اكتشف أحدهم أن الأشجار تنبت في الجزائر و أن لونها أخضر، فتحول ذلك إلى حدث و مادة رئيسية في نشرات أخبار وحصص متلفزة ويحظى بعشرات الآلاف من المشاهدات على يوتيوب، وأصبح إعجابه بالأشجار التي لم يكن يتوقع أنها تنبت في الجزائر أو أنها ليست خضراء محل إشادة من «الجمهور»!
يكفي أن يمتدح أحدهم أشجارنا أو شمسنا أو سحابنا أو شهامتنا حتى يصبح دليلنا إلى أنفسنا، نعيد من خلاله اكتشاف السحاب والأشجار وغيرها..
و يكفي أن يطلق أحدهم تصريحا «مسيئا» حتى يشتعل الغضب الذي أصبح قابلا للقياس في وسائل التواصل الاجتماعي.
أما وسائل الإعلام فقد اشتغلت طويلا بنقل الإشادات ورصد المؤامرات التي تحاك هنا وهناك، وكذلك تفعل الكثير من النخب السياسية التي لا تمتلك خطابا يقرأ التطورات السوسيولوجية والاقتصادية والثقافية أو التغيرات الجيوستراتيجية التي يشهدها العالم، ولا تستطيع وضع حلول للمشكلات الطارئة وتفتقر إلى الكفاءة والمهارة التي يتطلبها دورها فتكتفي بخطاب التخويف الذي يجد مرجعيته في خوف سكان كوكبنا الأوائل من كائنات خفية تأتي مع البرق والرعد والظلام.
ثمة هشاشة في شخصيتنا القاعدية تجعل من «نظرة الآخر» أساسية في تفاعلاتنا مع الذات والعالم، و تجعل من هذه النظرة مصدر فرح أو استياء، و يحيل ذلك إلى حالة اسمها السذاجة ، أي أننا لم ننضج بالشكل الذي يجعلنا نتحمّل القسوة ولا نقع في فخّ الاستغباء وصارت سيكولوجيتنا كتابا مفتوحا أمام الذين يريدون إثارتنا في الاتجاهين السالب والموجب، بما في ذلك الراغبين في رفع عدد النقرات على مواقعهم لدوافع تجارية.
وإذا كانت هذه العلاقة غير السوية ميزة تعاطينا مع الفرنسيين في السابق فإنها تعمّمت إلى السواح والزائرين واللاجئين والعمال الأجانب والفنانين، حيث يجري «شحذ» الإعجاب واستخدامه كدليل وجود وكبرهان على النجاح وشدة البأس ومحاولة تعريف الذات به، ما دامت هذه الذات الحزينة تحتاج إلى معجم يسهل عليها وصف نفسها.
و إذا كان علماء النفس يعتبرون الخوف من نظرة الآخر التي قد تخالف التقدير الذاتي عنوان هشاشة وعدم ثقة في النفس لدى الأفراد فإن الأمر ينسحب على الجماعات أيضا. و تكشف ردود أفعالنا تجاه تصريحات عابرة لا تأثير لها عن فوبيا جماعية من عيون الآخرين، تجعلنا نتصرف بإعجاب متطرف مع المادح ونتأثر إلى حدّ الغضب والحزن بالكلمات التي تصدر من مسيء.
سليم بوفنداسة