حرمة ترويع المسلم والإشارة إليه بالسلاح أو أي شيء قاتل
لم يكتف الإسلام بالنهي عن قتل الأنفس أو الاعتداء الحسي عليها بغير وجه حق كما في قوله تعالى : ((وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ))؛ بل بلغ من العناية بها وتعظيم حرمتها مبلغ النهي عن التلويح بهذا الأذى ولو كان مزاحا؛ لأنه ترويع للآمنين بغير حق وذريعة لإلحاق الأذى الحسي الحقيقي بهم.
فجاء في حديث صحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه ) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يشيرُ أحدكم على أخيه بالسلاح، فإنه لا يدري لعل الشيطان ينزع في يده، فيقع في حفرة من النار) متفق عليه، وفي رواية لمسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من أشار إلى أخيه بحديدةٍ فإن الملائكة تلعنُه حتى يدعَها، وإن كان أخاه لأبيه وأمه).
ففي هذين الحديثين نهي صريح يفيد التحريم عن التلويح للمسلم بكل سلاح يقتل عادة؛ سواء قصد قتله أو لم يقصد إلا المزاح واللعب؛ فالإشارة وحدها كافية لإدخال الروع إلى قلبه لاحتمال أن ينقلب الهزل إلى جد والإشارة إلى رمي بفعل خلل أو سهو و خطأ أو طارئ يطرأ فجأة يقضي بموجبه المسلم على نفس أخيه المسلم بغير وجه حق، ويزداد الخطأ إذا لوح المسلم بالسلاح لصغير لم يبلغ الحلم ولم يعرف بعد الجد من الهزل؛ حيث تبدو للطفل كل سلوكات الغير معه جادة وهو ما يجعله يعيش لحظة رعب يبقى أثرها في نفسه لأمد طويل، ويحرم التلويح بالسلاح والإشارة به سواء كان من شخص واحد نحو الآخر أو كان من كليهما ما لم يكن ضربا من التدريب على حمل السلاح واستعماله أو مبارزة مشروعة، لأن الإشارة من شخصين أكثر خطرا ولهذا علل ابن حجر النهي الوارد في الحديث بقوله: (المراد أنه يغري [الشيطان] بينهم حتى يضرب أحدهما الآخر بسلاحه، فيحقق الشيطان ضربته له». وقال النوويّ في شرح على صحيح مسلم: (هذا مبالغة في إيضاح عُموم النهي في كلِّ أحدٍ، سواء من يُتَّهم فيه ومن لا يتَّهم، وسواء كان هذا هزلاً ولعبًا أم لا؛ لأن ترويعَ المسلم حرامٌ بكلِّ حال ولأنه قد يسبقه السلاح ..)
وقد رأى العلماء أن النهي النبوي يشمل كل إشارة بآلة أو سلاح أو أي شيء يقتل عادة ومن صور ذلك: الإشارة بالبندقية أو بالسكين أو النبال أو الرماح أو الترويع بالسيارة أو بالكلاب أو الكهرباء وغيرها أو الإيهام بالتغريق أو الرمي من شاهق؛ فكل هذه الأفعال مظنة حدوث آثارها القاتلة الهالكة فكان النهي عنها.
ع/خ
الدين معقول نقل الكون
ما الفرق بين تعقل الخالق والدين منذ ألف سنة والآن، تأمل معي هذه الصياغة الجميلة في كتب الأولين تقول:—تقدير صانع قديم لا يقدر على تعريف العقلاء بنفسه مستحيل— ونختار معنيين لهذه الصياغة المحكمة التي تبدو صعبة ولكنها عميقة وكثيفة المعاني
الأول: إن الله خلق العقل وجعل الكون والشرع والنبوة من المعقولات بها نتعرف عليه وهذا معنى قولنا الكون وحي منظور والقرآن وحي مسطور، فالوحي معقول والكون معقول والحياة الإنسانية بتعقيداتها معقولة والخير معقول والشر معقول والحياة معقولة والموت معقول، والمعقولات من شانها الوضوح والبداهة والقدرة على نيلها وفهمها
الثاني: وهو موجه لفئة من الناس يفتعلون عدم التعقل للدين باعتبار أن مكانه الإيمان والقلب واللامعقول، ولهذا يسمحون لأنفسهم باتهام نصوص الدين بل وظاهرة الوحي والغيب باللاعقلانية، والله مراده أن نتعرفه وان نتعقله عبر الزمن إلي يوم نهاية الكون متوسلين بكل معطيات العلم و آلات البحث ولذا فان كل جيل معرفي زمني جديد له القدرة على تعقل الله والكون والوحي والشرع بنوعية وكمية أزيد وأكثف من الجيل الذي سبقه واستبق فكرة سيئة وأقول إن زيادة التعقل كزيادة الإيمان فكما أن حقائق الإيمان وموضوعاته واحدة عبر الأجيال لا تتغير إلا آن عمقها في القلب وأثرها في العمل والسلوك يزيد وينقص كذلك قضية التعقل لا تغير طبيعة الموضوعات كما يخطئ الحداثيون في فهمها بل تحتفظ بها لأنها عين العقل وتجد لها تماهيا جديدا وشواهد خارقة و تمظهرا ساميا وقوة في الوضوح ولو كانت في عناصر النانو المتناهية الصغر.
العفو و التسامح في انتظار يوم الحساب
هناك من يخرج من بيته وهو مهيء نفسَه للشجار والخصومة، لا للعفو والتسامح، يحسب ذلك شجاعة وقوة، قد اتخذ النّاسَ كلّهم أعداء له، قد حُرِم وجهُه من الابتسامة، ولسانُه من الكلمة الطيبة، وقلبُه من المحبة، أين مثل هؤلاء من التوجيهات النبوية: (الْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ) و(الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ لَا يَظْلِمُهُ وَلَا يُسْلِمُهُ) و(الْمُؤْمِنُ آلِفٌ مَأْلُوفٌ وَلا خَيْرَ فِيمَنْ لا يَأْلَفُ وَلا يُؤْلَفُ)، والشخص (سواء أكان رجلا أو امرأة) يُعرف بأخلاقه ومبادئه ومواقفه. وعندما ترى حجم الجرائم التي يرتكبها الناس ضد بعضهم البعض، وعندما ترى كثرة الظلم الواقع على الضعفاء والمغلوبين أفرادا وجماعات وشعوبا، وعندما ترى عجز المظلوم عن استيفاء حقه من الظالم، وعدم وجود من ينصر الضعيف وينصفه، والأرواح التي تُزهق ظلما وعدوانا، .... تدرك حكمة الخالق سبحانه وتعالى في إقامة الحساب والجزاء للناس جميعا يوم القيامة، قال تعالى: (ثم إنكم يوم القيامة عند ربكم تختصمون) الزمر:31
عبد الفتاح مورو
مالك بن نبي ذهب ضحية سبقه لعصره وعجزه عن التحشيد
لقد كان مالك بن نبي اكتشافا بالنسبة إلينا؛ اكتشفناه في ملتقيات الفكر الإسلامي؛ وجدنا فيه شخصية جذابة لها فكر أعاد إلينا فكر ابن خلدون لكنه معدل على واقع القرتن العشرين، هو مكسب للفكر الإسلامي؛ لكنه ذهب ضحية تواضعه وعدم تكوينه لمجموعة من حوله، كان مفكرا يطرح أفكارا حول الحضارة، والنهضة وكيفية قيام الأمة، فقد ذهب ضحية أمرين: ضحية فكره التقدمي؛ لأن هؤلاء المفكرين الذين ينظرون بعيدا ويسبقون عصرهم يستهزأ بهم لا يتحملهم الناس ويوجدون أنفسهم غرباء في أوطانهم، وقضية الغربة أكبر عذاب للشخص؛ أن يوجد في قوم لا يفهمونه؛ مالك بن نبي كان سابقا لعصره لم يفهمه الناس كما لم يفهموا ابن خلدون، والأمر الثاني أنه لم يكن قادرا على التنظيم والتحشيد وقضية التحشيد هي التي تبقي الفكر، وكثير من علماء الأمة ماتوا ولم يتركوا أثرا يذكروا مثل الطبري لا أحد يدين الله على مذهبه لأنه لم يكن له تلاميذ يتحملون عنه، فمالك بن نبي عزل عمن حوله.
ما حكم التيمم ؟
التيمم هو الطهارة البديلة عن الوضوء أو الغسل لدى فقد الماء، أو عدم القدرة على استعماله، أو لدى السفر المباح الذي هو مظنة فقد الماء، وهو طهارة ترابية تشتمل على مسح الوجه واليدين، وقد اختلف الجمهور في مسألتين منها: المسألة الأولى: هل ينقضها إرادة صلاة أخرى مفروضة غير التي تيمم لها ؟ المسألة الثانية: هل ينقضها وجود الماء أم لا ؟ فمنهم من قال: ينقضها إرادة صلاة أخرى مفروضة، يعني لا يصَلَّى بها فرضان، وممن رأى ذلك الإمام مالك رحمه الله في مشهور قوله حيث قال: لا يستباح بها صلاتان مفروضتان، وروى عنه ابن وهب أن للمريض أن يصلي عدة صلوات مفروضة بتيمم واحد، وضعّف هذا القولَ أصحابُه المعتمَدُون في النقل عنه كابن القاسم وأشهب. ومنهم من ذهب إلى أنها لا تنقضها إرادة صلاة أخرى مفروضة غير التي تيمم لها، وممن قال بذلك الإمام أبو حنيفة رحمه الله، فقد تلقى أصحابه عنه قوله: إنه يجوز الجمع بين صلوات مفروضة بتيمم واحد. وسبب اختلافهم هذا اختلافهم في سياق آية الوضوء، هل هناك محذوف مقدر، أعني إذا قمتم من النوم أو قمتم محدثين، أم ليس هناك محذوف ؟ فمن رأى الحذف فهم أن كلا من الوضوء والتيمم رافع للصلاة ورافع للحدث، وعليه فكما يصلي بالوضوء الواحد عدة صلوات مفروضة حتى يطرأ مانع الحدث، فكذلك التيمم. ومن رأى أن لا حذف قال: الأصل الوضوء عند القيام لكل صلاة، لكن السنة خصصت نقض الوضوء بطروء الحدث، فبقي التيمم على أصله، وهو تجديده عند القيام لكل صلاة. وما قلناه في أحكام هذه الطهارة عند القيام لكل صلاة يقال في مسألة وجود الماء، فمن قال: إن وجود الماء ينقضها، قال هي رافعة للحدث ولا ينقضها إلا وجود الماء، ومن قال: لا ترفع الحدث وإنما تبيح الصلاة للضرورة اقتصر بها على الصلاة الواحدة، ثم يرجع المنع ولا يرتفع إلا بتجديدها عند إرادة صلاة أخرى، وهذه أيضا مستفادة من آية «فلم تجدوا ماء».
ما هي الأعذار المبيحة للتيمم ؟
الأعذار المبيحة للتيمم هي: المرض المانع من استعمال الماء حقيقة أو حكما، كالصحيح الذي يتضرر من استعمال الماء بتجربة أو إخبار طبيب. والسفر المباح بعد طلب الماء طلبا لا يشق به. والخائف من سبع أو لص ونحوهما إن ذهب إلى جلب الماء. والحاضر الصحيح الفاقد للماء ولم يوجد الماء حتى أحرم بالصلاة، لأنه إذا حضر الماء بعد ما تيمم للصلاة ولم يحرم بها بطل تيممه، وقد سيق مساق الأمثال قولهم: ((حضور الماء قبل الصلاة يبطل التيمم)). أو كما قالوا. فهؤلاء ذوو أعذار يسوغ لهم التيمم، وكما يُبطِل التيممَ وجودُ الماء قبل الصلاة، فكذلك الأحداث التي تبطل الوضوء كالبول وكالريح واللمس للذة وغيرها، وعليه كما يبطل الوضوء يبطل التيمم، ويزاد عليه وجود الماء قبل الصلاة.
ماهي أعضاء التيمم ؟
أعضاء التيمم هي اثنان: الوجه واليدان، واليد هي العضو الذي يحتوي على الكف والأصابع، وحد اليد من المعصم الذي يحده الكوعان وهما العظمان الناتئان في طرفي المعصم الذي يفصل الكف عن الذراع. وأما الذراع - وهو داخل في حد المسح - فهو ماعدا المعصم إلى المرفق الذي يفصل الذراع عن الساعد، ثم إن اليد لغة هي اسم مشترك على ثلاثة أعضاء، منها الكف فقط، ومنها الكف والذراع، ومنها الكف والساعد والعضد، وأظهرها استعمالا الكف فقط، فعلى هذا اليد حقيقة في الكف فقط بدليل إطلاقها في آية حد السرقة، إذ يقول سبحانه وتعالى: «والسارق والسارقة فأقطعوا أيديهما»، فقد ذكر ابن رشد في البداية أن الذي اتفق عليه الجمهور أن القطع المذكور هو إلى الكوع، فكذا آية التيمم: «فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه»، وقد جاءت اليد مقيدة في آية الوضوء، إذ يقول تعالى: «فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق»(3)، فمن هنا كانت اليد حقيقة في الكف مجازا فيما عداه.
وزارة الشؤون الدينية.
إعداد: د .عبد الرحمان خلفة