لم ينم منذ سنوات طويلة. قرّر أن يحرس العالم فأقام في صفحته الزرقاء بعينين مفتوحتين. لا بد من منتبه يصحّح الهفوات. وهو كذلك. تصدى لكل العابرين.
لم يتعب من المواجهة. لم يتعبه التكرار. لم تتعبه ثورته: «لا شيء يعجبه». لا تعجبه النساء لا يعجبه الرجال. لا يعجبه ما يُكتب. لا يعجبه الساسة. لا يعجبه الرياضيون. لا يعجبه ما يحدث. لا يعجبه ما لا يحدث. لا يعجبه التاريخ. لا تعجبه الجغرافيا. لا يعجبه الصيف. لا يعجبه الشتاء. لا يعجبه الغناء. أشهر سيفه في وجه العالم: سأذلهم. قال. سأكشفهم على حقيقتهم، ومن غيري يكشف الحقيقة. أنا العارف بالأسرار والخلفيات والمالك الوحيد للروايات الصحيحة.
يعرف أنه استثنائي، لذلك لم يضيّع وقته. كتب في كلّ أجناس الكتابة من الشعر إلى الرواية إلى ما يستعصى على التصنيف. ترجم. استدرج المستقبل إلى مختبر توقعاته فرفع الستار عن الغيب. نقد الفلسفات كلّها وشكك في رجاحة المعارف. كتب في الاجتماع والسياسة، في التشكيل والموسيقى. لا بد للعارف من أثر نموذج يهدي الحائرين. سخر من السابقين . ضحك على اللاحقين الذين يحاولون عبثا رضاعة ثدي اللغة. بوّب العابرين على جداره وأخضعهم لسلّم التسفيه الرهيب. أعاد المثقفين إلى خاناتهم الحقيقية وجلد الساسة واحدا واحدا. وضع آلة الميديا عند حدها برفضه الصحافة وما تفرضه من نواميس على كل من يُنزل دلوه إلى بئرها و أشهر مدونته التي لا يضبطها ضابط، بديلا. أبطل بروباغندا صناعة النجوم فألقى بعاداته على العالمين. كيف يحلق ذقنه، كيف يعدّ قهوته، كيف يتأمّل، كيف يتألّم، كيف يأكل، كيف يستريح دون أن يفقد سحره. كيف يطلّ من الشرفة. كيف يبتسم بخبث وكيف يفتح عينيه بدهشة. كيف يسبح. كيف يشهر فحولة تشير إلى نفسها بوقاحة غير ظاهرة وكيف يشير إلى انتسابه إلى باب «المحمود من الرجال» وكيف يتأفّف من كثرة الطلب عليه.
عرض بيجاماته وأحذيته.عرض تاريخه. برهن على ضرورته. فضح الحسّاد الذين تجذبهم أضواؤه.
لم ينم منذ سنوات. لم يتعب من مراقبة العالم. لم يتعب من شتم العابرين قرب مداره.
ملاحظة
لم تسعفه علومه في الانتباه إلى أن حالته تقتضي مراجعة طبيب مختص.
سليم بوفنداسة