استنجد زملاء بخبراء في الملاحة البحرية لتتبّع مسار باخرة من الإكوادور إلى الجزائر، وخلصوا إلى تحديد الزمن الذي تقطعه بين النقطتين والذي قدّر بأسبوعين في أحسن الأحوال، لأن هناك عامل الرياح التي قد تجري عكس شهوات الجزائريين!
المواطنون الذين يشاهدون نشرات الأخبار التي تقترحها عليهم قنوات وطنية، يستطيعون قياس صبرهم والذي هو حاصل جمع سرعة السفينة مع سرعة الرياح الشرقية الغربية مضافا إلى الأسبوعين.
لكن السفينة كسرت أفق التوقع في القصة الإخبارية ووصلت قبل أسبوعين وقبل نفاد الصبر وجعلت الزملاء والخبراء في حيرة من أمرهم يتساءلون: هل انطلقت السفينة قبل الموعد؟ هل غيرت سرعتها؟ هل هبّت الرياح عكس الاتجاه المتوقع؟ وبعد أن قلبوا جميع الاحتمالات بشأن السفينة التي ظهرت فجأة تماما كالسفينة التي ظهرت فجأة قبالة العمارة في الميناء الذي لم يكن ميناء في رائعة «أرواح هندسية» لسليم بركات، طرحوا احتمالا وجيها حول إمكانية شحن الحمولة بعد جني المحصول من المحيط الأطلسي وليس من الإكوادور، ويجري حاليا التأكد مما إذا كان الموز ينمو في المحيط. ولا شك أن الخبراء لن يقصروا في إفادة المشاهدين بخلاصات بحوثهم، لأن الخبراء يحبون إلقاء بحوثهم في القنوات كي تصل إلى الشعب بسرعة.
المؤكد أننا لم نتعود على صحافة استقصائية تستعين بالخبراء في قياس سرعة الرياح في الكلام ، مثلا، وبالتالي فإن التحري في شأن سرعة السفينة أمر طارئ من شأنه أن يشيع أسلوبا جديدا في صحافتنا وفي حياتنا أيضا، ويفتح لنا باب تدريب أنفسنا على استعمال أدوات القياس، لنرد المغشوش من الكلام والمغشوش من السلع للذين استغلوا طيبتنا و أخسروا الميزان.
ووجب على المحللين تنبيه الغافلين منا إلى أهمية ما حدث في دفعنا إلى إدراك ضرورة الموز في حياتنا، بعيدا عن الحكايات القديمة التي تسيء إلى سمعة هذه الفاكهة اللذيذة والتي تربطها بشركات أمريكية تستعبد البشر وجمهوريات سريعة الزوال، وبعيدا عن المغرضين الذين شككوا في جدواها الغذائية وليس بعيدا أن يقولوا لنا أن الزعرور أهم منها.
ملحوظـــة
في الوقت الذي كنا نترقب فيه سفينة الموز، كان اليابانيون يترقبون الرواية الجديدة لكاتبهم هاروكي موراكامي ونقلت وكالات الأنباء أن حشودا قضت ليلة بيضاء أمام مكتبات طوكيو في انتظار الرواية.
سليم بوفنداسة