السبت 5 أفريل 2025 الموافق لـ 6 شوال 1446
Accueil Top Pub

لغة الأمر الواقع

يتهدّد الموت اللغات، تماما كما يتهدّد الكائنات التي تختفي من مسرح الوجود بانتفاء جدواها أو تلاشي أعضائها. تختفي اللغة، وقد يغيّرها مستعملوها مثلما غيّر الإنسيّ جلده القديم منذ اكتشف اللّباس الذي أنهى عهود عُريه وأبعده عن إخوته الحيوانات إلى غابة أخرى، ليشكل تجمّعا  بحيّل أكبر وقسوة أشدّ.
وتتوقّع دراسة لليونيسكو اختفاء 5500 لغة في قرننا الفضيل هذا، ولا ينفع بكاء منظمة العلوم والثقافة على مجزرة تستهدف التراث الإنساني في تغيير وضع اللّغات المعنية بالموت.
وبالطبع فإن هناك أسباب البقاء وأسباب الزوال.
وبقاء اللّغة مرتبط باستخدامها وانتشارها  وبما تنتجه وبجدواها الاقتصادية، ويحذّر مختصّون من انقراض لغات نجحت في الصّمود حتى أمام لغات  الاستعمار بسبب ثورة الاتصالات التي وحّدت أساليب التخاطب في العالم وجمعت البشرية على لسان واحد.
ولا يثير الانسحاب الصامت للغة سوى انتباه الباحثين المختصين، ولا يمكن إنقاذ لغة  توفّرت أسباب انصرافها بالحب أو بقرارات سياسيّة. لأن وصول جيناتها إلى مداها يوقف بطريقة طبيعية استمرارها.
ما سبق يستدعيه نقاش غير علمي حول اللّغات في الجزائر وصل حدّ التعصّب بشأن العربية و الأمازيغية، وهو نقاش قديم يتجدّد حول حيف مسّ اللغات المحلّية  منذ شروع السلطات في مسعى التعريب القسري. ويأخذ النقاش في الغالب أبعادا إيديولوجية بدوافع إثنية غير معلنة، حيث تتحوّل اللّغة إلى دليل وجود وسبب بقاء وتكتسب صفة كهنوتية لا تناسب وضعها كلغة.
وإذا كانت السلطات السياسية قد أنهت الجدل، أخيرا، بدسترة  الأمازيغية كلغة رسميّة إلى جانب العربية، بكلّ ما يعنيه ذلك من جبر للخواطر واعتراف بمكونات الثقافة الجزائرية، فإن تطور اللغتين يقتضي ما يقتضيه من إنتاج فني وثقافي  وتعليم ورواج وجدوى و نجاعة اقتصادية، لأن التطوّر يأتي من داخل اللّغة نفسها وليس من خارجها، واللّغة التي لا تستطيع السير لا يمكن إسنادها.
فلو فحصنا واقع الحال لوقفنا على حال آخر، لأن لغة الاقتصاد ولغة الآداب والفنون ولغة الحكم و اللغة الأثيرة لدى الجزائريين واللغة التي  تطير بأجنحة، هي لغة أخرى غير اللغتين المذكورتين، صحيح أنها غير مدسترة، لكنها لغة الأمر الواقع! 

سليم بوفنداسة

 

المزيد من الأعمدة

هوس فرنسي

تحوّلت الجزائر، هذه الأيام، إلى «لازمة» على ألسنة السّاسة والنّخب في فرنسا، وإلى موضوع أثيرٍ على...

  • 24 فبراير 2025
«واقعيّة قذرة»

لن تهنأ الإنسانيّة بعائدات التطوّر العلمي الذي يفترض أن يساعد في حلّ المشكلات ويجعل الحياة أيسر...

  • 17 فبراير 2025
العالمُ برواية «ماسك»!

تحوّل الملياردير الأمريكي إيلون ماسك إلى كابوسٍ حقيقيٍّ يُؤرّق ساسةً وصنّاعَ قرارٍ في أوروبا، وفق...

  • 20 جانفي 2025
سوارٌ إلكتروني

ظلّت الثقافة على الدوام من أدوات الهيمنة التي تستخدمها قوى استعمارية، في آلية فكّكها إدوارد سعيد...

  • 13 جانفي 2025
حياة في الثقافة

غادر بوداود عميّر فجأة، بعد أن لمّح إلى غيّابٍ مُؤقّت اتقاء شرّ مُنتحلٍ سرق هويّته، قبل أن ينجح...

  • 23 ديسمبر 2024
أبوابٌ ونوافذٌ

بيّنت الأحداث الأخيرة، التي استخدم فيها طرفٌ أجنبيٌّ، كاتبين جزائريين ضدّ بلدهم الأم، في حرب...

  • 09 ديسمبر 2024
صوتُ الحياة

شاخ الوقتُ حولها لكنّها ظلّت في مقتبل الصّبا تسقي الدهشة وتشيعها، لأنّ المنادي الذي نادى النّاس...

  • 25 نوفمبر 2024
المُنمركون !

يصعبُ توقّع ما ستكون عليه الحياة بعد سنوات قليلة، نتيجة التدخّل المفرط للتكنولوجيا فيها، الذي لا...

  • 18 نوفمبر 2024
لا تلوموا أسامة!

يطرحُ الإقبال "غير المتوقّع" على الكاتب السعودي أسامة المسلم في صالون الجزائر الدولي للكتاب،...

  • 11 نوفمبر 2024
«لأسبابٍ سياسيّة» !

قبل سويعات من الكشف عن الفائز بجائزة الغونكور، أمس، نقلت وكالة الأنباء الفرنسية عن ناشرٍ قوله، إن...

  • 04 نوفمبر 2024
الصّورة و النّص

عاش كاتب ياسين حياةً قليلة وبسيطة، عانى فيها من "سوء الفهم" و الأسطرة، فضلا عن الجدل الذي لم يفتر...

  • 28 أكتوير 2024
المُستريحون

تُخفي الفرحةُ بموت أحدٍ، حالة قهرٍ عاشها الفَرِحُ في وجود الرّاحل الذي حقّقت ميتتُه زوال غمٍّ،...

  • 21 أكتوير 2024
طفولــة

سليم بوفنداسة ينشغلُ عددٌ غير قليل من الجزائريين بنظرة الآخر التي تتحوّل إلى مصدر فخرٍ أو سبب...

  • 15 أكتوير 2024
ضرورة الفرز

سليم بوفنداسة لا يواجه الأدب الجزائري مشاكل في التلقي فحسب بل يواجه أيضًا مشاكل في الكتابة...

  • 01 أكتوير 2024
سُقــــوط

سليم بوفنداسة فرضت ثقافة السّوق التي تهيمن على عالمنا المعاصر نمطًا جديدًا من النّخب، تنتجه...

  • 24 سبتمبر 2024
حارةُ المُؤثرين

هل تستطيعُ وسائطُ التّواصل الاجتماعيّ حمل الخِطاب الثقافيّ، وهل يسلمُ، في حال استخدامها من الخِفّة التي تفرضها...

  • 17 سبتمبر 2024
المهيمنُ لا يتحرّج

لا يستريحُ القتلةُ في الصيّفِ، فكلّ الفصول مُناسبة لإراقة الدم، ولعلّهم نجحوا في تحويل المقتلة...

  • 29 جويلية 2024
كرمٌ مُعلن

يمكن اعتبار الاحتفاء بالناجحين علامة صحيّة، لما في ذلك من تقديرٍ للعلم ومُحصّليه، شرط أن يكون...

  • 22 جويلية 2024
محنة الرواية!

تعرّضت الكاتبة إنعام بيّوض إلى حملة تشهير بالغة السوء على مواقع التواصل الاجتماعي، بعد نشر صوّر...

  • 15 جويلية 2024
محاذير الفرح!

أثار الفرح "المبالغ فيه" بالنّجاح في مختلف امتحانات نهاية السنة، الجدل بين مناصرين للحقّ في...

  • 01 جويلية 2024
Articles Side Pub
Articles Bottom Pub
جريدة النصر الإلكترونية

تأسست جريدة "النصر" في 27 نوفمبر 1908م ، وأممت في 18 سبتمبر 1963م. 
عربت جزئيا في 5 يوليو 1971م (صفحتان)، ثم تعربت كليًا في 1 يناير 1972م. كانت النصر تمتلك مطبعة منذ 1928م حتى 1990م. أصبحت جريدة يومية توزع وتطبع في جميع أنحاء الوطن، من الشرق إلى الغرب ومن الشمال إلى الجنوب.

عن النصر  اتصل بنا 

 

اتصل بنا

المنطقة الصناعية "بالما" 24 فيفري 1956
قسنطينة - الجزائر
قسم التحرير
قسم الإشهار
(+213) (0) 31 60 70 78 (+213) (0) 31 60 70 82
(+213) (0) 31 60 70 77 (+213) (0) 6 60 37 60 00
annasr.journal@gmail.com pub@annasronline.com