يتراشق مرشحون بالكتب ويتبارون بالمعارف في الطريق إلى مسؤولية عمومية، حيث يصبح كل ظهور علني امتحانا للجدارة أمام ممتحنين قساة لا يغفرون الزلات.
تتدافع جيوش من الصحافيين والمختصين لفحص المرشّح: ما الذي يحمله وما هي أدواته لمعالجة كل المسائل المستجدة في الاقتصاد والاجتماع وفي الشؤون الجيوستراتيجية؟ وهل يمكن الاطمئنان إليه في تدبير المستقبل؟
مرحبا، إننا في مجتمع معرفة، يتخذ من الديمقراطية فرصة لانتقاء النخب التي سيوكل إليها إدارة شأنه ويعاقبها بسحب ثقته إن هي فشلت في مهمتها أو أساءت التقدير أو التصرف مع أمر طارئ.
هذا النوع من المجتمعات يستعين أيضا بالمعرفة في مختلف مناحي الحياة، من حركة المرور إلى الإنتاج الاقتصادي، والنتيجة هي هذه الرفاهية التي نحسد عليها دولا صغيرة و بدون موارد، بل و نقطع بحار الموت للعيش فيها.
النتيجة هي أن تجد مواطنيك الأعزاء يتابعون بطولات (كروية) غير بطولاتهم ونشرات غير نشراتهم وانتخابات غير انتخاباتهم وقضايا غير قضاياهم، أي أن يهاجروا وجدانيا ويحولوا حياتهم الدائمة إلى منفى مؤقت.
تمكنك المعرفة من إنتاج البطاطا التي تحبها ولا ترضى عنها بديلا بوفرة، وتمكنك المعرفة من بناء جسور. تمكنك المعرفة من حل أزمة السكن و أزمة المرور. تخلصك المعرفة من العنف وتجعلك قادرا على العيش بدون توتر. تمكنك المعرفة من حب نفسك والآخر أيضا!
حين تنتج المعرفة يحترمك الآخرون ويمتنعون عن غزوك ونهب ثرواتك وإملاء شروطهم عليك، وتصبح معفى من الحاجة إلى الاستشهاد أو الثورة. بالمعرفة يُعفى أبناؤك من اليتم أو التشرد أو الانتساب إلى جماعات قاتلة أو مرشحة للقتل.
تحميك المعرفة من المتربصين والمخادعين والمضللين وتمنع جسدك عن الأيدي الخبيثة أجنبية كانت أو محلية.
لأن المعرفة تغير وضعك وموقعك وتنزع عنك صفة الضحية التي تلبسها منذ تاريخ غابر و تنزع عنك لقب الشهيد المحتمل.
تغيرك المعرفة إن أخذت بأسبابها وسعيت إليها، فتغير ولا تنتظر الخلاص من أحد ولا تذهب إليه مع أحد، لن يفيدك الأنبياء الجدد ولن تفيدك صواريخ عمك ترامب
و قد ألقاها في بركة من بركك الآسنة ليذكرك بما أنت عليه، فلا تفرح!
قد يتأجل الأذى في الأقاليم المعذبة لكن دورته لن تتوقف ما لم تغير الأقاليم أحوالها.
سليم بوفنداسة