الاثنين 16 سبتمبر 2024 الموافق لـ 12 ربيع الأول 1446
Accueil Top Pub

الأستاذ والباحث الأكاديمي الدكتور محمّد بن ساعو للنصر

الكتابة التاريخية المحلية لم تخرج عن دائرة التأريخ للنُخب السياسية والدينية والصوفية

في هذا الحوار، يتحدث الأستاذ والباحث الأكاديمي المختص في التاريخ، الدكتور محمّد بن ساعو، عن الإصدار الجماعي الجديد «التاريخ الثقافي لمنطقة سطيف: المجال، الإنسان، التاريخ»/كتاب مشترك أنجزه مع الدكتور والأديب اليامين بن تومي. وساهم فيه مجموعة من الدكاترة والباحثين الأكاديميين. وهو محاولة جماعية لتقديم تاريخ سطيف والكشف عن عُمق هذه المنطقة وجذورها وإسهاماتها في مختلف المجالات. كما تحدث عن أهمية الدراسات المونوغرافية التي تتأتى من كونها تسمح بتركيز الجهود لجمع الوثائق والمخطوطات وتوثيق المرويات، فكلما كان مجال البحث محدداً وضيقاً –حسب الدكتور بن ساعو- كلما كانت جهود اِستنطاق الشواهد أنجع وأدق؛ ليس هذا فحسب، بل إنّ الوصول إلى أصول متنوعة والغوص في الحدث المحلي يجعل الباحث يتجاوز التعميم الّذي يعتبر واحداً من عاهات التأريخ. للإشارة الدكتور محمّد بن ساعو، باحثٌ جزائري في التاريخ، وأستاذ التاريخ الوسيط بقسم التاريخ والآثار بكلية العلوم الإنسانية والاِجتماعية-جامعة سطيف2. كما يشتغل أيضا على التاريخ الاِقتصادي في العصور الوسطى، ومهتمٌ بالفلسفة وفلسفة التاريخ وقضايا اللّغة والهوية والمنظومة التربوية.

*  حاورته/ نـوّارة لحــرش

من أبحاثه ومؤلفاته المنشورة: «الهوية والاِنتماء القومي بين التاريخ والحداثة عند قسطنطين زريق» عام 2016. «المرأة التاجرة في المغرب الإسلامي» عام 2016. «المرأة اللاجئة خلال الثورة التحريرية من خلال كتابات الألمانية اِيفه بريستسر» عام 2015. إضافةً إلى «التاريخ الثقافي لمنطقة سطيف: المجال، الإنسان، التاريخ»، -محور هذا الحوار-.

كتابكم الجماعي «التاريخ الثقافي  لمنطقة سطيف... المجال، الإنسان، التاريخ». الذي صدر في الآونة الأخيرة. هل لامس التاريخ المونوغرافي للمنطقة كما يجب؟
محمّد بن ساعو: ليس من قبيل الترف الفكري ولا من قبيل المناطقية ملامسة المواضيع التاريخية ذات البُعد المحلي، بل إنّه خوض فرضته الحاجة العلمية؛ فالحديث عن التاريخ المونوغرافي هو حديث عن مبحث رئيس من مباحث الكتابة التاريخية الحديثة. لا نقول إنّه ضرورة لأنّ الضرورة تُحيلُ إلى نوع من المركزية التي تحاول تحديد أنماط معينة في البحث، لكن المسوغ الابستمولوجي والمنهجي للتاريخ المونوغرافي مرتكز بالأساس على ضرورة الترويج له، بغية تعزيز البحث فيه ومُسايرة الحركة العلمية في هذا المجال مع فتح آفاق جديدة مرتبطة به. لسنا في مقام الدفاع عن التاريخ المنوغرافي -الّذي نمى على هامش انفتاح التاريخ على العلوم الاِجتماعية-، ولكنّنا بصدد الوقوف على تجليات هذا التاريخ الّذي يهتم بدراسة نطاق إقليمي محدد زمانا ومكانا، مشتملاً على دراسة المجال والجغرافيا التاريخية والطوبونيميا وأنماط الإنتاج وفئات المجتمع ومؤسساته... ولا ندّعي حداثة الكتابة في التاريخ المحلي، لأنّ مواضيعه لم تغب عن المدونات الوسيطية -مثلاً- سواء في العالم الإسلامي أو الغربي، حيثُ شكّل محور كتابات مستقلة، غير أنّها لم تخرج عن دائرة التأريخ للنُخب السياسية والدينية والصوفية... وإن كان هذا الاِهتمام قد تراجع مع ظهور الدول الإقليمية التي سعت لتبني التاريخ الوطني، لكن مدرسة الحوليات الفرنسية تمكّنت من إخراج التاريخ الجهوي في ثوب أكاديمي جذب إليه اِهتمام الكثير من الباحثين.
أهمية الدراسات المونوغرافية تتأتى من كونها تسمح بتركيز الجهود لجمع الوثائق وتوثيق المرويات
يبدو أنّ هناك بعض التوجه اللافت نحو التأريخ لمنطقة سطيف؟
محمّد بن ساعو: إنّ موجة التوجه نحو التأريخ للجهة وجدت الكثير من المهللين والمناصرين، وحجتهم في ذلك كون التاريخ المحلي هو إحدى الفروع المتخصصة في الدراسات التاريخية التي تشكّل قاعدة ومرتكزا للتاريخ الوطني، ونستحضر في هذا المقام ما قاله «المستر بوج» «Pugh»: أنّ «التاريخ المحلي ليس سُكراً يُوضع فوق الدواء المر ليُعطى للأطفال والذين يعافون الدواء، كما أنّه ليس صالة جمنازيوم لينمي فيها المؤرخون -الذين يبشرون بنبوغ في المستقبل- عضلاتهم، بل إنّه فرع من فروع التخصص في الدراسات التاريخية».اِنطلاقاً من هذه الرؤية، فإنّ أهمية الدراسات المونوغرافية تتأتى من كونها تسمح بتركيز الجهود لجمع الوثائق والمخطوطات وتوثيق المرويات، فكلما كان مجال البحث محدداً وضيقاً كلما كانت جهود اِستنطاق الشواهد أنجع وأدق؛ ليس هذا فحسب، بل إنّ الوصول إلى أصول متنوعة والغوص في الحدث المحلي يجعل الباحث يتجاوز التعميم الّذي يعتبر واحداً من عاهات التأريخ، ناهيك عن إبراز الوجه الحقيقي للإسهامات التاريخية التي قدّمتها الفئات الاِجتماعية التي عادةً ما يتم التغاضي عن ثقلها التاريخي ودورها في صناعة الحدث وتوجيهه. في الجزائر، اِرتبط الاِهتمام بالتاريخ المحلي أكثر مع الدخول الفرنسي، حيث برزت عدة أقلام أسهمت في التأريخ لكثير من جهات وأقاليم الجزائر، ولا يخفى أنّ الأهداف الاِستعمارية كانت الدافع الرئيس وراء ذلك، فالرؤية الاِستعمارية كانت متجهة لتعميق السيطرة على كلّ المناطق من خلال الكشف عن الخصوصيات الثقافية والاِجتماعية التي تتميز بها أقاليم الجزائر، مِما يسهل التحكم في مجالاتها، حيث سعى إلى الإحاطة بكلّ ما يتعلق بالبُنى الاِجتماعية في مختلف مناطق الوطن، والتعرف على الأُسر الكُبرى والقبائل المخزنية والمحيط الاِجتماعي؛ لأجل ذلك نشطت عديد الجمعيات في البحث التاريخي والأثري ونلاحظ أنّ الكثير من الكتابات التاريخية كانت من إنتاج عسكريين فرنسيين.
التوجه نحو التاريخ المحلي يعج بالصعوبات وتحفّه المنزلقات
ما هي أكثـر الصعوبات المُتعلقة بالتاريخ المحلي ومسألة التأريخ له؟
محمّد بن ساعو: قد يتبادر إلى البعض أنّ التوجه نحو التاريخ المحلي يخلو من العقبات الابستمولوجية والمنهجية، في حين أنّه يعج بالصعوبات وتحفّه المنزلقات؛ إذ تنكشف على هذا المستوى عديد الإشكاليات، ليس المقام سانحاً لحصرهاً، غير أنّه من الضروري الإشارة إليها، ومن ذلك على سبيل المثال إشكالية توظيف الفولكلور والشفويات في التأريخ للجهة بِمَا تحوزه -المرويات والمظاهر الفلكلورية- من بعدٍ تاريخي لكن أيضا بِمَا تتضمنه من أبعاد قيمية وأسطورية لا تاريخية. من الصعوبات المتعلقة كذلك بالتاريخ المحلي مسألة توافر المصادر أو اِختفائها من التداول، مِما يستدعي التوجه نحو قاعدة الكتابات الاِستعمارية خاصةً فيما تعلق بالجزائر، وهنا تزداد خطورة الوقوع في الفخ الكولونيالي والترويج للرؤية الاِستعمارية التي تبناها الفرنسيون الذين كتبوا في تاريخ الجهة، وهو ما يتنافى ودعوات تحرير الكتابة التاريخية من الكولونيالية. إلى جانب ذلك ينبغي أن نُشير إلى خطورة التخندق في المحلية وما يُصاحبها من طغيان النزعة الذاتية، وحينها لا يكون التاريخ المحلي مُهيئًا لما يُسمى بالتركيب في إطار إعادة بناء التاريخ الوطني والّذي يعدّ الهدف الثاني -مرحلياً- بعد اِستكمال التاريخ المحلي، إذ يُفترض أن تكون الكتابات التاريخية المهتمة بالجهة قاعدة لكتابة التاريخ الوطني بما تُوفره من مادة علمية وتراكم معرفي وتشريح عميق للظاهرة التاريخية في بُعدها المُتأصل زماناً ومكاناً. ضمن هذا التصور ووفق هذا الإطار المرجعي، وتجسيداً للامركزية البحث التاريخي، كان الاِلتفات إلى تاريخ سطيف، باِعتبارها مجالاً تميّزَ بزخم تاريخي كبير، لأنّه شاهد على محطات مفصلية ولحظات فارقة في الحركة التاريخية التي مرّت بها المنطقة خاصةً والجزائر عامة، حيث سجّلت سطيف حضورها الوازن في العصور التاريخية متكيّفةً مع الأوضاع السياسية والاِجتماعية والاِقتصادية والثقافية التي مرّت بها، فمنطقة سطيف عرفت الاِستقرار البشري منذ أقدم العصور -والاِكتشافات الأثرية تُؤكد ذلك-، وهي تحتوي على مواقع أثرية مهمة منها ما يرجع إلى فترة ما قبل التاريخ، ومنها ما يعود إلى الحقبة القديمة كمدينة جميلة الأثرية، وبعضها يعود للفترة الإسلامية. وبدخول الاِحتلال الفرنسي إلى المنطقة اِستشعر أهميتها الجغرافية والاِقتصادية والتاريخية أيضا، وهو ما اِنعكس على إستراتيجيته نحوها، فكانت من أكثر المناطق التي ركز عليها.

ما هو معروف أنّ سطيف شكلت بؤرة للثورة ضدّ الاِستعمار.
محمّد بن ساعو: لا يمكن إنكار اِرتباط جزء من تاريخ المنطقة بالوافد وبالحركات الاِستعمارية، لكن ما يجب الإشارة إليه والتأكيد عليه هو أنّ المنطقة أيضا شكلت بؤرة للثورة ضدّ الوجود الأجنبي منذ العصور القديمة، وتجسّد ذلك في محطات كثيرة، بداية من مقاومة الاِحتلال الروماني في العصر القديم وصولاً إلى نشاط الحركة الوطنية، حيثُ كانت سطيف بمثابة عاصمة للنضال الوطني، فضلاً عن اِرتباط اسمها بمجازر 08 ماي 1945 وإسهاماتها الكبيرة في الثورة التحريرية 1954-1962... وإلى جانب دورها في صناعة التاريخ فإنّ سطيف تُعتبر خزانًا كبيراً للنصوص الأدبية والتراثية، سواء باِعتبارها مسرحاً لتشكل هذا الإرث الكبير أو باِعتبارها ولادة لأقلام تركت بصمتها في الساحة الإبداعية.
الكتاب جسّد الترابط بين التاريخ وحقول معرفية وفنية مُتعدّدة
ما الدافع لإنجاز هذا الكتاب؟ وفي هذا الوقت بالذات؟
محمّد بن ساعو:  جاءت الفكرة بدعوة الباحثين المهتمين بتاريخ وتراث سطيف للمشاركة بأبحاثهم ودراساتهم في هذا العمل الجماعي، الّذي جسّد الترابط بين التاريخ بوصفه تتبّعا لنشاط الإنسان في الزمان والمكان وحقول معرفية وفنية مُتعدّدة، فكانت فكرته منفتحة على زوايا مختلفة.وكما هو معلوم فإنّ أي عمل ينبغي أن يكون مُؤسساً على رؤية منهجية وقاعدة معرفية تسهم في بلوغ المرامات، لذلك سعينا منذ البداية إلى ضبط الإشكاليات التي اِتجهت نحوها أرضية الكِتاب، مع ما تتّسم به المهمة من صعوبة، لأنّنا أمام منطقة شهدت الكثير من المتغيرات والتحوّلات عبر العصور التي مرّت بها، ما اِضطرنا إلى وضع الإشكاليات الرئيسة وبيان المحاور الكُبرى لهذا المشروع، مع ترك الحرية للباحثين في اِختيار مداخل مقارباتهم ومناهج دراساتهم، والتي حاولت في مجملها الكشف عن الموقع التاريخي لمنطقة سطيف وبيان مساهمتها النضالية والحضارية، وتتبع تشكل المجال الخاص بسطيف وتطوّر بنية المجتمع وذهنية الساكنة، ومناقشة الإشكاليات التي تطرحها المواضيع المطروقة في جوانبها المختلفة، مع الاِلتفات إلى المنجز الإبداعي والنصوص التي أنتجت في هذا الفضاء. وقد كان التجاوب مع مشروع الِكتاب الجماعي حول تاريخ سطيف كبيراً، حيث توصلنا بعدد كبير من مقترحات المشاركة والمقالات، وبعد إخضاعها للتحكيم ثمّ المراجعة والتدقيق تمّ الاِستقرار على الأعمال المتضمنة في هذا السفر، والتي جاءت مقسمة إلى محاور شملت في مجملها ثلاثية الكتاب المركبة (المجال، الإنسان، التاريخ) حاول من خلالها الأساتذة المشاركون الوقوف على مواضيع مهمة أثروا من خلالها البحث المتعلق بتاريخ سطيف وتراثها. ومن حسنات هذا الكِتاب أنّه جمع بين دفتيه باحثين ينتمون لجامعات، من مختلف ربوع الوطن، والأهم من ذلك أنّ عديد الأبحاث المندرجة ضمن هذا السفر لم تبق حبيسة الرؤية التاريخية بتلك الروح الماضوية بقدر ما حاولت الاِلتفات إلى حاضر المنطقة ومستقبلها اِستناداً على زخمها التاريخي وموروثها التراثي وموقعها الجغرافي.
ماذا يمثل لكم هذا الإنجاز الجماعي؟
محمّد بن ساعو:  لا نبالغ إذا اعتبرنا هذا المنجز الجماعي -بما يحمله من انفتاح على طروحات متعددة ومقاربات متنوعة وتوظيف لمناهج بحثية مختلفة والاِتكاء إلى مدارس فكرية وفنية معينة- بأنّه لبنة من لبنات بناء المجموعة الأكاديمية، التي تعمل على خلق سُبل التقارب والتشارك في الهم المعرفي، والتي تحاول تجسيد المعنى الحقيقي للبحث العلمي الذي يفرض الاِجتماع من أجل هدف واحد. يبقى هذا الكتاب مجرّد محاولة جماعية لتقديم تاريخ سطيف والكشف عن عُمق هذه المنطقة وجذورها وإسهاماتها في مختلف المجالات، ورغم أنّ الكتاب لا يُلقي الضوء سِوى على بعض الزوايا لكنّه دعوة لفتح مشاريع أخرى فردية كانت أو جماعية.

آخر الأخبار

Articles Side Pub
Articles Bottom Pub
جريدة النصر الإلكترونية

تأسست جريدة "النصر" في 27 نوفمبر 1908م ، وأممت في 18 سبتمبر 1963م. 
عربت جزئيا في 5 يوليو 1971م (صفحتان)، ثم تعربت كليًا في 1 يناير 1972م. كانت النصر تمتلك مطبعة منذ 1928م حتى 1990م. أصبحت جريدة يومية توزع وتطبع في جميع أنحاء الوطن، من الشرق إلى الغرب ومن الشمال إلى الجنوب.

عن النصر  اتصل بنا 

 

اتصل بنا

المنطقة الصناعية "بالما" 24 فيفري 1956
قسنطينة - الجزائر
قسم التحرير
قسم الإشهار
(+213) (0) 31 60 70 78 (+213) (0) 31 60 70 82
(+213) (0) 31 60 70 77 (+213) (0) 6 60 37 60 00
annasr.journal@gmail.com pub@annasronline.com