يحي المسلمون في شتى أرجاء الأرض هذا الأسبوع عيد الأضحى المبارك، استصحابا لسنة الخليل إبراهيم عليه السلام وإحياء لشعيرة إسلامية عزيزة أكد عليها الرسول صلى الله عليه وسلم، وقد شُرعت في هذا العيد سنن وآداب كثيرة تحمل كل سنة منها معاني سامية ومقاصد جمة تصب في تقوية الصلة بالله تعالى وتمتين الروابط الاجتماعية والإنسانية وحفظ كليات الشريعة ومقاصدها.
ففي يوم العيد تسن الصلاة في المساجد يحضرها الكبير والصغير، الرجال والنساء، بلباس جديد نظيف جميل، وأبدان متوضئة طاهرة، ونفوس تائبة مبتهجة، وألسنة ذاكرة مكبرة لله تعالى مستحضرة عظمته وجلاله، ما يعمق الصلة بالله تعالى واجتماع كلمة المسلمين ووحدتهم، لاسيما وأنها تختم بالتهاني.
كما تسن الأضحية وهي سنة مؤكدة في حق القادر عليها، وهي ليست مجرد إراقة لدماء الأنعام واكلا للحوم وإن كان هذا مشروعا لكنها بالأساس توجه لله تعالى وإعلان التوبة الخالصة والاستعداد للتضحية بالغالي والنفيس في سبيل الله تعالى بإخلاص وتقوى طواعية لا كرها؛ على غرار ما يفعل حجاج بيت الله تعالى الحرام، حيث قال الله تعالى: ((لَن يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِن يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنكُمْ كَذَلكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ))، ولما كانت شعيرة ليست مقصودة لذاتها فقد استحبت الصدقة من لحوم الأضحية والهبة منها التماسا للأجر.
كما أن الأضحية بالأنعام تحمل أبعادا غائية من حيث كونها تؤكد حرمة النفس البشرية وفدائها فقد فدى الله تعالى إسماعيل وأنجاه من الذبح بذبح عظيم، وهي دلالة عظيمة لمن يفهم مقصدها حيث أوقف بذلك عهد القرابين البشرية، من جهة وإشارة إلى وقف قتل النفوس بغير حق لأنها أعظم وأجل من أن تراق دماؤها دون سبب.
فقتل الناس دون سبب شرعي أو مشروع يخالف أحكام الإسلام وسنن الله تعالى في المجتمعات ولا مبرر لمن يقدم على فعل ذلك من شرع أو عقل أو أخلاق أو أعراف. فالإسلام بريئ من الحروب التي أعلنت باسمه دون وجه حق والله تعالى لا يقبل تضحية بتلك النفوس في سبيل أمر لم يأمر به.
ع/خ
رحيل الأستاذين الدكتورين نور الدين ميساوي و العربي بن الشيخ
الجزائر تفقد عالمين من علمائها
ودعت الجزائر في غضون الأسبوع الماضي عالمين من علمائها وأستاذين كبيرين في العلوم الإسلامية بجامعة الأمير عبد القادر بقسنطينة وجامعة باتنة بعد عقود قضوها في التعلم والتعليم والإشراف ما ترك فراغا كبيرا وشكل أسى في نفوس زملائهما وطلابهما الذين طالما نهلوا من علمهما وأخلاقهما وآدابهما، أولهما الأستاذ الدكتور في معهد العلوم الإسلامية أستاذي عام 1987 العربي بن الشيخ رحمه الله والذي جمعني الله به فيما بعد زميلا في حقل التعليم الجامعي وبحمد الله تعالى لا أفتأ أناديه بأستاذي رحمه الله وأسكنه فسيح جناته .
وثانيهما أخي الحبيب شقيق القلب وتؤم الروح زميل الدراسة ورفيق الدرب في الغربة الأستاذ الدكتور نور الدين ميساوي بديار الشام زمن التسعينيات.
عرفته طالب علم مجد دمث الخلق كريم المعدن وطيب المعشر يؤلف بسرعة آلف مألوف، عرفته بداية التسعينيات عن قرب حيث سكن معي في بيتي في قاسيون بدمشق فترة لابأس بها لم أر منه سوءا متعاونا لا تغادر النكتة والدعابة حياته دائم الابتسامة، سافرت معه مسافات طويلة من دمشق إلى حلب لا يسأم ولا يضجر، لم أره قط يوما غاضبا من إخوانه، جال وصال من مسيرته في حفظ كتاب الله في زوايا الجزائر إلى سورية إلى العراق، حيث تتلمذ على أكابر علماء الشام والعراق، ثم استقر به المقام في الأردن حيث تحصل على شهادة الدكتوراه، مما يزين خلق أخي نور الدين التواضع الجم لا يباهي بعلم ولا يتاجر بفقهه ولا يتزلف بما حباه من علم لأحد لينال قربى أو حظوة، لا يبيع دينه بعرض من الدنيا قليل زاهد في الدنيا، افترقنا منتصف التسعينيات حيث توجهت إلى اليمن، وتوجه بعدي إلى العراق راسلني مرارا وأنا في اليمن ليلتحق بنا للتدريس؛ ولكن أغلق الباب أمام أساتذة العلوم الإسلامية في اليمن لاستغنائهم عن الأشقاء وإحلال العمالة اليمنية محل الأشقاء؛ فاعتذرت إليه وتأسفت على عدم استطاعتي خدمته؛ ثم شاء الله أن التحق بجامعة الأمير عبد القادر مدرسا لأجده؛ قد سبقني في التدريس فكانت سمعته لامعة لمعان الشهاب الثاقب في الأفاق محبوبا عند طلابه متفانيا في أداء عمله ولو كان على حساب صحته ووقته، جمعني الله به في ميادين شتى من التدريس إلى المشاركات العلمية في الملتقيات والندوات والمناقشات، والاجتماعات في اللجان العلمية والمجلس العلمي لكلية الشريعة والاقتصاد، كما رافقنا طلابنا في رحلتين الأولى إلى غرداية والثانية إلى جامعة جيجل؛كم كان ودودا كريما خلوقا متبسما يحظى باحترام الجميع إدارة وزملاء وطلاب إلى أن لقي ربه اللهم اغفر له وارحمه واكتبه في عداد الشهداء والصديقين والنبيين والصديقين وحسن أولائك رفيقا.
أخي الدكتور نور الدين مدرسة في الصبر والكرم زرته قبل حوالي ثلاثة أشهر بمعية أخي العزيز الدكتور عبد العزيز بن السايب وابني أيمن ومعاذ والحمد لله أنني أطلت عنده المقام فترة صباحية بأكملها رغم ما كان يعانيه من ألم ومرض إلا أنه لم ينبس ببنت شفة شاكيا أو مضجرا، ولا شاكيا لا يزيد عن قوله الحمد لله مستورة، أو يتنهد قائلا يا خفي الألطاف نجينا مما نخاف.
دول عربية تمنع صلاة العيد
قررت بعض الدول العربية تعطيل صلاة العيد في المساجد هذه المرة بتعلة الوباء والإجراءات الصحية، واستنادا لوسائط إعلامية فقد اتخذت اللجنة العليا المكلفة ببحث آلية التعامل مع التطورات الناتجة عن انتشار فيروس كورونا في سلطنة عمان قرارا بعدم إقامة صلاة العيد وأسواق العيد التقليدية (الهبطات)، ومنع التجمعات بكافة أنواعها في مختلف المواقع، بما فيها الشواطئ والمتنزهات والحدائق العامة، خلال أيام عيد الفِطرِ المبارك، وتشمل تجمعات العوائل وتجمعات المعايدة والاحتفالات الجماعية بالعيد.، كما قالت وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية المغربية أمس الأول الخميس، «إنه تقرر في ظل التدابير الاحترازية من عدوى الوباء عدم إقامة صلاة عيد الأضحى، سواء في المصليات أو المساجد نظرا للتوافد الذي يتم عادة في هذه المناسبة، ونظرا لصعوبة توفير شروط التباعد». وأضافت: «حيث إن المساجد مفتوحة والحمد لله، للصلوات الخمس وصلاة الجمعة، فإن هذا الإجراء بخصوص صلاة العيد يتعلق بسنة يجوز القيام بها داخل المنازل». وأكدت الوزارة أن هذا الإجراء إنما يرجى منه ما هو مقدم شرعا من حفظ صحة الأبدان».
العشر الأوائل من ذي الحجة وفضل صيام عرفة
من أفضل أنواع الذكر في هذه الأيام المباركة من شهر ذي الحجة التكبير، لقول الله تعالى: (ليشهدوا منافع لهم ويذكروا اسم الله في أيام معلومات)، وهي أيام العشر، وذكر البخاري تعليقاً عن ابن عمر وأبي هريرة رضي الله عنهما: (أنهما كانا يخرجان إلى السوق أيام العشر فيكبران ويكبر الناس بتكبيرهما)، وكان عمر بن الخطاب وابنه عبد الله رضي الله عنهما يكبران في أيام منى في المسجد وفي الخيمة ويرفعان أصواتهما بذلك حتى ترتج منى تكبيراً، وفي المسند عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه قال: (ما من أيام أعظم عند الله ولا أحب إليه العمل فيهن من هذه الأيام العشر، فأكثروا فيهن من التهليل والتكبير والتحميد).
ويبدأ التكبير مع بداية رؤية هلال ذي الحجة، وينتهي بانتهاء آخر أيام التشريق، ويمكن ترديده في أي وقت وفي أي مكان.
وفي رواية أن الرسول صلى عليه الصلاة والسلام قال “ما من أيام العمل الصالح فيها أفضل منه في هذه العشر ـ يعني العشر الأوائل من ذي الحجة ـ قالوا: ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: ولا الجهاد في سبيل الله إلا رجل خرج بنفسه وماله ثم لم يرجع من ذلك بشيء”
ويسن صيام يوم عرفة، ففي صحيح مسلم: “صيام يوم عرفة، أحتَسِب على الله أن يكفِّر السنة التي قبله والسنة التي بعده، وصيام يوم عاشوراء أحتسب على الله أن يكفِّر السنة التي قبله”
كما ينبغي الحرص في هذه الأيام المباركات على تعزيز العلاقات الاجتماعية الإسلامية البينية وصلة الرحم والانتهاء عن كل ما من شأنه تشويش العلاقات وقطعها، من ظلم وحسد وشحناء ومنافسة غير شريفة واحتقار المسلم لأخيه المسلم، وقد لخص النبي صلى الله عليه وسلم الإسلام في جانبه الاجتماعي في كلمات معدودة، ويضع أسسًا وقواعد للسلوك والعلاقات الاجتماعية، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:لَا تَحَاسَدُوا، وَلَا تَنَاجَشُوا، وَلَا تَبَاغَضُوا، وَلَا تَدَابَرُوا، وَلَا يَبِعْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَيْعِ بَعْضٍ، وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إخْوَانًا، الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ، لَا يَظْلِمُهُ، وَلَا يَخْذُلُهُ، وَلَا يَكْذِبُهُ، وَلَا يَحْقِرُهُ، التَّقْوَى هَا هُنَا، وَيُشِيرُ إلَى صَدْرِهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، بِحَسْبِ امْرِئٍ مِنْ الشَّرِّ أَنْ يَحْقِرَ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ، كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ: دَمُهُ وَمَالُهُ وَعِرْضُهُ) رَوَاهُ مُسْلِم وفي رواية عن ابن عمر رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (المُسْلِمُ أَخُو المُسْلِمِ لاَ يَظْلِمُهُ وَلاَ يُسْلِمُهُ، وَمَنْ كَانَ فِي حَاجَةِ أَخِيهِ كَانَ اللَّهُ فِي حَاجَتِهِ، وَمَنْ فَرَّجَ عَنْ مُسْلِمٍ كُرْبَةً، فَرَّجَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرُبَاتِ يَوْمِ القِيَامَةِ، وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ يَوْمَ القِيَامَة) رواه البخاري ومسلم
فتاوى
حكم إخراج قيمة الأضحية؟
أجمع جمهور الفقهاء على أنه لا يجوز استبدال الصدقة بالأضحية؛ وهناك رواية ضعيفة في مذهب الإمام مالك تقول بالجواز، ولكن جمهور الفقهاء على تضعيفها، والمرجح عند الفقهاء أنه لا يجوز إخراج قيمة الأضحية للفقراء بدلا من الذبح لأن هذا سيؤدي إلى زوال هذه الشعيرة..
يقول الشيخ محمد حسنين مخلوف:
الذي أراه الأخذ بقول الجمهور عدم جواز استبدال الصدقة بالأضحية؛ والصدقة لا تجزئ عن الأضحية لقوة دليله وضعف الرواية المذكورة عن مالك؛ ولأن فتح باب التصدق بأثمان الأضاحي سيؤدى حتمًا على توالى الأيام إلى ترك الناس هذه الشعيرة الدينية والإخلال بالتعبد بها وبالتأسي برسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم في فعلها والإخلال بحكمة تشريعها كما سيؤدى في المستقبل وفى الظروف العادية إلى كساد أثمان الأضاحي كسادًا فاحشًا يضر المنتجين وكثيرًا من التجار .أهـ
ويقول الشيخ جعفر الطلحاوي :
أولا: لا يجوز إخراج قيمة الأضحية أو جزء منها نقدا للفقراء، إذ الأصل في مشروعية كل من الأضحية والهدي والعقيقة، إراقة الدم، قال تعالى: (لَن يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِن يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنكُمْ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ) الحج 37 .
ثانيا: من أخرج قيمة الأضحية أو جزءا من ثمنها نقدا إلى الفقراء، كانت صدقة من الصدقات، وعليه فلا تعتبر أضحية ولا يعتبر من فعل ذلك مضحيا.
ثالثا : إذا قدمت ثمن الأضحية لجهة من الجهات الخيرية، كجمعية أو مؤسسة لتكون وكيلة عن المسلم في ذبح الأضحية في بلده أو في أي بلد آخر من بلدان المسلمين يصيب منها الفقراء والمساكين، في هذه الصورة فقط، وبنية الأضحية يكون مضحيا، وإن لم يباشر الذبح بنفسه
د. موسى عبد اللاوي