الخميس 21 نوفمبر 2024 الموافق لـ 19 جمادى الأولى 1446
Accueil Top Pub

الكاتب والمترجم والأكاديمي والمستشرق الإيطالي سيموني سيبيليو في حوار للنصر

دول الإتحاد خذلت إيطاليا وكورونا كشفت أزمة النظام الأوروبي
* لقد شهدنا إدارة فاضحة ومُخزية للوباء من كلّ ركن من أركان العالم
يتحدث الناقد والكاتب والمُترجم والأكاديمي والمستشرق الإيطالي الدكتور سيموني سيبليو، في هذا الحوار، عن أيّامه خلال فترة العزلة والحجر الصحي، وكيف عاشها، وعن ما أحدثه هذا الكابوس اليوميّ «الوباء» في حياته، سواء من الناحيّة الشخصيّة أو الأدبيّة، وكيف كان يستقبل كلّ ما يحدث وكلّ ما يصل إليه من أخبار مُفزعة عبر الفضائيات ووسائط الميديا؟ سيموني تحدث عن هذه التجربة بكثير من الشجن والتأمل. وهو يرى أنّها كانت ولا تزال مُؤلمة جداً، بكونها فجيعة عالمية الحجم، مؤكدا أنّها ستكون لها وبكلّ تأكيد آثارٌ صحية واِقتصادية ومادية وحتّى نفسيّة بعيدة المدى، ويذهب إلى القول أنّها على الأرجح ستُحكى أو سيتم سردها في كُتب التاريخ في المستقبل كنقطة تحوّل وبدء مرحلة جديدة. كما يرى فيها فرصة وقتٍ للتأمّل وإعادة النظر في حياتنا بأنماطها ونماذجها. مؤكداً أنّ الدرس الوحيد الّذي يجب أن نتعلمه من هذه التجربة هو الصمود أمام صعوبات الحياة القاسية والخطيرة.
حاورته/ نوّارة لحـرش
و فتح أيضا جرح إيطاليا أثناء أزمتها الوبائية، قائلاً أنّ دول الإتحاد الأوروبي خذّلت إيطاليا، وأنّ أزمة كورونا فضحت عدم اِنسجام الاِتحاد الأوروبي، ورداءة وفقر الفكر السياسي وراء سياساته المتناقضة، كما كشفت أزمة النظام الأوروبي الّذي يتطلب -حسب رأيه- إصلاحًا شاملاً. ضيف «كراس الثقافة» في عدد هذا الأسبوع، تحدث عن أمور وشجون أخرى نكتشفها في هذا الحوار المطول.
واجهنا ما يمكن أن نُسميه
 بـ «منع الحداد» وهذا الجرح سيبقى حيًّا فينا وفي المجتمع العالمي
يمر العالم بأزمة وباء، أرغمته على العزلة والمكوث في البيوت. كيف عشتَ هذه التجربة في مدينتك الإيطالية، وكيف تنظر للكارثة الوبائية التي تلتهمُ البشر بأعداد مرعبة؟
* سيموني سيبيليو: إنّ التجربة كانت ولا تزال مُؤلمة جداً بالتأكيد، بكونها فجيعة عالمية الحجم بالفعل، ستكون لها آثار صحية واِقتصادية ومادية وحتّى نفسيّة بعيدة المدى، كما يتنبأ الخبراء وأهل الاِختصاص في المجال الوبائي، على الأرجح أنّها ستُحكى أو سيتم سردها في كُتب التاريخ في المستقبل كنقطة تحوّل وبدء مرحلة جديدة، وما زلنا لا نعرف كيف سيتغير ميزان القِوى في العالم.
أمّا عزلتي الشخصية، فتأمّلتُ كثيرا في حالتنا الاِجتماعية على الجانب المحلي وكذا العالمي، كما على المستوى الفردي والجماعي. هناك وقتٌ للتأمّل وإعادة النظر في حياتنا بأنماطها ونماذجها ورؤانا المبلورة وأحيانًا لا تنفصم. هذا الوقت، كان مختبر حياة وحتّى فرصة نرجوها مثمرة لبناء مستقبل أفضل وأكثر اِنتباهًا بالبُعد الإنساني.
تسألين كيف عشتُ هذه التجربة في مدينتي، لابدّ لي من الإشارة إلى أنّني من أكثر البلدان المنكوبة من الوباء في العالم، حيث وقعت إصابة حوالي 235.000 من الأشخاص وتوفي أكثر من 33000 في وقت هذه المقابلة.
أكبر صدمة بالتأكيد مشهد التوابيت مع الجثث المنقولة في عزلتها على شاحنات الجيش في أشد فترة من فترات الوباء وأكثرها قساوة، أي شهر مارس، حيث لا يمكن أن تُقام المراسم الجنائزية اِمتثالاً لأحكام الطوارئ الإدارية للحجر، فلا فرصة لأهالي الموتى وأقاربهم لوداع أعزائهم الأخير. واجهنا ما يمكن أن نُسميه بــ»منع الحداد» وهذا الجرح سيبقى حيًّا عندنا كما عند المجتمع العالمي للأبد لأنّ المراسم الجنائزية التقليدية طقوسٌ مُقدسة واِجتماعية في كلّ الحضارات، ومنذ فجر الزمان، فلذلك تعني غيبتها وعدم القيام بها قطيعة إِنسانية واِجتماعية وثغرة كبيرة في عُمق حياتنا.
أنا شخصيًا فقدتُ عمتي الحبيبة التي توفيت أثناء تلك الفترة المظلمة بمرضٍ آخر ليس الكورونا، لكن لم يكن من المسموح مغادرة المُدن، سمحوا لبناتها فقط بالدخول الجزئي إلى المستشفى حيث تمّ نقلها إليه. حتّى اليوم، بعد ثلاثة أشهر، لم ندرك أنا وعائلتي غيابها، بسبب حظر الحداد المفروض على مجتمعنا.
ما الّذي فَعلتهُ فيك هذه التفاصيل اليومية. وهل أثر هذا الكابوس اليوميّ على حياتك، سواء من الناحيّة الشخصيّة أو الأدبيّة؟
* سيموني سيبيليو: لقد قضيتُ الكثير من الوقت المُثمر مع زوجتي وابني عادل الّذي واصل حضور الدروس في «المدرسة الاِفتراضية» فاحتاج إلى دعم عملي ونفسي أيضأ. لن ينسى الأطفال هذا المشهد الخاص بسهولة حتّى إذا كان كلّ شيء على ما يرام وجيّد بالنسبة لأسرتنا والحمد لله.
بالنسبة لأنشطتي، فقد كتبتُ وعملتُ كثيرًا، فركزتُ على الإصدارين التاليين لي، وهما كتاب عن الشِّعر العربي الحديث والمعاصر وترجمة عمل الشاعر الفلسطيني نجوان درويش إلى الإيطالية، وهي أوّل ترجمة كاملة له في لغتنا التي يتوقع نشرها في آخِر العام.
إضافة إلى ذلك، فقد كتبتُ أشعاراً جديدة وأعمل الآن على مجموعة شِعرية بنصوص مصحوبة بموسيقى في محاولة إبداعية عبر الأجناس تسعى إلى تصوّر المدينة وجسدها بكلّ ما فيها من عناصر وسمات مرض زمننا الحاضر، وقد تمّت ترجمة إحدى هذه القصائد إلى العربية ونُشرت على «العربي الجديد» بفضل ترجمة الكاتبة الجزائرية البارزة أمل بوشارب.
الدرس الوحيد الّذي يجب أن نتعلمه من هذه التجربة هو الصمود أمام صعوبات الحياة القاسية
في قصيدتك «حول رقبة هذه المدينة» تتجلى صوفية خفيفة بين السطور والمعاني. هل هي العودة إلى عوالم الصوفيّة في أوقات المحنة؟

* سيموني سيبيليو: لا أعرف بالحقيقة إذا ما كان يمكن أن نرى «بصمة صوفيّة» في هذه القصيدة، ولا إذا كان هناك دليل العودة إلى عوالم الصوفيّة في هذه الأوقات النادرة. النص الّذي ذكرته بالتأكيد له نبرة نبويّة ويجب أن تُرى الإشارة إلى كلام المسيح على الصليب في إطار مفارقة ساخرة سواء لاِنتقاد الخِطاب المروع لأولئك الذين اِستغلوا الرعب الجماعي عن الوباء أو لاِنتقاد «الحزب» الراديكالي المُعارض لمن رد على العكس من خطاب المؤامرة بالحديث عن الحرب الفيروسية العالمية.
هذه القصيدة محاولة بسيطة لاِسْتنْطاق وضعنا المُتميز في الغرب
 وكغربيين حيث لا نعتاد على مواجهة الصدمات والكوارث والمصائب، وأنّ الدرس الوحيد الّذي يجب أن نتعلمه من هذه التجربة هو المثابرة والصمود أمام صعوبات الحياة القاسية والخطيرة كما الخير الجماعي والتعاضد، وهو درس أساسيّ لتغيير أنماطنا، يمكننا أن نستلهم من مهمة الأطباء والعمال في المستشفيات، وعلى مستوى رمزي أوسع وأعمق من نموذج العديد من الشعوب والناس التي تقاوم من أجل الحياة.
أمّا بالنسبة للشطر الثاني من السؤال، فلا أعتقد أنّه يمكن العودة إلى أبعاد التصوّف أو الروحانية التي هي مواد أدبية غير مستخدمة في الأدب الغربي المعاصر، على عكس العالم الأدبي العربي مثلا الّذي كانت ولا تزال فيه الصوفيّة مصدرًا أساسيًّا في الشِّعر التقليدي وحتّى في شِعر الحداثة.
أشعارك الأخيرة التي كتبتها في فترة الحجر الصحي، كانت مستوحاة من مشاهداتك اليومية عبر النافذة أو الشرفة، هل يمكن القول أنّ العالم بهشاشته وجُثثه وتوابيته، وقبوره المفتوحة، وتفاصيله التراجيدية، كان خلف النافذة/الشرفة، وأنّك كنت شاهدا عليه وأنّك أثثته بحاستك الشِّعرية. ألا يحتاج الأمر لأن تكتبه يومًا في نص سردي روائي. أم أنّك ستكفي بروايته ونقله شعريًا فقط؟
* سيموني سيبيليو: صحيح. فأشعاري التي كتبتها في فترة الحجر الصحي، كانت، من ناحية، مستوحاة من ما يحدث خلف النافذة، ومِمَا فيها من تفاصيل يومية مُدهشة ومُفاجِئة وغير عادية في مشهدنا الجديد وهي مع ذلك جزء من الطبيعة المنسيّة، ومن ناحية أخرى أتبعتُ هذه الأشعار مشروعًا موجهًا للتمثيل الشِّعري للمدينة كجسد مكشوف، وعاري معروض ومتعرض بدلائل جديدة، كأفق جديد يُفتح على حلم التأمل {التصور} لنماذج الحياة المستقبلية التي تسير في الاِتجاه المعاكس للعولمة الخانقة والعنيفة ومُهملة البيئة والطبيعة مع إيقاعاتها وألوانها.
كيف كنت تستقبل كلّ ما يحدث وكلّ ما يصل من أخبار مُفزعة عبر الفضائيات ووسائط الميديا؟
* سيموني سيبيليو: أمّا طريقة سرد أخبارنا عن الوباء والخِطاب الوطني العام المُتعلق بي، فأحسستُ باِنزعاج شديد، كما أُعبر عن اِستيائي من «خِطاب الحرب» هذا. لقد كرر الكثير من المحللين وأهل الإعلام هنا وهناك: «هذه حرب، إنّها حرب ضدّ عدو غير مرئي». وهم، عبر خلق لغة الحرب هذه، غرسوا مناخًا من الرعب المُستمر وإقناع المواطنين بأن يعيشوا حربًا فعلاً. هذه رواية لا أستسيغها وأعارضها.
إنّها رواية، تميل إلى تحريف الحقيقة وبالتالي وجهة نظرنا على الواقع بمجمله. إنّ الخروج من الوباء مهما كان مؤلمًا وصادمًا في ندرته واِستـثـنائيته ليس مثل الخروج من الحرب. إضافةً إلى أضرارنا النفسيّة والاِقتصادية (بسبب الوباء)، فهي موجودة بلا شك وستستمر لمدة طويلة، ولكن لا يمكن مقارنتها بالآثار المُؤلمة والمُدمرة للحرب حيث يمكن فقدان كلّ شيء. ضحايا حرب أو صراع عسكري لم يعد لديهم أي شيء، ربّما فقدوا أقارب وأصدقاء، بيوتهم، وأرضهم. يجب أن نسأل اليمنيين والسوريين والليبيين وغيرهم من أراض الأفارقة وأماكن أخرى الذين فقدوا كلّ شيء بسبب الحرب، معناها المادي والنفسي. نسألهم ما هي الحرب حقًا. أو نسأل العائلات والأهالي الفلسطينيين الذين هَدموا منازلهم أو اقتلعوا أراضيهم، ما هي تداعيات (اِحتلال عسكري شرس) وكيف يبدؤون مرّة أخرى. يمكنك الخروج من الوباء بأمان والبدء من جديد، رغم كلّ التعقيدات والمعاناة المعيشيّة ومن أي نوع، من بينها فقدان أشخاص أعزاء أو فقدان العمل بسبب وقف الأنشطة وإغلاقها. لكن لا يمكنك الخروج سالمًا من الحرب، في معظم الأحوال.
(ليس من الغريب أن نرى إستراتيجية معينة في التوظيف السياسي لمصطلح «الحرب» نظرا للنتيجة العالمية للوباء)
مصطلح «الحرب». أطلقه بعض ساسة وقادة العالم. هل ترى في الأمر توظيفًا سياسيًّا؟
* سيموني سيبيليو: الأمر معقد جداً، فأنا لستُ خبيراً ولا مُحللاً سياسيًا. في أي حال كمواطن عادي يعمل في المجال الفكري والأكاديمي لي الحق بالفعل أن أُعبر عن بعض الشكوك في إدارة الوباء في شتّى المستويات. ليس من الغريب أو المُفرط أن نرى إستراتيجية مُعينة في التوظيف السياسي للمصطلح نظراً للنتيجة العالمية لهذا الوباء وإصابة العديد من البلدان المُهيمنة بها كما حضور العديد من المصالح الاِقتصادية.
إضافةً إلى ذلك، لقد شهدنا إدارة فاضحة ومُخزية للوباء من كلّ ركن من أركان العالم، في المقام الأوّل من قِبل القِوى العظمى: من أمريكا ترامب إلى الصين، من بريطانيا العُظمى إلى الدول الأوروبية الأخرى. مع تفشي الوباء في أوائل أبريل، دعا ترامب المواطنين إلى تجاهل المخاطر والعودة إلى العمل. فقد رأينا الكثير من التقريب وسوء النية والسطحيّة في اِتخاذ قرارات أو مسؤوليات أساسيّة في الوقت المُناسب بسبب الإستراتيجيات الاِقتصادية والمالية التي ربّما أَثّرت على مصيرنا الجماعي أو أدت إلى عواقب وخيمة على سكان العالم بأسره وخصوصًا في الدول الفقيرة حيث تفتقر إلى الرعاية الصحية والأنظمة الصحيّة بشكلٍ عام.
لم نشهد ظاهرة الوباء العالمي بهذا الحجم. لكن هذا لا يُبرر توظيف روايات مثيرة ومُضللة
من جهة أخرى، ترى أنّ الإعلام ضخم من الأمر وكان يقدم خطابًا مُروعًا ومفزعًا حول الوباء. هل نفهم من هذا أنك لم تكن راضيًا عن دور أو أداء الإعلام في هذه الفترة العصيبة من حياة البشرية؟
* سيموني سيبيليو:  الإعلام له مسؤوليات كبيرة في توجيه الرأي العام، طبعًا. صحيح أنّنا لم نشهد أبداً ظاهرة الوباء العالمي بهذا الحجم وكانت تجربة فريدة وقاسية للغاية على الجميع. هذا لا يُبرر توظيف روايات مثيرة ومُضللة في العديد من الأحيان، فقط أقول إنّ خطاب الحرب لم يساعد على فهمٍ أفضل للأحداث.
أحاول أن أشرح بشكلٍ أفضل: إنّ مصطلح الحرب يخلق اِنقسامًا واِنعدام ثقة وعزلة في مخاوف المرء ويُعزز الشعور بالعداء تُجاه «الآخرين» أو «العدو اليومي» أي الذين يُمثلون تهديدًا للنظام القائم. لا أقصد أنّ خطابات الحرب هذه لها روابط واضحة مع ما يحدث في العالم، انظري قمع أعمال الشغب السوداء في أمريكا أو أعمال العنف الإسرائيلية ضدّ الفلسطينيين، كانت وستظل هذه الأعمال موجودة للأسف الشديد. وعلى أي حال يمكنني أن أشهد على أنّ الخطاب العنصري ضدّ المهاجرين في بلدي، في كلّ مكان، موجود دائمًا وقد زاد من وجوده في المجتمع كما لو كانوا هم سبب الوباء. قد أقول إنّنا لم نقبل درس هذا الوباء، أي تعلم التفكير فينا كمجتمع بشري عالمي مصيره مشترك، كما التفكير في نظام عالمي أكثر إنصافًا وانتباهًا لمطالبات الأرض الأم، حيث إعادة توزيع الثروة. فيبدو درسه مفقودا، تبدو هذه فرصة ضائعة.
هل تغيرت نظرتك للعالم والناس والحياة أثناء العزلة. ما الّذي تغيَّر تحديدا، ما الّذي اِستجد، ما الّذي حدث؟
* سيموني سيبيليو: نظرتي الجديدة للحياة أثناء العزلة، يتم تلخيصها بشكلٍ جيّد في تعبير الدارس Lacan قرأته في تحليلٍ مثير للاِهتمام للفيلسوف Zizek Slavoj. لمقاومة الضغط النفسي الناجم عن الوباء، يجب على المرء “التماهي مع أعراضه” دون خجل، أي محاولة تنفيذ الأشياء البسيطة والطقوس الصغيرة التي تعمل على اِستقرار حياتنا اليوميّة. لا يجب أن نُفكر في خُطط طويلة المدى، ولكن علينا أن نعيش اليوم كما لو أنّ “الحبس” كان حالة الآن وليس غدًا. لقد حاولتُ جزئيًا القيام بذلك في عائلتي وفي العمل، مع التركيز بشكلٍ كامل على ذلك.
هل من كُتب معينة قرأتها أثناء فترة الحجر؟
* سيموني سيبيليو:  قرأتُ العديد من الكُتب، سواء من الروايات أو من الشِّعر. قبل كلّ شيء، قرأتُ الكثير من الدراسات عن نقد الشِّعر العربي الحديث كمصادر الكِتاب الّذي أشتغل عليه الآن. وهو كتاب «الشّعر العربي الحديث المعاصر».
مشهد التوابيت مع الجُثث المنقولة في عزلتها على شاحنات الجيش كان أكبر صدمة وأكثر قساوة
هل من حادثة أو حوادث أثّرت فيك خلال فترة الوباء؟
* سيموني سيبيليو:  حادثة نقل الجُثث كما شرحتُ ووصفتها سابقًا. هذا أكثر ما أثر في. أكبر صدمة بالتأكيد مشهد التوابيت مع الجثث المنقولة في عزلتها على شاحنات الجيش في أشد فترة من فترات الوباء شراسةً وأكثرها قساوة.
ما الّذي ستقوم بفعله بعد نهاية الوباء. وهل من مشاريع برمجتها وفق قناعات أخرى على المستوى الشخصي والأدبي والترجمة؟
* سيموني سيبيليو:كنتُ قد برمجتُ زيارة عمل إلى فلسطين في كلّ من الضفة الغربية وقطاع غزة ضمن برنامج «إيراسموس الدولي» وفقاً للاِتفاقيات المُبرمة مع جامعة كافوسكاري فينيزيا التي أشتغل فيها والجامعتين الفلسطينيتين النجاة والأقصى. سأنتهز الفرصة لأجري مزيداً من البحث، كما أُحيي العديد من الأصدقاء من بينهم الشاعر الكبير غسان زقطان، الّذي قمتُ مؤخرا بنشر أوّل ترجمة إيطالية لمختارات من شِعره. إنّه عملٌ مهم وثمين جدا لي وأتمنى أن أقدمه قريبًا في إيطاليا كما في فلسطين.
دول الإتحاد الأوروبي خذّلت إيطاليا وكورونا كشفت أزمة النظام الأوروبي الّذي يتطلب إصلاحًا شاملاً
إيطاليا كانت من الدول الأكثـر تضررا بوباء كورونا، والشائع أنّ إيطاليا وجدت نفسها وحيدة. إذ لم يُقدم لها الإتحاد الأوروبي مساعدات في محنتها هذه. كإيطالي، هل ترى أنّ دول الإتحاد خذّلت إيطاليا حقا؟

* سيموني سيبيليو:أجل. أعتقد بأنّ دول الإتحاد الأوروبي خذلت إيطاليا كما الدول الأخرى الأكثر تضررا وكشفت أزمة كورونا أزمة النظام الأوروبي الذي يتطلب إصلاحًا شاملاً لآليات ومعايير اِتخاذ القرار والتعاون بين الدول، كما وردت أنّ هناك دول ذات وزن مُهيمن وأخرى أضعف، لذلك يجب إعادة النظر في موازناته. على أي حال، بفضل العمل الدبلوماسي للرئيس كونتي، تمكنت الحكومة الإيطالية من الحصول على نتيجة جيدة بعد مفاوضات طويلة. بالطبع، هذا لا يُبرر أو يُقلل من الأزمة العميقة في أوروبا ونماذجها السياسيّة.
أزمة كورونا فضحت عدم اِنسجام الاِتحاد الأوروبي ورداءة وفقر الفكر السياسي وراء سياساته المتناقضة
هل يمكن أن تُـقزم أزمة كورونا من روابط دول الإتحاد. أم أنّها لن تتأثر وستتجاوز الشرخ الّذي أحدثته هذه الأزمة؟
* سيموني سيبيليو:فضحت أزمة كورونا عدم اِنسجام الاِتحاد الأوروبي ورداءة وفقر الفكر السياسي وراء سياساته المتناقضة، وعيوب نظامه البنوية. لا يمكننا الإجابة الآن أو التنبؤ إن تمكنت دولهم من أن تتجاوز الشرخ الّذي حدث بسبب هذه الأزمة. سيكون من المثير للاِهتمام أن نرى بعد عشرين عامًا مثلا كيف سيتم تصوّر هذه الفترة التاريخية والكتابة عنها....
الحياة ما بعد كورونا ستكون مختلفة وحذرة وأكثر اِهتمامًا بقيمٍ جديدة
بدأت الحياة تعود بشكل تدريجي في إيطاليا كما في كثير من دول العالم. كيف هي نظرتكم الآن للحياة ما بعد كورونا؟
* سيموني سيبيليو:الحياة عندنا تعود تدريجيًّا إلى طبيعتها كما تقولين أنتِ وهذا جيد. نحن نُخطط لقضاء عطلة صغيرة في أماكن ساحلية آمنة في الأشهر القادمة في بلدنا كما جزء كبير من الإيطاليين. أمّا على المستوى النفسي، باِعتقادي أنّ الحياة ما بعد كورونا ستكون مختلفة على الأقل في اللحظات الأولى، ستكون حذرة وأكثر اِهتمامًا بقيمٍ جديدة، مثلا اِحترام أضعف الناس والاِكتفاء بأشياء صغيرة وأفراحٍ أساسية مع الأهل والأحباب.
كلّ العالم شاهد إيطاليا بكثير من الفن والحياة والجمال. حيث الإنسان الإيطالي يُقاوم أخبار الموت ومناظر الجثث وهو يعزف أو يغني أو يرقص من شرفات المنازل. إلى أي مدى كإنسان إيطالي تُؤمن بدور الفن في أوقات المِحن والأزمات؟ وما الّذي يمكن أن يُقدمه الفن في هكذا ظروف يمر بها الإنسان؟
* سيموني سيبيليو:دور الفن عظيم في أوقات المِحن والأزمات. صحيح، كُنا نعزف أو نغني أو نرقص من شرفات المنازل في وسط الكارثة وفجيعة مشاهدة الجثث في عجزٍ تام. لقد توهمنا في تلك اللحظات بإعادة اِكتشاف المشاعر الجماعية والوطنية غير المُتوقعة التي لا تزال تُمثل تحديًا مُهمًا للمستقبل. والموسيقى والشِّعر والأداء عبر طاقة رائعة وتفجيرية لتعزيز الشعور الجماعي لكنّها كانت تعبيرًا عن لحظة تاريخية مُعينة واِستثنائية، وتأتي التحديات الآن في صنع مستقبل أعدل.
هل من كلمة تودّ قولها في الأخير؟
* سيموني سيبيليو:لابدّ من إعادة التفكير بجدية في نماذج حياتنا وتطورنا، أقصد النماذج التي تتميز بالاِمتياز وعدم المساواة.

سيرة مختصرة للدكتور سيموني سيبيليو
سيموني سيبيليو، ناقد وكاتب ومُترجم وأكاديمي ومستشرق إيطالي، يُدَّرِس اللّغة والثقافة العربية في كلّ من الجامعة الدولية الحرة للدراسات الاِجتماعية وكذا في معهد الشرق كارلو أنفونسو نالينو، مترجم مختص لدى المدرسة الأوروبية للترجمة الأدبية، متحصل على الدكتوراه في الآداب المقارنة برسالة حول «ذاكرة النكبة في الآداب والسينما الفلسطينية»، أهم مراكز اِهتماماته هي الآداب العربية، العلاقة بين الشِّعر والترجمة، وسائل الإعلام والسينما العربية، المسألة الفلسطينية. تعاون سيبيليو مع الإذاعة والتلفزة الإيطالية باِعتباره خبيرا في شؤون العالم العربي خلال الجائزة الدولية للأفلام الوثائقية والتقارير المتوسطية وكذلك مع المؤتمر الدائم للوسائل السمعية والبصرية في حوض البحر الأبيض المتوسط. ترجم ونشر من العربية إلى الإيطالية مختارات من الشّعر الفلسطيني بعنوان «في عالم خال من السّماء» من إصدارات مؤسسة جيونتي فلورنسا2007. و»أغاني من أفريقيا» للشاعر محمّد الفيتوري، إصدارات سان ماركو 2005. أيضا ترجم للكثير من الشعراء العرب منهم محمود درويش، عباس بيضون، عاشور الطويبي وبعض شعراء اليمن منهم البردوني والمقالح. من أهم أعماله «ثورة الإعلام العربي الجديد»، ميلانو 2011، «الذاكرة والهوية في الأفلام الوثائقية المتوسطية»، روما 2010، «تطور الشِّعر المعاصر في اليمن»، من الأربعينات إلى يومنا هذا، روما 2010. مجموعة شعرية للشاعرة الفلسطينية فاتنة الغرة عن المنشورات السويسرية كازيو إيديتور 2011.

آخر الأخبار

Articles Side Pub
Articles Bottom Pub
جريدة النصر الإلكترونية

تأسست جريدة "النصر" في 27 نوفمبر 1908م ، وأممت في 18 سبتمبر 1963م. 
عربت جزئيا في 5 يوليو 1971م (صفحتان)، ثم تعربت كليًا في 1 يناير 1972م. كانت النصر تمتلك مطبعة منذ 1928م حتى 1990م. أصبحت جريدة يومية توزع وتطبع في جميع أنحاء الوطن، من الشرق إلى الغرب ومن الشمال إلى الجنوب.

عن النصر  اتصل بنا 

 

اتصل بنا

المنطقة الصناعية "بالما" 24 فيفري 1956
قسنطينة - الجزائر
قسم التحرير
قسم الإشهار
(+213) (0) 31 60 70 78 (+213) (0) 31 60 70 82
(+213) (0) 31 60 70 77 (+213) (0) 6 60 37 60 00
annasr.journal@gmail.com pub@annasronline.com