ترأس الوزير المنتدب لدى وزير الدفاع الوطني، رئيس أركان الجيش الوطني الشعبي، الفريق أول السعيد شنقريحة، أمس الاثنين، حفل استقبال وتكريم للوفد الرياضي العسكري...
أكد وزير الدولة وزير الشؤون الخارجية والجالية الوطنية في الخارج والشؤون الإفريقية، أحمد عطاف، أمس الاثنين، أن رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون تعهد...
وقع، أمس، وزير التربية الوطنية محمد صغير سعداوي مع وزير التعليم والاستحقاق الإيطالي على مذكرة تفاهم لتعزيز وتطوير تدريس اللغة الإيطالية في المؤسسات...
تمكنت عناصر المصلحة المركزية لمكافحة الاتجار غير المشروع بالمخدرات بالجزائر العاصمة من تفكيك شبكة لترويج المخدرات، مكونة من 4 أشخاص بينهم رعية من...
يتسلق يوميا عشرات التلاميذ بقرية أزيار بأعالي جيجل شاحنات نفعية، ليس بحثا عن المغامرة، بل لكسر عزلة حالت بينهم وبين المتوسطة و الثانوية التي يدرسون بها، مركبات تنقل الحيوانات والسلع أصبحت بالنسبة لأبناء القرية مخرجا لأزمة نقل قضت على مستقبل عدد معتبر من الفتيات.
النقل المدرسي في هذه المنطقة المعزولة له مفهوم آخر لدى صغارها، لأن الرحلة تبدأ قبل السادسة صباحا وتتجدد في ساعة متأخرة من المساء، فترتان ورغم تباعدهما الزمني ترتبطان في أذهان الأطفال بمعاناة تعاش وتشغل التفكير طوال اليوم.
روبورتــــاج : ك طويل
الدراسة في نظر أبناء القرية تحد عنوانه التعب وحلم مختصر في حافلة صغيرة تخفف عنهم وطأة الانتظار وعن أوليائهم هاجس الخوف على تلك الأجسام الضعيفة من مفاجآت الطريق و تقلبات الطبيعة القاسية.
حيث يعاني الكثير من التلاميذ القاطنين بمشتة أزيار التي تقع على بعد 8 كلم من مدينة العنصر، من جملة من المشاكل التي تعيق مسارهم التعليمي في الطورين المتوسط و الثانوي، و في مقدمتها عدم توفر وسائل النقل العمومي ، و ما بالك بحافلة النقل المدرسي، مما يجعل التلاميذ يعانون يوميا في البحث عن شاحنة تقلهم إلى مدارسهم، و يزاحم بقية السكان الأطفال في توقيف الشاحنات التي تمر بالمنطقة، لأنها تعتبر المركبات الوحيدة التي يمكن أن تنقلهم إلى وجهتهم، بالرغم من أن القرية تضم حوالي 800 نسمة وسكانها فضلوا البقاء بأرض الأجداد و الصمود أمام قسوة الظروف و الطبيعة.
شجرة زيتون تروي قصص الإنتظار والتسلق
بعد تحديد موعد مع صاحب سيارة نفعية يستعملها كوسيلة نقل بالمنطقة، كان اللقاء في حدود الساعة الخامسة صباحا بمدينة العنصر، لينقلنا إلى مشتة أزيار، أول ما يمكن أن يلاحظه الزائر هو تدهور المسلك الغابي المؤدي إليها، فمن الصعب جدا التنقل على متن سيارات سياحية هناك.
وصلت النصر إلى المنطقة بعد حوالي 45 دقيقة من قطع ذلك المسلك الوعر، أول ما صادفناه، تلاميذ بدأوا بالتجمع في الظلام الحالك تحت شجرة الزيتون، على أمل الاحتماء تحت أغصانها من المطر و البرد القارس،و هم يحملون حقائبهم المدرسية، تقربنا منهم و سألنهم إذا كانوا ينتظرون وصول حافلة النقل المدرسي ، فابتسم عماد قائلا « النقل المدرسي ، بالنسبة إلينا حلم ، نراه فقط وهو يصل إلى الإكمالية التي ندرس بها، سترى بعد قليل وسيلة النقل التي نعتمد عليها يوميا» ، بعد مرور دقائق، أتت شاحنة تستعمل لنقل البضائع، فتهيأ التلاميذ لركوبها.
أكد أب تلميذ رافقه إلى هناك، ليطمئن على عثوره على وسيلة نقل» تعتبر السيارات النفعية و الشاحنات الوسيلة الوحيدة لنقل سكان القرية و من بينهم التلاميذ، ففي الصباح تجد معظم تلاميذ الطورين المتوسط و الثانوي متجمعين بنفس المكان، للأسف أبناؤنا ليسوا مثل بقية التلاميذ ، لا نعلم سر هذا الإقصاء و التهميش للمنطقة التي أنجبت رجالا صنعوا جزءا من تاريخ الجزائر، على غرار أبو العيد دودو ، أحمد حماني و العديد من إطارات الدولة «.
و قال التلميذ رؤوف « هنا لا يوجد نقل مدرسي،و لا تصل الحافلات إلى هذا المكان أبدا، فحتى النقل الجماعي منعدم ، ومن الصعب أن تصل الحافلات من الحجم الكبير إلى المنطقة، كيف لها ذلك و الطريق المؤدي إلى المشتة عبارة عن مسلك غابي وعر «.
الفتيات الضحية الاولى
توجهنا إلى المدخل الرئيسي للتجمع السكني، فلمحنا مجموعة أخرى من التلاميذ و التلميذات قادمين نحونا، توقفوا إلى جانبنا فلم تلبث تلميذة تدرس بالطور المتوسط أن قالت بتأثر شديد»نحن الفتيات نعاني كثيرا، فالكثير من بنات المنطقة لم يواصلن تعليمهن، إن أغلب صديقاتي توقفنا عن الدراسة في الطور الابتدائي ، بسبب عدم توفر النقل، ومن بينهم أعز صديقاتي، فالبرغم من أنها كانت من التلميذات النجيبات في المرحلة الابتدائية ، إلى أنها توقفت عن الدراسة في الأسابيع الأولى من دخولها إلى المتوسطة لذات السبب».
سألنا عدة مصادر عن الفتيات اللائي توقفن عن الدراسة، فأخبرتنا بأن عددهن كبير، أما التلميذات اللائي يتحدين الظروف الصعبة و يحالفهن الحظ، فيصلن إلى الطور الثانوي و القلة القليلة منهن تصلن إلى الجامعة. و تطال ظاهرة التسرب المدرسي حتى التلاميذ الذكور بمشتة أزيار، كما علمنا.
التقينا هناك بالشاب محمد كان يحمل محفظة على ظهره، رغم أنه كان يبدو أكبر سنا من بقية زملائه، سألناه عن السبب، فرد مبتسما « أنا لا أدرس، المحفظة التي أحملها لشقيقتي الصغرى، من الصعب جدا أن تكمل دراستك هنا، فالظروف و الطبيعة في الريف جد قاسية، و الأصعب من ذلك عندما تنجح في شهادة التعليم الابتدائي بالمشتة تفرح ، لكن عندما تنتقل إلى الطور المتوسط ، وتعيش معاناة اليومية بسبب النقل تتحسر على حياتك، أنا وصلت إلى غاية السنة الثالثة متوسط، لكني توقفت عن الدراسة رفقة بعض زملائي ، و اتجهنا للعمل حتى نساعد عائلاتنا في مصاريف البيت. أنا الذي صممت على أن تواصل شقيقتي الصغرى دراستها، و أتكفل بدفع مصاريف نقلها ، و أرافقها بشكل يومي إلى المدرسة».
رحلة يومية تنتهي بعد المغرب مشيا على الأقدام
أما التلميذ حسام، فأكد لنا بأنه من الصعب أن تدرس و الأصعب من ذلك، على حد تعبيره» أنك عندما تصل إلى المدرسة ، و قبل أن تدخل إلى القسم ، تبدأ بالتفكير في وسيلة العودة إلى المنزل عند نهاية الدوام المدرسي ، خصوصا في فصل الشتاء مع هطول الأمطار»، مشيرا أن المسلك الغابي الوحيد يصبح في حالة مزرية و يتحول إلى حفر ممتلئة بالأوحال، يصعب التنقل فيها سواء على الأقدام و حتى بوسائل أخرى ، و الكارثة العظمى برأيه تحصل ، عند تعطل إحدى السيارات النفعية التي تستعمل للعودة إلى المنزل، مضيفا « أغلبنا يقطع مسافة 6 كلم وسط الغابة ، و في الظلام ، بالمختصر المفيد ، التلاميذ بالمشتى يتوجهون إلى مقاعد الدراسة في الظلام ، و يرجعون للمنزل بعد صلاة المغرب، لم نعد نستطيع أن نقاوم وبشكل يومي هذه الظروف، نصل إلى المنزل منهكين، حتى أن أغلبيتنا لا يتفقدون كراريسهم و لا يراجعون الدروس أو يحلون التمارين بشكل مستمر».
ما يزيد من صعوبة الوضع، أن أغلبية المقيمين بالمنطقة يستعملون الشاحنات أيضا، فيزاحمون تلاميذ المدارس في الظفر بمكان بمؤخرة الشاحنة للتوجه للعمل أو قضاء حوائجهم اليومية، ، حتى العجائز و النساء يضطررن للتنقل على متن وسيلة يستعصي على الشباب التنقل فيها، فالأغلبية يعانون من الظروف الصعبة المحيطة بهم من غياب للنقل بمختلف أنواعه، و الطبيعة القاسية بالمشتة وكذا غياب مختلف الوسائل و المرافق الضرورية للحياة الكريمة، ما أثقل كاهل العائلات.
أشار والد أحد التلاميذ إلى أن بعض التلاميذ من أبناء العائلات الفقيرة يضطرون إلى التنقل مرارا، سيرا على الأقدام عبر الغابة على مسافة 5 كلم، إلى غاية الوصول إلى الطريق المعبدة ، للركوب في حافلات النقل المدرسي التي تأتي من إحدى المناطق الجبلية المجاورة و ذلك لأنهم لا يستطيعون تسديد مبلغ 60 دج يوميا للتنقل على متن الشاحنات .
ابتدائية مهدمة ومجمع مدرسي جديد مع وقف التنفيذ
بعد مرور حوالي ساعتين ، بدأت أشعة الشمس تعانق السماء الملبدة بالغيوم ، و بدأت عقارب الساعة تقترب من الثامنة صباحا، شاهدنا بعض الأطفال يمرون أمامنا ، أشار مرافقنا إلى أنهم تلاميذ الطور الابتدائي، فتوجهنا برفقتهم إلى الإبتدائية، ذهلنا لهول ما رأيناه، كان جزء من جدار المدرسة مهدما، و علمنا من أحد أبناء المنطقة وهو مدير سابق للمدرسة الابتدائية ، بأن الجدار تهدم منذ سنوات عديدة جراء انزلاق التربة، مما أدى إلى انهيار قسم بكامله و كذا المرحاض الوحيد بالمدرسة، و أضاف أن التلاميذ لا يجدون أين يقضون حاجتهم البيولوجية ، ورغم أنه تم بناء مجمع مدرسي جديد بالمنطقة منذ سنوات، لكنه لم يفتح لحد اليوم. السبب راجع إلى، حسبه عدم انتهاء الأشغال المتعلقة بالفناء . لاحظنا أثناء تواجدنا بمحاذاة المدرسة تدهور البناية ، و أخبرنا مواطن ، بأن تلاميذ الابتدائية يعانون من البرد القارس طيلة أشهر الدراسة، كون المنطقة جبلية، و تعرف بمناخها شديد البرودة.
أثناء تواجدنا قدمت سيارة على متنها سيدتين، و بعد لحظات تم إعلامنا بأنهما معلمتا اللغة العربية. و قال لنا زوج إحداهما بأنه يقوم بنقلهما بشكل يومي إلى المدرسة بواسطة سيارته ذات الحجم الصغير، معربا عن تخوفه من الأمطار الغزيرة في فصل الشتاء، مضيفا «أصارحك بأني أخاف مما سيقع في فصل الشتاء ، سيارتي لا تستطيع التنقل عبر الطريق الغابي ، كم أتمنى لو أن حافلات توجد بالمنطقة، فأنا لا أقبل أن تركب زوجتي في شاحنات يفترض أن تستعمل لنقل البضائع لا البشر ، و أنا أتساءل دائما كيف يستطيع سكان المنطقة العيش في ظل هذه الظروف المزرية».
توجهنا بعد ذلك إلى المجمع المدرسي ، الذي انتهت أشغال إنجاز جزء كبير منه منذ سنوات ، وجدناه في حالة كارثية ، أغلب النوافذ محطمة و حتى بعض الأبواب تم نزعها، ، رغم أن قدم أي تلميذ لم تطأه و لاحظنا عدم إحاطته بجدار واق، و عدم تهيئة الفناء. و أجمع سكان المنطقة الذين تحدثنا إليهم بأن المشكل الأساسي الذي يحول دون تنمية المنطقة هو غياب طريق يؤدي لمشتة أزيار ، للقضاء على مشكل النقل والتنقل من و إلى المنطقة ، كما دعا ذوي التلاميذ لضرورة فتح المجمع المدرسي حتى يستفيد منه تلاميذ الطور الابتدائي بالمنطقة.
حالة الطريق تحول دون فتح خط نقل مدرسي
حملنا معنا انشغال التلاميذ و ذويهم إلى رئيس بلدية العنصر، فقال بأن مشكل الطريق سيتم القضاء عليه نهائيا ، إذ يتم حاليا فتح طريق جديد، يربط بين الطريق الولائي( 135 ب) و قرية أزيار ، تم تقسيمه إلى أربعة أشطر ، ويشهد تهيئة بعض النقاط السوداء التي عطلت وتيرة الأشغال، موضحا بأنه تم تخصيص مبلغ إضافي يقدر بـ 700 مليون سنتيم للانتهاء من العملية .و أضاف المير بأن مصالحه سبق لها و أن خصصت مبلغا لاقتناء حافلة جديدة للنقل المدرسي لتلاميذ منطقة أزيار ، لكن وضعية الطريق منعت البلدية من مباشرة عملية الشراء ، مؤكدا بأن فتح الطريق الجديد سيحل مشكل النقل بمختلف أنواعه بالمنطقة.
أما في ما يخص المجمع المدرسي الجديد بالمنطقة،أوضح المسؤول بأنه تم تخصيص مبلغ مالي يقدر بـ 600 مليون سنتيم لتهيئة الفناء و سور للمدرسة ، و أسندت العملية لمقاول ، سيشرع في إنجازها قريبا، و قد أكد المير بأن تدهور المجمع وقع في العهدة السابقة قبل توليه شؤون البلدية ، مما جعله يخصص حارسا للمجمع.
ك طويل