يحيلنا الجدل الدائر هذه الأيام في الساحة السياسية الوطنية، على أن الجزائريين بصدد اكتشاف النساء. أي أن النخب السياسية اكتشفت فجأة وجود كائنات، تقول فئة منها أنها قابلة للضرب وهذه الفئة مشكلة عموما من النواب الإسلاميين ومن الإسلاميين الذين لم يصبحوا نوابا بعد ومن الشيوخ الذين يفتون في التلفزيونات وبعض المعلقين في الصحف الذين كلفوا أنفسهم بالوساطة بين السماء والأرض. أما الفئة الثانية والتي ترى أن هذه الكائنات تعاني من ظلم وحيف وبالتالي يجب وضع تشريع يجرّم الاعتداء عليها فتتشكّل من الحكومة ممثّلة في وزير العدل مقترح التشريع المجرّم للعنف ضد النساء ونواب حرّموا على أنفسهم قول لا ومعلّقين في صحف أخرى يوهمون القرّاء بأنهم يحبّون النساء ويختلقون لهن مكانة تسمح بسريان هذا الحب وتسهيله في جميع الظروف والأوقات، مع أن العارف بأحوال أصحاب الأقوال وما يأتونه من أفعال سيصدم لكبر الشرخ بين ما يُكتب على الصفحات من تمجيد وما يحدث في الواقع من استعباد.
يكشف النقاش عن تخلّف، قد تكون التشريعات طريقة في علاجه لكنها لا تضمن الشفاء منه، لأنه لا يمكن تصوّر “ترقية” وضعية المرأة في مجتمع ينظر رجاله إليها نظرة دونية وعنصرية والوضع يكاد لا يختلف من بائع السجائر الذي يلقي “روائعه” على العابرات إلى الأستاذ الذي يبتز طالباته إلى المدير الذي يشهر شروطه على طالبات الوظيفة إلى راكب الحافلة المصمّم على الاحتكاك بالراكبة.
هذه النظرة للمرأة تعكس ثقافة مجتمع لم يغادر بدائيته بعد، ولا يمكن بالتالي الحديث عن تطور وضع المرأة دون تطور المجتمع ككل.
وتجارب المجتمعات التي سبقتنا إلى التقدم تؤكد أن وضعية المرأة تغيرت عندما نالت حظها من التعليم وتحصلت على استقلاليتها الاقتصادية ثم تقدمت لتلعب أدوارا اجتماعية وسياسية وتزامن ذلك مع تحول تلك المجتمعات إلى مجتمعات صناعية كرّست التمدن وأزالت الفوارق الجنسية.
وإذا ما فحصنا الوضع الجزائري فإننا نقف على ارتفاع نسبة المتعلّمات والعاملات وهو مؤشر على تطوّر في وضع المرأة، لكننا سنقف على عزوف النساء اللائي يتمتعن بتكوين عال عن الوظائف السياسية والاجتماعية، ويكفي للبرهان على ذلك مراجعة قوائم النساء المترشحات في الانتخابات السابقة أو الوقوف على مستوى النساء المدفوعات إلى واجهة العمل الجمعوي.
ملاحظة
لا تتطور وضعية المرأة بإجراءات. تتطور وضعية المرأة بتطور المجتمع.
سليم بوفنداسة