تموت شابة في العشرين عند استطبابها في «عيادة» الراقي الأشهر الذي خرج من السجن ليعود إلى مهنته وإلى الصفحات الأولى للصحف، وقبلها بأسبوع تدين العدالة راق آخر بسكيكدة بالسجن بتهمة «اغتصاب» ثلاث شقيقات طلب شقيقهن خدماته بغرض تزويجهن، فتزوجهن الراقي الواحدة تلو الأخرى.
القصتان حديثتان لكن مضمونهما أصبح كلاسيكيا في مجتمع تقدّم فيه المشعوذون إلى الواجهة و تحولوا إلى نجوم. وثمة حكايات مروّعة تُروى عن أفعال الرقاة الذين تمكنوا من قلوب الجزائريين الذين أدخلوهم إلى مخادع نسائهم وبناتهم لمحاربة الجن الذي تقول الميتولوجيا المحلية أنه يفضل الإقامة في أجساد النساء، وبالطبع فإن الجن لن يخرج بسهولة من بيته الجميل وقد يستبسل في المقاومة إلى الحد الذي يجبر الراقي على اقتحام البيت، وأغلب القصص تنتهي على هذا النحو سواء أبلغت العدالة وتناقلتها الصحف أم انتهت غير مروية في صدور أصحابها.
وقبل سنوات قتل مشعوذ شهير بشرق البلاد بسبب إسرافه في اقتحام مساكن الجن، والمثير في حكايته ليس الطريقة التي قضى بها ولكن النفوذ الذي بات يتمتع به إلى درجة أنه أصبح صديقا للباحثين عن المجد السياسي، حيث يلجأ إليه طالبو العلا لتسهيل عملية الصعود أو الذين يقيمون في العلا ويخشون السقوط.
وقد تم تبني الكثير من المشعوذين اجتماعيا وإعلاميا، حيث أصبحت وسائل إعلام ترعى هذا النشاط وتروّج له، وليس غريبا أن تقرأ في صحيفة جزائرية أن أحدهم يعالج الأمراض المستعصية التي حيّرت الطب بلمسه أو بتمائمه أو حتى ببصاقه.
ويحيل تفسير الظاهرة إلى فقدان المجتمع للبوصلة جراء افتقاد ثقافة الاستحقاق وثقافة العمل ما يجعله يلجأ إلى الحلول السحرية في تدبير شؤونه. هذه الخاصية تميّز المجتمعات البدائية وشبه البدائية، أي التي تدير حياتها بمؤسسات حديثة في الظاهر بدائية في الجوهر، يستعين أولياء الأمر فيها بخطاب المعجزة لمداراة فشل في التصدي للمشكلات التي تطرأ على الحياة العامة أو لتعويض شرعية ناقصة أو منعدمة.
ملاحظة
الشعوذة الظاهرة ابنة شرعية لشعوذة كامنة تحولت، بمرور الوقت، إلى قوة شريرة صعُب اقتحام بيتها على كل «الرقاة».
سليم بوفنداسة