حمّل “مثقفون” جزائريون أنفسهم مسؤولية “محاربة” التطرف، ويمكن أن نرصد منذ ثمانينيات القرن الماضي إلى اليوم قاموسا حربيا ازدهر في الساحتين الإعلامية والثقافية يشكل أدبيات جبهة الصمود والتصدي للظلامية.
وبالطبع فإن الذخيرة الاصطلاحية المستخدمة مؤجرة من الحقل السياسي وكذلك الرؤية، حيث تمت مجاراة المعالجة السياسية للتطرف الديني، و قلة هي القراءات العارفة التي استخدمت الأدوات العلمية للحفر في أصول التطرف والإسلام السياسي، وقلة أولئك الذين احترموا الاختصاص وقدموا إسهاماتهم من مواقعهم كأطروحات غير مسنودة باليقين.
الآن وقد انتشر التطرف على المسرح الكوني و تحول الإرهاب إلى لعبة تمارسها الاستخبارات العالمية وتروج لها الصحافة، فإن “المثقف الهستيري” سيصبح مطلوبا في بلاتوهات التلفزيونات وفي كبريات الصحف، لتقديم وجهة النظر “المثيرة” التي يجري تعليبها على النحو الذي يخدم التوجهات على حساب الحقيقة، لأن النقاش موجه من البداية نحو صراع ديني عاد بالإنسانية إلى مراحل بدائية سحيقة، ولعب فيه مفكرون ومثقفون دور الجنود الملتزمين، كما هو الشأن في جارتنا فرنسا التي هيمن فيها متطرفون يهود على النقاش الثقافي. والغريب أن الجنوبي القادم إلى فرنسا بحثا عن الضوء بات شبه ملزم بارتداء القلنسوة من أجل المرور، وكذلك فعل كثيرون.
بإمكان كاتب الرواية أن يكتب رواية جميلة لكنه لا يملك بالضرورة القدرة على البحث في الظواهر أو تقديم تحليلات سياسية دقيقة عن أوضاع لا يعرف معطياتها. وربما سحب نقمته الشخصية على وضع خاص إلى ساحة النقاش العام، وهذا ما حصل عادة مع “الهاربين” من الجنوب المتخلف الذين يقعون في محاباة الرعاة الشماليين فيشرعون في شتم أنفسهم في طريقة علاجية لم تثبت لحد الآن نجاعتها.
لا يستطيع المثقف الفرنسي الحر الحديث عن التاريخ الدموي لليهودية أو أدبيات القتل في هذا الدين، مثلا، لكنه يدفع المثقف القادم من بلاد إسلامية إلى قول ذلك عن الإسلام في نقاش غير متكافئ لا يُسلط فيه الضوء على التطرف في الأديان كلها، وتجري فيه مفاضلة بين الأديان بحسب قوة معتنقيها.
نعم، قد يكون المثقف الغربي تعيسا أيضا تماما كما المثقف العربي الخائف من إقامة الحد عليه من طرف أنظمة لا حدود لتخلفها (تدين بالبقاء لحكومات غربية)، لكن الغريب في القصة هو كيف يستعير العربي لسانا دينيا متطرفا من ديانة أخرى ليهجو تطرف دينه؟
سليم بوفنداسة