لماذا كلما ألقى أحدهم بكلمات هناك، أصابنا الغضب هنا؟
لماذا، نفرد لهم الصفحات الأولى والكلمات الأولى والوقت كل الوقت؟
لماذا نشير إليهم دائما، لماذا نستعير ألسنتهم في الفرح وفي الغضب، في الحب الكامن وفي الحقد المعلن؟
لماذا نسعى دوما لنبرهن لهم أننا لا نخشاهم. لماذا نشتمهم ونتشبّه بهم؟
لماذا نتمسك بلغتهم شبه المنقرضة ونرفض لغة العالم. لماذا نطارد قنواتهم بصحوننا، ولماذا نستجير بالقراصنة لنراهم؟
نعرف أنهم قساة القلوب، لم يكتفوا بدمنا المسكوب وهاهم يخترعون الأذى الرمزي، كأن يبعدوا أحسن لاعب في منتخبهم الوطني لأنه منا، أو يحرموا كتابنا من جوائزهم الوجيهة، كأن يقللوا من شأننا أمام من هم أقل وجاهة منا أو يشوشوا على صوتنا في مسارح الأمم، لكننا لا نتعب من انتظار كلمات طيبة منهم أو توبة عن ذنب لا يرونه ذنبا.
هم، أيضا، لا يكفون عن النظر إلينا. هم، أيضا، مرضى مثلنا، كلّما اشتموا رائحتنا مسّهم هوس. تخيفهم أسماؤنا وترعبهم جيناتنا الشقية المترجمة على ملامح أطفالهم. هم أيضا لا يستطيعون العيش دون التلصّص على مطبخنا وعلى حديقتنا. هم أيضا لا يستطيعون العيش دون التفكير فينا. هم أيضا يحتاجون إلى “عدو حميم” يحبونه حين يصيبهم التعب من إيذائه.
لم يخرجوا من الحرب تماما، لم يتقبلوا فقداننا، لم يشفوا منا (ونحن أيضا).
الأحقاد تنجب الحب أحيانا. وفي حالتنا وحالتهم لا يسمي الحب نفسه حبا لأنه مستخلص من “أزهار الشر” فأجهد نفسه في البحث عن صفة لا تُخجل قائلها.
لا عليهم ولا علينا، فالحرب لا زالت تدور في لاوعينا. حرب لا يصدق المنهزم فيها أنه انهزم ولم يتكيف المنتصر فيها مع وضعه الجديد.
لم يمض كل إلى غايته. لم ننتبه إلى الوقت طيلة هذا الوقت. لم نجرب النسيان الضروري للذهاب دون التفات إلى الخلف.
هذه الحالة لا تعالج في مصحات التاريخ. هذه الحالة تتطلب أدوية لم تستخدم بعد. العلاج النفسي للشعوب والأمم أصعب من علاج الأفراد، لأنه يحتاج إلى وقت، يحتاج إلى صدمات واختفاء أجيال.
سليم بوفنداسة