الأحد 24 نوفمبر 2024 الموافق لـ 22 جمادى الأولى 1446
Accueil Top Pub

الصنهاجي الحائر

لم يفهم لماذا أجلسوه هنا لكنه جلس مستسلما لخاصيته الجديدة و التي منعته من مبادلة العابرين التحية أو استلام السجائر التي عرضت عليه أو شرب القهوة. لم يستطع حتى الحديث في العلب الصغيرة التي عرف، فيما بعد، أنها اختراع متأخر للعلم تُبقى صوت حاملها متاحا في كل حين. حاول جاهدا فرز الجمل التي يرطن بها المحيطون به وهم يقتنصونه في آلاتهم الصغيرة. حاول أكثر من مرّة القيام لكن وضعه الجديد منعه من ذلك. شعر بضيق. ضاق بالأيدي التي تمتد إليه. ضاق بالقبل. ضاق باسمه منطوقا. ضاق بالغبار بالسيارات التي تتوقف بالنساء بالنهار الطويل كفيلم مملّ. ضاق بالصفات التي تُنسب إليه. ضاق بمقولاته مبتورة في الخطب. ضاق بتلك القصيدة في الكتب المدرسية  وفي جُمل تلاميذ السياسة. ضاق باستدراجه إلى مواضع لا تلائم طبعه.ضاق بذكرياته مستعادة. ضاق بذاته متخيلة أو ممثلة.  ضاق بما كانه وما صار عليه. تمنى لو يستطيع التنفس بعمق أو الصراخ. لكنه يعرف أن صرخته العظيمة ستبقى مكتومة خلف معدن يحمي صدره  من الأذى و لا يمنع عنه الألم. تمنى لو يستطيع إغماض عينيه ليقنع نفسه أنه في حلم سينتهي بعد قليل. تمنى لو يستطيع البكاء ليمسح الخيبة وأطفالها الذين يلعبون عند قدميه. تمنى لو يستطيع الركض بلا توقف حتى يهلك بعيدا في الأحراش و “يُنسى”.
لم يفهم لماذا أجلسوه. لم يفهم الذين أجلسوه لماذا فعلوا ذلك. فكرة ما عبرت خيال أحدهم  وتجسدت بسرعة، ثم انتظم الطقس تلقائيا: أطفال يريدون اللعب، ممثلون يبحثون عن مسرح  لترشيد صرف الهستيريا، قبائل تبحث عن طوطم.
تجري الأمور دائما على هذا النحو، تعبر فكرة ما رأس أحدهم وتنزل إلى الشارع  الذي يتجاوب مع الأفكار العبقرية ويدعمها بالأساطير المؤسسة.
يعرف الصنهاجي الذي كان يدرّس ابن خلدون لطلبته قبل نهوض الشياطين من نومها أن أحوال الأمم متغيرة. ويعرف أن الحضارة تبدأ ببناء الإنسان قبل الجدران. ويعرف الآن أن حلمه لازال مؤجلا. ويعرف أن التاريخ أخذ طريقه في المنحدر.

ملاحظة
لا يشبه التمثال صاحبه لكنه يعبّر بصدق عن حال من يمثلهم في جلسته الحزينة وسط الغبار والضجيج.

سليم بوفنداسة

 

المزيد من الأعمدة

المُنمركون !

يصعبُ توقّع ما ستكون عليه الحياة بعد سنوات قليلة، نتيجة التدخّل المفرط للتكنولوجيا فيها، الذي لا...

  • 18 نوفمبر 2024
لا تلوموا أسامة!

يطرحُ الإقبال "غير المتوقّع" على الكاتب السعودي أسامة المسلم في صالون الجزائر الدولي للكتاب،...

  • 11 نوفمبر 2024
«لأسبابٍ سياسيّة» !

قبل سويعات من الكشف عن الفائز بجائزة الغونكور، أمس، نقلت وكالة الأنباء الفرنسية عن ناشرٍ قوله، إن...

  • 04 نوفمبر 2024
الصّورة و النّص

عاش كاتب ياسين حياةً قليلة وبسيطة، عانى فيها من "سوء الفهم" و الأسطرة، فضلا عن الجدل الذي لم يفتر...

  • 28 أكتوير 2024
المُستريحون

تُخفي الفرحةُ بموت أحدٍ، حالة قهرٍ عاشها الفَرِحُ في وجود الرّاحل الذي حقّقت ميتتُه زوال غمٍّ،...

  • 21 أكتوير 2024
طفولــة

سليم بوفنداسة ينشغلُ عددٌ غير قليل من الجزائريين بنظرة الآخر التي تتحوّل إلى مصدر فخرٍ أو سبب...

  • 15 أكتوير 2024
ضرورة الفرز

سليم بوفنداسة لا يواجه الأدب الجزائري مشاكل في التلقي فحسب بل يواجه أيضًا مشاكل في الكتابة...

  • 01 أكتوير 2024
سُقــــوط

سليم بوفنداسة فرضت ثقافة السّوق التي تهيمن على عالمنا المعاصر نمطًا جديدًا من النّخب، تنتجه...

  • 24 سبتمبر 2024
حارةُ المُؤثرين

هل تستطيعُ وسائطُ التّواصل الاجتماعيّ حمل الخِطاب الثقافيّ، وهل يسلمُ، في حال استخدامها من الخِفّة التي تفرضها...

  • 17 سبتمبر 2024
المهيمنُ لا يتحرّج

لا يستريحُ القتلةُ في الصيّفِ، فكلّ الفصول مُناسبة لإراقة الدم، ولعلّهم نجحوا في تحويل المقتلة...

  • 29 جويلية 2024
كرمٌ مُعلن

يمكن اعتبار الاحتفاء بالناجحين علامة صحيّة، لما في ذلك من تقديرٍ للعلم ومُحصّليه، شرط أن يكون...

  • 22 جويلية 2024
محنة الرواية!

تعرّضت الكاتبة إنعام بيّوض إلى حملة تشهير بالغة السوء على مواقع التواصل الاجتماعي، بعد نشر صوّر...

  • 15 جويلية 2024
محاذير الفرح!

أثار الفرح "المبالغ فيه" بالنّجاح في مختلف امتحانات نهاية السنة، الجدل بين مناصرين للحقّ في...

  • 01 جويلية 2024
«ترندينغ»

تكفّلت مواقع التواصل الاجتماعي بترتيب اهتمامات "الرأي العام"، مُنهية بذلك احتكار وسائل الإعلام...

  • 24 جوان 2024
سِرُّ مالك!

بقدر الدهشة التي تخلّفها جُملته، بقدر الحسرة التي ينتهي إليها قارئه، حسرة على عدم اكتمال قصّة وعلى الصّمت...

  • 03 جوان 2024
«الطريق»

توفر الوسائط التكنولوجيّة "حياةً جديدةً" للإبداع، من خلال القنوات التي تفتحها مع المتلقّي، مختصرةً الجهد والوقت...

  • 27 ماي 2024
الفيلسوف متوحشا

أصاب الحراك الطلّابي في الغرب، الفيلسوف الفرنسي الصهيوني الهوى ألان فينكلكروت بالرّعب، إلى درجة...

  • 20 ماي 2024
الخروج من حُجرة الكتابة

خرج بول أوستر من "حجرة الكتابة" تاركًا أبطاله لمصائرهم الغامضة وشعبًا يتيمًا في مختلف اللّغات، هو...

  • 06 ماي 2024
قطارُ الباطل

سلّطت الاحتجاجاتُ الطلابيّة في الولايات المتحدة الأمريكيّة الضوء على هيمنة اللّوبي الصهيوني على...

  • 29 أفريل 2024
صعلكة

  أصبح "خطاب الحق" عنوان ضعفٍ في عالم اليوم الذي باتت تتحكّم في مفاصله قوى ولوبيات لا تبالي...

  • 23 أفريل 2024
Articles Side Pub
Articles Bottom Pub
جريدة النصر الإلكترونية

تأسست جريدة "النصر" في 27 نوفمبر 1908م ، وأممت في 18 سبتمبر 1963م. 
عربت جزئيا في 5 يوليو 1971م (صفحتان)، ثم تعربت كليًا في 1 يناير 1972م. كانت النصر تمتلك مطبعة منذ 1928م حتى 1990م. أصبحت جريدة يومية توزع وتطبع في جميع أنحاء الوطن، من الشرق إلى الغرب ومن الشمال إلى الجنوب.

عن النصر  اتصل بنا 

 

اتصل بنا

المنطقة الصناعية "بالما" 24 فيفري 1956
قسنطينة - الجزائر
قسم التحرير
قسم الإشهار
(+213) (0) 31 60 70 78 (+213) (0) 31 60 70 82
(+213) (0) 31 60 70 77 (+213) (0) 6 60 37 60 00
annasr.journal@gmail.com pub@annasronline.com