الثلاثاء 15 أفريل 2025 الموافق لـ 16 شوال 1446
Accueil Top Pub

البئر

فجّر رحيل هيكل نقاشا هاما في الصحافة العربية عن علاقة مهنة الصحافة بصناعة القرار ودورها في تزوير التاريخ وتجميله.

وإذا كان بعض كتّاب الزوايا عندنا قد توقفوا عند ذكرياتهم مع الرجل أو تشبيه أنفسهم به، فإن النقاش الذي  أثاره غيابه يمكن أن يكون مقدمة لتفكير جدي حول مهنة الصحافة التي حذّر مفكرون من خطورتها، في عالم بات يتأثر بالصوّر والمؤثرات التي تبدع الصحافة في إخراجها لاستقطاب الجمهور. وتأتي خطورة هذه المهنة من علاقتها بصناعة القرار وصنّاعه وعلاقتها بالأموال وأصحابها. علاقتان حولتا الصحافة من وسيلة لكشف الحقيقة وإذاعتها إلى آلة تضليل وخداع. وإذا كانت العلاقة الملتبسة مع السلطة هي أهم العقبات التي تحول دون تطوّر الإعلام في العالم العربي، فإن مخاطر جديدة بدأت تلوح مع ظهور القنوات الفضائية والوسائط الالكترونية التي تحولت إلى منابر دعاية  دينية ومذهبية  بل آلة لترويج الدروشة والشعوذة، كما هو حاصل عندنا.
وبالطبع فإن أي نقاش حول الإعلام  لا يمكن أن يغفل مسألة الثقافة الديمقراطية  التي تجعل خطاب الحقيقة  والحق مقبولا لدى الفاعلين والمجتمع على حد سواء.
ومثلما يمكن أن تكون سيرة هيكل نموذجا قابلا للتدريس في معاهد الصحافة، فإن قصته تعد درسا  بليغا للصحفيين العرب خصوصا الذين أصابهم داء النجومية، منهم، فباتوا يقدمون أنفسهم ككائنات فضائية  بإمكانيات خارقة بُعثت لترشد المجتمعات والنخب السياسية. صحيح أن هذه الحالات لا تعالج خارج اختصاص الطب النفسي، لكن تواجدها في مواقع مؤثرة  له عواقبه الخطرة، وما يستنتج من قصة هيكل أن نفوذ الصحفي مهما كانت وجاهته وعبقريته سينتهي في يوم ما، وقد يظهر كل ما أخفاه  أو منع حضوره الطاغي التطرّق إليه، فهيكل الذي ظهر في عصره كشفيع لمثقفين مغضوب عليهم، يظهر اليوم في صورة جديدة يرسمها تلاميذه الذين يتهمونه بخدمة نظام عسكري أتى على الحريات وتجميل أفعاله، بل وبينهم من يتهمه بتحريف حقائق تاريخية. نعم، كان هيكل رمزا  ونموذجا للصحافي الناجح في العالم العربي طيلة عقود، لكن هناك من يصف التمثال اليوم  بأوصاف غير مألوفة لدى الذين تعودوا على سماع الحقيقة من فم «الأستاذ». 
ملاحظة
لا يكفي في الصحافة أن تكون بئر أسرار، بل عليك ألا تستخدم مياه البئر استخداما مشؤوما.

سليم بوفنداسة

 

المزيد من الأعمدة

ظُلمات

تعرفُ العلاقات الدوليّة مقدّمات أزمة أشبه ما تكون بحربٍ كونيّة جديدة تعيدُ توزيع الأدوار بين سكّان غابتنا،...

  • 14 أفريل 2025
اسمي حمزة

اسمي حمزة، كان لي رأسٌ. كانت لي عينان و أحلامٌ صغيرة لا أعلنها. ربما أشبه أحمد الذي لم يعثـروا على رأسه،...

  • 07 أفريل 2025
هوس فرنسي

تحوّلت الجزائر، هذه الأيام، إلى «لازمة» على ألسنة السّاسة والنّخب في فرنسا، وإلى موضوع أثيرٍ على...

  • 24 فبراير 2025
«واقعيّة قذرة»

لن تهنأ الإنسانيّة بعائدات التطوّر العلمي الذي يفترض أن يساعد في حلّ المشكلات ويجعل الحياة أيسر...

  • 17 فبراير 2025
العالمُ برواية «ماسك»!

تحوّل الملياردير الأمريكي إيلون ماسك إلى كابوسٍ حقيقيٍّ يُؤرّق ساسةً وصنّاعَ قرارٍ في أوروبا، وفق...

  • 20 جانفي 2025
سوارٌ إلكتروني

ظلّت الثقافة على الدوام من أدوات الهيمنة التي تستخدمها قوى استعمارية، في آلية فكّكها إدوارد سعيد...

  • 13 جانفي 2025
حياة في الثقافة

غادر بوداود عميّر فجأة، بعد أن لمّح إلى غيّابٍ مُؤقّت اتقاء شرّ مُنتحلٍ سرق هويّته، قبل أن ينجح...

  • 23 ديسمبر 2024
أبوابٌ ونوافذٌ

بيّنت الأحداث الأخيرة، التي استخدم فيها طرفٌ أجنبيٌّ، كاتبين جزائريين ضدّ بلدهم الأم، في حرب...

  • 09 ديسمبر 2024
صوتُ الحياة

شاخ الوقتُ حولها لكنّها ظلّت في مقتبل الصّبا تسقي الدهشة وتشيعها، لأنّ المنادي الذي نادى النّاس...

  • 25 نوفمبر 2024
المُنمركون !

يصعبُ توقّع ما ستكون عليه الحياة بعد سنوات قليلة، نتيجة التدخّل المفرط للتكنولوجيا فيها، الذي لا...

  • 18 نوفمبر 2024
لا تلوموا أسامة!

يطرحُ الإقبال "غير المتوقّع" على الكاتب السعودي أسامة المسلم في صالون الجزائر الدولي للكتاب،...

  • 11 نوفمبر 2024
«لأسبابٍ سياسيّة» !

قبل سويعات من الكشف عن الفائز بجائزة الغونكور، أمس، نقلت وكالة الأنباء الفرنسية عن ناشرٍ قوله، إن...

  • 04 نوفمبر 2024
الصّورة و النّص

عاش كاتب ياسين حياةً قليلة وبسيطة، عانى فيها من "سوء الفهم" و الأسطرة، فضلا عن الجدل الذي لم يفتر...

  • 28 أكتوير 2024
المُستريحون

تُخفي الفرحةُ بموت أحدٍ، حالة قهرٍ عاشها الفَرِحُ في وجود الرّاحل الذي حقّقت ميتتُه زوال غمٍّ،...

  • 21 أكتوير 2024
طفولــة

سليم بوفنداسة ينشغلُ عددٌ غير قليل من الجزائريين بنظرة الآخر التي تتحوّل إلى مصدر فخرٍ أو سبب...

  • 15 أكتوير 2024
ضرورة الفرز

سليم بوفنداسة لا يواجه الأدب الجزائري مشاكل في التلقي فحسب بل يواجه أيضًا مشاكل في الكتابة...

  • 01 أكتوير 2024
سُقــــوط

سليم بوفنداسة فرضت ثقافة السّوق التي تهيمن على عالمنا المعاصر نمطًا جديدًا من النّخب، تنتجه...

  • 24 سبتمبر 2024
حارةُ المُؤثرين

هل تستطيعُ وسائطُ التّواصل الاجتماعيّ حمل الخِطاب الثقافيّ، وهل يسلمُ، في حال استخدامها من الخِفّة التي تفرضها...

  • 17 سبتمبر 2024
المهيمنُ لا يتحرّج

لا يستريحُ القتلةُ في الصيّفِ، فكلّ الفصول مُناسبة لإراقة الدم، ولعلّهم نجحوا في تحويل المقتلة...

  • 29 جويلية 2024
كرمٌ مُعلن

يمكن اعتبار الاحتفاء بالناجحين علامة صحيّة، لما في ذلك من تقديرٍ للعلم ومُحصّليه، شرط أن يكون...

  • 22 جويلية 2024
Articles Side Pub
Articles Bottom Pub
جريدة النصر الإلكترونية

تأسست جريدة "النصر" في 27 نوفمبر 1908م ، وأممت في 18 سبتمبر 1963م. 
عربت جزئيا في 5 يوليو 1971م (صفحتان)، ثم تعربت كليًا في 1 يناير 1972م. كانت النصر تمتلك مطبعة منذ 1928م حتى 1990م. أصبحت جريدة يومية توزع وتطبع في جميع أنحاء الوطن، من الشرق إلى الغرب ومن الشمال إلى الجنوب.

عن النصر  اتصل بنا 

 

اتصل بنا

المنطقة الصناعية "بالما" 24 فيفري 1956
قسنطينة - الجزائر
قسم التحرير
قسم الإشهار
(+213) (0) 31 60 70 78 (+213) (0) 31 60 70 82
(+213) (0) 31 60 70 77 (+213) (0) 6 60 37 60 00
annasr.journal@gmail.com pub@annasronline.com