لم يعد الفساد في قطاع الثقافة من الأسرار. ما كان يتبادله المثقفون في المجالس الخاصة أصبح ينشر على الصفحات الأولى للصحف. وسبب المشكلة هو «الريع» كالعادة.
صحيح أن دعم الدولة للثقافة أمر محمود، لكن المشكلة تبقى في الطريقة والوجهة التي يأخذها الدعم في نهاية المطاف.
لا يمكن أن ننكر أن النشر عرف حركية هامة في السنوات الأخيرة وكذلك المسرح والسينما ونشاطات أخرى استفادت من سخاء عام مسّ جميع القطاعات، وعوض أن يساهم هذا السخاء في بناء قاعدة صلبة للإنتاج الثقافي والفني تحوّل إلى منح تعود على “القائمين عليها” من غير المبدعين والفنانين وأنتج صراعات وحروب على أبواب الريع وأنجب أثرياء “ذنبهم» الوحيد أنهم انتسبوا إلى «الثقافة» و خبروا كواليسها المظلمة.
ولو قارنا بين الأعمال التي ظهرت في سنوات القحط والأعمال التي ظهرت في سنوات الريع لوجدنا الفرق واضحا، لأن الأعمال الفنية الحقيقية هي ابنة مكابدة ذاتية وليست ثمرة نشاط عام، وإذا ما استمر الدعم بالطريقة الحالية فإنه سيتسبب في أضرار يصعب جبرها، لأن التجارب أثبتت أنه يحجب المبدعين الحقيقيين ويقوي سلالة المنتفعين التي تحاول أكل البلاد.
نعم، الكتب التي تنشر الآن تنام في مستودعات المؤسسات الثقافية و لا يقرأها أحد ولا بأس أن نورد هنا طرفة ثقيلة حدثت لكاتب جزائري اكتشف بالصدفة وهو يتصفح موقع مكتبة الاسكندرية المصرية أن كتابه الذي سلمه لوزارة الثقافة الجزائرية صدر، وكثير من أمثال هذا الكاتب اكتشفوا أن كتبهم صدرت بعد أشهر وحتى بعد سنوات. أما المسرحيات التي تنتج فلا يشاهدها سوى بعض المسرحيين في المهرجانات، في حين لم تعد للسينما قاعات في الجزائر وحتى القاعات الموجودة تجاوزها الزمن ولا تتوفر على التجهيزات اللازمة لعرض فيلم أُنتج في زماننا، ومع ذلك فإن العجلة تدور والسينمائيون منصرفون للأفلام الثورية التي تموّلها الدولة ولا تعرض إلا في المناسبات، في حين يحصد فيلم للمخرج مرزاق علواش أنتج بميزانية صغيرة مولها من عائدات الجوائز وبعض التلفزيونات جوائز هامة.
لهذا نتمنى أن تجف الغيوم ويحلّ الجفاف القاتل للفئات المشار إليها أعلاه كي تترك التربة للمبدعين الحقيقيين.
سليم بوفنداسة