السبت 19 أفريل 2025 الموافق لـ 20 شوال 1446
Accueil Top Pub

درسٌ للمُبتدئين

اختار ميلان كونديرا العُزلة كأسلوب في حياته التي بدأت صاخبةً، بقصّة انشقاقٍ مُعلن ومجدٍ خدمته السيّاسة من دون أن تفسد للأدب قضيّة.

 الكاتبُ الذي توفي الأسبوع الماضي، أغلق الأبواب أمام الصّحافة والحياة العامة منذ منتصف ثمانينيات القرن الماضي، وعاش في دائرة ضيّقة في "منفاه" الباريسي منصرفًا للكتابة،  وهو بذلك يقدّم درسًا "للمنشقّين" المتأخرين فحواه أن البقاء الأدبي يقتضي الإخلاص للأدب، الذي سيبقى حين تنطفئ الأضواء وتتوقّف الرعاية السيّاسيّة والإعلاميّة، وأن بيت الكاتب هو ذاته، ضاقتِ الأوطان أم اتسعت.
صحيحٌ، أن الدوائر الأدبيّة والإعلاميّة الفرنسيّة هي التي قدّمت كونديرا للعالم، بعد توبته من الشيوعيّة وقطيعته مع بلده الأم تشيكوسلوفاكيا، لكنّ الدوائر ذاتها هي التي أعلنت نهايته، حين رأت أنّ صاحب "المُزحة" لم يعد له ما يقوله، و أنه يتغذى على وقائع لم تعد راهنة، بل  إنّ أعماله الأخيرة  في تقدير نقاد فرنسيين باتت تُحمّل "فنّ الرواية" فوق ما يحتمل، كونها تحفل بآراء وتأملات فلسفيّة أفسدت نصوصه.
و مثلما دفعت السيّاسةُ الكاتبَ إلى واجهةِ الأدب العالمي فإنّها ظلّت تطارده إلى أيامه الأخيرة، ليس من خلال النّبش في ماضيه الشيّوعي واتهامه بالوشاية بمناضلٍ فحسب، بل بالتّشكيك، أيضًا، في حبّه لوطنه الأمّ، حيث هاجمته الصّحافة التشيكية لرفضه ترجمة أعماله المكتوبة بالفرنسيّة إلى التشيكية، رغم المبرّرات الأدبيّة التي ساقها وأكد من خلالها صعوبة ترجمة نصوصه من دون تشويه، وهو الذي اشتكى من تشويه المترجمين الفرنسيين لأعماله الأولى المكتوبة بالتشيكية.
وهكذا ظلت علاقته ببلده متوترة رغم استعادته جنسيته الأصلية سنة 2019.
 ولم تنفع كونديرا في نهاية المطاف سوى أعماله التي انتشرت في عشرات اللّغات بفرادتها وغرابتها وحفرها في دهاليز الذات الإنسانيّة وسخريتها الجادة وتحولات أبطالها غير المتوقعة، لم ينفع الكاتب سوى أدبه الذي وضعه بين كبار الكتّاب العالميين وحب قرائه في مختلف القارات واللّغات، أما الصّخب الإعلامي فقد انتهى بمجرّد انتهاء الحاجة إليه، وكذلك انتهى حبّ رئيس جمهورية بلد الاستقبال وإعجابه، وربما قدّمت سيرةُ هذا الكاتب درسًا بالمجّان لمُنشقّي  العصر والأوان من الكتّاب، في بلد الاستقبال ذاته مع اختلاف في المنشأ، وقد تطرّفوا في يمينيّتهم و تجاوزوا أهل الدار في الدّفاع عن الدار.

سليم بوفنداسة

المزيد من الأعمدة

ظُلمات

تعرفُ العلاقات الدوليّة مقدّمات أزمة أشبه ما تكون بحربٍ كونيّة جديدة تعيدُ توزيع الأدوار بين سكّان غابتنا،...

  • 14 أفريل 2025
اسمي حمزة

اسمي حمزة، كان لي رأسٌ. كانت لي عينان و أحلامٌ صغيرة لا أعلنها. ربما أشبه أحمد الذي لم يعثـروا على رأسه،...

  • 07 أفريل 2025
هوس فرنسي

تحوّلت الجزائر، هذه الأيام، إلى «لازمة» على ألسنة السّاسة والنّخب في فرنسا، وإلى موضوع أثيرٍ على...

  • 24 فبراير 2025
«واقعيّة قذرة»

لن تهنأ الإنسانيّة بعائدات التطوّر العلمي الذي يفترض أن يساعد في حلّ المشكلات ويجعل الحياة أيسر...

  • 17 فبراير 2025
العالمُ برواية «ماسك»!

تحوّل الملياردير الأمريكي إيلون ماسك إلى كابوسٍ حقيقيٍّ يُؤرّق ساسةً وصنّاعَ قرارٍ في أوروبا، وفق...

  • 20 جانفي 2025
سوارٌ إلكتروني

ظلّت الثقافة على الدوام من أدوات الهيمنة التي تستخدمها قوى استعمارية، في آلية فكّكها إدوارد سعيد...

  • 13 جانفي 2025
حياة في الثقافة

غادر بوداود عميّر فجأة، بعد أن لمّح إلى غيّابٍ مُؤقّت اتقاء شرّ مُنتحلٍ سرق هويّته، قبل أن ينجح...

  • 23 ديسمبر 2024
أبوابٌ ونوافذٌ

بيّنت الأحداث الأخيرة، التي استخدم فيها طرفٌ أجنبيٌّ، كاتبين جزائريين ضدّ بلدهم الأم، في حرب...

  • 09 ديسمبر 2024
صوتُ الحياة

شاخ الوقتُ حولها لكنّها ظلّت في مقتبل الصّبا تسقي الدهشة وتشيعها، لأنّ المنادي الذي نادى النّاس...

  • 25 نوفمبر 2024
المُنمركون !

يصعبُ توقّع ما ستكون عليه الحياة بعد سنوات قليلة، نتيجة التدخّل المفرط للتكنولوجيا فيها، الذي لا...

  • 18 نوفمبر 2024
لا تلوموا أسامة!

يطرحُ الإقبال "غير المتوقّع" على الكاتب السعودي أسامة المسلم في صالون الجزائر الدولي للكتاب،...

  • 11 نوفمبر 2024
«لأسبابٍ سياسيّة» !

قبل سويعات من الكشف عن الفائز بجائزة الغونكور، أمس، نقلت وكالة الأنباء الفرنسية عن ناشرٍ قوله، إن...

  • 04 نوفمبر 2024
الصّورة و النّص

عاش كاتب ياسين حياةً قليلة وبسيطة، عانى فيها من "سوء الفهم" و الأسطرة، فضلا عن الجدل الذي لم يفتر...

  • 28 أكتوير 2024
المُستريحون

تُخفي الفرحةُ بموت أحدٍ، حالة قهرٍ عاشها الفَرِحُ في وجود الرّاحل الذي حقّقت ميتتُه زوال غمٍّ،...

  • 21 أكتوير 2024
طفولــة

سليم بوفنداسة ينشغلُ عددٌ غير قليل من الجزائريين بنظرة الآخر التي تتحوّل إلى مصدر فخرٍ أو سبب...

  • 15 أكتوير 2024
ضرورة الفرز

سليم بوفنداسة لا يواجه الأدب الجزائري مشاكل في التلقي فحسب بل يواجه أيضًا مشاكل في الكتابة...

  • 01 أكتوير 2024
سُقــــوط

سليم بوفنداسة فرضت ثقافة السّوق التي تهيمن على عالمنا المعاصر نمطًا جديدًا من النّخب، تنتجه...

  • 24 سبتمبر 2024
حارةُ المُؤثرين

هل تستطيعُ وسائطُ التّواصل الاجتماعيّ حمل الخِطاب الثقافيّ، وهل يسلمُ، في حال استخدامها من الخِفّة التي تفرضها...

  • 17 سبتمبر 2024
المهيمنُ لا يتحرّج

لا يستريحُ القتلةُ في الصيّفِ، فكلّ الفصول مُناسبة لإراقة الدم، ولعلّهم نجحوا في تحويل المقتلة...

  • 29 جويلية 2024
كرمٌ مُعلن

يمكن اعتبار الاحتفاء بالناجحين علامة صحيّة، لما في ذلك من تقديرٍ للعلم ومُحصّليه، شرط أن يكون...

  • 22 جويلية 2024
Articles Side Pub
Articles Bottom Pub
جريدة النصر الإلكترونية

تأسست جريدة "النصر" في 27 نوفمبر 1908م ، وأممت في 18 سبتمبر 1963م. 
عربت جزئيا في 5 يوليو 1971م (صفحتان)، ثم تعربت كليًا في 1 يناير 1972م. كانت النصر تمتلك مطبعة منذ 1928م حتى 1990م. أصبحت جريدة يومية توزع وتطبع في جميع أنحاء الوطن، من الشرق إلى الغرب ومن الشمال إلى الجنوب.

عن النصر  اتصل بنا 

 

اتصل بنا

المنطقة الصناعية "بالما" 24 فيفري 1956
قسنطينة - الجزائر
قسم التحرير
قسم الإشهار
(+213) (0) 31 60 70 78 (+213) (0) 31 60 70 82
(+213) (0) 31 60 70 77 (+213) (0) 6 60 37 60 00
annasr.journal@gmail.com pub@annasronline.com