أخرج أوسمته و جزماته القديمة. أخرج قبعاته وقصاصات جرائد صفراء. أخرج صورا بالأبيض والأسود. أشعل سيجارة: هذا تاريخي. هذا تاريخنا. لو لم أكن هنا لما كان أحد هنا الآن. الفضل لي في كل ما يحدث، لو لم أكن هنا لما نبتت كلّ هذه الأشجار ولما جرت الفلك في البحر. لو لم أكن لما كانت كل هذه الطرقات وكل هذه البنايات. أنا الذي أبقيتُ على كل ما هو قائم الآن. ولابد أن أدافع عن تاريخي ومنجزي. نعم، قرّرت أن أطيل عمري لأثبت أني كنتُ على حق. صحيح أني قسوت، لكن الضرورة اقتضت ما كان. لا بد من موت لكي تكون الحياة. أنا لست مسؤولا عن غريزة الموت، الذين ماتوا ماتوا، والذين اختفوا اختفوا والذين جرت في دمائهم الحياة استمروا. كان لابد من استخدام السكين، أحيانا، لقطع أصبع حفاظا على اليد. ثمة أمور لا يمكن تفسيرها، والتاريخ يُطبخ على هذا النحو. الذين يتحدثون عن الجماجم لا يقرأون التاريخ. في أساسات كل الحضارات الإنسانية تنام جماجم مجهولة. المجهولون لا يضيفون شيئا إلى التاريخ، هم مجرّد أرقام صمّاء. وحدهم الذين يتخذون القرار المناسب في الوقت الضروري يجري ذكرهم فيما بعد، حين يموت الحاسدون والحاقدون.
لم أكن عدوا لأحد، كنت، فقط، أتدخّل لتصويب الأوضاع: أمنع هذا من تولي أمر لا ينفع فيه، وأخرج من أرى في وجوده مفسدة وأدفع من يستحق الدفع. كنت أقسّم الناس إلى حصص والحياة إلى حصص لأضمن التوازن.
لا تشوب تاريخي شائبة، لو لم أفعل ما فعلت لذهبت ريح الأمة. كان لابد أن أوقف أولئك الذين قدموا من تاريخ ليس تاريخنا يستخدمون اسم الله في تدبير شؤون الأرض. وها إني أعترف ألا مشكلة لي مع السماء، فقد صرت أصلي كثيرا بعد تقاعدي وأصوم وذهبت إلى الحج أكثر من مرّة. حياتي العسكرية لم تفسد معدني. أنا ابن هذه الجبال وهذه الرمال، تعذّبت، وكان من حقي حين بلغت القمة أن أفيد الأمة بخبرتي وأقيها من الكوارث التي أتشمّم رائحتها قبل أن تقع.
لا أشعر بالندم. والحق أقول أني أنام جيدا، وفي أحيان كثيرة أنام واقفا أو جالسا. لا تطاردني كوابيس ولا أتوجس من المستقبل. المستقبل سيكون لي تماما كما كان الماضي. أنا صوت الحق الذي أراد بعضهم إسكاته.
مسّه فخر فشرع في تلميع أوسمته و جزماته القديمة.
سليم بوفنداسة