السبت 23 نوفمبر 2024 الموافق لـ 21 جمادى الأولى 1446
Accueil Top Pub

تقدير

اكتشف أحدهم أن الأشجار تنبت في الجزائر و أن لونها أخضر، فتحول ذلك إلى حدث و مادة رئيسية في نشرات أخبار  وحصص متلفزة ويحظى بعشرات الآلاف من المشاهدات على يوتيوب، وأصبح إعجابه بالأشجار التي لم يكن يتوقع  أنها تنبت في الجزائر أو أنها  ليست خضراء محل إشادة من «الجمهور»!
يكفي أن يمتدح أحدهم أشجارنا أو شمسنا أو سحابنا أو شهامتنا حتى يصبح دليلنا إلى أنفسنا، نعيد من خلاله اكتشاف السحاب والأشجار وغيرها..
و يكفي أن يطلق أحدهم تصريحا «مسيئا» حتى يشتعل الغضب الذي أصبح قابلا للقياس في وسائل التواصل الاجتماعي.
أما وسائل الإعلام فقد اشتغلت طويلا بنقل الإشادات ورصد المؤامرات التي تحاك هنا وهناك، وكذلك تفعل الكثير من النخب السياسية التي لا تمتلك خطابا يقرأ  التطورات السوسيولوجية  والاقتصادية والثقافية أو التغيرات الجيوستراتيجية  التي يشهدها العالم، ولا تستطيع وضع حلول للمشكلات الطارئة  وتفتقر إلى الكفاءة والمهارة  التي يتطلبها دورها فتكتفي بخطاب التخويف الذي يجد مرجعيته في خوف سكان كوكبنا الأوائل من كائنات خفية تأتي مع البرق والرعد والظلام.  
ثمة هشاشة في شخصيتنا القاعدية تجعل من «نظرة الآخر» أساسية في تفاعلاتنا مع الذات والعالم، و تجعل من هذه النظرة مصدر فرح  أو استياء، و يحيل ذلك إلى حالة اسمها السذاجة ، أي أننا لم ننضج بالشكل الذي يجعلنا نتحمّل القسوة ولا نقع في فخّ  الاستغباء وصارت سيكولوجيتنا كتابا مفتوحا أمام الذين يريدون إثارتنا في الاتجاهين السالب والموجب، بما في ذلك الراغبين في رفع عدد النقرات على مواقعهم لدوافع تجارية.   
وإذا كانت هذه العلاقة غير السوية ميزة تعاطينا مع الفرنسيين في السابق فإنها تعمّمت إلى السواح والزائرين واللاجئين  والعمال الأجانب والفنانين، حيث يجري «شحذ» الإعجاب واستخدامه كدليل وجود وكبرهان على النجاح وشدة البأس ومحاولة تعريف الذات به، ما دامت هذه الذات الحزينة تحتاج إلى معجم يسهل عليها وصف نفسها.
و إذا كان علماء النفس يعتبرون الخوف من نظرة الآخر التي قد تخالف التقدير الذاتي عنوان هشاشة وعدم ثقة في النفس لدى الأفراد فإن الأمر ينسحب على الجماعات أيضا. و تكشف ردود أفعالنا تجاه تصريحات عابرة لا تأثير لها عن فوبيا جماعية من عيون الآخرين، تجعلنا نتصرف بإعجاب متطرف مع المادح ونتأثر إلى حدّ الغضب  والحزن بالكلمات التي تصدر من مسيء.

سليم بوفنداسة

المزيد من الأعمدة

المُنمركون !

يصعبُ توقّع ما ستكون عليه الحياة بعد سنوات قليلة، نتيجة التدخّل المفرط للتكنولوجيا فيها، الذي لا...

  • 18 نوفمبر 2024
لا تلوموا أسامة!

يطرحُ الإقبال "غير المتوقّع" على الكاتب السعودي أسامة المسلم في صالون الجزائر الدولي للكتاب،...

  • 11 نوفمبر 2024
«لأسبابٍ سياسيّة» !

قبل سويعات من الكشف عن الفائز بجائزة الغونكور، أمس، نقلت وكالة الأنباء الفرنسية عن ناشرٍ قوله، إن...

  • 04 نوفمبر 2024
الصّورة و النّص

عاش كاتب ياسين حياةً قليلة وبسيطة، عانى فيها من "سوء الفهم" و الأسطرة، فضلا عن الجدل الذي لم يفتر...

  • 28 أكتوير 2024
المُستريحون

تُخفي الفرحةُ بموت أحدٍ، حالة قهرٍ عاشها الفَرِحُ في وجود الرّاحل الذي حقّقت ميتتُه زوال غمٍّ،...

  • 21 أكتوير 2024
طفولــة

سليم بوفنداسة ينشغلُ عددٌ غير قليل من الجزائريين بنظرة الآخر التي تتحوّل إلى مصدر فخرٍ أو سبب...

  • 15 أكتوير 2024
ضرورة الفرز

سليم بوفنداسة لا يواجه الأدب الجزائري مشاكل في التلقي فحسب بل يواجه أيضًا مشاكل في الكتابة...

  • 01 أكتوير 2024
سُقــــوط

سليم بوفنداسة فرضت ثقافة السّوق التي تهيمن على عالمنا المعاصر نمطًا جديدًا من النّخب، تنتجه...

  • 24 سبتمبر 2024
حارةُ المُؤثرين

هل تستطيعُ وسائطُ التّواصل الاجتماعيّ حمل الخِطاب الثقافيّ، وهل يسلمُ، في حال استخدامها من الخِفّة التي تفرضها...

  • 17 سبتمبر 2024
المهيمنُ لا يتحرّج

لا يستريحُ القتلةُ في الصيّفِ، فكلّ الفصول مُناسبة لإراقة الدم، ولعلّهم نجحوا في تحويل المقتلة...

  • 29 جويلية 2024
كرمٌ مُعلن

يمكن اعتبار الاحتفاء بالناجحين علامة صحيّة، لما في ذلك من تقديرٍ للعلم ومُحصّليه، شرط أن يكون...

  • 22 جويلية 2024
محنة الرواية!

تعرّضت الكاتبة إنعام بيّوض إلى حملة تشهير بالغة السوء على مواقع التواصل الاجتماعي، بعد نشر صوّر...

  • 15 جويلية 2024
محاذير الفرح!

أثار الفرح "المبالغ فيه" بالنّجاح في مختلف امتحانات نهاية السنة، الجدل بين مناصرين للحقّ في...

  • 01 جويلية 2024
«ترندينغ»

تكفّلت مواقع التواصل الاجتماعي بترتيب اهتمامات "الرأي العام"، مُنهية بذلك احتكار وسائل الإعلام...

  • 24 جوان 2024
سِرُّ مالك!

بقدر الدهشة التي تخلّفها جُملته، بقدر الحسرة التي ينتهي إليها قارئه، حسرة على عدم اكتمال قصّة وعلى الصّمت...

  • 03 جوان 2024
«الطريق»

توفر الوسائط التكنولوجيّة "حياةً جديدةً" للإبداع، من خلال القنوات التي تفتحها مع المتلقّي، مختصرةً الجهد والوقت...

  • 27 ماي 2024
الفيلسوف متوحشا

أصاب الحراك الطلّابي في الغرب، الفيلسوف الفرنسي الصهيوني الهوى ألان فينكلكروت بالرّعب، إلى درجة...

  • 20 ماي 2024
الخروج من حُجرة الكتابة

خرج بول أوستر من "حجرة الكتابة" تاركًا أبطاله لمصائرهم الغامضة وشعبًا يتيمًا في مختلف اللّغات، هو...

  • 06 ماي 2024
قطارُ الباطل

سلّطت الاحتجاجاتُ الطلابيّة في الولايات المتحدة الأمريكيّة الضوء على هيمنة اللّوبي الصهيوني على...

  • 29 أفريل 2024
صعلكة

  أصبح "خطاب الحق" عنوان ضعفٍ في عالم اليوم الذي باتت تتحكّم في مفاصله قوى ولوبيات لا تبالي...

  • 23 أفريل 2024
Articles Side Pub
Articles Bottom Pub
جريدة النصر الإلكترونية

تأسست جريدة "النصر" في 27 نوفمبر 1908م ، وأممت في 18 سبتمبر 1963م. 
عربت جزئيا في 5 يوليو 1971م (صفحتان)، ثم تعربت كليًا في 1 يناير 1972م. كانت النصر تمتلك مطبعة منذ 1928م حتى 1990م. أصبحت جريدة يومية توزع وتطبع في جميع أنحاء الوطن، من الشرق إلى الغرب ومن الشمال إلى الجنوب.

عن النصر  اتصل بنا 

 

اتصل بنا

المنطقة الصناعية "بالما" 24 فيفري 1956
قسنطينة - الجزائر
قسم التحرير
قسم الإشهار
(+213) (0) 31 60 70 78 (+213) (0) 31 60 70 82
(+213) (0) 31 60 70 77 (+213) (0) 6 60 37 60 00
annasr.journal@gmail.com pub@annasronline.com