يطرح السلوكُ المتكرّر لتلاميذ مع نهاية كلّ سنة دراسيّة أسئلة تتطلّب الإجابة عنها فحص المدرسة و حال التعليم، وليس "إخفاء" الظاهرة كما دعت إلى ذلك نقابات التربيّة.
فالتّمزيق العلني للكراريس وتخريب الأقسام ترجمة لا لُبس فيها لمشكلة في العمليّة التعليميّة والتربويّة، قد تتعدّد القراءات بشأنها لكنّها تبقى مُشكلة في نهاية المطاف، حتى وإن كانت محدودةً وأخذت البُعد الذي أخذته بسبب التداولِ الواسعِ على مواقع التواصل.
وما يجب التأكيد عليه أنّ الظاهرة ليست جديدة، فمنذ سنواتٍ ونحن نرى أوراق الكراريس وهي تتطاير في نفس التوقيت، ومنذ سنواتٍ والمتابعون للشأن التربوي ينبّهون إلى ظواهر طارئة نتيجة تغيّرات سوسيولوجية، كاهتزاز صورة المعلّم والأستاذ وحتى النظرة الاجتماعيّة للمتعلّم.
وقد يكون ذلك نتيجة الزلزال الذي أحدثته طبقة جديدة ظهرت في مرحلة ما بعد الإرهاب، متمثلة في الأغنيّاء الجُدد الذين حصّلوا "المجد الاجتماعي" من دون حاجة إلى اجتهاد أو تعليم، من خلال مقاولاتيّة مُختلقة لتحصيل الريع أو من خلال نشاط في السوق الموازي، هذه الطّبقة ألهمت في صعودها فئات من المجتمع بمن فيهم رجال ونساء التربيّة أنفسهم، فتحولوا إلى ممارسة التعليم الموازي في المستودعات والشّقق على حساب مدرسة الجمهوريّة المجانيّة التي تخرجوا منها وعلى حساب المجموعة الوطنيّة، ما دامت الدولة ترصد مقدرات ضخمة لبناء المدارس في كلّ حيّ وتوظيف عدد هائل من المستخدمين.
و هكذا أصبح الأستاذُ حامل القيّم مجرّد تاجرٍ غير شرعي يسرقُ التلميذ من المدرسة في مساومةٍ ستنال من صورته ومن قيمة "التعليم" الذي يمارسه على نفسين، في القسمِ وفي المستودعِ، مع أنّ التشريعات الوطنيّة تتيح فرص إنشاء مدارس خاصّة لمن أراد تحويل التعليم إلى نشاط ربحي.
ولا بدّ من النّظر من هذه الزاويّة لتحميل رجل التعليم الكثير من المسؤولية في التدهور الذي أصاب صورته، والتي لا يتحمّلها وحده بكل تأكيد، وفي هذا الضغط الذي يُصاحب التمدرس الذي تحوّل إلى كابوس بالنسبة لعددٍ كبير من الأولياء الذين يضطرون لتقاسم مداخيلهم مع الأساتذة، ضغط ينقله الآباء للأبناء، و قد يكون من بين العوامل التي تفسّر الاحتفال العنيف بموعد "التحرّر" المؤقت من المدرسة.
سليم بوفنداسة