الجمعة 29 نوفمبر 2024 الموافق لـ 27 جمادى الأولى 1446
Accueil Top Pub

قناع شهريار

لم تكن فاطمة المرنيسي في حاجة إلى قاموس النسوية كي تهجو «الذكر الغالب»، بل أنها لم تكن في حاجة إلى الهجاء، أصلا، لأنها اختارت من البداية التشريح العلمي للبنى والأنساق التي حوّلت المرأة إلى مجرد أداة، فنقّبت في التواريخ السحيقة وعبرت ثقافات بمشرطها، و وضعت أصدقاء لها، فنانين ومثقفين مرموقين على سرير التحليل النفسي، وفحصت آثارا فنية لتصل إلى نتيجة زلزلت اليقين السائد الذي يخصّ الشرق وحده باستعباد المرأة، نتيجة تقول أن وباء الذكورة مرض عالمي، تتفاوت أعراضه بين الثقافات، فالفنان الغربي يحمل المرأة إلى حمّام ألوانه وكذلك يحبّها المتلقي المثقف، وكان يكفي أن تصاحب عالمة الاجتماع  الشرقية مثقفين غربيين إلى معارض فنية كي تكتشف  شهريار النائم في أعماق الرجل الأبيض كما بيّنت في كتابها «شهرزاد ترحل إلى الغرب»، كما أبرزت في «هل أنتم محصّنون ضد الحريم» أساليب الرق المستحدثة التي تجعل المرأة تنحت حتى جسدها على خيال الرجل الكريم.
لقد أحرجت المرنيسي الكثير من المثقفين العرب الذين يرون الكمال والخلاص في النموذج الغربي، لأنها ببساطة نقّبت في العمق  وفحصت اللاوعي الجمعي، ولم تكتف بقراءة الفلاسفة الرائجين والصحف!
وكذلك فعلت حين مسحت الغبار عن «السلطانات المنسيات» لتؤكد أن وصول المرأة إلى مراكز القيادة السياسية  ليس سبقا غربيا.
بل أن هذه العالمة الفذة جعلت من الثقافة والمجتمعات الغربية موضوعا للدراسة ، وقدمت تحليلا نفسيا للإنسان الغربي أسقطت بموجبه كل الأقنعة و تلك الهالة الأسطورية  التي روّجتها الخطابات الكولونيالية وما بعدها، وتلقفها المثقف والباحث العربي الذي يستهلك الأفكار بنفس الثقة التي يستهلك بها السلع المستوردة وبنفس الاعتزاز، معفيا نفسه من الإنتاج والإسهام وحتى من الانتباه.
نجحت المرنيسي في تشخيص حالة المجتمعات العربية الإسلامية بأدواتها الخاصة، و كانت وسيطا نزيها بين الثقافات هي التي تنقلت بين اللغات، ويعد غيابها اليوم خسارة تبدو غير قابلة للتعويض في مناخ  تقل فيه فرص ظهور علماء من طينتها و في ظرف عصيب تتقاسم فيه القوى الاستعمارية  والأصوليات الدينية والعسكرية عمليات مراجعة الخرائط والطبائع وتتولى عملية صناعة إنسان عربي  قابل للانفجار و التبشير بمجتمعات جديدة تجمع بين الممارسات البدائية ونفايات الحداثة.

سليم بوفنداسة

 

المزيد من الأعمدة

صوتُ الحياة

شاخ الوقتُ حولها لكنّها ظلّت في مقتبل الصّبا تسقي الدهشة وتشيعها، لأنّ المنادي الذي نادى النّاس...

  • 25 نوفمبر 2024
المُنمركون !

يصعبُ توقّع ما ستكون عليه الحياة بعد سنوات قليلة، نتيجة التدخّل المفرط للتكنولوجيا فيها، الذي لا...

  • 18 نوفمبر 2024
لا تلوموا أسامة!

يطرحُ الإقبال "غير المتوقّع" على الكاتب السعودي أسامة المسلم في صالون الجزائر الدولي للكتاب،...

  • 11 نوفمبر 2024
«لأسبابٍ سياسيّة» !

قبل سويعات من الكشف عن الفائز بجائزة الغونكور، أمس، نقلت وكالة الأنباء الفرنسية عن ناشرٍ قوله، إن...

  • 04 نوفمبر 2024
الصّورة و النّص

عاش كاتب ياسين حياةً قليلة وبسيطة، عانى فيها من "سوء الفهم" و الأسطرة، فضلا عن الجدل الذي لم يفتر...

  • 28 أكتوير 2024
المُستريحون

تُخفي الفرحةُ بموت أحدٍ، حالة قهرٍ عاشها الفَرِحُ في وجود الرّاحل الذي حقّقت ميتتُه زوال غمٍّ،...

  • 21 أكتوير 2024
طفولــة

سليم بوفنداسة ينشغلُ عددٌ غير قليل من الجزائريين بنظرة الآخر التي تتحوّل إلى مصدر فخرٍ أو سبب...

  • 15 أكتوير 2024
ضرورة الفرز

سليم بوفنداسة لا يواجه الأدب الجزائري مشاكل في التلقي فحسب بل يواجه أيضًا مشاكل في الكتابة...

  • 01 أكتوير 2024
سُقــــوط

سليم بوفنداسة فرضت ثقافة السّوق التي تهيمن على عالمنا المعاصر نمطًا جديدًا من النّخب، تنتجه...

  • 24 سبتمبر 2024
حارةُ المُؤثرين

هل تستطيعُ وسائطُ التّواصل الاجتماعيّ حمل الخِطاب الثقافيّ، وهل يسلمُ، في حال استخدامها من الخِفّة التي تفرضها...

  • 17 سبتمبر 2024
المهيمنُ لا يتحرّج

لا يستريحُ القتلةُ في الصيّفِ، فكلّ الفصول مُناسبة لإراقة الدم، ولعلّهم نجحوا في تحويل المقتلة...

  • 29 جويلية 2024
كرمٌ مُعلن

يمكن اعتبار الاحتفاء بالناجحين علامة صحيّة، لما في ذلك من تقديرٍ للعلم ومُحصّليه، شرط أن يكون...

  • 22 جويلية 2024
محنة الرواية!

تعرّضت الكاتبة إنعام بيّوض إلى حملة تشهير بالغة السوء على مواقع التواصل الاجتماعي، بعد نشر صوّر...

  • 15 جويلية 2024
محاذير الفرح!

أثار الفرح "المبالغ فيه" بالنّجاح في مختلف امتحانات نهاية السنة، الجدل بين مناصرين للحقّ في...

  • 01 جويلية 2024
«ترندينغ»

تكفّلت مواقع التواصل الاجتماعي بترتيب اهتمامات "الرأي العام"، مُنهية بذلك احتكار وسائل الإعلام...

  • 24 جوان 2024
سِرُّ مالك!

بقدر الدهشة التي تخلّفها جُملته، بقدر الحسرة التي ينتهي إليها قارئه، حسرة على عدم اكتمال قصّة وعلى الصّمت...

  • 03 جوان 2024
«الطريق»

توفر الوسائط التكنولوجيّة "حياةً جديدةً" للإبداع، من خلال القنوات التي تفتحها مع المتلقّي، مختصرةً الجهد والوقت...

  • 27 ماي 2024
الفيلسوف متوحشا

أصاب الحراك الطلّابي في الغرب، الفيلسوف الفرنسي الصهيوني الهوى ألان فينكلكروت بالرّعب، إلى درجة...

  • 20 ماي 2024
الخروج من حُجرة الكتابة

خرج بول أوستر من "حجرة الكتابة" تاركًا أبطاله لمصائرهم الغامضة وشعبًا يتيمًا في مختلف اللّغات، هو...

  • 06 ماي 2024
قطارُ الباطل

سلّطت الاحتجاجاتُ الطلابيّة في الولايات المتحدة الأمريكيّة الضوء على هيمنة اللّوبي الصهيوني على...

  • 29 أفريل 2024
Articles Side Pub
Articles Bottom Pub
جريدة النصر الإلكترونية

تأسست جريدة "النصر" في 27 نوفمبر 1908م ، وأممت في 18 سبتمبر 1963م. 
عربت جزئيا في 5 يوليو 1971م (صفحتان)، ثم تعربت كليًا في 1 يناير 1972م. كانت النصر تمتلك مطبعة منذ 1928م حتى 1990م. أصبحت جريدة يومية توزع وتطبع في جميع أنحاء الوطن، من الشرق إلى الغرب ومن الشمال إلى الجنوب.

عن النصر  اتصل بنا 

 

اتصل بنا

المنطقة الصناعية "بالما" 24 فيفري 1956
قسنطينة - الجزائر
قسم التحرير
قسم الإشهار
(+213) (0) 31 60 70 78 (+213) (0) 31 60 70 82
(+213) (0) 31 60 70 77 (+213) (0) 6 60 37 60 00
annasr.journal@gmail.com pub@annasronline.com