي التقت به النصر، بأنه رفقة عدد من المجاهدين علموا بتعرض عدد من سكان المدينة للإعدام بينهم عروس وزوجها تم إعدامهما يوم زفافهما، غير أنه بيّن بأن مكان دفن الجثث لم يتضح إلا بعد الاستقلال على مستوى البئر.
وتكشف الجدارية التي أنجزت في محيط البئر بأنه وبتاريخ 25 جويلية من سنة 1962، وبعد معلومات مدققة مقدمة من بعض من كان يتكتم على أمر البئر سابقا خشية من الفرنسيين، تم استخراج رفاة 447 شهيدا وسميت حينئذ البئر ببئر الشهداء ليعمم الاسم على المدينة خلفا للإسم الفرنسي «Le vassour»، وأشارت الجدارية إلى أن الجثامين المستخرجة ترجع لمجاهدين من المنطقة ومن مناطق مجاورة تم إعدامهم في مراكز التعذيب والاستنطاق.
مَعلم لبئر الشهداء يتحول اليوم إلى وكر للمنحرفين
ونحن نتحدث إلى المجاهد عبد الحفيظ علاوة كشف لنا ممثل عن السلطات المحلية، بأن معلم البئر اليوم تحول إلى وكر للمنحرفين، وبات من يريد تعاطي سموم المخدرات والمشروبات الكحولية يلجأ إلى المعلم، كما اتضح بأن الأخير غير محروس وأبوابه مفتوحة على مصراعيها من دون أن تغلق بالأقفال كل أيام الأسبوع.
المتحدث إلينا أشار كذلك بأن متعاطي الخمور والمشروبات الكحولية يتوجهون بكثافة ناحية المعلم في النهار، على خلاف الفترة الليلية أين يصعب على المعنيين التنقل إليه كونه يتواجد في منطقة حدودية مخيفة ومظلمة بين بئر الشهداء وعين ياقوت بباتنة.
وبحسب رئيس البلدية فراق رمضان فالبلدية لم تجد حلا جذريا للاحتفاظ بحراس للمعلم، فكل حارس لا يمضي على تعيينه فترة وجيزة يغادر مقر عمله بالمعلم ويتوقف عن العمل، بحجة وجوده في منطقة معزولة وسط غياب أبسط المتطلبات من ماء وكهرباء.
ويشتكي سكان المنطقة اليوم من ظاهرة الجفاف التي امتدت من حنفيات سكناتهم لتضرب آبارهم، الأمر الذي بات يهدد النشاط الفلاحي وظل الأخير يتراجع من يوم لآخر، وبات يقتصر على نشاط زراعة محاصيل الفلفل والطماطم وكميات من البقول الجافة.
أزمة الماء الشروب دفعت عشرات السكان إلى هجر أراضيهم، في ظل تمسك البعض منهم بطلب منحهم رخصا لحفر آبارهم بعد أن صنفت المدينة ولسنوات ضمن المنطقة الحمراء، التي لا تتوفر على مياه جوفية ما استدعى توقيف عملية منح رخص حفر الآبار.
غياب المياه الجوفية ترجمه بوضوح جفاف بئر يتواجد في مركز المدينة، ظل ومنذ سنة 1963 يروي ضمأ سكانها، في الوقت الذي تعاني فيه عديد المشاتي من غياب تام للمادة الحيوية على غرار مشتتي الشوف والهنشير.
المدينة التي كانت شاهدة على تضحيات خالدة إبان ثورة التحرير، يعاني أبناؤها اليوم كذلك من مشكل غياب هيكل صحي يليق بحجم مدينتهم التي تعتبر منطقة عبور للولاية المجاورة واصفين الصحة بالمريضة، أمر جعل المرضى من قاطني المدينة يمرضون في صمت، فالمدينة بحسب أبنائها تعتبر مرآة للولاية من أقصى الجهة الغربية كونها حدودية، وتحتوي على قاعة علاج وحيدة لا تقدم خدماتها لـ24 ساعة كاملة إضافة احتوائها على وحدتين مهترئتين الأولى للكشف والمتابعة والثانية للعلاج بالحامور.
القاعة الوحيدة لا تتوفر على مصلحة استعجالات ولا على جناح للولادة، يحدث هذا في ظل توفر المدينة على سيارة إسعاف واحدة وهي التي يلحق بها العطب في كل مرة، الأمر الذي جعل سكانها يطالبون بالارتقاء بالخدمات الصحية وبرمجة مشروع لإنجاز وحدة للحماية المدنية التي اختيرت أرضيتها منذ سنة 2004 ولم تنجز لحد اليوم.
وبخصوص الوضع على مستوى المؤسسات التربوية فهو لا يقل مرضا عن الصحة، بالنظر لقلة عدد المطاعم المدرسية ونقص عدد الطباخين، ما اضطر هذه المؤسسات لتقديم وجبات باردة للتلاميذ.
ويتواجد من جهة أخرى، سكان المشاتي في وضع لا يحسدون عليه، لكون سكناتهم لا تحلم اليوم بربطها بالغاز بل حلمها الوحيد هو ربطها بشبكة التيار الكهربائي لأنها في ظلام دامس منذ فجر الاستقلال، على غرار مشاتي لازرو والشوف وتازوريت والطارف.
وبمركز المدينة فالسكنات الهشة انتشرت بشكل لافت في الوقت الذي يعاني قاطنو حيي 404 سكن و162 سكنا من غياب تام للتهيئة، وانتقد السكان الغلق الذي طال فرعا لوكالة الصندوق الولائي للضمان الاجتماعي للعمال الأجراء بالرغم من كونه مجهز بكل الأجهزة.
يكشف رئيس بلدية بئر الشهداء في لقائه بالنصر بأن الدولة رصدت في أقل من سنتين أزيد من 120 مليار سنتيم في جميع القطاعات، سعيا لتحقيق إقلاع اقتصادي تنموي حقيقي وحسبه فمنذ الاستقلال لم تستفد المدينة من مبلغ كهذا.
السيد فراق رمضان طمأن سكان المدينة بأن البلدية استفادت بأزيد من 126 إعانة للسكن الهش، عبر أحياء 17 جوان والملعب البلدي في انتظار إتمام الموافقة على أحياء 50 سكنا وفلسطين والشارع الرئيسي وحي 10 سكنات وحي الملعب البلدي القديم.
محدثنا كشف بأن المشاريع التي استفادت منها بلديته تتعلق بتعبيد الطرقات عبر أحياء النهضة وهو مشروع قطاعي بمبلغ 5 مليار سنتيم، فيما تنوعت مشاريع التنمية البلدية لتمس تهيئة حي الملعب البلدي بمبلغ 2.1 مليار سنتيم وحي 162 سكن بـ1.8 مليار سنتيم، إلى جانب رصد 1.5 مليار لتهيئة مدخل المدينة من الجهة الشرقية نحو الشارع الرئيسي، وكذا تهيئة حي النصر ومخرج المدينة باتجاه مدينة شلغوم العيد، في انتظار انتهاء أشغال ربط المدينة بالطريق السيار شرق غرب على
مسافة 26 كلم.
الأشغال انطلقت كذلك عبر الطرقات الولائية أين رصد مبلغ 5 مليار سنتيم لتهيئة الطريق الولائي رقم 7 بين بئر الشهداء وباتنة على مسافة 4.5 كلم، مع تخصيص مبلغ مماثل لتهيئة الطريق بين مركز البلدية وحاسي برقوق بميلة، مع الانطلاق في إجراءات فتح مسلك ريفي بين بئر الشهداء ومشتة الهنشير.
أما المشاريع الأخرى فتضمنت إنجاز نقبين لتزويد سكان مشتتي الطارف وأغلاد بالمياه ونقب ثالث قطاعي أنجز بمشتة الطارف على عمق 250 مترا.
المدينة استفادت كذلك من مشروع لإنجاز مبيت للشباب بمبلغ 5 مليار سنتيم مع التهيئة الخارجية وآخر انتهى وشمل تجديد قنوات الصرف بحي النهضة بمبلغ 600 مليون سنتيم، مع اقتراح رصد 500 مليون سنتيم لمشروع تهيئة وتجهيز قاعة سينما وسط المدينة، وانطلاق مشاريع لتهيئة وترميم الملحق الإداري بمشتة الحامور بـ500 مليون سنتيم ورصد 70 مليون سنتيم لتجهيز الملحق، وكذا الشروع في ربط قرية 17 جوان بالغاز الطبيعي، مع استفادة البلدية من شاحنتين لرفع القمامة بمبلغ 1 مليار سنتيم وشاحنة لجمع حاويات القمامة بمبلغ 489 مليون سنتيم، إضافة إلى انطلاق مشروع لحماية المدينة من الفيضانات بمبلغ 16 مليار سنتيم، ومشروع لتجديد قنوات الصرف الصحي بالشارع الرئيسي.
وختم رئيس البلدية حديثه بأن أبرز المشاكل التي تظل عالقة على مدار السنوات الأخيرة، قضية الأنقاب المائية وتراخيص حفر الآبار التي يطالب بها فلاحو المنطقة، وهو مطلب شرعي حسبه في ظل الجفاف الذي ضرب نشاطهم الفلاحي.
أحمد ذيب
المجاهد زرارة منصور أحد المسؤولين عن قوافل التسليح يكشف للنصر حقائق تنشر لأول مرة
مجاهدون اشتروا أسلحة تونسية استعملت في الحرب العالمية الثانية وهربوهـا للثورة
• بومدين وعلي منجلي أشرفا على استقبال شحنات الأسلحة المهربة عبر تونس
يروي المجاهد زرارة منصور المكنى "حنافي" للنصر قصته مع الكفاح المسلح والمراحل التي عمل بها في صفوف جيش التحرير من بداياتها وحتى تنقله لمصر مرورا بليبيا وتونس، أين أنشأت قواعد عسكرية جزائرية لتجميع السلاح وتهريبه ليلا وبسرية في قوافل للمجاهدين حتى قال فيهم عبد الحفيظ بوصوف "أنتم الحنفية التي تروي الثورة بالسلاح".
حاوره/ أحمد ذيب
زرارة منصور الذي انتخب رئيسا لبلدية عين البيضاء بأم البواقي بعد الاستقلال خلال العهدة الممتدة بين 1985 و 1989، تعجب لما يتم تناقله عن موضوع تسليح الثورة من أطراف لم تشارك فيه بالنظر – كما قال- لكون الأمر جرى في سرية تامة ولا تعلم بتفاصيله إلا ثلة قليلة.
زرارة منصور من مواليد العاشر من شهر أفريل من سنة 1935 بعين البيضاء كانت بدايته الأولى مع الثورة شهر ماي من سنة 1955 عندما حلت بعثة من مجاهدي الأوراس بـ"فيرمة" عائلته ببلدية الزرق.
البعثة المشكلة من 8 مجاهدين قدمت بمعية المجاهد إبراهيم دلفي من عين البيضاء في سرية متوجهة لأشخاص معينين تم الاستعلام حولهم والتأكد بأنهم مستعدون لتقديم دعم للثورة، أين سألت البعثة الأسماء التي حددتها حول ما إذا سمع أصحابها بالثورة أو لا، وكانت حينئذ قد مرت فترة 8 أشهر من انطلاق أول رصاصة.
ويكشف محدثنا بأن بعثة الأوراس أقنعته إلى جانب المجاهدين الشادلي من بريش وزيناي مرزوق من واد نيني بالعمل على جمع المؤونة والاشتراكات المالية من المواطنين لتمنح الأموال والمؤونة للمجاهد إبراهيم دلفي المسؤول عن المنطقة المحددة من متوسة بخنشلة وحتى مداوروش بسوق أهراس، على أن تمنح بعثة الأوراس عن طريق المجاهد نفسه المسؤول عن المنطقة رسائل تحذيرية للمجاهدين الثلاثة الذين تم تحديدهم قصد تبليغها لمواطنين يتعاملون مع فرنسا الاستعمارية والذين يوصفون بـ"الخونة".
جزائريون عملوا كشرطة لصالح فرنسا قدموا دعما كبيرا للمجاهدين
ويكشف المجاهد زرارة حنافي في معرض حديثه، بأنه وفي شهر مارس من سنة 1956 وشي به لفرنسا، الأمر الذي دفع بمسؤولي ناحية الأوراس إلى دعوته إلى التوجه لولاية تبسة الحدودية بعد أن اكتشف أمره، ليفر لتبسة في وضح النهار خوفا من ردة فعل قوية للعدو.
المتحدث ذاته أضاف بأنه ولحظة وصوله لتبسة تعرف على شرطيين يعملون لصالح فرنسا وينحدرون من عين البيضاء بأم البواقي، ومنهم المسمى حمودي بوتيجاج ونزار وثالث لم يتذكر اسمه، وهم الثلاثة الذين تكفلوا بإيوائه لليلة واحدة، ويضيف المجاهد حنافي بأن بعض شرطة فرنسا من الجزائريين دعموا الثورة بالمعلومات وأحيانا بالسلاح وكذلك بالتستر على أسماء المجاهدين.
المجاهد حنافي وبحسب ما يرويه عن نفسه توجه للحدود التونسية وصولا لمنطقة رأس العيون الحدودية مرورا بجبل سيدي أحمد، ليكلف بعدها رفقة مجاهد من مداوروش بسوق أهراس بالتوجه لتونس واستقدام أسلحة من هناك.
تهريب أسلحة بعد شرائها من تونسيون شاركوا في الحرب العالمية الثانية
توجه المجاهد حنافي سنة 1956 بمعية رفيقه لتونس أين جرى التنسيق مع المجاهدين التونسيين الذين شاركوا في الحرب العالمية الثانية قصد تسهيل مهتهم بالتوجه صوب كل من شارك في هاته الأخيرة أو أحد أفراد عائلته لشراء السلاح الذي بحوزته، وهو ما تم بعدها، حيث يتفاوض المجاهدون التونسيون مع رفاقهم لبيع قطع الأسلحة فيما يقوم المجاهدان الجزائريان بدفع المبلغ المتفق عليه.
ويضيف المجاهد حنافي بأنه نجح رفقة زميله في شراء كميات كبيرة من الأسلحة من أنواع مختلفة سواء إيطالية الصنع على غرار ما يطلق عليه اسم "ستاتي" ويعني سلاح بست خراطيش، أو فرنسية الصنع على غرار "مات 49" و"قارا" و"الثموني" أي ذات ثماني خراطيش، لتنقل بعدها الأسلحة في قوافل للحدود التونسية ويتكفل مجاهدون هناك بنقلها لجيش التحرير.
تونسيون وليبيون ومصريون قدّمـوا دعما كبيرا للثورة
مع بداية سنة 1958 عيّن المجاهد حنافي في منصب رئيس فرع تموين الأسلحة انطلاقا من مصر وصولا إلى الحدود الجزائرية، وذلك تحت مسؤولية كل من المجاهدين بن طوبال وعمران ومحمد الشريف وبن عودة، وبحسب محدثنا فقد تكفل رفقة المجاهدين بلقاسم من عين كرشة وصالح السوفي من سدراته والنقيب قدور من معسكر بتهريب السلاح من مصر وليبيا عبر الحدود التونسية للجزائر، وذلك بعد أن عين كل واحد من الأسماء الثلاثة على رأس كل قافلة.
وكان ميناء الاسكندرية شاهدا على تمكن جزائريي المهجر من جمع كميات كبيرة من الأسلحة وإرسالها في بواخر ناحية مصر بعد أن غيرت وجهة التموين البحرية بالسلاح بعد حادثة حجز السفينة القادمة لميناء المغرب.
الأسلحة التي تستقدم لمصر ومن خلال ما يرويه محدثنا يتم إنزالها من البواخر من طرف الجيش المصري وهو الذي يحملها بعد ذلك في عربات القطار أو في شاحنات لينقل على مسافة 300 كلم باتجاه ثكنة مرسى مطروح التي حولت لقاعدة عسكرية جزائرية، ليحول بعدها السلاح وبسرية ناحية "فيرمة" ليبية اشتراها جيش التحرير في منطقة تبعد بـ17 كلم على طرابلس، وبمساعدة ضباط ليبيين تنقل الأسلحة من منطقة السلوم حتى الحدود التونسية.
ويكشف المجاهد حنافي بأن ثكنات ليبية عسكرية حولت لمخازن واسعة لتجميع الأسلحة وتبقى هناك لفترة وجيزة في انتظار أن تحرر السلطات التونسية ترخيصا لاستقدام القوافل للمناطق الحدودية.
بومدين وعلي منجلي أشرفا على استقبال شحنات من السلاح
ويكشف المجاهد زرارة حنافي بأن المجاهدين بومدين وعلي منجلي، إضافة إلى المجاهد المعروف باسم أحمد "القايد" أشرفوا بأنفسهم على استقبال شحنات السلاح المستقدم عبر مصر وليبيا والمهرب عبر الحدود التونسية، ويذكر محدثنا أن بومدين اشترى من ماله الخاص 2 كلغ من اللحم المفروم وطالب بطبخه وتقديمه كوجبة لرؤساء القوافل المستقدمة للسلاح.
وفي المقابل يكشف المجاهد زرارة، بأن السلطات التونسية رفضت الترخيص بتمرير أسلحة روسية للثورة وأصرت على مراقبة الشحنات المهربة مع بداية سنة 1959 وحتى سنة 1960 تزامنا مع توقيع الحكومة الجزائرية المؤقتة لاتفاقية مع روسيا بتموينها بالأسلحة، ويشرف على مراقبة الأسلحة المهربة رئيس دائرة منطقة مدنين ونقيب في الدرك التونسي.
ومن الجانب الجزائري، فإن كل الوثائق المتعلقة بعملية التسليح كان يؤشر عليها المجاهد بوصوف في وزارة الثورة التي أسسها بتونس ويتواجد مقرها بمحاذاة شارع محمد الخامس بمنطقة "بلفودال"، وفي حال غيابه يتولى التأشير إما خليفة لعروسي من واد سوف أو عمار بن وعودة، أما التنظيم الإداري للوزارة في الدول الثلاث التي عرفت إنشاء قواعد لتسليح الثورة فيتولى شؤونها كل من مصطفى بوعكاز في مصر وعمر حداد في ليبيا.
قيادة الثورة أصرت على انضمام التوارق لها ودعمتهم بشحنات من الأسلحة
يذكر محدثنا الذي بدت عليه ملامح الإرهاق والتعب بأنه وقبل سنة 1957 أصرت قيادة الثورة على إشراك التوارق وسكان الصحراء في الكفاح ضد الاحتلال الفرنسي، وفي هذا المجال يكشف المجاهد زرارة بأنه توجه رفقة عدد من المجاهدين للصحراء الجزائرية عن طريق ليبيا قاطعين مسافة تزيد عن 1500 كلم من أجل ذلك، وتوجهوا للصحراء محملين بشحنات من الأسلحة على متن 4 سيارات "جيب ألمانية" وشاحنتين.
غير أنهم اصطدموا بعد محاورتهم للتوارق برفض عدد قليل فكرة المشاركة في الثورة بحجة أن الدبابة والطائرة الفرنسية لا تقابلها إلا دبابة وطائرة، فيما أبدى عدد كبير من التوارق مشاركتهم وتلقوا تدريبا عن كيفية استعمال السلاح طيلة 11 شهرا كاملة.
العراق دعم الثورة بسلاح أمريكي والسعودية والكويت دعماها ماديا
رئيس فرع التموين بالسلاح فضل في ختام حديثنا معه التأكيد على شهادة نقلها له المجاهد أحمد يزيد وهو أن العراق بقيادته في تلك الفترة دعم الثورة بنحو ملياري سنتيم وبسلاح أمريكي من نوع "بازوكا"، أين أرسل طائرة لمطار بنغازي بليبيا محملة بالسلاح والأموال، فيما أرسل شحنات من الأغطية والتمر عبر البواخر، أما السعودية فدعمت الثورة بسيارات إسعاف و10 مركبات "جيب" ومبالغ مالية إضافة إلى أموال رصدتها كذلك دولة الكويت.
كرونولوجيا
1955 /1956: انطلق المجاهد زرارة منصور بالعمل المسلح في صفوف جيش التحرير الوطني.
1956: كلف بشراء الأسلحة من المواطنين التونسيين.
1956 /1957: رقي إلى منصب نائب مقتصد تحت مسؤولية عبد الله بلهوشات والحاج حمدي علي وصالح شوافي في الولاية الأولى بتاجروين التونسية.
1957 /1958: تقلّد رتبة ملازم في الولاية السادسة تحت إمرة سعيدي الجموعي ورزقي الحاج وعلي شوافي.
1958 /1959: عين في منصب رئيس فرع تموين الأسلحة انطلاقا من مصر إلى الحدود الجزائرية تحت مسؤولية بن طوبال، وعمران، ومحمد الشريف، وبن عودة.
معارك شارك فيها
معركة بجبل الهقار سنة 1957.
معرجة بجبل الإيدوغ بالولاية الثانية على الحدود التونسية بمنطقة غارديماو.
معركة بمنطقة سيدي أحمد بالولاية الأولى على الحدود التونسية.
معركة تيناكوم بالولاية السادسة.
المجاهد معمر مدان أحد المحكوم عليهم بالإعدام يروي بعض جرائم المستعمر للنصر
السفاح "لقايار" كان يعذب المجاهدين ويرمي جثثهم في بئر بمركز وادي العلايق
يروي المجاهد معمر مدان، أحد المحكوم عليهم بالإعدام بولاية البليدة قصص التعذيب التي مارستها فرنسا، ومختلف الأساليب الوحشية التي كان يستخدمها الجيش الاستعماري من أجل نزع اعترافات من طرف المجاهدين المقبوض عليهم أو ذويهم، ومن أهم قصص التعذيب التي لا تزال حية في ذاكرته هي مقابلته مع والدة أحد المجاهدين بالبليدة و هي عارية وتعذيبها أمام عينيه من أجل أن تنتزع منه اعترافات، بالإضافة إلى قتل المجاهدين المقبوض عليهم ورميهم داخل بئر بوادي العلايق من طرف السفاح «لقايار»، إلى جانب عدة مشاهد أخرى من قصص التعذيب التي كان يستخدمها الجيش الفرنسي التي يرويها هذا المجاهد في حديثه للنصر.
ويقول عمي معمر بأن التحاقه بالثورة كان في 19 ماي 1956 استجابة لنداء جبهة التحرير الوطني للطلبة الجزائريين المتضمن دعوة للالتحاق بالجبال، ويضيف بأنه كان من ضمن 16 طالبا جزائريا يتمدرسون في المدارس الفرنسية مع الفرنسيين بمدينة البليدة في المرحلة الابتدائية وبعد المرور إلى المرحلة الاكمالية بقي 06 طلبة فقط وكان عمي معمر من بين هؤلاء الستة، ويقول بأنه كانت لديهم رغبة ملحة في العلم اعتقادا منهم بأنه لا مخرج لهم في هذه الحياة والانتصار على الفرنسيين إلا بالعلم خاصة وأن سياسة فرنسا التي كانت تنتهجها ضد الجزائر مبنية على التجويع والتبعية، وأشار في هذا الإطار إلى أن الإدارة الفرنسية كانت لا تسمح للجزائريين بالعمل باستمرار في ورشاتها ومصانعها وحقولها، بحيث على سبيل المثال من يعمل اليوم يحرم من العمل غدا بحجة السماح لآخرين من أجل العمل، لكن ذلك كان ضمن سياسة التجويع التي انتهجتها، وهذا الأسلوب يضيف بأنه أثر في نفوسهم وزاد من عزيمتهم على التعلم وصنع النصر للجزائر.
ويضيف المجاهد مدان بأنه بعد سماعهم لنداء جبهة التحرير الوطني الموجه للطلبة الجزائريين تنقل مجموعة من الطلبة من جامعة الجزائر إلى البليدة من أجل ترتيب الأمر ووجدوا فيهم الجاهزية الكاملة لذلك، كما استشاروا في ذلك معلمهم في اللغة العربية المدعو الساسي حول موضوع الالتحاق بالثورة وترك مقاعد الدراسة، فكان رده قائلا بأن الرجل لا يستشير في أمر الخير، وفهموا من كلامه ضمنيا بأنه يدعمهم دون أن يعلن ذلك مباشرة خوفا على حياته، خاصة وأن الإدارة الفرنسية كانت لها عيونها في كل مكان لنقل الأخبار لها. ويضيف المجاهد معمر مدان بأنه بعد إعلان جبهة التحرير الوطني للطلبة الجزائريين كانوا 08 طلبة بمدينة البليدة يبحثون عن وسيلة للصعود إلى الجبل، في حين لم يجدوا بمنطقة البليدة من يحتضنهم من المجاهدين بعد أن رأوا فيهم أنهم لا يزالون أطفالا صغارا في السن، بحيث أعمارهم كانت لا تتجاوز 16 سنة، وهنا قرر هؤلاء الطلبة الذهاب إلى منطقة القبائل ورتب لهم أحد الأشخاص موعدا هناك في أحد المقاهي لمقابلة المجاهدين والالتحاق بهم، وهو ما حدث بحيث مكثوا معهم 15 يوما في تلك المقهى لكن بعد طول الفترة انتابهم القلق من وضعهم وطلبوا من المجاهدين تنفيذ عمليات ضد الفرنسيين أو الصعود معهم للجبل، وفي تلك الأثناء يضيف المجاهد مدان قائلا بأنه طلب منهم العودة إلى البليدة وأرسلوا معهم رسالة إلى المجاهدين بهذه المنطقة من أجل الموافقة على الالتحاق بهم، وعند عودتهم التقوا بالمدعو عابد وهو مسؤول الفدائيين، وهذا الأخير رتب لهم لقاء مع المجاهدين في مسجد سيدي الكبير وذلك في شهر جويلة1956 وطلبوا منهم تنفيذ عمليات من أجل الالتحاق بهم فوافق هؤلاء الشبان على ذلك، وهنا تبادرت في أذهانهم أحد حقول البرتقال بحي الدويرات الذي تحول إلى ملعب كرة قدم للفرنسيين، ودخلوا للعب معهم من أجل سرقة ملابسهم وفي تلك الأثناء قاموا بترصدهم ويضيف مدان بأنه عندما اقترب من ملابس أحد العساكر الفرنسيين ليأخذها وجد مسدس 09 ملم، أخذه دون أن يتفطن له صاحبه وعاد بعدها إلى المدعو خالد عابد وطلب منه أن يوافق على التحاقه بالجبل بعد نجاحه في الاستحواذ على هذا المسدس، وهنا وافق على طلبه ونصحه بعدم المبيت في منزله واقترح عليه عدة منازل أخرى للمبيت فيها حتى لا يتفطن له الجيش الاستعماري.
أساليب تعذيب بشعة ضد المجاهدين المقبوض عليهم
يروي لنا المجاهد معمر مدان أحد المحكوم عليهم بالإعدام قصة القبض عليه رفقة اثنين آخرين من المجاهدين في اشتباك مسلح بطريق الشريعة، وكيف تعرض لأبشع أنواع التعذيب بمركز وادي العلايق على يد السفاح لقايار، ويقول بأنه عندما قبل القبض عليه أخفى المسدس الذي كان بحوزته في شجرة لأنه لم يكن بحوزته سوى رصاصتين فقط، و يضيف بأنه تم توقيفه على يد السفاح لقايار الذي مارس أبشع أنواع التعذيب ضد الجزائريين بوادي العلايق، وبعدها حول إلى مصنع الصابون وعذب عذابا شديدا بعد أن تأكد الجيش الفرنسي بأنه هو من أخذ مسدس المعمر الفرنسي من المكان الذي كان يلعب فيه الفرنسيون كرة القدم بالدويرات، وحول بعدها إلى وادي العلايق وهنا قابل أحد المجاهدين الذين تم القبض عليهم وهو المدعو موسى بن عميروش بحيث استسلم تحت التعذيب واعترف بكل شيئ وأصبح عميلا للإدارة الفرنسية وينقل الجيش الاستعماري إلى مراكز المجاهدين، ويقول المجاهد مدان بأنه مكث في هذا المكان 11 يوما وفي كل يوم كان يخضع لعذاب شديد محاولين نزع اعترافات منه لكن كل يوم يقول مدان بأنه كان يدل الجنود الفرنسيين على أماكن خاطئة، وأشار في هذا الإطار إلى أن المجرم لقايار الذي كان يشرف على مركز وادي العلايق عذب الجزائريين بأبشع أنواع التعذيب وبعد قتلهم تحت التعذيب كان يقوم برمي جثثهم داخل البئر.
كما يروي لنا عمي معمر قصة فراره من مركز التعذيب بوادي العلايق وكيف ساعده العميل للجيش الفرنسي بن عميروش، ويقول بأن عملية الفرار تمت بينما خرج العسكر في عملية ولم يبق سوى جندي واحد للحراسة و بن عميروش، وفي ذلك اليوم نصحه هذا الأخير بالاعتراف بكل شيء للنجاة بحياته، قبل أن يخبره بأنه في مساء تلك الليلة سيعدم ،وفي دردشة مع العميل قال المجاهد مدان لبن عميروش بأنه يفضل الموت بالرصاص على أن يرمى داخل البئر كما هو حال الكثيرين ممن عذبوا ثم رميت جثثهم داخل البئر، وفي البداية رفض وبعد أخذ ورد معه اقتنع بالفكرة وعرض عليه المجاهد مدان أن يتقدم في مشهد يحاول فيه الفرار فوق جدار الثكنة ثم يطلق علي وابلا من الرصاص ليسقط قتيلا، وعندما يستفسر الفرنسيون عن ذلك يكون رده بأن السجين فتح له الباب لقضاء حاجته لكنه حاول الفرار وأطلقت عليه النار، وما حدث هو أنه عندما قفز مدان فوق الجدار أطلق بن عميروش وابلا من الرصاص في الهواء ولم يوجهه نحوه، وتمكن بذلك من النجاة والفرار، ويضيف المجاهد بأن هذه الشهادة قالها في حق بن عميروش بعد الاستقلال، وتوجه بعدها مدان نحو حي الدوريات بمدينة البليدة ومن هذا المكان عاد إلى الجبل ونقله المجاهدون إلى المدية للعلاج.
العمل الفدائي في المدن أرعب الفرنسيين ووصلنا إلى تنفيذ 11 عملية في اليوم الواحد
يقول عمي معمر بأنه في أواخر سنة 1957كثف المجاهدون بضواحي المتيجة العمليات ضد الفرنسيين ووصلت في اليوم الواحد إلى 11 عملية، وأوضح في هذا الإطار، بأن العمل الفدائي في المدن أرعب الفرنسيين وشكل خطورة كبيرة عليهم، بحيث لجأ الجيش الاستعماري إلى تخفيف الخناق على الجبال والتركيز بشكل أكبر على حماية المدن نظرا للعمليات الفدائية العديدة التي نفذت والخسائر الكبيرة التي تكبدها المستعمر.
كما روى لنا عمي معمر عملية القبض الثانية عليه، وقال بأن ذلك تم في حصار وقع بحي الدويرات، بحيث بعد دخوله مع مجاهدين اثنين آخرين إلى الحي، وصلت معلومات للجيش الفرنسي بوجودهم، وهنا أحكم حصاره على الحي وأغلق كل منافذه حتى لا يتمكنوا من الفرار، واتفق عمي معمر مع زميليه الآخرين على التفرق وكل واحد يأخذ اتجاها، وهو ما حدث بالفعل لكن لم يفلحوا في الخروج واشتبكوا مع العساكر إلى أن أطلق آخر رصاصة من مسدسه وتم توقيفه، وحول بعدها إلى حوش «شنو»، وروى لنا بهذا المكان أبشع أنواع التعذيب التي تعرض لها من طرف الجيش الفرنسي، وأشار إلى أنه مكث في هذا المكان 90 يوما في غرفة مظلمة لا يفرق فيها بين الليل من النهار ، ومن بين أساليب التعذيب التي استعملت ضده تقييده من القدمين ورفعه إلى سقف الغرفة على أن يكون الرأس نحو الأسفل والقدمين إلى الأعلى، وفي أسفل القاعة يوجد حوض مائي، أين يوضع رأسه داخل الماء، كما عذب المجاهد مدان بالكهرباء التي كانت توضع في الأذنين والأعضاء التناسلية، و يؤكد نفس المتحدث بأن هذه المشاهد من أساليب التعذيب كانت تمارسها فرنسا على كل المجاهدين المقبوض عليه من أجل انتزاع اعترافات منهم.
والدة أحد المجاهدين عذبت عارية أمامي لينتزعوا اعترافات مني
كما يؤكد لنا مدان بأن بهذا المكان لا يزال مشهد راسخ في ذهنه ولن يفارقه مدى حياته، ويشير إلى أن إدارة الجيش الفرنسي بعد أن عجزت على انتزاع اعترافات منه بالتعذيب لجأت إلى أسلوب آخر، بحيث أحضروا والدة مسوؤل الفدائيين المسمى عابد و عذبها الفرنسيون عذابا شديدا بالكهرباء وهي عارية أمام عينيه حتى ينتزعوا منه اعترافات حقيقية بعد أن تأكدوا بأن كل الاعترافات والأماكن التي أخذهم إليها غير صحيحة، ويضيف عمي معمر بأنه حاول أن يضع يديه على عينيه لكي لا يرى أم رفيقه عارية وهي تعذب أمامه ، لكن تم ضربه وتقييد يديه إلى الخلف، ويضيف بأنه في هذه الأثناء لم يتحمل أكثر واعترف ببعض الحقائق، ليحول بعدها إلى سجن البليدة أين مكث لمدة عام ثم حول إلى سجن سركاجي وأحيل على المحكمة العسكرية أين صدر في حقه حكم الإعدام، وقال بأنهم كانوا يعيشون ظروفا جد قاسية بالسجن في غرفة من 20 مترا يتواجد فيها 100 سجين و لا يستطيعون حتى النوم، إلى جانب الأفرشة القديمة التي تعود للحرب العالمية الثانية، أما الطعام فقد كان يقدم لهم خليط بين العدس والحجر لا يستطيعون هضمه، مضيفا بأن سلاحهم في السجن كان يتمثل في الإضراب عن الطعام لانتزاع بعض الحقوق، وبعد صدور حكم الإعدام في حقه حول عمي معمر إلى زنزانة المحكوم عليهم بالإعدام وكل يوم يتقدم الفرنسيون من الزنزانات مع طلوع الفجر لتنفيذ حكم الإعدام في أحد المحكوم عليهم ومع طلوع فجر كل يوم كان كل سجين يظن بأن دوره قد حان، و يروي لنا في هذا السياق المجاهد مدان قصة أحد الشهداء من منطقة القبائل الذي أحس بليلة تنفيذ الحكم بالإعدام بحقه، وطلب منه في تلك الليلة أن يقرأ له القرآن كونه كان بمحاذاته في الزنزانة المقابلة له، ويضيف عمي معمر بأنه وبالرغم من محاولته رفع معنوياته والتأكيد له بأن دوره لا يزال بعيدا، لكنه كان يؤكد له على أن دوره قد حان وهو ما حدث بالفعل، بحيث في تلك الليلة نفذ الإعدام بحقه، وكان آخر كلامه هو أنه طلب من عمي معمر في حالة بقائهم على قيد الحياة أن يحافظوا على الوطن ويضمنوا العيش الكريم للأجيال القادمة خاصة وأنه حين تم القبض عليه ترك زوجته حاملا ولم يكتب له القدر أن يرى إبنه.
نورالدين-ع
المجاهد الحاج يوسف بلقاسمي من الولاية التاريخية الثالثة
والدتي تعرضت لكل أنواع التعذيب و قطع لسانها و اقتلع شعر رأسها بوحشية
يُعتبر المجاهد الحاج يوسف بلقاسمي واحدا من بين المجاهدين الذين تشبعوا بالروح الوطنية منذ نعومة أظافره، شارك في العديد من المعارك والاشتباكات مع العدو و عانق الموت عدة مرات إلا انه نجا بأعجوبة. رغم صغر سنه. تعلّم ما تيسر من القرآن الكريم في زاوية العلامة أحمد بن إدريس الواقعة بمرتفعات بلدية إيلولة اومالو وحُرم من مواصلة التعليم ككل الجزائريين ليلتحق بالثورة.
قال الحاج يوسف في حديثه للنصر، أن فرنسا الإستعمارية ارتكبت جرائم كثيرة في الولاية التاريخية الثالثة ولم تستثن سكان قريته آيت سيدي عثمان ببلدية آث واسيف جنوب تيزي وزو، حتى عائلته ذاقت مرارة التعذيب حيث قام جنود فرنسا بتوقيف والدته في العديد من المرات ومارسوا عليها كل أنواع التعذيب دون رحمة أو شفقة و قطع لسانها و اقتلع شعر رأسها بوحشية لا مثيل لها، حتى أصبحت تعاني من اضطرابات في الذاكرة واستشهدت بعد الوشاية بها، حتى أخته الكبرى توفيت بسبب تمادي المستعمر في تعذيبها.
التحاقه بالثورة كان سنة 1956 وعمره لم يكن يتجاوز 20 سنة، وكان قبلها مناضلا ، وقال محدثنا أنه قبل اندلاع الثورة كان في منطقة خميستي بولاية تيسمسيلت أين يتواجد قريب له كان يبعثه كل أسبوع إلى شلالة ليشتري له جريدة "الجزائر الحرة" وكان عمره آنذاك تسع سنوات إلا أنه كان يتمتع بالشجاعة والذكاء، كان يحمل قفة الجرائد و يُغطيها بالخضر حتى لا يتفطن العدو لأمره، ويضيف " أدركت المعنى الحقيقي للوطن والتنظيمات السياسية مثل حركة إنتصار الحريات الديمقراطية ومعنى حزب الشعب الجزائري عن طريق قريبي، الذي تم توقيفه فيما بعد وحكم عليه بـ 20 سنة أعمال شاقة وهو في سن الـ 14 إلا أنه بعد الطعن في الحكم ، حكم عليه بعامين حبسا، وبعد خروجه من السجن عاد إلى مسقط رأسه واستمر في نشاطه الثوري قبل أن يستشهد في منطقة زبربر بالولاية التاريخية الرابعة.
تنقل الحاج يوسف إلى منطقة مايو للعمل، ولم يمكث هناك طويلا حتى عاد إلى قريته التي وجدها انقلبت رأسا على عقب ، شرد المستعمر العائلات وأحرق منازل السكان . ويتذكر الحاج يوسف تاريخ 21 فيفري 1955 عندما تم الوشاية بأخيه شيخ محفوظ الذي يعتبر من الشهداء الأوائل بالمنطقة، وهاجم المستعمر قريته واستولى على الأسلحة و طوق المنطقة وقام بتفتيش بيته وبعثرة ما فيه وعبثوا بأغراض عائلته ونهبوا ما وقعت عليه عيونهم وأيديهم، وكان العقيد عميروش قد وصل إلى القرية على الثانية صباحا ولم تعلم فرنسا بذلك وكان مختبئا داخل البيت وعندما حاولت فرنسا فتح البيت قال له والد الحاج يوسف أن أهله غير موجودين ولم يدركوا بأن عميروش ورفاقه كانوا بداخله.
في سنة 1956 انتقل الحاج يوسف إلى ولاية غليزان المنطقة التاريخية الخامسة و كان على اتصال مع احد المجاهدين الذي ساعده على الالتحاق بالثوار و الصعود إلى الجبل ، شارك في العديد من المعارك وعمره لم يكن يتجاوز 20 سنة، أول كمين نصبه رفقة المجاهدين كان في منطقة " عمي موسى" تشابكوا مع جنود فرنسا الذين هزموهم وغنموا أسلحتهم. ويروي الحاج يوسف أنه عندما حاصرهم المستعمر في صيف سنة 1957 بجبال منور بالطائرات في حدود الرابعة صباحا لم يتمكنوا من الإفلات منهم بسبب العدد الهائل للجنود، و دخلوا معهم في اشتباكات عنيفة إمتدت من الثامنة إلى ساعات متأخرة من الليل سقط خلالها أكثر من 100 شهيد ونجا أقل من 70 مجاهدا.
في ماي 1958 قرر الحاج يوسف العودة إلى قريته لزيارة عائلته وقال "وصلت في شهر جويلية إلا أنني لم أتمكن من رؤية العائلة لأن العدو كان منتشرا في كل مكان"، ويتذكر محدثنا عندما وصل إلى منطقة ثلا قيلاف كاد أن يفقد حياته بسبب سيجارة، وقال "لم أكن أعلم بأن التدخين كان ممنوعا في الولاية التاريخية الثالثة، وعندما شاهدني أحدهم أدخن، قال صائحا "اعتقلوا هذا الخبيث" وأضاف "إنتابني الخوف ولكنني نجوت من الموت بعد تدخل المدعو "علي موح نعلي" مسؤول المنطقة بعد أن تحقق من هويتي، وتأكد بأنني مجاهد وقال له رئيس الكتيبة بالولاية الرابعة الذي جئت معه من مركز القيادة للولاية الخامسة بأنني مجاهد وشاركت معهم في كل المعارك بالولاية، وبعدها أرسلني إلى منطقة أكفادو وواصل طريقه إلى غاية المركز وهناك التقى مع العقيد عميروش آيت حمودة. أكبر معركة شارك فيها الحاج يوسف كانت في منطقة "تملاحت" دامت أربعة أيام و كانت بقيادة المجاهدين "اعميرة" و"سي محمد زرنوح" وقال بخصوصها " أربعة أيام ونحن في اشتباك مع جنود فرنسا وكانت المشادات عنيفة ، كانت فرنسا تمطرنا بالمدافع و تحاصرنا من جميع الجهات، وكانت الطائرات تقصفنا بعنف ولم نفقد الكثير من المجاهدين، وقد استطعنا أن نلحق بالعدو خسائر ونوقف زحفه، وتمكنا من اختراق صفوفه والانفلات من بين مخالبه ".
واصل محدثنا العمل المسلح بالولاية التاريخية الثالثة . وفي طريقه مع المجاهدين مع الفيلق إلى الولاية الأولى جاءهم العقيد عميروش آيت حمودة ليلقي عليهم خطابا وكان ذلك على حافة غابة تملاحت المقابلة لمدينة المسيلة حاليا بالمكان المسمى "النمري" . و واصل الحاج حديثه عن العقيد عميروش قائلا "بعدها سلّم علينا و ضرب لنا موعدا في منطقة النمامشة بالولاية التاريخية الأولى، إلا أن العقيد عميروش استشهد بعد ستة أيام من افتراقه معنا".
و شارك المجاهد الحاج يوسف في مختلف العمليات الحربية ولم يتمكن العدو من القبض عليه إلى أن استقلت الجزائر، حيث انخرط مباشرة في صفوف الدرك الوطني إلى غاية إحالته على التقاعد سنة 1981.
سامية إخليف
شهادات عن أساليب التعذيب بأولاد أحبابة
المعتقلون كانوا يتبولون فوق بعضهم وعساكر فرنسا كانوا يجبرونهم على حفر قبورهم بأيديهم
يرجع بنا المجاهد حفايظية بوجمعة المدعو "الشينوي" من أولاد أحبابة بولاية سكيكدة إلى حقبة من تاريخ الثورة التحريرية ليروي مختلف أشكال التعذيب الذي مارسه المستعمر الفرنسي بمركز التعذيب المتواجد حاليا بمنطقة بوصنيب والذي شيّد في 1954. وأكد محدثنا بأن الجيش الاستعماري كان يقوم بتحويل العشرات من المجاهدين وأبناء الشعب من مختلف نواحي المنطقة داخل المركز في ظروف اقامة سيئة وسط الأوساخ، حيث كان يتم وضعهم في بيوت ضيقة لا تتوفر على أدنى شروط الحياة لدرجة أن المعتقلين كان يتعذر عليهم قضاء حاجاتهم البيولوجية وكانوا يتبولون فوق بعضهم البعض، لتأتي عملية التعذيب عن طريق ربطهم وتقييدهم بالأسلاك الحادة على مستوى اليدين والأرجل في شكل حلقة، ثم يقومون بتدويرهم ووضعهم في براميل من الماء الممزوج بالصابون ثم يتم كيهم بالكهرباء من أجل الحصول على اعترافات حول تحركات المجاهدين ومراكز تواجدهم، ومن يرفض يتم قتله ورميه بشعبة "عين تيطري" لدرجة أن مياهها كانت ممزوجة بلون أحمر حتى اعتقد الناس آنذاك بأنها دماء الشهداء وكان من يعترف تحت التعذيب يقومون بإطلاق سراحه. وفي حالات كثيرة كان العساكر يجبرون المعتقلين على حفر قبورهم بأيديهم والناجي الوحيد كان المسمى عقبة الشمس، الذي تمكن من الفرار بمساعدة سينيغالي.
وعاد بنا المجاهد حفايظية ليروى أن ثلاثة مواطنين ألقي عليهم القبض وهم الحاج العقون، عمار الوالي، يعد مبروك، بعدما تم ضبطهم رفقة مجاهدين، حيث تعرضوا إلى عمليات تعذيب فظيعة مما اضطر امرأة تسمى مسعودة على علاقة وطيدة مع قائد للجيش الفرنسي يسمى "دوماك" إلى التدخل ليطلق سراحهم.
وغير بعيد عن مركز التعذيب هذا، قامت فرنسا بقتل الطيب حفايظية بوابل من 150 رصاصة، وكان ذلك في 1958، وتنقلنا بعدها إلى الحدود المتاخمة مع ولاية قالمة، حيث دلنا عمي بوجمعة على مكان كانت فرنسا تمارس فيه التقتيل الجماعي بمكان يسمى التويرة حيث أعدمت 48 مواطنا وأبادتهم بطريقة جماعية دون أية شفقة وكان ذلك سنة 1957.
كمال واسطة
المجاهد محمد دلندي صانع ومصلح أسلحة المجاهدين بالأوراس للنصر
كنت أصنع أسلحة نارية بوسـائل بسيطة و تسمية «سيسبان» أنقذتني مـن قبضة الاستعمـار
لعب المجاهد محمد دلندي المعروف بتسمية سيسبان لعب دور جندي الخفاء بمنطقة الأوراس إبان الثورة التحريرية، بعد أن كان رفقة شقيقه الصالح (المتوفي قبل ثماني سنوات) يقومان بصنع وتركيب وتصنيع الأسلحة للمجاهدين لإتقانهما ذلك، وذلك بعد أن كانا يمارسان نشاط صنع وتصليح الأسلحة قبل اندلاع الثورة التحريرية.
ويروي لنا المجاهد سيسبان الذي تنقلنا إلى ورشته التي يمارس فيها إلى غاية يومنا نشاطه بأعالي جبال الأوراس ببلدية وادي الطاقة، كيف كان يقوم بصنع بنادق بوسائل بسيطة، وكيف أنقذته كنيته “سيسبان” التي اشتهر بها من الوقوع في أيدي الجنود الفرنسيين بعد أن كان محل بحث.
تعلمت الحرفة عن أخي وسخرناها معا لخدمة المجاهدين أثناء الثورة
لا يزال المجاهد محمد دلندي المعروف بتسمية سيسبان ببلدية وادي الطاقة (بوحمار) التي تبعد بنحو 35 كلم جنوب شرقي عاصمة الولاية باتنة، يمارس نشاطه في تصليح وتركيب أسلحة الصيد رغم تقدمه في السن، وهو المولود سنة 1932 بعد أن تعلم مهنته التي أحبَها حتى النخاع عن أخيه صالح الذي يكبره سنا وذلك منذ صغره.
ولم يكن يعلم سيسبان أن مهنته ستكون ذات أهمية إستراتيجية للمجاهدين بعد اندلاع الثورة بعد أن سخرها لخدمة الثورة النوفمبرية، مستجيبا لنداء واجب الوطن آنذاك، ولعب بذلك المجاهد سيسبان إبان الثورة التحريرية دور جندي الخفاء مثل الدور الذي يمارسه من يقف وراء الكاميرا في الإعلام، وهذا بعد أن كان سيسبان وشقيقه يقومان بصنع وتركيب وتصليح أسلحة المجاهدين التي يواجهون بها العدو في المعارك.
ويروي لنا سيسبان الذي تنقلنا إليه لورشته بمقر سكناه بأعالي وادي الطاقة، ذكرياته في العمل المسلح إبان الثورة التحريرية المجيدة، وكيفية التحاقه بها وذلك بداية سنة 1957، بعد أن لم يكن يعلم بأن ما يقوم به من عمل سيأتي يوم وتحتاجه الثورة التي ستندلع في الفاتح نوفمبر 54، وبخصوص مهنته التي تعلمها، قال لنا المجاهد بأنه أحب النشاط الذي كان يتعلمه من شقيقه صالح الذي يكبره بسبع سنوات بعد أن تعلم الأخير بدوره النشاط والحرفة من صانع ينحدر من منطقة القبائل كان يعيش بمنطقة وادي الطاقة، وهو الشخص الذي كان يزاول شقيقه الصالح عنده الحرفة منذ سنة 1944 ليلتحق سيسبان بشقيقه بالورشة سنة 1948، وأوضح محدثنا بأن الورشة تخضع لرقابة السلطات الفرنسية بترخيص من القايد آنذاك، وقال بأنه وبعد أن توفي صاحبها واصل شقيقه صالح ممارسة النشاط بعد توسطه لدى شقيق صاحب الورشة ليواصلا معا ممارسة تركيب وتصليح الأسلحة التي كان يقتصر نشاطها على بنادق الصيد.
وبعد اندلاع الثورة التحريرية في الفاتح نوفمبر 1954 بمنطقة الأوراس أوضح لنا المجاهد سيسبان بأن فرنسا باتت حذرة ومتخوفة من استمرار ممارستهما لنشاطهما في تركيب وتصليح البنادق فما كان منها إلا أن استدعت شقيقه صالح لتقوم بعد ذلك بنفيه إلى المسيلة دون إشعار عائلته في حين بقي هو بعيدا عن الأنظار إلى أن علم بأن شقيقه قد تمكن من الفرار من المنفى رفقة مجموعة من المنفيين وقد التحقوا بالمجاهدين في جبل بوطالب، وحينها وصله طلب بحاجة المجاهدين له في صنع وتركيب الأسلحة في ظل نقص الأسلحة والذخيرة لدى المجاهدين.
وأشار محدثنا إلى التحاقه بجبل بوطالب مع بداية سنة 1957 وكانت مهمته في بادئ الأمر تركيب وتصليح الأسلحة، وقال بأن قلة السلاح لدى المجاهدين جعلته وشقيقه يصنعان بنادق تقليدية بوسائل بسيطة وكانا يصنعان يوميا من ثلاث إلى أربع بنادق وأوضح بأنهما كانا يستعملان في ذلك خشب شجرة الجوز لصناعة أخمص البندقية في حين يستخدمان وسائل وأغراض قديمة لصناعة الماسورات وخراطيش ما يعرف بـ”بومسمار” وهي خراطيش تقليدية.
وأضاف المجاهد سيسبان في حديثه إلينا وهو يستحضر ذاكرته التي بدت أنها قوية، بأن فضلا كبيرا يعود أيضا للفدائيين الذين كانوا يقومون بعمل هام في جلب البقايا الحديدية والخردوات التي يمكن استخدامها في صنع وتركيب الأسلحة للمجاهدين، والتي كان يستعين بها هو وشقيقه في مهمتهما، وقال بأن نشاطه وشقيقه انتقل من صناعة وتركيب الأسلحة التقليدية في بادئ الأمر نظرا لنقص الأسلحة في ظل تضييق الاحتلال الفرنسي على مختلف العروش بانتزاع الأسلحة منهم إلى إصلاح الأسلحة المعطوبة وتركيب ما يتم تحصيله من سلاح وذخيرة بعد المعارك التي يخوضها المجاهدون ضد عساكر الاحتلال الفرنسي.
وهكذا كان دور المجاهد سيسبان أيضا يأتي بعد كل معركة عبر الناحية الممتدة من جبال الأوراس بمسقط رأسه بتاقصريت إلى جبل بوطالب تحت قيادة مجاهدين منهم حيحي المكي ، وطورش عبد الحفيظ والسعيد بوراضي، وبركان علي، الذين منهم من استشهد وكان دور سيسبان يأتي بعد المعارك أي بعد أن يتم تجميع الأسلحة التي يأتون بها إليه لصيانة وإصلاح المعطل منها مستخدما في ذلك وسائل بسيطة وتقليدية في مهمة لا يتقنها إلا هو وشقيقه مشيرا لتواجد مجاهد آخر ويتعلق الأمر ببورض محمد بمنطقة أريس الذي كان يختص في المتفجرات والتي كانت وراء استشهاده.
و من الطريف أن تشاء الأقدار أن تكون كنية المجاهد محمد دلندي بسيسبان سببا في نجاته وعدم وقوعه بين أيدي الجنود الفرنسيين، وهو ما أكده محدثنا، وقال بأن الكنية التي أطلقت عليه منذ ولادته بعد أن تبنت أخته الكبرى تربيته نسبة لأحد المحامين المعروفين آنذاك، كانت هي من نجَاه في عدة مرات من الوقوع في قبضة الفرنسيين كونه كان محل بحث تحت تسمية سيسبان التي يعرف بها وهذا بعد أن أوشي بأمره غير أن وثائقه تحمل اسمه الحقيقي محمد دلندي وهو ما لم يُتح لجنود فرنسيين أثناء مراقبة وثائقه من التعرف عليه.
وأضاف المجاهد سيسبان بأنه قُدر له أن يعيش الاستقلال بعد أن ظل خلال سنوات الثورة التحريرية متسللا بين جبال الأوراس وجبل بوطالب يقوم بمهمته في تصليح وتركيب الأسلحة للمجاهدين دون أن يتمكن جنود الاحتلال من إلقاء القبض عليه كونه كان أيضا يعرف المنطقة جيدا ويحفظها على حد قوله بمسالكها حجرا حجرا وبكافة تضاريسها وهو ما دوخ –يضيف- الاستعمار الفرنسي في الوصول إلى المجاهدين بالمنطقة.
وقد تركنا المجاهد محمد دلندي المعروف بسيسبان والابتسامة لم تفارقه داخل ورشته التي يرتاح بداخلها حيث لا يزال يمارس نشاطه الذي يسري في دمه رفقة ابنه في منطقة يعد فيها استخدام الأسلحة التقليدية والبارود رمزا من رموز تراثها حتى أن المجاهد سيسبان ذاع صيته عبر كامل القطر الوطني ويقصده زبائن من مختلف ولايات الوطن لتصليح الأسلحة المرخصة.
أجرى اللقاء: يـاسين عبوبو
المجاهد سعيد سعود المدعو "لوتشكيس"
العقيد عميروش تعرض إلى مؤامرة و خيانة يوم استشهاده بجبل ثامر
يعود بنا المجاهد و الرائد سعيد سعود المدعو «لوتشكيس»، في حديث للنصر، لسرد جزء من شهادته عن الثورة التحريرية، إلى التساؤلات الملحة التي بقيت تجول بخاطره حول ظروف استشهاد العقيد عميروش، و كذا المعلومات التي تحصل عليها و معرفته بأدق التفاصيل عن الكفاح الثوري بالمنطقة، بالإضافة إلى التحاليل التي يصفها بالمنطقية و النابعة عن حس عسكري و معرفة بخبايا الثورة و تحركات الثوار إبان الحقبة الاستعمارية لما كان قائدا لكتيبة بمنطقة البيبان، و يقول بدون تردد أن ظروف و ملابسات استشهاد العقيد عميروش لم تكن بريئة من الخيانة و الوشاية ممن يصفهم بأعداء الثورة و الشعب من الخونة و الحركى، مرجعا ذلك إلى توجيه العقيد عميروش عند وصوله إلى منطقة الزعفرانية بالولاية السادسة، لما كان متوجها نحو تونس لأجل مهمة، نحو جبل ثامر في الإتجاه المعاكس لطريقه « التوجه به ناحية الجهة الغربية بدل الجهة الشرقية المؤدية إلى الحدود مع تونس»، و سيره مسافة تزيد عن 60 كيلومترا قبل وصوله إلى جبل ثامر مكان استشهاده، وسط الحمادة و أراضي قاحلة و جرداء ما سهل من مهمة تعقب تحركاته، بالإضافة إلى تطرقه لتأخر تدخل الكتيبة التي كانت مكلفة بمرافقة و تأمين طريق البطل الشهيد.
يروي المجاهد سعيد سعود المدعو لوتشكيس -( لقب ثوري نسبة إلى تسمية تطلق على مدفع رشاش من صنع فرنسي، كدلالة على قوته و قدراته القتالية)- شهادته عن استقبال العقيد عميروش بمنطقة مزيطة بجبال البيبان قبل تسعة أيام من استشهاده، بينما كان متوجها إلى الولاية العسكرية السادسة للقاء سي الحواس، و من بعدها التوجه نحو تونس، في هذا اللقاء مع جريدة النصر، حيث استقبلنا بمكتبه الخاص في منزله المتواجد ببلدية اليشير بولاية برج بوعريريج، ركز في شهادته على تأثير العمل السلبي لمن يصفهم بـ « الخونة و أعداء الثورة» من أبناء الشعب الجزائري، الذين فضلوا الالتحاق بالعدو بدل المشاركة في تحرير البلاد، و لعل ما استوقفنا في شهادته تساوي درجة الغل و الحقد ضد المستدمر الفرنسي رغم تأكيده على أنه كان من المناضلين في حركة انتصار الحريات الديمقراطية، لما كان ناشطا سياسيا بناحية باب الجديد و القصبة بالجزائر العاصمة، قبل عودته إلى مسقط رأسه بمنطقة البيبان و التحاقه بصفوف الثورة التحريرية، سنة 1955، و يرجع ذلك إلى ما تجرعه الثوار من خيانة و وشاية من قبل الحركى و الخونة، مشيرا إلى شكوكه في تورط « الخونة المندسين في صفوف جيش التحرير» الذين كان الثوار بالولاية السادسة، يعانون من أمثالهم حسب شهادته، في الوشاية و التآمر و حياكة خطة مدبرة مع اختيار الزمان و المكان المناسبين للتخلص من العقيد عميروش، لمساعدة قوات العدو على إنهاء دوره البارز في صفوف الثوار و جيش التحرير، و ما تكبدته قوات المستدمر من خسائر في الأرواح و العدة من قبل الثوار تحت قيادته .
و يرى المجاهد سعيد سعود، أن العقيد عميروش خدع بثقة في موجهيه إلى جبل ثامر الذي «لا يصلح» بحسبه، لأن يكون مكانا للتخطيط العسكري و للقاء عقيدين كبيرين من جيش التحرير، حيث يقول أنه و منذ مرور العقيد عميروش على المنطقة التي كان قائدا بها قبل تسعة أيام و سماعه بعد ذلك باستشهاده بجبل ثامر، و الشكوك تساوره حول الظروف المحيطة باستشهاده، و بمدى قدرة العدو على الوصول إليه و الإيقاع به دون وشاية أو مؤامرة حيكت ضده، لما يعرفه عليه من حنكته و ذكائه الحاد في العمليات العسكرية و تفطنه لأدق التفاصيل في العمل العسكري و مكائد العدو، مشيرا إلى أن العقيد عميروش كان شديد الحرص على الدور الكبير لجنود الحراسة و المراقبة، و قليل النوم، حيث يتفقد الحراس أينما حلّ و ارتحل خصوصا أثناء فترات الليل و من «غير المعقول» حسب محدثنا أن يقع بسهولة في مكائد العدو، لو لم يكن قد وقع «ضحية ثقته» بمن كانوا مكلفين بدور «التوجيه من الولاية السادسة» إلى تونس.
و يضيف في شهادته، بتاريخ 19 مارس 1959، مرّ علينا العقيد عميروش بينما كان متوجها في مهمة إلى تونس، رفقة مجموعة من الثوار بمنطقة مزيطة ليعبر الطريق الوطني رقم 05 و منها إلى أهل الحمراء، و مناطق الدريعيات أولاد منصور أوماضي و السبخة و الرمانات وصولا إلى جبل مساعد أين قضى ليلته هناك، قبل أن يتوجه إلى منطقة الزعفرانية مقر الولاية السادسة، و بدل أن يواصل طريقه نحو تونس شرقا بالتوجه صوب الجبال الواقعة شمال وادي الشعير ليسلك بعدها طريق جبل ربوان، قاموا « بدل ذلك بتوجيهه على طريق عكس وجهته نحو الجهة الغربية من الزعفرانية اتجاه الغرب بحوالي 60 كيلومتر وسط الحمادة نحو عين الملح بولاية المسيلة ثم بلدية سيدي امحمد إلى غاية جبل ثامر موقع استشهاده، و في الحقيقة «احتار لما تسمى المنطقة بجبل ثامر» فقد تنقلت إليها و في الأصح يمكن أن نطلق عليها وصف «ربوة ثامر» لأن تلك المنطقة مسطحة تنتشر بها نباتات الحلفة و الديس و خالية من المحميات الطبيعية و الغابات و أماكن الاختفاء و مواقع التستر و الدفاع عن النفس، فالمار عبر المنطقة يجد نفسه مكشوفا و غير قادر على التستر و التحصن، منبها إلى أن ذلك المسار وتلك المنطقة لا تصلح لأن تكون مكانا للالتقاء بين قائدين كبيرين من قادة الثورة التحريرية (العقيد عميروش و السي الحواس)، و يضيف أن تلك المنطقة (ناحية بوسعادة) كانت مختلطة و يتواجد بها مناضلون ينتمون إلى جبهة التحرير الوطني و مخلفات من جماعة « بلونيس « .
و يضيف محدثنا أنه «لا شك أن العقيد عميروش قد تعرض للخيانة و مؤامرة من قبل هؤلاء المرتزقة « فكيف لموجهيه أن يسلكوا به طريقا عكس وجهته من جهة، و كذا نقله إلى منطقة جرداء و مسطحة للقاء سي الحواس من جهة أخرى، و يقول أيضا «إنها برأيي عملية مقصودة «، و زيادة على ما قلت «تحصلنا على معلومات بأن كتيبة كانت في انتظار البطلين لمرافقتهم و تأمين مسارهم غير أنها تأخرت عن الموعد، و كأن العملية مقصودة» لذا « يستشف كل عسكري بناء على ما سبق ذكره رائحة الخيانة، و ربما كانت عناصر موالية للعدو و جماعة بلونيس مندسة في صفوف الثوار و المشرفين على تنظيم حركة تنقل جيش التحرير»، وحتى قوة العتاد و العدة التي أحضرتها قوات العدو الفرنسي تشير إلى علمها بتواجد قادة للثورة بالمنطقة، و إلا بماذا يفسر استنجاد قوات العدو بآلاف الجنود، و إجراء عملية تمشيط شاملة بالمنطقة، و وقوع مواجهات غير متكافئة، أسفرت عن استشهاد البطلين و أغلب الثوار الذين كانوا معهما يوم 28 مارس 1959، و ختم بالقول « ربي يرحم الشهداء « .
ع/ بوعبدالله
المجاهد بوزيتونة بومنجل شاهد على حادثة الهروب الكبير
حددت لبن بولعيد و الآخرين طريق الهروب من سجن الكدية لكن الدور لم يصلني
على الرغم من كبر سنه وحاجة جسمه إلى الراحة، إلاّ أن المجاهد بوزيتونة بومنجل، فضل أن يخصص لنا وقتا ليروي لنا فصول أولى العمليات العسكرية، التي قام بها جيش التحرير بناحية قسنطينة، المجاهد يعتبر من أحد مفجري الثورة القلائل الذين بقوا على قيد الحياة، كما أنه كان في زنزانة المحكوم عليهم بالإعدام بسجن الكدية رفقة مصطفى بن بولعيد، حيث كان شاهدا على عملية الهروب الشهيرة من السجن. كما كان صاحب الفضل في تحديد طريق الهروب لكن الدور لم يصله وبقي في ساحة السجن إلى أن ألقي القبض عليه.
بفرحة كبيرة استقبلنا المجاهد بوزيتونة بومنجل، في بيته الكائن بمنطقة صالح دراجي بدائرة الخروب بولاية قسنطينة، المجاهد الذي تعرفنا على محل إقامته بالتنسيق مع مديرية المجاهدين ورغم بلوغه سن الخامسة والثمانين، إلا أن ذاكرته لا تزال تحتفظ بأدق التفاصيل عن تاريخ الحركة الوطنية قبل انطلاق الثورة المجيدة والظروف التي أحاطت بولادة ثورة أدهشت العالم وأصبحت مرجعا للثوار عبر أنحاء المعمورة.
فيلم مصطفى بن بولعيد يحمل مغالطات تاريخية ولم تتم استشارتي في إعداد السيناريو
بدا محدثنا الذي كان مناضلا ومرافقا للخضر بن طوبال خلال المراحل الأولى للثورة وللشهيد مصطفى بن بولعيد في زنزانة في سجن الكدية متماسكا، وهو يروي لنا في غرفته المليئة بالصور التاريخية والشهادات التكريمية الأحداث التي عايشها وكان فاعلا فيها.
يقول عمي بومنجل بأن تاريخ نضاله بدأ في صفوف الحركة الوطنية وكانت أحداث 8 ماي بالنسبة له النقطة الفاصلة التي حولت مجرى حياته، أين وعى في صدره معنى الإستعمار وتأكد له بأن ما أخذ بالقوة لن يسترد إلا بالقوة، حيث يذكر بأنه انضم سنة 1950 إلى مناضلين من منطقة الخروب كان على رأسهم الشهيد حجاج بشير وبوراس أحمد، كما تم القبض عليه رفقة أخيه في جانفي 1954 بتهمة توزيع منشورات تروج للحركة السياسية، حيث تم الحكم عليه بثلاثة أشهر نافذة ولم يهضم الحكم حينها ليثور في وجه القاضي قائلا بأنه قام بعمله هذا بهدف تحرير الوطن، وهو ما لم يرق للقاضي الذي أضاف له شهرين آخرين لمدة عقوبته، لكنها لم تنفذ بسبب خطأ من مدير السجن، لتتفطن السلطات الفرنسية للخطأ وتحاول إرجاعه إلى السجن لكنه تمكن من الفرار رفقة لخضر بن طوبال أين لجأ إلى مقر إقامته لكن المستعمر ظل يلاحقه في كل مكان.
ويضيف محدثنا بأنه ظل يعمل في نظام وسرية رفقة لخضر بن طوبال الذي كان يجهل هويته الحقيقية آنذاك وبعض المناضلين في دواوير أولاد دراج وبني أحمد والهرية، أين كانوا يستمعون إلى أخبار حزب الشعب والإنقسامات التي مزقته إلى ثلاثة أجزاء متكونة من المصاليين وجماعة لحول الحسين والحياديين، الذين اختاروا حمل السلاح من أجل الاستقلال، ما دفعهم إلى عقد اجتماع مع المناضلين بقيادة لخضر بن طوبال لمدة ثلاثة أيام لإطلاعهم على المستجدات، حيث ترك المجال للمناضلين حرية اختيار من يروه ملائما لهم، ليختار عدد كبير من المناضلين وعلى رأسهم حجاج بشير ولخضر بن طوبال الكفاح المسلح والوقوف إلى جنب الفئة الثالثة التي اختارت الثورة المسلحة لإخراج المستعمر بدل النشاط السياسي الذي كان قادته يغرقون في المشاكل والإنشقاقات، ليتم الشروع في تنظيم العمل وشحذ المناضلين وتوفير الأسلحة بإمكانيات ضئيلة دون أن يكونوا على علم مسبق بتاريخ اندلاع الثورة نظرا للسرية الكبيرة التي كانت تحيط العملية.
أشخاص نسبوا إلى أنفسهم شرف تفجير الثورة دون أن يشاركوا في أي عملية
يسرد لنا عمي بومنجل تفاصيل ليلة الأول من نوفمبر، التي قال بشأنها بأن العديد من الأشخاص كثير منهم يوجد على قيد الحياة نسبوا إلى أنفسهم شرف تفجيرها دون أن يشاركوا في أي عملية، حيث ذكر بأنه كان رفقة عدد من المجاهدين نائمين في منزل أحد المناضلين بالخروب، ليوقظهم الشهيد حجاج بشير على الساعة الواحدة صباحا وأخبرهم بأن ساعة الصفر قد حانت، وقام بتوزيع المهام على المجاهدين وسط حيرة واستغراب الجميع، حيث كلف ثلاثة مجاهدين بتفجير جسر منطقة الحميميم، كما تم تكليفه رفقة دهيني عمار بإطلاق الرصاص على حراس الثكنة العسكرية بالخروب وقد كان بحوزته بندقية صيد ومعها 6 خراطيش فقط، كما تم إرسال مجاهدين آخرين لتفجير الثكنة باستعمال قنابل يدوية، ليعودوا أدراجهم بعد تنفيذ العمليات نحو المركز أين تم إعادة تنظيم الأفواج و توزيع المسؤوليات وعين كنائب لمسؤول المنطقة حجاج بشير.بتاريخ 12 ديسمبر من ذات العام يقول محدثنا بأن العدو اكتشف أمرهم في الوقت الذي كانوا فيه يعيدون ترتيب الأفواج وتنظيم العمليات،حيث حاصرهم المستعمر بقوة كبيرة العدد من جميع المنافذ، وتمكن من القبض عليهم، في حين استطاع مجاهدين فقط الهروب من قبضة المستعمر وكانت تلك الحادثة في اليوم الموالي قد تصدرت عناوين الصفحة الأولى ليومية «لاديباش»، التي لا يزال يحتفظ بنسخة منها، ليتم نقله إلى سجن الكدية بعد تعذيب واستنطاق شديدين يؤكد المجاهد بأن فرنسا لم تنل منه سوى معلومات بسيطة لم تضر بالمناضلين أو الأهالي الذين كانوا يقدمون لنا يد العون.
أنا من حددت لبن بولعيد موقع الهروب من زنزانة سجن الكدية
يقول المجاهد بوزيتونة، بعد دخولنا إلى السجن تمت المحاكمة الأولى بالمحكمة العسكرية بقسنطينة يوم 23 سبتمر 1955 أين حكم على بن بولعيد وحجاج بشير بالإعدام، أما هو فقد تمّ الحكم عليه بالمؤبد في المرة الأولى، ولما كان في أحد الأيام في الساحة قام الحراس بفتح غرفة صغيرة ملتصقة بقاعة المحكوم عليهم بالإعدام، حيث رصد كل ما كان بداخلها بسرعة ما جعل الحراس يثورون في وجهه، ولما تمت المحاكمة الثانية في الحادي عشر من أكتوبر من نفس العام، رفعت عقوبته إلى حكم الإعدام، ليتم نقله بعدها إلى الزنزانة التي وجد بها بن بولعيد، أين وجد الإخوة منهمكين في وضع خطة للهروب وكان الجدل محتدما حول الطريقة والمكان الذي سيتم منه، ليتدخل ويحسم الجدل حيث طلب من بن بولعيد أن يستمع لإقتراحه وأخبره بأن الغرفة التي تطل على الساحة وممر الحراس، ملتصقة بالزنزانة مباشرة، وهو ما أقنع الجميع لتنطلق عملية الحفر باستعمال قضبان حديدية صغيرة نحو الإتجاه الذي حدده.
لخضر بن طوبال كان ينشط باسم مستعار ولا أحد كان يعرف اسمه الحقيقي بالمنطقة
ويقول محدثنا بأن عملية الحفر وصنع الحبال استمرت طيلة شهر كامل بوسائل بدائية جدا، فقد كان المجاهدون يستعملون الزيت والشحوم الذائبة عن طريق تصفيتها من الشربة للإنارة داخل النفق، كما أن المجاهد لا يستطيع أن يستمر في الحفر داخل النفق سوى خمس دقائق نظرا لإنعدام الأوكسجين، مضيفا بأن العدو أحسّ بأن أمرا يحاك حيث قام حراس السجن، بعملية تفتيش واسعة للغرف وأخرجوا جميع الأغطية والأفرشة دون أن يكتشفوا العملية، مشيرا إلى أن بولعيد رفقة مجاهدين آخرين ظلوا طيلة أيام يقومون بفحص الغرفة جيدا وحدّد المكان الذي سيتم منه الفرار بعد نزعه لقرميدة من السقف.
قرعة الهروب استثنت 5 مجاهدين
ويسترسل محدثنا في سرد تفاصيل الساعات الأخيرة لعملية الهروب الشهيرة، حيث ذكر بأنه لما كان يوم 11 من نوفمبر 1955 وبعد عودة بن بولعيد من عند المحامي الذي جاء لزيارته، انطلقت عملية القرعة على المجاهدين الذين كان عددهم في الزنزانة 30 فردا بحسب رتبة كل واحد منهم واستثني خمسة أفراد منها، و هم بن بولعيد والطاهر زبيري، مغلاوي محمد العيفة، بوشمال أحمد وحفتاري علي، فقد كان خروجهم أولا ودون قرعة، أما بن بولعيد فقد كتب في تلك الأثناء رسالة لإدارة السجن يفسر فيها أسباب عملية الهروب، لتبدأ العملية مع آذان المغرب أين خرج الجميع تباعا إلى الساحة وقفز المجاهد العيفة إلى أعلى الحائط بواسطة الحبل إلى خارج السجن ليلحق به بن بولعيد وفق آلية تبقي السلم ممتدا، وهكذا واصل المجاهدون عملية الهروب إلى أن انطوى السلم وعاد الحبل من خارج جدار السجن ليبقى 19 مجاهدا في ممر الحراس أين حاولنا إعادة السلم إلى ما كان عليه، لكن الوقت داهمهم وأوقفهم الحراس، ليعلق محدثنا قائلا بأن فيلم مصطفى بن بولعيد الذي تم عرضه يحمل في طياته العديد من المغالطات التاريخية حول كيفية الهروب والظروف الذي تمت بها العملية، لكنه اعتبرها غير مضرة، كما لم يتم استشارته في سيناريو الفيلم على الرغم من معرفة القائمين عليه بأنه كان عنصرا فاعلا في تلك الاحداث.
حاوره/ لقمان قوادري
المجاهد و اللاعب السابق عبد المجيد رقيني يكشف
معركتنا الكروية في «كازا «المغربية كانت بهدف الترويج للثورة
• التتويج بأول لقب قاري أوصل صوت الجزائر إلى الخارج
أكد المجاهد عبد القادر رقيني المعروف في الشارع القالمي بإسم «حميد» أن أساليب النضال إبان ثورة التحرير كانت كثيرة و متعددة، و الممارسة الكروية كانت من بين الطرق التي تمت المراهنة عليها من أجل الترويج للثورة الجزائرية، وإعطائها بعدا عالميا، موضحا في هذا الصدد بأن تواجد عدة فرق رياضية في الساحة منذ منتصف عشرينيات القرن الماضي كان بهدف النضال من أجل تحرير الوطن، و الترجي الرياضي الإسلامي القالمي يبقى واحدا من أبرز النوادي التي خطفت الأضواء في تلك الحقبة، لأن هذا الفريق كان قد رأى النور في سنة 1924 بمبادرة من مجموعة من أبناء المدينة الذين حاولوا الإستثمار في شغف الشبان لرياضة كرة القدم من أجل تحريك المجتمع و الترويج لمخطط الثورة، لتكون الحصيلة التي قدمها الفريق القالمي سقوط 42 عنصرا من أعضائه المؤسسين و كذا من اللاعبين كشهداء في ساحة الفداء، بعضهم في مجازر 8 ماي 1945، و البعض الآخر إبان ثورة التحرير، مع تميز الترجي بكونه أول فريق أهدى الجزائر لقبا قاريا، و كان ذلك بمدينة الدار البيضاء المغربية، تزامنا مع الذكرى العاشرة للمجازر الوحشية، و هو التاج الذي كان وزنه تبليغ صوت الثورة الجزائرية خارج الوطن، في «ملحمة» نضالية صنعها أبطال جسدوا تعلقهم بالثورة بعد أشهر قليلة من «معركة كازا» الكروية، و ذلك بمقاطعة المنافسات الرياضية التي كانت السلطات الفرنسية تشرف على تنظيمها، مع تفرغ أغلب عناصره لحمل السلاح و الجهاد من أجل تحرير البلاد.
رقيني عاد بالذاكرة إلى تلك الفترة، و أكد بأن مسيرته رفقة بعض شبان مدينة قالمة مع الفريق كانت في عام 1949، بالإلتحاق بصنف الأواسط، و عمره لم يكن يتجاوز 18 سنة، و كان التعداد يضم كل من عبد العزيز حساني، عبد المجيد شرفي، علي بن طبولة و سليمان عبدة، قبل الإنضمام إلى فريق الأكابر في سنة 1954، و قد كان الترجي الرياضي الإسلامي القالمي يضم في صفوفه الكثير من الأبطال، على غرار الأخوين ظافري علي و «نابو» و الشقيقين عبدة مصطفى و عبد الحميد، لأن الفكرة التي تأسس بها الفريق في 04 أفريل 1924، من طرف محمد الصالح براهم و صالح بوتصفيرة ترسخت لدى الجميع، و ذلك بإستغلال غطاء كرة القدم من أجل الترويج للنضال في أوساط مختلف شرائح المجتمع، سيما و أن أغلب أعضاء النادي كانوا منخرطين في حزب نجم شمال إفريقيا لمصالي الحاج، الأمر الذي دفع بالسلطات الفرنسية إلى تشديد الرقابة عليهم، بصرف النظر عن نشاطهم في فوج «النجوم» للكشافة، و كان السعيد مباركي الذي يشتهر بتسمية «لاطوميك» المكلف بالعمل التوعوي في أوساط الشبان بمدينة قالمة، يستقي كل الأخبار من محيطه في التدريبات، من دون لفت إنتباه قوات الإستعمار.
عمي حميد أشار في هذا الصدد إلى أن التنقل إلى مدينة الدار البيضاء المغربية لخوض نهائي كأس شمال إفريقيا كان على متن القطار إنطلاقا من محطة الخروب، بتعداد قاده الرئيس محمد كرميش، و بعض المسيرين أمثال صالح خليفة، علاوة سعيدي و حسين خوالدية، بينما كان عبد الحميد عبدة بمثابة القائد و المدرب، رفقة زملائه عبد الحميد بلحواس، بشير بن سعادة، أحمد الشريف سيريدي، محمد العربي رزق الله، علي بن طبولة، عبد العزيز حساني، محمد الصالح شرفي، محمد العربي مرزوقي، بوجمعة محمد، سليمان عبدة، رشيد سعيدي، عمر بارة، مصطفى عبدة، بوجمعة خليل، شرفي عبد المجيد، سيريدي الهاشمي و بلجودي محمد، و هي المجموعة التي كانت متسلحة بالروح الوطنية، لأن الفريق كان قد قدم حصيلة من 6 شهداء في المجازر الوحشية التي إقترفتها القوات الفرنسية في ماي 1945، و يتعلق الأمر بالعضو المؤسس عمر عبدة و إبنيه علي و إسماعيل عبدة، إضافة إلى مبروك ورتسي، حميدة سيريدي و الطيب سلايمية، فضلا عن إلتحاق الكثير من اللاعبين الذين كانوا قد تقمصوا ألوانه بصفوف جيش التحرير الوطني، في صورة حسان حرشة، سويداني بوجمعة، عبد الرحمان طابوش، عياش إسماعيل، مصطفى سيريدي، حمر العين، رياش و غيرهم، و عليه فإن السفرية إلى الدار البيضاء المغربية كان الهدف منها إيصال صوت الثورة الجزائرية إلى المغرب.
رقيني الذي تحدث للنصر بعيون دامعة، أوضح في نفس الإطار، بأن وصول الفريق إلى مدينة الدار البيضاء كان بعد رحلة دامت 4 أيام، و قد أجبر اللاعبون و المسيرون طيلة هذه السفرية على تناول «الكسرة» و التمر، و حظي بإستقبال من طرف وفد رسمي مغربي، كان قد بادر إلى تسخير سيارات الأجرة من أجل نقل اللاعبين من محطة القطار إلى فندق «سبلانديد» بوسط المدينة، لكن ـ كما أضاف ـ «فإن الجميع في الدار البيضاء كانوا يتساءلون عن موقع مدينة قالمة في الخريطة الجغرافية للجزائر، و هو الأمر الذي قمنا باستغلاله من أجل الترويج لثورة التحرير، لاسيما و أن الوفد كان قد حظي بزيارة مناضلين كانوا في المنفى، في صورة حسان بوخروبة، محمد بوجاهم و صالح بوتصفيرة، مما زاد في تسليحنا بالإدارة و الروح الوطنية».
إلى ذلك، أكد رقيني، بأن الوداد البيضاوي المغربي كان مرشحا على الورق للتتويج بكأس شمال إفريقيا في النهائي الذي جرى يوم 29 ماي 1955، لأنه كان أقوى فريق في تلك الفترة، بضمه ترسانة من النجوم، خاصة الرباعي بن مبارك، شتوكي، دريسي و عبد السلام، إلا أننا ـ كما أضاف ـ « وضعنا القضية الجزائرية صوب أعيننا، و دخلنا أرضية ملعب «مارسال ساردون» بعقلية المجاهد الفعلي، و هدفنا رفع العلم الوطني، و جعله يرفرف عاليا في سماء «كازا»، مع تحدي المساندة الجماهيرية التي كان يحظى بها «الواك»، و قد نجحنا في تسجيل الهدف الأول عن طريق محمد الصالح مرزوقي، و في الوقت الإضافي كان هدف التتويج من توقيع عمر بارة المدعو «بايزة»، لنقطف ثمار المعركة الكروية التي خضناها بالنجاح في إحراز الجزائر أول لقب قاري إبان الثورة التحريرية، مع النجاح في المهمة الرئيسية التي تنقلنا من أجلها، و هي رفع الراية الجزائرية عاليا، و قد تسلم الرئيس محمد كرميش الكأس على الفور».
و تابع رقيني في معرض حديثه، بأن الفريق القالمي قضى ليلة التتويج بمدينة الدار البيضاء، بمواصلة الإقامة في فندق «سبلانديد»، ولو أن الأجواء في «كازا» لم تكن ـ حسبه ـ مستقرة، بوجود الكثير من المظاهرات الشعبية، لتكون العودة على متن القطار في اليوم الموالي، و عند وصول الوفد القالمي إلى محطة «آغا» بالجزائر العاصمة تلقى دعوة من إدارة مولودية الجزائر لإقامة مقابلة ودية تندرج في إطار الإحتفالات بالتتويج القاري، لكننا ـ على حد تعبيره ـ «فضلنا تأجيل الدعوة إلى موعد لاحق، لأننا كنا مرهقين من شدة التعب، كما كنا متشوقين للعودة إلى مدينة قالمة، و عليه فقد واصلنا الرحلة على متن القطار، ليكون الوصول إلى محطة الخروب يوم 5 جوان 1955، أين وجدنا في إستقبالنا وفدا يتشكل من مولودية و شباب قسنطينة و كذا جمعية الخروب، إضافة إلى المغني محمد الطاهر الفرقاني، و جمع غفير من الأنصار، و قد عاد الفريق إلى قالمة في موكب بهيج، و بعدها تم تجميع اللاعبين في مقهى سيافة بوسط المدينة، أين نشط الفرقاني حفلا فنيا إحتفالا بهذا الإنجاز».
و ختم رقيني شهادته التاريخية بالتأكيد على أن تواجد فريق الترجي القالمي في تلك الحقبة كان الهدف منه نضاليا أكثر من رياضي، لأن الروح الوطنية التي كانت تغذي لاعبيه و مسيريه دفعت بهم إلى مقاطعة المنافسات الرياضية التي كانت تشرف على تنظيمها السلطات الفرنسية، و ذلك إستجابة لنداء جبهة التحرير الوطني سنة 1956، فكانت المقاطعة برفقة نوادي إتحاد سطيف، شبيبة سكيكدة، مولودية و شباب قسنطينة، جمعية مدينة عنابة على مستوى الجهة الشرقية من التراب الوطني، مما جعل بعض اللاعبين يتحولون إلى مدينة هيليوبوليس و تأسيس فريق آخر، بينما قررت الأغلبية الإلتحاق بالنضال من أجل تحرير البلاد، و قد شنّت قوات المستعمر الفرنسي حملة إعتقالات واسعة مست العديد من اللاعبين، أمثال محمد الشريف سيريدي، الذي يشتهر بتسمية « السردة «، و كذا حميد رقني، إضافة إلى سيافة، عبد الحميد لحيول و محمد بوعديلة، و الذين تم الزجّ بهم في زنزانات سجن القصبة بولاية عنابة، في مركز التصفية و الإنتقاء، قبل تقديمهم أمام محكمة قالمة، حيث تقرر نفي البعض و الإفراج بصفة مؤقتة عن البعض الآخر، و إبقائهم تحت المراقبة.
على صعيد آخر، أكد رقيني بأن ممارسة كرة القدم إبان الحقبة الإستعمارية كان عبارة عن نضال من نوع آخر، لأن الترويج لفكرة الثورة كان الهدف الرئيسي من تواجد الشبان في النوادي، و الجهة الشرقية من الوطن كانت تضم الكثير من الفرق، في صورة شبيبة سكيكدة، إتحاد سطيف، شباب جيجل، جمعية الخروب، إتحاد عين البيضاء، مولودية و شباب قسنطينة، و لو أنه أصرّ على فتح قوس للتأكيد على أن الشباب الرياضي القسنطيني (السي. آس. سي) كان يضم لاعبين و مسيرين متشبعين بروح وطنية، و كل لقاءاتهم كانت عبارة عن معارك حقيقية لإيصال صدى الثورة إلى كل شبر من التراب الجزائري، و تحسيس الشبان بمدى أهميتها لتحرير البلاد من قبضة المستعمر.
صالح فرطــاس
مجاهدون يتحدثون عن ثلاثة مراكز للتعذيب بعين عبيد
أجمع مجاهدون من بلدية عين عبيد ولاية قسنطينة، في لقاء بهم مؤخرا، أن مقر الدرك الفرنسي ومنذ هجومات 20 أوت 1955 شهد أبشع جرائم التعذيب، اين انتهكت بين جدرانه أبسط حقوق الإنسان التي طالما تغنى بها ساسة فرنسا وذلك بلجوء عساكرها إلى وسائل تعذيب وحشية من الصعق بالكهرباء إلى النفخ بالماء وكذا استعمال العجلة. وتحدث آخرون عن الذبح من الوريد إلى الوريد دون محاكمة ، وكذا استعمال القارورة والعصا، وحالات فقد فيها زبانية التعذيب رشدهم وقاموا بتسمير معتقلين على ألواح الأبواب والأشجار، ناهيك عن التعذيب النفسي بترك شهداء يقاسمون الأحياء الزنزانات، إضافة إلى التجويع والترويع والاعتداء على الأصول أمام أعين المعتقلين، وأمام هوس زبانية الاستعمار بالاعتقال والتعذيب، لم يعد مركز الدرك يقوى على استيعاب الأعداد المتزايدة من المعتقلين مما جعل القائمين على الاعتقال يستنجدون بمقر مخزن الحبوب ، الذي تحول إلى مقر للواء الكوري المعروف بالمكتب الثاني وكذا مقر « لصاص « لحشد المعتقلين، وبذلك أقامت فرنسا ثلاثة مراكز للتعذيب في قرية لا يتجاوز سكانها 1500 نسمة .
المجاهد الطاهر قيطوني يتذكر: الحرق بالكهرباء و النفخ بالماء ثم الدوس بالأقدام حتى يخرج الماء من كل فتحات الجسم
أوضح المجاهد عمي الطاهر قيطوني أن عين عبيد( التابعة حاليا لولاية قسنطينة) على صغرها، ضمت مركزا رئيسيا للتعذيب كان مقره مبنى الدرك إضافة إلى فيلق الكوري المتمركز في مخزن الحبوب و كذا مكتب “لاصاص” وهي المراكز الثلاثة التي تفنن الاستعمار في ممارسة أبشع أنواع التعذيب على كل من أجبر على ولوج أبوابها، و من هؤلاء محدثنا الذي ألقي عليه القبض في معركة استعمل فيها المعمر جيوشا جرارة وست طائرات مختلفة المهام ، والتي وقعت في المنطقة الحدودية بين الولاية الأولى والثانية وبالضبط في المكان المسمى قرن الفرصاس نواحي لحليق، حاصر فيها الاستعمار المخبأ الذي كان فيه المتحدث وبوخدنة رابح والساسي سوادنية من عزابة وكذا قدور زواطر. الاشتباك وقع في أكتوبر 1961 حوالي الساعة العاشرة صباحا، بعد وشاية حددت المكان الذي باغتنا فيه العدو، يضيف محدثنا و ذلك بإزالة الحجارة من فوقنا، ثم تبادلنا إطلاق النار وبعد خروجنا استشهد من كان معي بعد حرق الوثائق و 5000 فرك فرنسي نقدا. و أصبت في رجلي ويدي وفقدت وعي جراء الجروح البليغة التي مازالت بعض شظايا رصاصها تسكن في عيني اليمنى وأعلى الجبهة، إضافة إلى الرجلين منذ 54 سنة. تم حملي إلى مقر المكتب الثاني المتواجد مقره في مخزن الحبوب أين استفقت وأنا ممدود فوف باب خشبي ، ليتم غسلي بعد نزع ثيابي بواسطة الماء البارد ومكنسة وكان بجانبي الشهداء الثلاثة الذين كانوا برفقتي، لتبدأ معاناة التعذيب بكل الطرق والوسائل بوضع قناع على الوجه وضخ ما أمكن من الماء في الجوف إلى مرحلة الانتفاخ ثم الدوس بالأقدام ليخرج ما ضخ منه من كل فتحات الجسم. وبعد أن وصلت مرحلة العجز، وفقدان الوعي تم نقلي إلى “ الكابانو “ في مستشفى قسنطينة الكبير، وهو جناح خاص بالأسرى الجرحى، وعالجوني فيه ووجدت داخل المكان من يتحدث عن المعركة التي أسرت فيها بعد أن تناولتها الصحافة ، بخبر القضاء على ثلاثة «فلاقة» ، واسترجاع كمية من الأسلحة، ثم نقلت بعد ثلاثة أشهر إلى مقر الاعتقال بمزرعة أمزيان وقضيت فيها أياما في الحجز الفردي والاستنطاق ثم حولت مرة أخرى إلى حامة بوزيان ووجدت جزائريين على علم بوضعيتي أحضروا لي ملابس وكنت أرتدي فقط قطعة قماش هي بقايا ثوب النوم الذي كنت أرتديه في المستشفى، وهنا يشيد عمي الطاهر باستعلامات الثورة التي كانت موجودة في كل مكان ، وبعد شهر نقلت مرة ثالثة إلى البليدة مع 18 معتقلا في عربات السلع في القطارات ، ومن ثم إلى بربروس الرهيب إلى غاية الاستقلال.
رضوان ـ ص
المجاهد محمد العيد بوعطية: صعقوني بالكهرباء وأنا جريح أنزف فوق نقالة
لم ينس المجاهد محمد العيد بوعطية صورة أفراد الدرك الاستعماري الذين كانوا يصعقونه بالكهرباء في مناطق حساسة من جسمه بعد رشه بالماء وهو عار فوق نقالة ، تغطيه بطانية وجرحه ينزف إثر أسره في اشتباك وهو داخل مخبأ قريب من مزرعة بن رضوان ، رفقة زميله بعلي بوزيد بعد أن تم تطويق المكان بالعسكر مدعومين بالحركى، كان ذلك بعد وشاية يوم 30 أكتوبر 1960 الذي كان يوم اثنين حوالي الساعة الخامسة مساء، بعد أن أصبنا نتيجة قصفنا بقنابل متفجرة أصابتني واحدة في القدم اليمنى، وزميلي أصيب في بطنه، فعجزنا عن الحركة وتم انتشالنا وكل منا يكاد يفقد الوعي. قمنا باتلاف كل ما كان بحوزتنا من وثائق وأموال، ليتم نقلنا بواسطة عربة جرار إلى برج مهيريس ، أين قدمت لنا الإسعافات، ثم تم نقلنا بواسطة سيارة إسعاف إلى عين عبيد وكنت أطلب منهم جرعة ماء، فرفضوا وشرعوا في تعذيبي وأنا على ظهر نقالة مباشرة بعد أن أدخلوني مقر فرقة الدرك الوطني، وكان ذلك بالكهرباء التي ربطت أسلاكها بأذنيّ ثم في مناطق أخرى من الجسم ، وكنت حينها أغيب عن الوعي بين الحين والآخر. وفي صباح اليوم الموالي واصل الجلادون تعذيبي بالماء والضرب والكهرباء ويتخلل ذلك شتم وسب بكلمات نابية، ثم تم نقلي إلى المستشفى الجامعي بقسنطينة، لأسترجع وعيي وأنا في غرقة العمليات، ثم قاموا بتخديري لأفقد الوعي مرة أخرى، وفي الصباح وجدت نفسي في غرفة، وبعد ثلاثة أيام جاءني المجرم “صيرة “ وحاول استنطاقي وأنا على فراش الموت ولكن رفضي جعله يغادر دون رجعة، و أبقيت في المستشفى إلى غاية إعلان وقف القتال.
ص. رضوان
المجاهد إبراهيم تريكي يتذكر مشاهد مروعة من جرائم الاستعمار بعين أعبيد: «كوش» ذبح أمامنا 11 شخصا في اسطبل الخيل بعين اعبيد
يتذكر المجاهد براهيم تريكي أبشع جريمة شهدها قبل أن يلتحق بصفوف الثوار وهو ابن الـ 19 سنة حينما داهم المعمرون منطقتهم في عملية تمشيط واسعة تم فيها جر أكثر من 85 شخصا من سكان المنطقة المحاذية لجبل أم سطاش ، إلى أبشع مركز تعذيب بعين عبيد في مقر الدرك الوطني ، وذلك من أجل الاستنطاق وجمع معلومات عن حركة الثوار بعد معركة وقعت بالجهة ، يقول محدثنا “ ونحن نساق كان العدد يتزايد مع الوصول إلى كل دوار وأثناء ذلك شهدنا قتل امرأة بوابل من الرصاص وهي تحمل طفلها، قريبا من مزرعة أحمد بن منصور، وحين وصولنا إلى ذات المعتقل، شرع رجال الدرك في عملية استنطاق جماعية بواسطة الكهرباء التي كان أفراده يصعقون بها المناطق الحساسة من الجسم والأذنين على الخصوص، إضافة إلى استعمال الماء وذلك بإدخال انبوبا في جوف الانسان حتى ينتفخ مثل الخروف ثم يتم الضغط على البدن ليخرج الماء من كل انحاء الجسم، وتعاد العملية عدة مرات إلى أن يفقد الرجل الوعي، وأثناء ذات العملية كنت شاهدا على ذبح 11 شخصا من طرف المجرم كوش في اسطبل الخيل ، مما أثار الرعب فينا وتحولت تلك الصورة إلى كابوس مرعب مازال يعيش معنا إلى اليوم «. ومعروف عن ذات المجرم الذي كان أحد أفراد فرقة الدرك تعطشه للتعذيب، وأنه كان يقتل الأبرياء بضربات المطرقة على الرأس، بعد أن ييأس من انتزاع المعلومات ، و يقول محدثنا أنه كثيرا ما كان يلتصق مخ الضحية بجدران قاعة التعذيب. وتم قتل هذا المجرم من طرف الفدائيين وسط قسنطينة، بينما كان يستعمل السلالم الحجرية المؤدية إلى الكدية، نفس المتحدث يضيف أنه ومن معه تم حجزهم في ظروف غير إنسانية في إسطبل المعمر “ جون ميلو “ لمدة ثمانية أيام ذاقوا فيها أبشع أنواع التعذيب الجسدي والنفسي ، ليتم اطلاق سراحهم، و ليقرر هو الالتحاق بالثورة.
ص.رضوان
المجاهد قدور بوشوشة: كنت أجمع اشتراكات الثورة فعذبتني فرنسا بوحشية عدة مرات
كنت مناضلا أجمع اشتراكات الثورة، وعائلتي كانت محل شبهة لدى المستعمر، بسبب التحاق عدد منها بصفوف الثوار ، وبعد وشاية عن نشاطي تم اعتقالي، و تكبيلي بشاش ربط بدوره إلى سرج حصان كان يستعمله عساكر فرنسا لدى خروجهم في مهام استطلاعية في المشاتي.
وتمّ جري إلى مقر اللواء المعروف بالمكتب الثاني المتواجد بمخزن الحبوب بعين عبيد، والذي وصلته مجرورا وراء حصان على مسافة حوالي 10 كلم.
وقضيت الليلة الأولى في قبو ، حبست فيه وسط الظلام دون فراش ولا طعام، وبمجرد طلوع الشمس شرع الجلادون في استنطاقي باستعمال الصعق الكهربائي، في كل أنحاء الجسم وعلى الخصوص في الأماكن الحساسة.
وكان المجرمون يتلذذون بذلك ، ويعيدون الكرة مرة بعد أخرى، بغرض الحصول على معلومات تخص نشاط الثوار وتحركاتهم ، وكان معي مجاهد آخر يسمى قدور تواتي ذاق نفس العذاب والذي لا يطاق، ودام ذلك ثلاثة أيام، ولما يئسوا مني أطلقوا سراحي، ودام الحال هكذا منذ أول اعتقال سنة 1958 إلى آخر مرة سنة 1961 وتخلل ذلك جلسات عذاب الاستنطاق مرات كثيرة، ذقت خلالها أشد ألوان التعذيب التي تفنن في أساليبها جلادو الاستعمار، والتي لم تسلم منها والدتي التي أخذوها إلى عين الفكرون استعملوا معها نفس الأساليب الجهنمية بعد أن ساعدتني في إخفاء قائمة للاشتراك خاصة بتمويل الثورة.
ص.رضوان
النصر في ضيافة المجاهد أحمد قادة أحد أعضاء مجموعة الـ16 "الخارجين عن القانون"
فرنسا عرضت على حسين برحايل تصفية بن بولعيد مقابل الصفح عنه لكنه رفض ذلك
اقتربت النصر، بمناسبة إحياء الذكرى الواحدة والستين لاندلاع ثورة نوفمبر، من المجاهد الحاج أحمد قادة، أحد قادة الأوراس إبان الثورة، وأحد أعضاء مجموعة الـ 16 المعروفة بالخارجين عن القانون في سنوات الأربعينيات، وهو الوحيد من المجموعة الذي لا يزال على قيد الحياة، ويبرز المجاهد أحمد قادة من خلال هذا الحوار الذي أجريناه معه، كيف قرر الخارجون عن القانون كما تلقبهم فرنسا عدم الخضوع لسيطرتها، وكيف التحقوا بعد ذلك بالثورة وكانوا فتيلا لها بعد تنسيق مسبق مع أب الثورة التحريرية مصطفى بن بولعيد، وأبرز المجاهد أيضا أحداثا هامة عايشها خاصة ما تعلق بالانشقاقات والاختلافات التي ظهرت بين قادة الثورة بعد مؤتمر الصومام، مؤكدا بأن الخلافات لم تؤثر على استمرار مسار الثورة التحريرية رغم ما عرفته من أحداث مؤسفة لا يمكن تجاهلها.
النصر: بداية، كيف تحولت إلى خارج عن قانون المستعمر الفرنسي ومتى كان ذلك؟
للخارجين عن القانون كما تلقبهم فرنسا أسباب متعددة لعدم خضوعهم لسيطرتها، وبالنسبة لي، فإن السبب هو الوشاية التي لحقت لدى السلطات الفرنسية بعد علمها بأنني على اتصال مع ابن قريتي بشناورة بتكوت، حسين برحايل الفار من سجن عزابة بسكيكدة، والذي كان محل بحث وذلك سنة 1945، حيث كنت فعلا على اتصال معه بعد عودته إلى منطقة الأوراس واتخاذه من جبالها ملجأ له، وكنت حينها أتعلم القران بالكتاتيب، وقد كنت ألتقي به خفية وأكتب له رسائل تهديدية للقياد (العملاء) حتى يعودوا للطريق، وبعد أن انكشف أمري ألقت السلطات الفرنسية علي القبض وزجتني بسجن أريس، وهناك استطعت الفرار بعد أن قضيت ثمانية أيام في السجن محاولين استنطاقي عن مكان حسين برحايل وتمكنت من الفرار بعد إخراجي صباحا خارج أسوار السجن للقيام بنقل برميل، فاغتنمت الفرصة ولذت بالفرار لألتحق حينها بحسين برحايل وكان ذلك سنة 1947 حيث لم يتعد حينها عمري 13 سنة.
كانت رؤوسنا تساوي 100 مليون فرنك فرنسي قديم لمن يلقي القبض علينا
من هم الخارجون عن القانون وكيف ومتى التقيتم؟
كما سبق وأن قلت لك، فإن حسين برحايل هو أول من كان خارجا عن القانون في نظر فرنسا بعد فراره من سجن الحروش سنة 1945 لاتهامه بتورطه في جريمة قتل وإدانته بخمس سنوات سجنا آنذاك، وقد التحق به علي درنوني الذي قُتل فيما بعد، وبقيت مع حسين ومسعود بن زلماط (الثاني)، والتحق بعدها عايسي المكي، إلى أن بلغ عددنا 16 وهو الرقم الذي أؤكد عليه وليس 14 كما تردد في مصادر عديدة. وكما أخبرتك فقد تباينت أسباب التحاقنا بالجبل بحسين برحايل الذي جمعنا وكان رئيس المجموعة، غير أن الغالبية منا كانت قامت بعمليات قتل لعملاء، وقام آخرون بعمليات أخرى منها قيام الصادق شبشوب بحرق معدات وتجهيزات مصنع بمنطقة الحريق بإينوغيسن، وتمثلت مجموعة الخارجين عن القانون في الحسين برحايل، درنوني علي، مسعود بن زلماط، قادة أحمد، عايسي المكي، قرين بلقاسم، شبشوب الصادق، وصاف الصالح، حسوني رمضان، بن سالم محمد الصالح، بن سالم محمد عمر، مسعود مختاري، بلعكل محمد، مسعود معاش، لخضر بن قادور، بن عبد الهادي الوردي.
ما هي أهم العمليات التي قمتم بها ضد الاحتلال الفرنسي قبل اندلاع الثورة التحريرية؟
صحيح، فبعد أن خرجنا عن سيطرة القانون الفرنسي، قمنا في الوقت نفسه وقبل اندلاع الثورة التحريرية ببعض العمليات وكنا ومنذ سنة 1947 في اتصال مع مصطفى بن بولعيد نسانده في نضاله بحزب الشعب الذي تحول فيما بعد إلى الحركة الوطنية، وتمثلت العمليات التي قمنا بها في تهديد القياد (العملاء) بالإضافة لعمليات أخرى كان يقودها حسين برحايل الذي كان بطلا مقداما في الشجاعة، ويعود له الفضل في عدم انكشاف اللجنة السرية لمنطقة الأوراس والمجموعة المساندة لمصطفى بن بولعيد، وكان حسين برحايل قام في إحدى المرات رفقة علي درنوني بأريس، بتهديد حراس الغابات الفرنسيين بعدم العودة كونهم يفرضون غرامات على الأشخاص الذين يحتطبون، وفي عملية أخرى قام حسين رفقة درنوني باعتراض طريق جنود فرنسيين بحمام لحالحة بإشمول، وقاما بتوقيف بعض الجنود وتعذيبهم قبل تركهم مهددين إياهم بعدم العودة للمنطقة، وفي عملية أخرى بضواحي سيدي عقبة ببسكرة قام حسين برحايل ومعه بلعكل بعملية أخرى استشهد خلالها بلعكل سنة 1950، واستشهد أيضا بن سالم محمد عمر بمنطقة تاحمامت أولاد سيد أحمد في مواجهة مع العملاء (القُومية)، وكنت أنا قمت بعملية رفقة عايسي المكي وحباشي وكان الأخير منخرطا في حزب الشعب ويقدم لنا يد المساعدة، وقد كنا أيضا نفرض غرامات مالية تذهب لتمويل خزينة الحركة الوطنية.
على ذكرك لمصطفى بن بولعيد، كيف ربطتم العلاقة معه؟
علاقتنا بمصطفى بن بولعيد كانت جدّ قوية ومبنية على الثقة، وهذا قبل اندلاع ثورة نوفمبر 1954، وتوطدت العلاقة بين مصطفى بن بولعيد وحسين برحايل بعد أن رفض الأخير عرضا إغوائيا من الحاكم الفرنسي الذي عرض عليه سنة 1948 الصفح مقابل تصفية مصطفى بن بولعيد الذي كان يقلقها، وأتذكر جيدا أن حسين وبمجرد أن تلقى العرض أرسل لمقابلة مصطفى بن بولعيد للالتقاء على مائدة العشاء بمسكنه بأريس (المتحف الحالي)، وهو الموعد الذي تم بعد أن تنقلت مع حسين رفقة كل من عايسي المكي، وشبشوب الصادق وزلماط مسعود، وخلال اللقاء أخبر حسين مصطفى ما تحيكه له فرنسا، وأنه على عهده وهو ما امتنّ له سي مصطفى بن بولعيد الذي كان بمثابة القائد المصلح بعد أن جمع بين عرشي التوابة وبني سليمان المختلفين ومنذ تلك الفترة كنا على اتصال دائم من مصطفى بن بولعيد ننتظر تعليماته ونعمل بسرية تحضيرا للثورة.
كيف كان تحضيركم للثورة وما هي المهمة التي أوكلها إليك بن بولعيد ليلة الفاتح نوفمبر 54؟
قبل اندلاع الثورة وطيلة الفترة التي كنا فيها نعتبر خارجين عن القانون، كانت لنا مراكز وكنا نحظى بحماية شعبية من عائلات وأشخاص نثق فيهم بحيث كانوا يأتوننا بالمؤونة من مأكل ومشرب وسلاح بمنطقة الأوراس، امتداد من مشونش إلى خنشلة، وهو ما ساعدنا على التحضير للثورة، وباعتبارنا من المقربين من مصطفى بن بولعيد، كنا على علم بموعد الثورة، وكانت التحضيرات تجري بسرية تامة حتى أننا كنا نحضر الجنود دون علمهم بذلك، وباقتراب موعد الثورة كان مصطفى بن بولعيد قد استدعاني وحسين برحايل يوم 04 أكتوبر 1954 وعيننا على رأس المنطقة الثالثة بالأوراس من جبل أحمر خدو إلى مشونش، وهي المنطقة المستحدثة بسبب الخلاف الذي طرأ في مجموعة 22 مع المصاليين المعارضين للثورة والتي جعلت بن بولعيد، وديدوش، وبوضياف يستحدثون منطقة ثالثة بالأوراس بدل القبائل بعد رفض كريم بلقاسم للثورة. وقد تم تكليفي وحسين برحايل بتجنيد الشباب بمشونش وباينان إلى أن يصلنا الدعم بالسلاح، لننطلق في مهمتنا دون إخبار المجندين بموعد الثورة بعد أن استحلفناهم على المصحف بعدم خيانة الوطن والعهد، وهكذا واصلنا مهمتنا إلى أن أرسل إلينا بن بولعيد 18 قطعة سلاح من الأوراس.
وليلة الفاتح نوفمبر انقسمنا إلى خمسة أفواج، وكنت قائد فوج مهمته الهجوم على القطار ببسكرة وهي العملية التي نجحت بعد مواجهات وتمكننا من خداع الفرنسيين بنقل قنابل وسط روث الحيوانات على ظهور البغال على أنها موجهة لواحات النخيل، دون أن يتم التفطن لها، في حين هاجم حسين برحايل وفوجه ثكنة عسكرية ببسكرة أيضا وبعد العمليات عدنا لنلتقي ببينان مجددا نقطة انطلاقتنا قبل أن نتعرض لهجوم بعد ثلاثة أيام بسبب وشاية عن موقعنا.
دخلت في مواجهات مسلحة مع المصاليين بمنطقة القبائل والانشقاقات لم تغير مسار الثورة
تحدثت عن رفض المصاليين للعمل الثوري المسلح، فكيف عايشت ذلك خصوصا وأنك كنت من المقربين لمصطفى بن بولعيد؟
رفض المصاليين للعمل الثوري حقيقة تاريخية لا مناص من الهروب منها، وللأسف الشديد، فإن الاختلاف بين قادة الثورة برأيي عمقه مؤتمر الصومام الذي جرّد جيش التحرير من مهامه وأصبحت القرارات بيد الجبهة، وبالإضافة لذلك فإن المؤتمر أقصى مناطق عديدة منها منطقة الأوراس والصحراء ولم تشارك فيه عديد الشخصيات البارزة على غرار علي كافي، وبن عودة، وحتى أن بن بولعيد الذي كان قد استشهد لو كان حيا لرفض انعقاده بالصومام، كونه كان يحضر لعقد لقاء لإعادة تنظيم الجيش بين سوق أهراس والقالة أو بجبل بوطالب بعد أن وقفت شخصيا على التحضيرات بجبل بوطالب.
و عندما أرسلت لأوصل رسالة من بن بولعيد إلى كريم بلقاسم، للأسف لم أتمكن من مقابلة كريم بلقاسم وكنت قد التقيت بعميروش حينها، ودخلت رفقة المجموعة التي كنت أقودها في مواجهات مسلحة بمنطقة بني يعلى بعد أن حاصرنا مصاليون معارضون للثورة يدعون أنهم من جيش الأوراس من بينهم المدعو بلونيس، وقد تمكنا من التغلب عليهم ولكن وللأسف عدنا خائبين دون أن نسلم الرسالة لكريم بلقاسم وبعد عودتنا علمنا باستشهاد القائد سي مصطفى بن بولعيد إثر حادثة المذياع، وهي الحادثة التي تبقى لغزا ومؤامرة حاكتها المخابرات الفرنسية، فمن غير المعقول أن يتم اغتيال بن بولعيد بتلك الطريقة، وكنا قد حرصنا بعد استشهاد مصطفى بن بولعيد على عدم إذاعة الخبر حتى لا يفشل الجيش وفي الوقت نفسه حتى لا يزيد غرور فرنسا الاستعمارية.
برأيك هل أثرت الخلافات والانشقاقات وسط قادة الثورة على مسار العمل المسلح؟
دعني أضيف لك قبل أن أجيبك، بأن ما قد يتردد على بعض الألسن باتهام عاجل عجول بالوقوف وراء اغتيال بن بولعيد هي أيضا إشاعات مدبرة وعجول يبقى بطل مغوار ووطني مخلص لبن بولعيد ولوطنه، وكان المرحوم علي منجلي قد ذكر ذلك في مذكراته، وأما عن تأثير الخلافات والانشقاقات التي ورغم تطورها وأخذها لمنحى التصفيات، إلا أن الثورة استمرت ولم تتأثر بذلك، وقد كنت عملت ضمن اللجنة الثلاثية بعد استشهاد بن بولعيد وهي اللجنة التي كانت همزة وصل للإصلاح بين جيش وجبهة التحرير، وفي سنة 1957 عملت تحت قيادة العقيد لعموري حيث كنت مستشاره قبل اغتياله واستشهاده هو وكل من نواورة وعباس لغرور.
هل نالت الثورة برأيك نصيبها من التأريخ وهل لك مذكرات للأحداث التي عايشتها؟
دعوت مؤخرا في ندوة تاريخية بولاية سطيف رفقة مجاهدين بالمنطقة، الشباب والمؤرخين، والباحثين، والصحافة للمزيد من البحث والتعمق في تاريخ الثورة التحريرية التي أرى أنها مازالت بحاجة للبحث لإبراز عظمتها وعظمة الرجال الذين صنعوها للأجيال الصاعدة، من خلال البحث في المذكرات المتوفرة وبالنسبة لي فأنا أشتغل منذ مدة على تحرير مذكرات أعمل جاهدا على أن تصدر في شهر نوفمبر الجاري.
أجرى الحوار: يـاسين عبوبو