الخميس 19 سبتمبر 2024 الموافق لـ 15 ربيع الأول 1446
Accueil Top Pub

لغة الأمر الواقع

يتهدّد الموت اللغات، تماما كما يتهدّد الكائنات التي تختفي من مسرح الوجود بانتفاء جدواها أو تلاشي أعضائها. تختفي اللغة، وقد يغيّرها مستعملوها مثلما غيّر الإنسيّ جلده القديم منذ اكتشف اللّباس الذي أنهى عهود عُريه وأبعده عن إخوته الحيوانات إلى غابة أخرى، ليشكل تجمّعا  بحيّل أكبر وقسوة أشدّ.
وتتوقّع دراسة لليونيسكو اختفاء 5500 لغة في قرننا الفضيل هذا، ولا ينفع بكاء منظمة العلوم والثقافة على مجزرة تستهدف التراث الإنساني في تغيير وضع اللّغات المعنية بالموت.
وبالطبع فإن هناك أسباب البقاء وأسباب الزوال.
وبقاء اللّغة مرتبط باستخدامها وانتشارها  وبما تنتجه وبجدواها الاقتصادية، ويحذّر مختصّون من انقراض لغات نجحت في الصّمود حتى أمام لغات  الاستعمار بسبب ثورة الاتصالات التي وحّدت أساليب التخاطب في العالم وجمعت البشرية على لسان واحد.
ولا يثير الانسحاب الصامت للغة سوى انتباه الباحثين المختصين، ولا يمكن إنقاذ لغة  توفّرت أسباب انصرافها بالحب أو بقرارات سياسيّة. لأن وصول جيناتها إلى مداها يوقف بطريقة طبيعية استمرارها.
ما سبق يستدعيه نقاش غير علمي حول اللّغات في الجزائر وصل حدّ التعصّب بشأن العربية و الأمازيغية، وهو نقاش قديم يتجدّد حول حيف مسّ اللغات المحلّية  منذ شروع السلطات في مسعى التعريب القسري. ويأخذ النقاش في الغالب أبعادا إيديولوجية بدوافع إثنية غير معلنة، حيث تتحوّل اللّغة إلى دليل وجود وسبب بقاء وتكتسب صفة كهنوتية لا تناسب وضعها كلغة.
وإذا كانت السلطات السياسية قد أنهت الجدل، أخيرا، بدسترة  الأمازيغية كلغة رسميّة إلى جانب العربية، بكلّ ما يعنيه ذلك من جبر للخواطر واعتراف بمكونات الثقافة الجزائرية، فإن تطور اللغتين يقتضي ما يقتضيه من إنتاج فني وثقافي  وتعليم ورواج وجدوى و نجاعة اقتصادية، لأن التطوّر يأتي من داخل اللّغة نفسها وليس من خارجها، واللّغة التي لا تستطيع السير لا يمكن إسنادها.
فلو فحصنا واقع الحال لوقفنا على حال آخر، لأن لغة الاقتصاد ولغة الآداب والفنون ولغة الحكم و اللغة الأثيرة لدى الجزائريين واللغة التي  تطير بأجنحة، هي لغة أخرى غير اللغتين المذكورتين، صحيح أنها غير مدسترة، لكنها لغة الأمر الواقع! 

سليم بوفنداسة

 

المزيد من الأعمدة

حارةُ المُؤثرين

هل تستطيعُ وسائطُ التّواصل الاجتماعيّ حمل الخِطاب الثقافيّ، وهل يسلمُ، في حال استخدامها من الخِفّة التي تفرضها...

  • 17 سبتمبر 2024
المهيمنُ لا يتحرّج

لا يستريحُ القتلةُ في الصيّفِ، فكلّ الفصول مُناسبة لإراقة الدم، ولعلّهم نجحوا في تحويل المقتلة...

  • 29 جويلية 2024
كرمٌ مُعلن

يمكن اعتبار الاحتفاء بالناجحين علامة صحيّة، لما في ذلك من تقديرٍ للعلم ومُحصّليه، شرط أن يكون...

  • 22 جويلية 2024
محنة الرواية!

تعرّضت الكاتبة إنعام بيّوض إلى حملة تشهير بالغة السوء على مواقع التواصل الاجتماعي، بعد نشر صوّر...

  • 15 جويلية 2024
محاذير الفرح!

أثار الفرح "المبالغ فيه" بالنّجاح في مختلف امتحانات نهاية السنة، الجدل بين مناصرين للحقّ في...

  • 01 جويلية 2024
«ترندينغ»

تكفّلت مواقع التواصل الاجتماعي بترتيب اهتمامات "الرأي العام"، مُنهية بذلك احتكار وسائل الإعلام...

  • 24 جوان 2024
سِرُّ مالك!

بقدر الدهشة التي تخلّفها جُملته، بقدر الحسرة التي ينتهي إليها قارئه، حسرة على عدم اكتمال قصّة وعلى الصّمت...

  • 03 جوان 2024
«الطريق»

توفر الوسائط التكنولوجيّة "حياةً جديدةً" للإبداع، من خلال القنوات التي تفتحها مع المتلقّي، مختصرةً الجهد والوقت...

  • 27 ماي 2024
الفيلسوف متوحشا

أصاب الحراك الطلّابي في الغرب، الفيلسوف الفرنسي الصهيوني الهوى ألان فينكلكروت بالرّعب، إلى درجة...

  • 20 ماي 2024
الخروج من حُجرة الكتابة

خرج بول أوستر من "حجرة الكتابة" تاركًا أبطاله لمصائرهم الغامضة وشعبًا يتيمًا في مختلف اللّغات، هو...

  • 06 ماي 2024
قطارُ الباطل

سلّطت الاحتجاجاتُ الطلابيّة في الولايات المتحدة الأمريكيّة الضوء على هيمنة اللّوبي الصهيوني على...

  • 29 أفريل 2024
صعلكة

  أصبح "خطاب الحق" عنوان ضعفٍ في عالم اليوم الذي باتت تتحكّم في مفاصله قوى ولوبيات لا تبالي...

  • 23 أفريل 2024
ضرورة التفكير في المجتمع

  سليم بوفنداسة انتفض المجتمع المدني في ولاية خنشلة ضدّ "الراقي الزائر"، الذي أثار الجدل على مواقع التواصل، ودعا...

  • 16 أفريل 2024
المخفيّ

حين مات محمد ديب لم تجد وسائل الإعلام الوطنيّة، مادة سمعية بصريّة عن الكاتب تقدّمها للجمهور، كان...

  • 26 فبراير 2024
اختراق

شهدت الفترة التي تلت اندلاع الحرب المدمرة على غزة، تسخير ذباب إلكتروني لتسفيه الخطابات المؤيدة...

  • 19 فبراير 2024
خِفّـــة

يبحثُ المتحدّثُ عن العبارة التي ستبقى  في أثير الله الأزرق بعد أن يفنى الكلام، عبارةٌ واحدةٌ تكفي كي...

  • 12 فبراير 2024
وصفُ السّعادة!

تجري الحياة في فضاءات أخرى وليس على المُستطيل الأخضر، رغم المُتعة التي توفرها كرة القدم، باعتبارها مسرح فرجةٍ في...

  • 05 فبراير 2024
القيمة والشّعار

يخترقُ المنتوج الثقافيّ الحدود واللّغات، بجودته أولًا وأخيرًا، وقد يفوق تأثيره التوقّعات، لذلك...

  • 01 جانفي 2024
كبارُ "الباعة"!

سخر كمال داود من الصّفة التي يطلقها العرب والمسلمون على ضحايا العدوان الهمجي على غزّة، ووجد الوقت...

  • 18 ديسمبر 2023
مقبرةُ جماعيّة للإنسانيّة

في هذه الأرض المزدحمة، حيث يتعايش الأحياءُ والموتى، تُحفر القبور على عجلٍ في الأسواق السّابقة...

  • 11 ديسمبر 2023
Articles Side Pub
Articles Bottom Pub
جريدة النصر الإلكترونية

تأسست جريدة "النصر" في 27 نوفمبر 1908م ، وأممت في 18 سبتمبر 1963م. 
عربت جزئيا في 5 يوليو 1971م (صفحتان)، ثم تعربت كليًا في 1 يناير 1972م. كانت النصر تمتلك مطبعة منذ 1928م حتى 1990م. أصبحت جريدة يومية توزع وتطبع في جميع أنحاء الوطن، من الشرق إلى الغرب ومن الشمال إلى الجنوب.

عن النصر  اتصل بنا 

 

اتصل بنا

المنطقة الصناعية "بالما" 24 فيفري 1956
قسنطينة - الجزائر
قسم التحرير
قسم الإشهار
(+213) (0) 31 60 70 78 (+213) (0) 31 60 70 82
(+213) (0) 31 60 70 77 (+213) (0) 6 60 37 60 00
annasr.journal@gmail.com pub@annasronline.com