اعتبر الفيلسوف الفرنسي ميشال أونفري اعتداءات باريس إجابة على أعمال عنف غربية، ولم يتردّد الفيلسوف اليساري الذي اقترب من اليمين في الأشهر الأخيرة في القول بأن التحالف الغربي أعلن الحرب على دول لم تكن تهدّدنا قبل أن نرفض سيادتها أو نسمح لها بإمكانية إقامة نظام من اختيارها وذكر العراق وأفغانستان وليبيا ومالي.
أونفري قال أنه لا يبرّر العمل الإرهابي لكنه يعرف ببساطة أن «أقسى ردّ على العنف هو العنف».
هذا الموقف المثير يمكن اعتباره بداية عودة الوعي للمثقفين الفرنسيين الذين اصطفوا خلف النخب السياسية التي انخرطت في «الحروب الجديدة» وبين هؤلاء المثقفين من برّر ونظّر للحقّ في التدخّل لدواع إنسانية أو لإشاعة الديموقراطية، والحق أن الدول الغربية لم تنجح في إقامة أي نظام ديموقراطي بل أنها حمت أنظمة شمولية وديكتاتوريات ونصّبت عملاء و عملت على إدامة الاستعمار، بمعنى أنها ساهمت في غرس أشجار الشرّ التي أثمرت الآن.
موقف كهذا، يمكن أن يبعث النقاش حول «الجور» الذي تعرفه العلاقات الدولية بسبب السياسات الغربية التي أخرجت مئات الملايين من البشر من دائرة الإنسانية وحولت ثلاثة أرباع الكوكب إلى مزرعة تجود بطيباتها حصرا على الرجل الغربي. ومن المحزن حقا، أن يتحوّل في ظرف كهذا فلاسفة ومفكرون إلى مهرجين في حاشية محاربين من صنف بوش و ساركوزي وفيهم من نزل إلى ساحة القتال لتشجيع الشعوب على الحروب وتوزيع السلاح.
لقد أفسد رجال السياسة في الأرض وحرموا الإنسانية من الاستمتاع بالرفاهية التي تتيحها التطورات العلمية والتكنولوجية التي قرّبت بين سكان كوكبنا الحزين المهدّد بالاحتراق، ومن واجب المشتغلين في حقل الأفكار الوقوف في وجوه هؤلاء الساسة وحلفائهم التجار و مناهضة الظلم حيثما وجد. وعليهم التنبيه إلى أن الأمم الحرّة حرة بما تشيعه وليس بما تمنعه وان إقامة الأسوار لا تناسب العصر تماما كما لا يناسبه بل ويسيء إليه تصنيف البشر بحسب دياناتهم أول ألوانهم أو أصولهم. ومن واجبهم التنبيه إلى جذور الحقد ومسببات الكراهية التي تشكل الاعتداءات الإرهابية (المدانة في كل الأحوال) الجزء البسيط الظاهر منها.
ملاحظة
من حق أوروبا أن تدافع على هويتها المسيحية اليهودية، من حقها أن تتحوّل إلى ناد مغلق، لكن عليها قبل ذلك أن تمتنع عما تمنعه عن الآخرين.
سليم بوفنداسة