الخميس 19 سبتمبر 2024 الموافق لـ 15 ربيع الأول 1446
Accueil Top Pub

من يقرع طبول الحق؟

فقد العالم بغياب غونتر غراس صوتا قويا من أصوات الحق القليلة. إذ لم يكن الرجل كاتبا كبيرا فحسب، بل كان مثقفا إشكاليا لا يتردّد في إبداء رأيه الذي كان مخالفا دوما  للتوجهات المهيمنة ولخطاب المركزية الذي يخفي نزعات استعمارية وعنصرية.
ورغم حملات التشويه في الصحافة الألمانية والغربية إلا أن غراس أكمل شيخوخته عاصفا مانحا صفة الكاتب سطوة  افتقدت في زماننا.
 وإذا كانت الحرب عليه قد بدأت منذ كشفه سرّ انتمائه إلى قوات النخبة في الجيش النازي، فإن محاولات إخراجه من الجنة استعرت بعد أهجيته الرفيعة لإسرائيل قبل ثلاث سنوات والتي أدان فيها صمت الغرب على هذه الدولة ومنافقته لها، هي التي منحت لنفسها حق امتلاك الأسلحة النووية وحرمان خصومها من ذلك. صوت كهذا يبدو نشازا في أوروبا التي يروّج بعض مثقفيها للحروب الجديدة بشعارات نشر الحرية والتدخل الإنساني، بل وحتى من أجل الدفاع عن الدولة ذاتها التي خصّها غراس بالنقد. في صورة برنار هنري ليفي الذي ذهب بقميصه الأبيض إلى خنادق القتال في ليبيا كرسول خلاص، و إلى اليوم لازال الجند في الخنادق فيما ينظّر الفيلسوف في استديوهات التلفزيونات أو يستريح في المنتجعات من الفلسفة والحروب مع قطته الميكسيكية.
وقبل وفاته بأيام حذر غراس من حرب خفية لا يراها الناس وقال أن الحرب العالمية الثالثة المتوقعة هي ما يحدث الآن، وبالطبع فإن الحرب لا تدور هذه المرة على الأرض الأوروبية، لأن الأوروبيين شبعوا من الحروب وتفرغوا للرفاهية بكل ما تقتضيه من غاز ونفط ودماء تستخرج وتسفك في الجنوب المكبل باستعمار جديد غير معلن.
رحيل غراس جاء بعد فترة قصيرة من غياب روائيين شكلا أيضا ضمير العالم وقيمة يفخر بها المنتسبون إلى هذا العصر، هما غابريال غارسيا ماركيز و خوسيه ساراماغو، وهما أيضا صاحبا توجه يساري ونزعة إنسانية وازنا بين عظمة الإبداع وعظمة الموقف في مراحل حرجة من التاريخ الإنساني.
 لكأن العالم يتخلّص من أبنائه الطيبين، دفعة واحدة، كي يفسح المجال واسعا لأشراره.

سليم بوفنداسة

 

المزيد من الأعمدة

حارةُ المُؤثرين

هل تستطيعُ وسائطُ التّواصل الاجتماعيّ حمل الخِطاب الثقافيّ، وهل يسلمُ، في حال استخدامها من الخِفّة التي تفرضها...

  • 17 سبتمبر 2024
المهيمنُ لا يتحرّج

لا يستريحُ القتلةُ في الصيّفِ، فكلّ الفصول مُناسبة لإراقة الدم، ولعلّهم نجحوا في تحويل المقتلة...

  • 29 جويلية 2024
كرمٌ مُعلن

يمكن اعتبار الاحتفاء بالناجحين علامة صحيّة، لما في ذلك من تقديرٍ للعلم ومُحصّليه، شرط أن يكون...

  • 22 جويلية 2024
محنة الرواية!

تعرّضت الكاتبة إنعام بيّوض إلى حملة تشهير بالغة السوء على مواقع التواصل الاجتماعي، بعد نشر صوّر...

  • 15 جويلية 2024
محاذير الفرح!

أثار الفرح "المبالغ فيه" بالنّجاح في مختلف امتحانات نهاية السنة، الجدل بين مناصرين للحقّ في...

  • 01 جويلية 2024
«ترندينغ»

تكفّلت مواقع التواصل الاجتماعي بترتيب اهتمامات "الرأي العام"، مُنهية بذلك احتكار وسائل الإعلام...

  • 24 جوان 2024
سِرُّ مالك!

بقدر الدهشة التي تخلّفها جُملته، بقدر الحسرة التي ينتهي إليها قارئه، حسرة على عدم اكتمال قصّة وعلى الصّمت...

  • 03 جوان 2024
«الطريق»

توفر الوسائط التكنولوجيّة "حياةً جديدةً" للإبداع، من خلال القنوات التي تفتحها مع المتلقّي، مختصرةً الجهد والوقت...

  • 27 ماي 2024
الفيلسوف متوحشا

أصاب الحراك الطلّابي في الغرب، الفيلسوف الفرنسي الصهيوني الهوى ألان فينكلكروت بالرّعب، إلى درجة...

  • 20 ماي 2024
الخروج من حُجرة الكتابة

خرج بول أوستر من "حجرة الكتابة" تاركًا أبطاله لمصائرهم الغامضة وشعبًا يتيمًا في مختلف اللّغات، هو...

  • 06 ماي 2024
قطارُ الباطل

سلّطت الاحتجاجاتُ الطلابيّة في الولايات المتحدة الأمريكيّة الضوء على هيمنة اللّوبي الصهيوني على...

  • 29 أفريل 2024
صعلكة

  أصبح "خطاب الحق" عنوان ضعفٍ في عالم اليوم الذي باتت تتحكّم في مفاصله قوى ولوبيات لا تبالي...

  • 23 أفريل 2024
ضرورة التفكير في المجتمع

  سليم بوفنداسة انتفض المجتمع المدني في ولاية خنشلة ضدّ "الراقي الزائر"، الذي أثار الجدل على مواقع التواصل، ودعا...

  • 16 أفريل 2024
المخفيّ

حين مات محمد ديب لم تجد وسائل الإعلام الوطنيّة، مادة سمعية بصريّة عن الكاتب تقدّمها للجمهور، كان...

  • 26 فبراير 2024
اختراق

شهدت الفترة التي تلت اندلاع الحرب المدمرة على غزة، تسخير ذباب إلكتروني لتسفيه الخطابات المؤيدة...

  • 19 فبراير 2024
خِفّـــة

يبحثُ المتحدّثُ عن العبارة التي ستبقى  في أثير الله الأزرق بعد أن يفنى الكلام، عبارةٌ واحدةٌ تكفي كي...

  • 12 فبراير 2024
وصفُ السّعادة!

تجري الحياة في فضاءات أخرى وليس على المُستطيل الأخضر، رغم المُتعة التي توفرها كرة القدم، باعتبارها مسرح فرجةٍ في...

  • 05 فبراير 2024
القيمة والشّعار

يخترقُ المنتوج الثقافيّ الحدود واللّغات، بجودته أولًا وأخيرًا، وقد يفوق تأثيره التوقّعات، لذلك...

  • 01 جانفي 2024
كبارُ "الباعة"!

سخر كمال داود من الصّفة التي يطلقها العرب والمسلمون على ضحايا العدوان الهمجي على غزّة، ووجد الوقت...

  • 18 ديسمبر 2023
مقبرةُ جماعيّة للإنسانيّة

في هذه الأرض المزدحمة، حيث يتعايش الأحياءُ والموتى، تُحفر القبور على عجلٍ في الأسواق السّابقة...

  • 11 ديسمبر 2023
Articles Side Pub
Articles Bottom Pub
جريدة النصر الإلكترونية

تأسست جريدة "النصر" في 27 نوفمبر 1908م ، وأممت في 18 سبتمبر 1963م. 
عربت جزئيا في 5 يوليو 1971م (صفحتان)، ثم تعربت كليًا في 1 يناير 1972م. كانت النصر تمتلك مطبعة منذ 1928م حتى 1990م. أصبحت جريدة يومية توزع وتطبع في جميع أنحاء الوطن، من الشرق إلى الغرب ومن الشمال إلى الجنوب.

عن النصر  اتصل بنا 

 

اتصل بنا

المنطقة الصناعية "بالما" 24 فيفري 1956
قسنطينة - الجزائر
قسم التحرير
قسم الإشهار
(+213) (0) 31 60 70 78 (+213) (0) 31 60 70 82
(+213) (0) 31 60 70 77 (+213) (0) 6 60 37 60 00
annasr.journal@gmail.com pub@annasronline.com