سحبت وسائل التواصل الاجتماعي خطابات كثير من الوجوه المحسوبة على النّخب الثقافية والإعلاميّة إلى أرضها وأخضعتها لمنطقها بحسب ما يمكنُ معاينته من "عنفٍ" و "كراهيّةٍ" في النقاشات أو في إبداء الرأي وطرح الأفكار.
حيث تدفع هذه الشّبكات المستخدم إلى التخفّف من الرصّانة، وفق نواميس تفرض الإسفاف شرطًا للانتشار، وتمارس نوعًا من الإغواء بدفع نماذج مُقترحة للتقمّص بعنوان الإقبال الجماهيري المترجم في تفاعلات بالإعجاب أو بالسّخط.
و قد استسلمت وسائلُ الإعلام للعبة مُكرهة، محاولةً التوفيق بين مُقتضيات المهنيّة وضرورات الانتشار، فبات مقدمو حصصٍ سياسيّة أو ثقافيّة جادّة في قنواتٍ تلفزيونيّةٍ عالميّةٍ، مثلاً، يستعينون بمهرّجين لإضحاك الجمهور وجميلاتٍ مثيراتٍ لاستبقائه أطول فترة مُمكنة، مع الاجتهاد في اختلاق ما "ينتشر" على الشّبكات بعد حين، لارتباط بقاء الحصّة وتمويلها و موعد بثّها بنسبِ المُشاهدة.
واضطرت الصّحافة المكتوبة إلى الاستنجاد بالخطاب البصري للحفاظ على الجمهور المنصرف إلى غير القراءة و المُستهلك للمعلومة السّريعة المُعفاة من البراهين والأدلة، وصناعة محتوى يتماشى مع ما تطلبه السّوق الجديدة.
و إذا كانت هذه الوسائط قد وفّرت الفضاء الحرّ للكتّاب والصحافيين وأخرجتهم من القوالب والقيود الكلاسيكية للنّشر، فإنّها بالمقابل وضعتهم أمام تحدّ جديد يتمثّل في كيفيّة الحفاظ على المصداقيّة التي تقتضيها صفاتهم و وظائفهم في وضعيّة تواصليّة جديدة يتعاملون فيها مع المتلقي من دون وسيط.
و هنا قد تحدث المفارقة، لأنّ هذا الفضاء الحرّ يفرض بالمقابل "ديكتاتوريّة المتلقي" الذي لا يتردّد في تحديد صفات بضاعته في تفاعلات تفرض خطّ سيرٍ على "الكاتب" و توجّهه نحو "المحمود" من المنشورات، حيث سيصبح ملزمًا بالرّقص على الإيقاعات المتوفرة.
هذا المدخل قد يُساعد على فهم سقطات كتّاب وصحافيين في مستنقع خطاب الكراهيّة والعنصريّة، وستتضح الصورة حين تُضاف الصّدمات والأمراض الاجتماعيّة الناجمة عن الظروف العصيبة التي مرّت بها البلاد والتي بلغ فيها العنف حدوده القصوى، وقد يكون "الخطاب العنيف" من بقايا تلك المرحلة التي تحتاج إلى معالجة، عبر عملٍ عميق يقضي على بذورها من خلال إشاعة فضائل الحوار وتبني بيداغوجيّة لاستيعاب الاختلاف، بيداغوجيّة تحتاج إليها النّخب العنيفة قبل عموم الجماهير.
سليم بوفنداسة