طقوس غريبة يقيمها “المشتغلون” في الصحافة في الثالث من هذا الشهر من كل عام لأنفسهم، الظاهرة استفحلت في السنوات الأخيرة مع تزايد العاملين في المهنة المذكورة وانخراط الكثير من المؤسسات في هذه الطقوس، من الجماعات المحلية إلى مصالح الأمن والدرك وشركات الهاتف النقال وغيرها...
وبالطبع فإن الاحتفال بحرية الصحافة يتم بأكل الحلوى وتكرار الحديث عن انفراد الصحافة الجزائرية بتحقيق ما لم تحققه شقيقاتها في الجنوب المحروم من خطاب الحقيقة. وأصبحت هذه الاحتفالية مشابهة للاحتفال بعيد الشجرة، مع كل الاحترام لجميع الأشجار المثمرة منها وغير المثمرة. وسيسقط بكل تأكيد خلال الطقس النقاش المهني الذي سينطفئ أمام شهوات «الاحتفال».
ويصعب على المتابع لما ينشر على أعمدة الصحافة الوطنية والمشاهد لقنواتنا أو المستمع لإذاعاتنا أن يصدق قصة «الريادة الإعلامية الجزائرية»، ولا يحتاج في ذلك إلى أن يكون مختصا، يكفي أن يكون «عاقلا» فقط ليستغرب ما يقرأ وما يسمع وما يشاهد. أما من ابتلي بمعرفة أبجديات المهنة فسيقف على حقيقة مخيفة، فحواها أن ممارسة الصحافة تتراجع كلما ارتفع عدد المؤسسات الإعلامية وعدد المشتغلين فيها، و أن أغلبية المنتسبين إلى المهنة شربت من نبع مسموم، فيعتقد منتسبون للقطاع العام – مثلا- أن من مهامهم «الدفاع» عن إنجازات الحكومة وأنهم مسؤولون عن تحقيق التنمية، فيما يعتقد منتسبون للقطاع الخاص أن «مناهضة» السلطات أولى أولوياتهم، وفي القصتين تضيع المهنة وتتحول الصحافة إلى أداة بروباغوندا أو منشور حزبي.
لا تزدهر الصحافة إلا في مناخ ديمقراطي يسوده الاستحقاق والضبط الذي يقوم به المهنيون أنفسهم وليس السلطات العمومية، ومن غير الوجاهة أن نطالب الصحافة بأن تكون متقدمة في مجتمع يعاني من داء التخلّف. لكن من الضروري الانتباه إلى التأثيرات السلبية التي غزت الصحافة بسبب أخطاء (مقصودة أو غير منتبه إليها) في تعريف المهنة وفي اصطفاء «القائمين عليها» نظرا لخصوصيتها وضرورة توفر ممارسيها على سقف لا يمكن النزول دونه من المعارف والمهارات والأخلاق. فالمقاول لا يمكن أن يكون ناشرا وكذلك الميكانيكي ومصلّح التلفزيونات، كما لا يستطيع الممرض أو عون الحراسة أن يكون صحافيا. ويبدو أن التهافت على الصحافة أصبح مرتبطا بالريوع وبالوجاهة الاجتماعية، بمعنى أن هذه «الحرفة» تحولت إلى تجارة ومرض نفسي.
ملاحظة
قبل الحديث عن الاحتراف، يحتاج قطاع واسع من المنتسبين إلى الإعلام في الجزائر إلى معرفة مفهوم هذه المهنة.